
يبتدئ تاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية من سنة ١٧١٧، وقد قيل لها رمزية؛ لأن الأدوات التي تُستعمَل فيها تختص بالبناء العملي. وقد كان البنَّاءون العمليون يستعملونها في البناء، فلما انتقل موضوع هذه الجمعية من صناعة البناء إلى الفضيلة والعلم كما سترى، حافظوا على أدوات البناء، وعلى كثير من القوانين الأساسية القديمة، لكنهم جعلوا مدلولاتها رمزية يرمزون بها عن أدوات العمران البشري، كالفضيلة والاستقامة والبر وما شاكل.
ويُقسَّم تاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية إلى طورين: إنكليزي وجرماني.
قد دعونا هذا الطور من الماسونية الرمزية إنكليزيًّا؛ إشارةً إلى أن إنكلترا كانت أثناءه مهدها، فيها نشأت ومنها انتشرت، وكانت في كل تلك المدة مصدرًا لتعاليمها ومرجعًا لأحكامها.
(١) تأسيس الماسونية الرمزية
قد تقدَّمَ كيف كانت الماسونية في أوائل القرن الثامن عشر من الضعف للأسباب التي ذكرناها هناك، وقد تقدَّمَ أيضًا أن أعضاءها كانوا إذ ذاك أخلاطًا من البنَّائين العمليين، وفئة أخرى من سراة البلاد ورجالها العظماء، انتظموا في سلكها بصفة أعضاء شرف، ثم تداخلوا فيها، ولا سيما عندما انحطت صناعة البناء على ما مَرَّ بك. فسَنَّ محفل القديس بوليس لائحةً هي «لائحة لندرا»، من مقتضاها قَبول كل طالب من أي مهنة كانت، بشرط أن يصادق على لياقته في محفل قانوني.
وما زال هذا المنشور قربيًّا من زوايا الإهمال حتى أوائل سنة ١٧١٧، حينما اجتمع بعض كبار الماسون تحت رئاسة الدكتور ثيوفيلوس ديازاغليه.١
وكان معه الأخَوَان جورج باين من علماء الآثار القديمة والدكتور جيمس أندرسون بصفة مساعدين، فتداولوا في أمر إنشاء محفل أعظم باتحاد محافل لندرا الأربعة، وبعد تقرير المواد الأولية والمصادقة عليها اتحدت المحافل.
وفي فبراير (شباط) من تلك السنة اجتمع جماعة من قدماء الماسون في شارلس ستريت «لندرا»، وبعد أن أقاموا أقدمهم رئيسًا مؤقتًا بأغلبية الأصوات، قرَّروا لأنفسهم محفلًا أعظم هم أعضاؤه، وقرَّروا إعادة مخابرة المحافل كما كانت، ومثل ذلك الاجتماعات والاحتفالات السنوية، ووجوب انتخاب أستاذ أعظم من بينهم، لبينما يتأتَّى لهم مَن يستلم تلك الرئاسة من ذوي السُّؤْدَد، حتى إذا كان ٢٤ يونيو (حزيران)٢ من السنة المذكورة اجتمع الإخوة وقرروا بالأغلبية انتخاب مستر أنطوني ساير أستاذًا أعظم للماسون، وبعد حين نُصِّب رسميًّا وسُلِّمت له الطغراي الماسونية وهنَّأه الماسون، فانتخب كبتن يوسف إليوت والمستر يعقوب لمبول منبهين «محافظين».
هذه الخطوة الأولى التي خطاها الماسونيون نحو الطريقة الرمزية، مع محافظتهم على الأنموذج والقانون الأساسي القديم، ومثل ذلك التقاليد والتسميات التي كانت فيها، مما لا بد منها في بناء الهياكل، إلا أنهم ألبسوها حلة رمزية زادتها رونقًا وجمالًا، ومكَّنتها من زيادة الفائدة في جسم العمران.
فانفصلت الماسونية الحرة الرمزية من البناية العملية الحقيقية انفصالًا تامًّا، وأصبحت مواضيعها وأبحاثها أدبية محضة مؤسسة على أقوى دعائم الفضيلة؛ فلم يَعُدْ ما يمنعها من الانتشار في سائر أقسام الكرة وبين سائر أصناف البشر على اختلاف نزعاتهم، وأصبحت واجباتها تشييد هيكل العمران وبث روح الفضيلة فيه، وأمست — بدلًا من نحت وتهذيب الحجارة — تنحت العقول وتهذب الأخلاق.
