نموذج الأصْحابٌ الأوفياء

صمّم الإمام الحُسينُ (عليه السّلام) على الخروج إلى العراق ، ولم تُثنِه العراقيلُ التي كانت على طول طريقه ، ولم تثبّطه الاحتمالاتُ ، بل ولا ما كان واضحاً في المنظور السياسي ذلك اليوم من شدّة بطش الحكومة الأُمويّة وعدم
Wednesday, April 12, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
نموذج الأصْحابٌ الأوفياء
نموذج الأصْحابٌ الأوفياء





 
صمّم الإمام الحُسينُ (عليه السّلام) على الخروج إلى العراق ، ولم تُثنِه العراقيلُ التي كانت على طول طريقه ، ولم تثبّطه الاحتمالاتُ ، بل ولا ما كان واضحاً في المنظور السياسي ذلك اليوم من شدّة بطش الحكومة الأُمويّة وعدم ارعوائها من فعل كلّ مخالفة حتّى إبادته! وغدر أهل الكوفة وتقاعسهم عن نصرته!
بل سار يَسوقه الواجب الإلهيّ المفروض عليه ، لكونه إماماً للأُمّة يجب عليه القيام تلبية لندائها لإتمام الحجّة الظاهرة.
والمصير الغيبيّ الذي كان يعلمه هو يعلمه كلّ من سمع جدّه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يتحدّث عن كربلاء ، أو شاهده وشاهدَ أباه عليّاً (عليه السّلام) يشمّان تربتها ويتناولانها ، ويتعاطيانها ، ويستودعانها! كان هذا المصير يقود الإمام الحسين (عليه السّلام).
وأمّا من كان مع الحسين (عليه السّلام) في مسيره :
فقد كان (عليه السّلام) يصطحبُ معه «جَيْشاً» يُشيرُ إليه ، ويستعرضه كلّما سُئِلَ عنه؟ ألا وهي أكداس الرسائل وكتب الدعوة الموجّهة إليه من الكوفة ، ممّن كان يعبّر عن رأي عامّة الناس من الرؤساء والأعيان.
إنّه (عليه السّلام) كان يعدّ تلك الأعداد من الكتب والرسائل «جيشاً» يستحثّه المسير ، ويُصاحِبُه ، وكانَ كلّما عرضه على المتسائلين والمتشائمين ، بل الناصحين ، أُفْحِمُوا ولم يَحْرُوا جواباً!
وليس الاستنادُ إلى هذا الكمّ الهائل من عهود الناس ـ وفيهم أصحاب الزعامة ، والكلمة المسموعة ـ بأهونَ من الاعتماد على أمثالهم من الأشخاص المجنّدين الحاضرين معه لو كانوا.
فإنّ احتمالات الخيانة والتخاذل في الأشخاص مثلها في أصحاب الرسائل والعهود إنْ لم تكن أقوى وأسرع!
وغريبٌ أمرُ اُولئك الّذين ينظرون إلى الموقف من زاوية المظاهر الحاضِرة ، ويحذفون من حساباتهم الأُمور غير المنظورة ، ويُريدون أن يُحاسِبوا حركة الإمام (عليه السّلام) وخروجه على أساس أنّه إمام عالم بالمصير ، بل لا بُدّ أن يعرف كلّ شيء من خلال الغيب! فكيف يُقدم على ما أقدم وهو عالم بكلّ ما يصير؟!
والغرابةُ من أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) لو عَمِلَ طبقاً لما يعلمه من الغيب ، لعابَ عليه كلّ مَنْ يسمع بالأخبار ويقرأ التاريخ أنّه ترك دعوة الأمّة ـ المتظاهرة بالولاء له ، من خلال آلاف الكتب والعهود الواصلة إليه بواسطة أُمناء القوم ورؤسائهم ـ استناداً إلى احتمالات الخيانة والتخاذل التي لم تظهر بوادرها إلاّ بالتخمين حسب ماضي هذه الجماعة وأخلاقهم. واعتماداً على الغيب الذي لم يؤمن به كثير من الناس في عصره ومن بعده ، ولم يسلّمه له غير مجموعة من شيعته.
فلو أطاع الإمام الحسين (عليه السّلام) اُولئك الناصحين له بعدم الخروج ، لكان مطيعاً لمن لم تجب عليه طاعتهم ، وتاركاً لنجدة من تجب عليه نجدتهم.
