
في كلّ حوادث التاريخ يبقى بعضُ الناس في المؤخّرة ، لأنّهم يحتاطون فيقفون بعيداً عن الأحداث لئلاّ يُصيبهم شررٌ أو أثارة من سوء.
لكن ليس مصير المتأخّرين دائماً النجاة والسلامة وإنْ بقوا بعيدين عن الإصابات ، فهم ليسوا بمنجاة من الحسابات ، حسابات التأريخ والضمير والواقع.
وهكذا كان شأن الّذين تخلّفوا عن اللحوق بالحسين (عليه السّلام) سواء في مسيره إلى أرض كربلاء ، أو في سيرته على أهداف كربلاء ، وخاصّةً اُولئك الّذين كانت تمدّ إليهم الأعناق ، باعتبارهم حاملين للنصوص الفاصلة لكلّ نزاع ، التي هي وصايا النبيّ وسُنّته (صلّى الله عليه وآله) ، وهم صحابته وحاملو آرائه.
ولكن هؤلاء الّذين لم يلحقوا الفتح بتخلفّهم عن وجهة الحسين (عليه السّلام) في المسير والسيرة وجدوا أنفسهم بعد الحسين (عليه السّلام) بين مخالب القتلة وزهوهم بعد المذبحة التي ارتكبوها بحقّ الثائرين.
ومهما فرضنا لهؤلاء المتخلّفين من البساطة ، وأنّهم لم يكونوا يتصوّرون أن الدولة الإسلاميّة تُقدِمَ على قتل جمع من خيرة رجال المسلمين ، وفي مجموعتهم كوكبة من آل محمّد ، وعلى رأسهم الحسين ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! وأنّهم فوجئوا بذلك فأُسقط في أيديهم!
لكنَّ بُعْدَهم عن مجريات الأحداث إلى الحدّ الذي يؤدّي بهم إلى هذه السذاجة ، وتخلّفهم عن ركب الدفاع عن حياض الإسلام ، والالتحاق بالوحيد المتبقّى من سلالة محمّد (صلّى الله عليه وآله) هو في نفسه يشكّل نقطة محاسبة عسيرة.
وكفاهم ذُلاً ومهانة أنْ يحضروا مجلس الحكّام القتلة ليُشاهدوا بأعينهم ما يجري على رأس الحسين ـ ذلك الرأس الذي رأته أعينهم ذاتها على صدر الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وعلى عاتقه وفي حجره! ـ لكن في حالة أُخرى ، وبالضبط كما يروونها هم :
فهذا أنس بن مالك :
لمّا قُتل الحسين جيء برأسه إلى عبيد الله ابن زياد ، فجعل ينكث بقضيب على ثناياه ، وقال : إن كان لحسن الثغر!
فقلتُ : أما والله لأسوءنّك ، لقد رأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقبّل موضع قضيبك من فيه (1).
وهل كان أنس ـ وهو خادم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ جريئاً حتّى يتمكّن من مواجهة ابن زياد بهذا؟!
ولماذا لم يُحاول أن يُسيئ إلى ابن زياد قبل أن يضرب ثنايا الحسين (عليه السّلام)؟! بل قبل أن يقتل الحسين (عليه السّلام)؟!
ألم يكن عبيد الله مجرماً ومستحقّاً للإساءة قبل هذا؟!
ثمّ ماذا يفعل أنس في مجلس عبيد الله في مثل هذا الوقت؟!
وهل رأى أنس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يفعل ذلك فقط بسبطه الحسين (عليه السّلام) دون غيره من أفعال فعلها بالحسين ، وأقوال قالها في الحسين (عليه السّلام) هذا وهو خادم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ملازم له على باب داره!
ثم ـ أخيراً ـ لماذا لم يُحاول أن يُبرز هذا الذي رآه يفعله الرسول (صلّى الله عليه وآله) بسبطه الحسين (عليه السّلام) قبل هذا المجلس حتّى لا يصل الأمر إلى هذه الحال؟!
وهذا زيد بن أرقم :
قال : كنت عند عبيد الله بن زياد لعنه الله ، إذ أُتي برأس الحسين بن عليّ ، فوضع في طست بين يديْه ، فأخذ قضيباً فجعل يفتر به عن شفتيه ، وعن أسنانه!
فلم أرَ ثغراً قطّ كان أحسن منه! كأنّه الدرّ! فلم أتمالك أن رفعتُ صوتي بالبكاء.