(٢) قرارات ونظامات وكتابات ماسونية
وعند التئام المحفل الأعظم في لندرا تقرَّر أن المحافل الماسونية لا تُفتَح إلا ببراءة من الأستاذ الأعظم الذي هو رئيس المحفل الأعظم، وأن فتحها لا ينحصر في مدينة دون أخرى.
فأخذت الماسونية من ذلك الحين تنتشر، فأُسِّست محافل عديدة في ضواحي لندن، وكان رؤساء هذه المحافل ومنبهوها يحضرون إلى اجتماعات المحفل الأعظم، ويقدمون للأستاذ الأعظم تقارير عن أعمالها ويستشيرونه فيما يخطر لهم إدخاله في أعمالهم أو قوانينهم، بحيث إنهم لا يُدخِلون في الماسونية ما يخالف القواعد المؤسسة قديمًا.
وجعلوا للمحافل الأربعة التي في لندرا امتيازات تتمتع بها إلى الأبد، ومنعوا سَنَّ أي قانون جديد يسلب أحد أعضاء تلك المحافل شيئًا من تلك الامتيازات.
وفي اجتماع ٢٤ يونيو (حزيران) سنة ١٧١٨ انتُخِب الأخ جورج باين أستاذًا أعظم، ولما تولَّى ذلك المنصب جعل همَّه ترقية شأن الماسونية، فعمل على استخراج تاريخ الماسونية، فأمر الإخوان رسميًّا في إحدى جلسات المحفل الأعظم العمومية أن كلَّ مَن كان لديه أوراق قديمة من تقارير الماسونية أو قوانينها أو معلومات من نوع آخَر تتعلق بالماسونية، فَلْيأتِ بها إليه؛ فجاء كثيرون منهم بلوائح كثيرة قديمة العهد أكثرها غوتية، فجمعها واستخرج منها التاريخ.
وفي سنة ١٧١٩ التأم المحفل الأعظم في الوقت المعين لاجتماعه كل سنة، أيْ في ٢٤ يونيو (حزيران)، وفي هذا الاجتماع انتُخِب الأخ توماس ديزاغليه أستاذًا أعظم، فانضم إلى الماسونية كثير من الأشراف وأُسِّست محافل جديدة، وهو الذي أدخل شرب سر الإخوان في المأدبات الماسونية.
وفي اجتماع سنة ١٧٢٠ انتُخِب الأخ جورج باين للرئاسة العظمى، فجمع الأوامر الرسمية الصادرة من المحفل الأعظم، ونقَّحها وجعلها على شكل لائحة قوانين مؤلَّفة من ٣١ مادة، صادَق عليها الأستاذ الأعظم الذي خلفه في السنة التالية، بعد أن تعيَّن الأخ أندرسن لمقابلتها بالمنشورات والتقاليد القديمة وتطبيقها عليها، بحيث إنها تكون صالحة للاستعمال في محافل لندرا وضواحيها. وقد دُعِيت هذه القوانين بالقوانين القديمة تمييزًا لها عن القوانين التي أُضِيفت بعد ذلك. وفي هذه السنة خسرت الماسونية كثيرًا من أوراقها السرية حرقًا بيد بعض أعضائها؛ خوفًا من إفشائها، لأنهم كانوا قد هُدِّدوا بذلك.
وفي جلسة سنة ١٧٢١ المنعقدة في كنيسة القديس بولس في لندرا انتُخِب جون دوك مونتاغيو أستاذًا أعظم، وهو أول مَن انتُخِب لهذا المنصب من الأشراف، وعيَّنَ مونتاغيو الدكتور جون بيل نائبًا له، وجونس فيلانو «رئيس التشريفات»، وتوماس موريس «وهو بناء عملي» منبهَيْن «محافظين»، وبعد إتمام الانتخاب على هذه الصورة خطب مونتاغيو خطابًا في الماسونية.