كما إنّ طاعة اُولئك القلّة من الناصحين لم تكن بأجدر من طاعة الآلاف من عامّة الشعب الّذين قدّموا له الدعوة ، وبإلحاح ، وقدّموا له الطاعة والولاء.
وقبل هذا وبعده فإنّ الواجب الإلهيّ يحدوه ، ويرسم له الخطط للقيام بأمر الأُمّة ، فإذا تمّت الحجّة بوجود الناصر ، فهذا هو الدافع الأوّل والأساس للإمام (عليه السّلام) على الإقدام ، دون الإحجام على أساس الاحتمالات السياسية والتوقّعات الظاهرية ، وإنّما استند إليها في كلماته وتصريحاته لإبلاغ الحجّة ، وإفحام الخصوم ، وتوضيح المحّجة لكلّ جاهل ومظلوم.

وأمّا ظاهرياً :

فقد كان في «قلّة من الناس» وهذا يوجب القلق في الوجه الذي سار فيه الإمام :
قال زُهَيْر بن شدّاد الأسديّ ـ من أهل الثعلبيّة التي مرّ بها الحسين (عليه السّلام) في طريقه إلى الشهادة ـ : أي ابن بنت رسول الله ، إنّي أراك في قلّة من الناس ، إنّي أخاف عليك!
فأشار بسوط في يده ـ هكذا ـ فضرب حقيبةً وراءَه ، فقال : «إنّ هذه مملوءةٌ كتباً ، هذه كتب وجوه أهل المصر»!
وقد كان أصحاب الحسين (عليه السّلام) من القلّة بحيث قد عدّهم التاريخ كمّاً ، عدّاً بأسمائهم وقبائلهم وأعيانهم.
فكان معه من بني هاشم عدّة معروفة كما في الحديث :
بعث الحسين (عليه السّلام) إلى المدينة ، فقدم عليه مَنْ خفّ معه من بني عبد المطلّب ، وهم تسعة عشر رجلاً ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم (1).
ويقول الحديث الآخر عن الذين استشهدوا معه (عليه السّلام) من الهاشميّين: قُتل مع الحسين (عليه السّلام) ستّة عشر رجلاً من أهل بيته (2).
والحسين (عليه السّلام) هو السابع عشر والّذين خرجوا من المعركة أحياء هم اثنان فقط ، أحدهما عليّ زين العابدين ، والآخر : الحسن المثنّى ، اللذان ارتُثّا (ارتثّ : أي قاتل وجرح في المعركة ، فاُخرج منها وبه رَمَقٌ) في المعركة واُخذا مَع الأسْرى!
وأمّا العدد الإجماليّ لمجموع الّذين «حضروا» مع الإمام (عليه السّلام) في كربلاء فقد جاء في الحديث :
[ص205] : فخرج متوجّهاً إلى العراق في أهل بيته ، وستّين شيخاً من أهل الكوفة (3).
وجاء في بعض المصادر المتخصّصة ذكرُ مَن «حَضَر مع الحسين في كربلاء» وعددهم يتجاوز المئة بقليل.
أمّا الّذين قتلوا معه فقد أُحصوا بدقّة ، وسُجّلتْ أسماؤهم في كتب النسب ، والمشهور أنّ مجموع من قُتل معه هم «72» شهيداً (4).
وأمّا نوعية أنصار الحسين (عليه السّلام) كيفاً :
فقد مثّلوا كلّ شرائح المجتمع البارزة ذلك اليوم ، بالإضافة إلى عِيْنة الأُمّة أهل البيت.
ففيهم من صحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنس بن الحارث بن نبيه الأسدي الكوفي.
وهو الذي روى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله
«إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض يقالُ لها : كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره».
قالوا : فخرج أنَسُ بن الحارث إلى كربلاء وقُتل بها مع الحسين.
لكنّ حديث النبي (صلّى الله عليه وآله) وإخباره عن مقتل ابنه في كربلاء لم ينحصر سماعه لهذا الصحابي العظيم.
فأين كان سائر الصحابة الّذين عاصروا معركة كربلاء؟!
ولماذا لم يحضروا ولم ينصروا؟!
إنّ وجود العدّة القليلة من الصحابة الكرام في معركة كربلاء كافية لتمثيل جيل الصحابة الّذين كانت لهم عند الناس حرمة وكرامة بصحبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد تمّت بوجودهم الحجّة ، إذ يمثّلون الاستمرار العينيّ لوجود سُنّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحديثه وأمره في جانب الحسين (عليه السّلام).