فقال : ما يُبكيك أيّها الشيخ؟
قلت : يُبكيني ما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمصّ موضع هذا القضيب ويلثمه ، ويقول : «الّلهمّ إنّي أُحبُّه فأحبَّه» (2).
وفي نصٍّ آخر أنّ ابن زياد قال لزيد : إنّك شيخ قد خرفتَ وذهب عقلك!
والذي يستوقف الناظر : ماذا كان يفعل هذا الصحابي الشيخ في مجلس عبيدالله داخل القصر في مثل هذه الأيّام؟!
هل كان يجهل أنّ النّاسَ في الكوفة قد ذهبوا لقتال الحسين (عليه السّلام)؟! فهو إذاً قد خرف حقّاً!
ثمّ أين كان حماسُهُ هذا قبل أن يُؤتى برأس الحسين (عليه السّلام)؟!
ولماذا لم يرو قبل هذا ما رواه بعد هذا المجلس لمّا :
خرج زيد بن أرقم من عنده ـ يعني ابن زياد ـ يوْمئذ وهو يقول : أما والله ، لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «الّلهمّ إنّي استودعكه وصالح المؤمنين»؟! فكيف حفظكم لوديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (3)؟!
لكن كيف كان حفظُك أنت يا صحابي لوديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أسلمتَه وحدَه في كربلاء ، يُذْبَح هو وأهل بيته وشيعته وأنت تنادم ابن زياد؟!
ولكن هذه المواقف المتأخّرة هل تَسُدُّ شيئاً ممّا أُصيب به الإسلام من الثلمات؟! أو تردّ على الأُمّة ما فقدوه من الرجالات؟!
ولو وقفوا هذه المواقف قبل قتل الحسين (عليه السّلام) لكانت أشرفَ لهم ، وأنفع للأُمّة.
ولو ساروا بعد ذلك بسيرة الحسين (عليه السّلام) لكان أعذرَ لهم ، وأخلد لذكرهم.
أمّا لو ضيّع الصحابة وديعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وهم «السلف» المخاطبون بحفظها مباشرة! فما هو عتابه على البُعداء التابعين لهم في دينهم وعقيدتهم وهم «الخلف» الّذين يستنّنون بسُنّتهم؟!
قال ابن عبّاس : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيما يرى النائم بنصف النهار أغبر ، أشعث ، وبيده قارورة فيها دم.
فقلت : بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله! ما هذا؟
قال : «هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل منذ اليوم ألتقطه».
فأُحصي ذلك اليوم فوجدوه قُتل يومئذ.
واُمّ سلمة زوجة الرسول ، المتّقية ، المحبّة لأهل بيته ، الحنون على الحسين ، والتي لها ذكر مكرّر في سيرة الحسين (عليه السّلام) ، قد أفزعها المنام كذلك هي الأُخرى :
عن سلمى قالت : دخلت على اُمّ سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك؟
قالت : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ، ما لك؟!
قال : «شهدتُ قتل الحسين آنفاً» (4).
فمنها : بكاء السماء دماً :
قال ابن سيرين : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريّا إلاّ على الحسين بن عليّ (عليه السّلام) (5).
قالت نصرة الأزدية : لمّا أن قُتل الحسين بن عليّ مطرت السماء دماً فأصبحت وكلّ شيء لنا ملآن دماً.
وقالت امرأة : كُنّا زماناً بعد مقتل الحسين ، وإنّ الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدران بالغداة والعشيّ.
قالت : كانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجدوا تحته دماً.
ومنها ظلمة السماء :
قال خليفة : لمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) اسودّت السماء وظهرت الكواكب نهاراً حتّى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر .
قال عيسى بن الحارث الكندي : لمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) مكثنا سبعة أيّام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً .
قال أبو قبيل : لمّا قُتل الحسين بن عليّ (عليه السّلام) كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي .
قالت أُمّ حبّان : يوم قتل الحسين (عليه السّلام) اظلمّت علينا ثلاثاً ، ولم يمسّ أحدٌ من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلاّ احترق ، ولم يقلب حجرٌ ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دمٌ عبيط.
وقد اعترف ببعض هذه الأحداث حكّام بني أُمّية :
قال معمر : أوّل ما عُرف الزهريّ تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قُتلَ الحسين بن عليّ؟
فقال الزهري : بلغني أنّه لم يقلب حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط.
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 151.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 152.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 152.
4- مختصر ابن منظور 7 / 152.
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 149.
6- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 149.
لكن ليس مصير المتأخّرين دائماً النجاة والسلامة وإنْ بقوا بعيدين عن الإصابات ، فهم ليسوا بمنجاة من الحسابات ، حسابات التأريخ والضمير والواقع.