وفي ١٧ يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٢٣ التأم نوَّاب المحافل التابعة للمحفل الأعظم، فعُرِضت عليهم اللائحة فصادقوا عليها، ثم طُبِعت ونُشِرت تحت عنوان «النظامات الماسونية الحرة».
وقد حدث في خلال ذلك ما يُستدل من ورائه على شهامة وكرم أخلاق الماسونية؛ وذلك أن دوك مونتاغيو انتُخِب في يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٢٢ أستاذًا أعظم، وكان في جملة المترشحين لهذا المنصب دوك هوارتن، فساءه ذلك الانتخاب، فجمع إليه جماعة من أحزابه وقرروا تسميته في ذلك المنصب، إلا أن ذلك التعيين لم يكن معتبرًا رسميًّا من المحافل، فعلم الأستاذ الأعظم مونتاغيو، فعقد جلسة رسمية تنازَلَ فيها عن الرئاسة العظمى لمناظره هوارتن حسمًا للخصام، قائلًا: «لا شك أن الأخ هوارتن أليق مني لهذا المنصب؛ لأنه أشد رغبةً فيه، فلا ريب أنه يكون أكثر نشاطًا وهمة وأعظم فائدة.» أما هوارتن فلما رأى تلك النفس الأبِيَّة خجل من سوء تصرُّفه وارتجع عن مقصده، وندم على ما فرط منه، وأصبح من ذلك الحين أول خاضع لقوانين الجمعية وتقاريرها.
غير أن الجمعية لم تبخسه حقه، فإنها عيَّنته بعدئذٍ في ذلك المنصب بصفة رسمية بمصادقة ٢٥ محفلًا ماسونيًّا، وعيَّنت ديزاغليو نائبًا له.
وفي يوم اجتماع نوَّاب المحافل سنة ١٧٢٣ كما تقدَّمَ، قدم الأخ طمسن بصفة منبه أول نسخة مطبوعة من لائحة النظامات الجديدة، فصودق عليها من عشرين محفلًا، فازدادت الماسونية رونقًا واتسعت دائرتها، فانضم إليها عدد كبير من الأشراف والتجار ورجال العلم الذين كانوا يرون المحفل الماسوني أفضل منجاة لهم من عالم التقلب والدسائس السياسية وغيرها، فازداد عدد المحافل كثيرًا، وكان الأستاذ الأعظم يزور تلك المحافل كل أسبوع ومعه نائبه والمنبهان، وأصبحت لائحة النظامات المشار إليها أعلاه ذات شأن عظيم وأهمية كبرى للماسونية، وخلف دوك هوارتن على الرئاسة العظمى فرنسيس أرل دلكيت، وخلف هذا في سنة ١٧٢٤ شارلس لنوكس دوك ريتشموند، وهو الذي شكَّل جمعية الإحسان وموضوعها مساعدة الإخوان الذين جار عليهم الزمن، وكانت هذه الجمعية تنفق عدة آلاف من الجنيهات سنويًّا ولا تزال في مثل ذلك، وكانت عضدًا كبيرًا للمحافل الماسونية.
وفي سنة ١٧٢٥ تأسَّس المحفل الأول في باريس، ثم لُقِّبت بالماسونية العامة؛ إشارةً إلى اشتمالها على أعضاء من سائر أصناف الناس متحدين على السرَّاء والضرَّاء، متعاونين على بث الفضيلة والعلم.
أما الدرجات العالية فوق الثالثة، فلم تكن معروفة إلى سنة ١٧٤٤.
وفي سنة ١٧٢٧ بعد تولي جورج الثاني ملك إنكلترا، اجتمع المحفل الأعظم تحت رئاسة أرل إنشكوين، وقرَّر أن حقوق الانتخاب في المحفل الأعظم تكون للمنبهين السابقين أيضًا، وقد كانت محصورة في الأساتذة العِظَام السابقين والنوَّاب السابقين.
وكان على الرئاسة العظمى في سنة ١٧٢٩ اللورد فيسكونت كنستون، وفي ٢٩ يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٣٠ سلَّم زمام الرئاسة لخلفه دوك نورفولك لداعي رغبته في التوجه إلى أيرلاندا، فسار إليها فانتُخِب رئيسًا لمحفل أعظم في دبلين، وذلك في ٦ أبريل (نيسان) سنة ١٧٣١، ولم يكن في أيرلندا محفل أعظم إلى ذلك العهد.