وكان مع الحسين (عليه السّلام) من أصحاب الإمام عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) عمّار بن أبي سلامة بن عبد الله الهمداني الدالاني ، وغيره ممّن شاهدوا عليّاً (عليه السّلام) وهو يُواسي الحسين (عليه السّلام) في هذه الأرض بنداءاته المدوّية في فضائها : «صبراً أبا عبد الله».
وكانوا يمثّلون بحضورهم وجود عليّ (عليه السّلام) وصرخاته وتشجيعاته للحسين وأصحابه (عليهم السّلام).
وقد اشترك في معركة كربلاء إلى جانب الحسين (عليه السّلام) أُناس كانوا قبل قليل من أعدائه ، كالحرّ بن يزيد الرياحي.
وكان فيهم ممّن يكنّ أبلغ الحقد والعداء للإمام ، ومن المحكّمة الخوارج ، فانحازوا إلى الإمام (عليه السّلام) لمّا سمعوا منه الحقّ ، وشاهدوا ما عليه من المظلومية ، وما كان عليه أعداؤه من الباطل والقساوة والتجاوز.
وحتّى كان في جيش الحسين (عليه السّلام) ذي العدد الضئيل جنودٌ مجهولون ، لم تحرّكهم إلاّ أنْباء كربلاء التي بلغتْهم ، فبلغتْ إلى عقولهم ، وبلغتْ بهم قمم الشهادة فالخلود.
قال العريان بن الهيثم : كان أبي يَتَبدى (أي يخرج إلى البادية.) فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين ، فكنّا لا نبدو إلاّ وجدنا رجلاً من بني أسَد هناك ، فقال له أبي : أراك ملازماً هذا المكان؟
قال : بلغني أن حُسَيْناً يُقتل ها هنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان لعلّي اُصادفه فأُقْتَلَ معه!
قال الراوي : فلّما قُتِلَ الحسين (عليه السّلام) قال أبي : انطلقوا ننظر هل الأسدي فيمن قُتِل؟
فأتينا المعركة ، وطوّفنا فإذا الأسدي مقتول (5)!
ولئن خان الجيشُ الكوفيّ بعهوده ، واستهتر برسائله وكتبه ووعوده ، لكنّ أصحاب الحسين (عليه السّلام) ـ على قلّة العدد ـ ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء والفداء ، وكانوا أكبر من جيش الكوفة في الشجاعة والبطولة والإقدام ، وقد مجّد الإمام الحسين (عليه السّلام) بموقفهم العظيم في كلماته وخطبه في يوم عاشوراء.
أمّا هُمْ فكانوا يقفون ذلك الموقف عن بصائر نافذة ، وعن خبرة وعلم اليقين بالمصير ، ولقد أصبحَ إيثارهم بأرواحهم لسيّدهم الإمام الحسين (عليه السّلام) عينَ اليقين للتاريخ ، ومضرب الأمثال للأجيال.
ومثال واحد ذكره ابن عساكر عن محمّد بن بشير الحضرميّ الذي لزم الحسين وكان معه في كربلاء :
إذ جاءه نبأُ ابنه أنّه اُسِرَ بثغر الريّ ، فقال : عند الله أحتسبُه ونفسي ، ما كنتُ أُحبُّ أن يُؤسَرَ ، ولا أنْ أبقى بعده. فسمع الحسينُ كلامه ، فقال له : «رحمك الله ، وأنت في حلٍّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابْنِك»!
قال : أكَلَتْني السباعُ حَيّاً إنْ فارقتُكَ!
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «فأعْطِ ابنك هذه الأثواب البُرود يستعِنْ بها في فداء أخيه».
فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار (6).
إنّ الكلمة لتقصُر عن التعبير في وصف موقف هؤلاء ، كما إنّ الذهن ليعجز عن تصوير ما في قلوبهم من الودّ والإخلاص لإمامهم.
إلاّ بتكرار عباراتهم نفسها!
وبهذه النفوس الكبيرة ، والعقول البالغة الرشيدة ، والقلوب المليئة بالولاء ، والمفعمة بالإخلاص ، وعلم اليقين بالموقف والمصير ، وبالشجاعة والجرأة والبطولة النادرة والثبات على الطريق دخل الحسين (عليه السّلام) معركته الفاصِلة في كربلاء.
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 143.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 148.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 143.
4- اُسد الغابة ، لابن الأثير 2 / 22.
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 145.
6- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 129 ـ 130.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.