وهكذا كان شأن الّذين تخلّفوا عن اللحوق بالحسين (عليه السّلام) سواء في مسيره إلى أرض كربلاء ، أو في سيرته على أهداف كربلاء ، وخاصّةً اُولئك الّذين كانت تمدّ إليهم الأعناق ، باعتبارهم حاملين للنصوص الفاصلة لكلّ نزاع ، التي هي وصايا النبيّ وسُنّته (صلّى الله عليه وآله) ، وهم صحابته وحاملو آرائه.
ولكن هؤلاء الّذين لم يلحقوا الفتح بتخلفّهم عن وجهة الحسين (عليه السّلام) في المسير والسيرة وجدوا أنفسهم بعد الحسين (عليه السّلام) بين مخالب القتلة وزهوهم بعد المذبحة التي ارتكبوها بحقّ الثائرين.
ومهما فرضنا لهؤلاء المتخلّفين من البساطة ، وأنّهم لم يكونوا يتصوّرون أن الدولة الإسلاميّة تُقدِمَ على قتل جمع من خيرة رجال المسلمين ، وفي مجموعتهم كوكبة من آل محمّد ، وعلى رأسهم الحسين ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! وأنّهم فوجئوا بذلك فأُسقط في أيديهم!
لكنَّ بُعْدَهم عن مجريات الأحداث إلى الحدّ الذي يؤدّي بهم إلى هذه السذاجة ، وتخلّفهم عن ركب الدفاع عن حياض الإسلام ، والالتحاق بالوحيد المتبقّى من سلالة محمّد (صلّى الله عليه وآله) هو في نفسه يشكّل نقطة محاسبة عسيرة.
وكفاهم ذُلاً ومهانة أنْ يحضروا مجلس الحكّام القتلة ليُشاهدوا بأعينهم ما يجري على رأس الحسين ـ ذلك الرأس الذي رأته أعينهم ذاتها على صدر الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وعلى عاتقه وفي حجره! ـ لكن في حالة أُخرى ، وبالضبط كما يروونها هم :
فهذا أنس بن مالك :
لمّا قُتل الحسين جيء برأسه إلى عبيد الله ابن زياد ، فجعل ينكث بقضيب على ثناياه ، وقال : إن كان لحسن الثغر!
فقلتُ : أما والله لأسوءنّك ، لقد رأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقبّل موضع قضيبك من فيه (1).
وهل كان أنس ـ وهو خادم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ جريئاً حتّى يتمكّن من مواجهة ابن زياد بهذا؟!
ولماذا لم يُحاول أن يُسيئ إلى ابن زياد قبل أن يضرب ثنايا الحسين (عليه السّلام)؟! بل قبل أن يقتل الحسين (عليه السّلام)؟!
ألم يكن عبيد الله مجرماً ومستحقّاً للإساءة قبل هذا؟!
ثمّ ماذا يفعل أنس في مجلس عبيد الله في مثل هذا الوقت؟!
وهل رأى أنس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يفعل ذلك فقط بسبطه الحسين (عليه السّلام) دون غيره من أفعال فعلها بالحسين ، وأقوال قالها في الحسين (عليه السّلام) هذا وهو خادم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ملازم له على باب داره!
ثم ـ أخيراً ـ لماذا لم يُحاول أن يُبرز هذا الذي رآه يفعله الرسول (صلّى الله عليه وآله) بسبطه الحسين (عليه السّلام) قبل هذا المجلس حتّى لا يصل الأمر إلى هذه الحال؟!
وهذا زيد بن أرقم :
قال : كنت عند عبيد الله بن زياد لعنه الله ، إذ أُتي برأس الحسين بن عليّ ، فوضع في طست بين يديْه ، فأخذ قضيباً فجعل يفتر به عن شفتيه ، وعن أسنانه!
فلم أرَ ثغراً قطّ كان أحسن منه! كأنّه الدرّ! فلم أتمالك أن رفعتُ صوتي بالبكاء.
فقال : ما يُبكيك أيّها الشيخ؟
قلت : يُبكيني ما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمصّ موضع هذا القضيب ويلثمه ، ويقول : «الّلهمّ إنّي أُحبُّه فأحبَّه» (2).
وفي نصٍّ آخر أنّ ابن زياد قال لزيد : إنّك شيخ قد خرفتَ وذهب عقلك!