وفي سنة ١٧٣٣ انتُخِب لهذا المنصب إرل ستراتمور، وكان أحد منبهيه الأخ يوحنا ورد، وهو مِن الممتازين بالغيرة والهمة الماسونيتين.
وفي نحو أواخر سنة ١٧٣٣ اتسعت دائرة امتيازات جمعية الإحسان المتقدم ذكرها، بحيث إنها لم تترك للمحفل الأعظم شيئًا من السيادة، فقد كان مرخَّصًا لها الاجتماع والبحث في أمور مهمة والقطع بها بدون مشورة أحد، فهي بذلك لم تسلب حقوق المحفل الأعظم فقط، لكنها سلبت أيضًا ميزانية المساواة بين الإخوة.
وفي أيام الأخ ستراتمور أُسِّس المحفل الأول في جرمانيا.
وفي سنة ١٧٣٤ ترأس على المحفل الأعظم إرل كروفورد، وكان شديد الغيرة على الماسونية، فأمر الأخ جيمس أندرسن لينظر في إعادة طَبْع كتاب النظامات، ولم يتم ذلك إلا في سنة ١٧٣٨. وفي رئاسة كروفورد عُيِّنَ ٣ أساتذة عِظَام إقليميين في لنكشير ودرهام ونورثمبرلاند.
وفي سنة ١٧٣٧ تحت رئاسة إرل دارنلي انتظم البرنس فريديك أوف ويلس في سلك الماسونية، وكان غيورًا على مصالحها، لكنه توفي سنة ١٧٥١، وهو لم يتم كل مساعداته لها.
وفي سنة ١٧٣٨ أصدرا البابا منشورًا ضد الماسونية وهو المنشور الأول.
وفي نحو هذا التاريخ انتشرت الماسونية في جرمانيا وروسيا وأميركا.
وفي سنة ١٧٣٩ تذمَّر بعض الإخوة على المحفل الأعظم الإنكليزي، بدعوى أنه أحدث في القوانين الأساسية، وأنه أبطل الاحتفالات، وغيَّر الطقوس، وأجاز فوق ذلك لمندوبيه افتتاح محافل عظمى إقليمية في المدن التي هي تحت رعاية المحفل الأعظم اليوركي، فنتج من ذلك انقسام بين محافل إنكلترا الشرقية ومحافلها الغربية، وانحاز كثيرون من تابعي المحفل الأعظم الإنكليزي إلى المحفل الأعظم اليوركي،٣ واستحدثوا محفلًا أعظم في إنكلترا دَعَوه «محفل الماسون القدماء»؛ إشارةً إلى أنهم أسَّسوه على الطقس القديم، وصادقت عليه محافل اسكوتلاندا وأيرلندا العظمى، وقطعت مخابراتها مع المحافل المؤسَّسة على الطقوس الحديثة.
وفي سنة ١٧٤٠ ازدادت المحافل التابعة للمحفل الأعظم الإنكليزي «ذي الطقس الحديث» عددًا ونشاطًا، وما زالت الماسونية تزيد انتشارًا، وتعاليمها إفادةً، وأعضاؤها عددًا وقوةً حتى سنة ١٧٥١، فخافها جماعة الحكام والكهنة وأصدروا في حقها المنشورات والأوامر تَتْرَى بين تهديد وترهيب في سائر أقطار أوروبا، وكانت كلما زاد الاضطهاد زادت قوةً وثباتًا، تدافع بالأمر الممكن منتظرة إحقاق الحق، وهي في كل ذلك لم تنوِ على أحد سوءًا، ولم تقصد بفئة شرًّا.