والذي يستوقف الناظر : ماذا كان يفعل هذا الصحابي الشيخ في مجلس عبيدالله داخل القصر في مثل هذه الأيّام؟!
هل كان يجهل أنّ النّاسَ في الكوفة قد ذهبوا لقتال الحسين (عليه السّلام)؟! فهو إذاً قد خرف حقّاً!
ثمّ أين كان حماسُهُ هذا قبل أن يُؤتى برأس الحسين (عليه السّلام)؟!
ولماذا لم يرو قبل هذا ما رواه بعد هذا المجلس لمّا :
خرج زيد بن أرقم من عنده ـ يعني ابن زياد ـ يوْمئذ وهو يقول : أما والله ، لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «الّلهمّ إنّي استودعكه وصالح المؤمنين»؟! فكيف حفظكم لوديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (3)؟!
لكن كيف كان حفظُك أنت يا صحابي لوديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أسلمتَه وحدَه في كربلاء ، يُذْبَح هو وأهل بيته وشيعته وأنت تنادم ابن زياد؟!
ولكن هذه المواقف المتأخّرة هل تَسُدُّ شيئاً ممّا أُصيب به الإسلام من الثلمات؟! أو تردّ على الأُمّة ما فقدوه من الرجالات؟!
ولو وقفوا هذه المواقف قبل قتل الحسين (عليه السّلام) لكانت أشرفَ لهم ، وأنفع للأُمّة.
ولو ساروا بعد ذلك بسيرة الحسين (عليه السّلام) لكان أعذرَ لهم ، وأخلد لذكرهم.
أمّا لو ضيّع الصحابة وديعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وهم «السلف» المخاطبون بحفظها مباشرة! فما هو عتابه على البُعداء التابعين لهم في دينهم وعقيدتهم وهم «الخلف» الّذين يستنّنون بسُنّتهم؟!
أحزان الأحلام
ومهما كانت الأحلام وواقعها فإنّ الحُزْن بألم عاشوراء لم يقف على عالم اليقظة ، بل لقد تحدّثت الأخبار عن أحزان عالم الرؤيا :قال ابن عبّاس : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيما يرى النائم بنصف النهار أغبر ، أشعث ، وبيده قارورة فيها دم.
فقلت : بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله! ما هذا؟
قال : «هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل منذ اليوم ألتقطه».
فأُحصي ذلك اليوم فوجدوه قُتل يومئذ.
واُمّ سلمة زوجة الرسول ، المتّقية ، المحبّة لأهل بيته ، الحنون على الحسين ، والتي لها ذكر مكرّر في سيرة الحسين (عليه السّلام) ، قد أفزعها المنام كذلك هي الأُخرى :
عن سلمى قالت : دخلت على اُمّ سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك؟
قالت : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ، ما لك؟!
قال : «شهدتُ قتل الحسين آنفاً» (4).
رثاء الطبيعة
ومن الأحداث بعد مذبحة كربلاء أنّ الطبيعة شاركت في إعلان الحزن بأساليب غريبة لم تؤثر عند عامة الحوادث.فمنها : بكاء السماء دماً :
قال ابن سيرين : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريّا إلاّ على الحسين بن عليّ (عليه السّلام) (5).
قالت نصرة الأزدية : لمّا أن قُتل الحسين بن عليّ مطرت السماء دماً فأصبحت وكلّ شيء لنا ملآن دماً.
وقالت امرأة : كُنّا زماناً بعد مقتل الحسين ، وإنّ الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدران بالغداة والعشيّ.
قالت : كانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجدوا تحته دماً.
ومنها ظلمة السماء :
قال خليفة : لمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) اسودّت السماء وظهرت الكواكب نهاراً حتّى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر .
قال عيسى بن الحارث الكندي : لمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) مكثنا سبعة أيّام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً .
قال أبو قبيل : لمّا قُتل الحسين بن عليّ (عليه السّلام) كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي .
قالت أُمّ حبّان : يوم قتل الحسين (عليه السّلام) اظلمّت علينا ثلاثاً ، ولم يمسّ أحدٌ من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلاّ احترق ، ولم يقلب حجرٌ ببيت المقدس إلاّ أصبح تحته دمٌ عبيط.
وقد اعترف ببعض هذه الأحداث حكّام بني أُمّية :
قال معمر : أوّل ما عُرف الزهريّ تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قُتلَ الحسين بن عليّ؟
فقال الزهري : بلغني أنّه لم يقلب حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط.
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 151.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 152.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 152.
4- مختصر ابن منظور 7 / 152.
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 149.
6- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 149.