ولكن البشر ضعيفون بالطبع، وقد قدَّر الله أن لا تخلو جماعة منهم ممَّن ينكرون الحق، وهم يعلمون خيفة أن تمس حقوقهم أو يلحق بهم ضر. فملافاةً لما يخشى حدوثه بسبب ذلك التأَمَ المحفل الأعظم الإنكليزي «نعني به الحديث دائمًا» سنة ١٧٥٤، تحت رئاسة ماركيز كارنارﭬﻮن ونيابة الأخ توماس ماننهام، الذي اشتهر بعلو الهمة والحزم، وكانت المحافل الماسونية في إنكلترا مدوَّنة في سجل عمومي، إلا أن كثيرًا منها كان قد أبطل العلاقة مع المحفل الأعظم، وبعضها أبطل الاشتغال كلية، فأصدر ماننهام قرارًا باسم الأستاذ الأعظم بتاريخ ٢٧ يونيو (حزيران) سنة ١٧٥٤ مآله: «أنه يطلب من كل أخ «حسب استطاعته» أن يتحرى بنفسه عن تصرف وأعمال المحافل الفرعية، بأن يحضر اجتماعاتها ويلاحظ أعمالها، ويقدم عنها تقريرًا عما يتراءى له، وأن كل محفل لا يقدِّم بحقه ما يثبت مواظبته على العمل ومحافظته على القانون، يُشطَب اسمه من السجل الماسوني.»
ثم تقرَّر تحوير لائحة النظامات وإضافة بعض البنود التي اقتضتها الأحوال، وتعينت لذلك لجنة من الرئيس الأعظم وبعض الإخوة من ذوي الاطلاع والمعرفة.
ووجد المحفل الأعظم بالبحث أن عددًا من الإخوة قد أسَّسوا محفلًا على غير سنَّته، فتهددهم بالشطب فلم يرعووا، فأصدر في حقهم منشورًا مآله أن محفلهم هذا يُعتبَر محفلًا غير قانوني، وأن أعضاءه لا يُقبَلون في محافله بصفة زائرين، وأن جميع الدبلومات الماسونية بعد ذلك يجب أن تكون مختومة بالختم الماسوني وممضيَّة من السكرتير الأعظم.
وبقيت رئاسة المحفل الأعظم بيد كارنارﭬﻮن ثلاث سنوات أنشئ أثناءها أربعون محفلًا، وتعيَّن تسعة أساتذة عظام إقليميون.
وفي سنة ١٧٥٨ وقع انتخاب الرئاسة العظمى على اللورد البردود، وما زال عليها إلى سنة ١٧٦٢، وتشكَّل في أيامه محافل كثيرة، وتقرَّر تعيين ١٣ أستاذًا أعظم إقليميًّا.
وفي سنة ١٧٦٢ انتُخِب اللورد فرر للرئاسة ولم يكن مقدامًا، فتقهقرت الماسونية في أيامه. ويقال إن بعض الإخوة في لندرا حرَّروا رسميًّا إلى المحفل الأعظم الاسكوتلاندي يطلبون البراءة لإنشاء محفل تحت رعايته، فكان من سياسة رئيسه أن يرفض طلبهم؛ خيفة أن يتداخلوا بأعمال المحفل الأعظم الإنكليزي.
وفي ٨ مايو (أيار) سنة ١٧٦٤ انتُخِب اللورد بلاني للرئاسة العظمى، وبقي فيها أربع سنوات، تأسَّس أثناءها ٧١ محفلًا، وتعيَّن ١٢ أستاذًا أعظم إقليميًّا.
وفي سنة ١٧٦٧ تقرر طَبْع لائحة النظامات طبعة جديدة، وفي هذه السنة دخل الماسونية دوك غلوسستر ودوك كمبرلاند في لندرا، ودوك يورك في برلين.
وفي ٢٧ أبريل (نيسان) ١٧٦٧ انتُخِب للرئاسة العظمى دوك بوفروت، وأزهرت الماسونية في أيامه.
المصدر :
من کتاب / تاريخ الماسونية العام / جُرجي زيدان
ويُقسَّم تاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية إلى طورين: إنكليزي وجرماني.
الطور الإنكليزي
من سنة ١٧١٧–١٧٨٧ب.مقد دعونا هذا الطور من الماسونية الرمزية إنكليزيًّا؛ إشارةً إلى أن إنكلترا كانت أثناءه مهدها، فيها نشأت ومنها انتشرت، وكانت في كل تلك المدة مصدرًا لتعاليمها ومرجعًا لأحكامها.
(١) تأسيس الماسونية الرمزية
قد تقدَّمَ كيف كانت الماسونية في أوائل القرن الثامن عشر من الضعف للأسباب التي ذكرناها هناك، وقد تقدَّمَ أيضًا أن أعضاءها كانوا إذ ذاك أخلاطًا من البنَّائين العمليين، وفئة أخرى من سراة البلاد ورجالها العظماء، انتظموا في سلكها بصفة أعضاء شرف، ثم تداخلوا فيها، ولا سيما عندما انحطت صناعة البناء على ما مَرَّ بك. فسَنَّ محفل القديس بوليس لائحةً هي «لائحة لندرا»، من مقتضاها قَبول كل طالب من أي مهنة كانت، بشرط أن يصادق على لياقته في محفل قانوني.
وما زال هذا المنشور قربيًّا من زوايا الإهمال حتى أوائل سنة ١٧١٧، حينما اجتمع بعض كبار الماسون تحت رئاسة الدكتور ثيوفيلوس ديازاغليه.١
وكان معه الأخَوَان جورج باين من علماء الآثار القديمة والدكتور جيمس أندرسون بصفة مساعدين، فتداولوا في أمر إنشاء محفل أعظم باتحاد محافل لندرا الأربعة، وبعد تقرير المواد الأولية والمصادقة عليها اتحدت المحافل.
وفي فبراير (شباط) من تلك السنة اجتمع جماعة من قدماء الماسون في شارلس ستريت «لندرا»، وبعد أن أقاموا أقدمهم رئيسًا مؤقتًا بأغلبية الأصوات، قرَّروا لأنفسهم محفلًا أعظم هم أعضاؤه، وقرَّروا إعادة مخابرة المحافل كما كانت، ومثل ذلك الاجتماعات والاحتفالات السنوية، ووجوب انتخاب أستاذ أعظم من بينهم، لبينما يتأتَّى لهم مَن يستلم تلك الرئاسة من ذوي السُّؤْدَد، حتى إذا كان ٢٤ يونيو (حزيران)٢ من السنة المذكورة اجتمع الإخوة وقرروا بالأغلبية انتخاب مستر أنطوني ساير أستاذًا أعظم للماسون، وبعد حين نُصِّب رسميًّا وسُلِّمت له الطغراي الماسونية وهنَّأه الماسون، فانتخب كبتن يوسف إليوت والمستر يعقوب لمبول منبهين «محافظين».
هذه الخطوة الأولى التي خطاها الماسونيون نحو الطريقة الرمزية، مع محافظتهم على الأنموذج والقانون الأساسي القديم، ومثل ذلك التقاليد والتسميات التي كانت فيها، مما لا بد منها في بناء الهياكل، إلا أنهم ألبسوها حلة رمزية زادتها رونقًا وجمالًا، ومكَّنتها من زيادة الفائدة في جسم العمران.
فانفصلت الماسونية الحرة الرمزية من البناية العملية الحقيقية انفصالًا تامًّا، وأصبحت مواضيعها وأبحاثها أدبية محضة مؤسسة على أقوى دعائم الفضيلة؛ فلم يَعُدْ ما يمنعها من الانتشار في سائر أقسام الكرة وبين سائر أصناف البشر على اختلاف نزعاتهم، وأصبحت واجباتها تشييد هيكل العمران وبث روح الفضيلة فيه، وأمست — بدلًا من نحت وتهذيب الحجارة — تنحت العقول وتهذب الأخلاق.
(٢) قرارات ونظامات وكتابات ماسونية
وعند التئام المحفل الأعظم في لندرا تقرَّر أن المحافل الماسونية لا تُفتَح إلا ببراءة من الأستاذ الأعظم الذي هو رئيس المحفل الأعظم، وأن فتحها لا ينحصر في مدينة دون أخرى.
فأخذت الماسونية من ذلك الحين تنتشر، فأُسِّست محافل عديدة في ضواحي لندن، وكان رؤساء هذه المحافل ومنبهوها يحضرون إلى اجتماعات المحفل الأعظم، ويقدمون للأستاذ الأعظم تقارير عن أعمالها ويستشيرونه فيما يخطر لهم إدخاله في أعمالهم أو قوانينهم، بحيث إنهم لا يُدخِلون في الماسونية ما يخالف القواعد المؤسسة قديمًا.
وجعلوا للمحافل الأربعة التي في لندرا امتيازات تتمتع بها إلى الأبد، ومنعوا سَنَّ أي قانون جديد يسلب أحد أعضاء تلك المحافل شيئًا من تلك الامتيازات.
وفي اجتماع ٢٤ يونيو (حزيران) سنة ١٧١٨ انتُخِب الأخ جورج باين أستاذًا أعظم، ولما تولَّى ذلك المنصب جعل همَّه ترقية شأن الماسونية، فعمل على استخراج تاريخ الماسونية، فأمر الإخوان رسميًّا في إحدى جلسات المحفل الأعظم العمومية أن كلَّ مَن كان لديه أوراق قديمة من تقارير الماسونية أو قوانينها أو معلومات من نوع آخَر تتعلق بالماسونية، فَلْيأتِ بها إليه؛ فجاء كثيرون منهم بلوائح كثيرة قديمة العهد أكثرها غوتية، فجمعها واستخرج منها التاريخ.
وفي سنة ١٧١٩ التأم المحفل الأعظم في الوقت المعين لاجتماعه كل سنة، أيْ في ٢٤ يونيو (حزيران)، وفي هذا الاجتماع انتُخِب الأخ توماس ديزاغليه أستاذًا أعظم، فانضم إلى الماسونية كثير من الأشراف وأُسِّست محافل جديدة، وهو الذي أدخل شرب سر الإخوان في المأدبات الماسونية.
وفي اجتماع سنة ١٧٢٠ انتُخِب الأخ جورج باين للرئاسة العظمى، فجمع الأوامر الرسمية الصادرة من المحفل الأعظم، ونقَّحها وجعلها على شكل لائحة قوانين مؤلَّفة من ٣١ مادة، صادَق عليها الأستاذ الأعظم الذي خلفه في السنة التالية، بعد أن تعيَّن الأخ أندرسن لمقابلتها بالمنشورات والتقاليد القديمة وتطبيقها عليها، بحيث إنها تكون صالحة للاستعمال في محافل لندرا وضواحيها. وقد دُعِيت هذه القوانين بالقوانين القديمة تمييزًا لها عن القوانين التي أُضِيفت بعد ذلك. وفي هذه السنة خسرت الماسونية كثيرًا من أوراقها السرية حرقًا بيد بعض أعضائها؛ خوفًا من إفشائها، لأنهم كانوا قد هُدِّدوا بذلك.
وفي جلسة سنة ١٧٢١ المنعقدة في كنيسة القديس بولس في لندرا انتُخِب جون دوك مونتاغيو أستاذًا أعظم، وهو أول مَن انتُخِب لهذا المنصب من الأشراف، وعيَّنَ مونتاغيو الدكتور جون بيل نائبًا له، وجونس فيلانو «رئيس التشريفات»، وتوماس موريس «وهو بناء عملي» منبهَيْن «محافظين»، وبعد إتمام الانتخاب على هذه الصورة خطب مونتاغيو خطابًا في الماسونية.
النظامات الماسونية الحرة
وفي ٢٩ سبتمبر (أيلول) من تلك السنة تعيَّن الأخ أندرسن لتنقيح اللوائح والأوامر والقوانين العمومية الغوتية، وأن يستخرج منها لائحة حاوية ما احتوته القوانين القديمة مع تنويعها على ما يناسب الأحوال. ولم يَأْتِ ٢٧ ديسمبر (كانون الأول) من تلك السنة حتى أنهى ما أُمِر به، فقدَّم اللائحة إلى لجنة مؤلَّفة من ١٤ من علماء الماسون تعيَّنت بأمر الأستاذ الأعظم، للنظر في لائحة الأخ أندرسن وتقرير ما يتراءى لها إلى المحفل الأعظم، فأقرت على استحسانها.وفي ١٧ يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٢٣ التأم نوَّاب المحافل التابعة للمحفل الأعظم، فعُرِضت عليهم اللائحة فصادقوا عليها، ثم طُبِعت ونُشِرت تحت عنوان «النظامات الماسونية الحرة».
وقد حدث في خلال ذلك ما يُستدل من ورائه على شهامة وكرم أخلاق الماسونية؛ وذلك أن دوك مونتاغيو انتُخِب في يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٢٢ أستاذًا أعظم، وكان في جملة المترشحين لهذا المنصب دوك هوارتن، فساءه ذلك الانتخاب، فجمع إليه جماعة من أحزابه وقرروا تسميته في ذلك المنصب، إلا أن ذلك التعيين لم يكن معتبرًا رسميًّا من المحافل، فعلم الأستاذ الأعظم مونتاغيو، فعقد جلسة رسمية تنازَلَ فيها عن الرئاسة العظمى لمناظره هوارتن حسمًا للخصام، قائلًا: «لا شك أن الأخ هوارتن أليق مني لهذا المنصب؛ لأنه أشد رغبةً فيه، فلا ريب أنه يكون أكثر نشاطًا وهمة وأعظم فائدة.» أما هوارتن فلما رأى تلك النفس الأبِيَّة خجل من سوء تصرُّفه وارتجع عن مقصده، وندم على ما فرط منه، وأصبح من ذلك الحين أول خاضع لقوانين الجمعية وتقاريرها.
غير أن الجمعية لم تبخسه حقه، فإنها عيَّنته بعدئذٍ في ذلك المنصب بصفة رسمية بمصادقة ٢٥ محفلًا ماسونيًّا، وعيَّنت ديزاغليو نائبًا له.
وفي يوم اجتماع نوَّاب المحافل سنة ١٧٢٣ كما تقدَّمَ، قدم الأخ طمسن بصفة منبه أول نسخة مطبوعة من لائحة النظامات الجديدة، فصودق عليها من عشرين محفلًا، فازدادت الماسونية رونقًا واتسعت دائرتها، فانضم إليها عدد كبير من الأشراف والتجار ورجال العلم الذين كانوا يرون المحفل الماسوني أفضل منجاة لهم من عالم التقلب والدسائس السياسية وغيرها، فازداد عدد المحافل كثيرًا، وكان الأستاذ الأعظم يزور تلك المحافل كل أسبوع ومعه نائبه والمنبهان، وأصبحت لائحة النظامات المشار إليها أعلاه ذات شأن عظيم وأهمية كبرى للماسونية، وخلف دوك هوارتن على الرئاسة العظمى فرنسيس أرل دلكيت، وخلف هذا في سنة ١٧٢٤ شارلس لنوكس دوك ريتشموند، وهو الذي شكَّل جمعية الإحسان وموضوعها مساعدة الإخوان الذين جار عليهم الزمن، وكانت هذه الجمعية تنفق عدة آلاف من الجنيهات سنويًّا ولا تزال في مثل ذلك، وكانت عضدًا كبيرًا للمحافل الماسونية.
بند إضافي للقانون الأساسي
وفي ٢٧ نوفمبر (تشرين الثاني) سنة ١٧٢٥ اقترح الأخ اللورد بايسلي على المحفل الأعظم إضافة بند واحد على القانون الأساسي من مقتضاه: «أن رئيس المحفل ومنبهَيْه إذا اجتمعوا مع عدد محدود من الأعضاء، يمكنهم ترقية الأخ التلميذ إلى درجة الرفيق، والرفيق إلى درجة الأستاذ». ولم يكن ذلك مسوغًا من قبلُ إلا للمحفل الأعظم، فوافقوه على اقتراحه، فاتسع نطاق العشيرة، وكانت الماسونية الرمزية لا تزال إلى ذلك العهد محصورة في بريطانيا مسقط رأسها، لكنها إذ ذاك برزت من خدرها.وفي سنة ١٧٢٥ تأسَّس المحفل الأول في باريس، ثم لُقِّبت بالماسونية العامة؛ إشارةً إلى اشتمالها على أعضاء من سائر أصناف الناس متحدين على السرَّاء والضرَّاء، متعاونين على بث الفضيلة والعلم.
الدرجات الماسونية
يظهر أن الدرجات الماسونية الرمزية لم تكن معروفة إلى سنة ١٧٢٠، ولم يكن هناك إلا الدرجة الأولى «التلميذ»، وكانوا يختارون من بين أبناء تلك الدرجة مَن يترأس عليهم ويدير أعمالهم، وإنما يستفاد من بعض بنود نظامات سنة ١٧٢٠ أن الثلاث درجات كانت معروفة، إنما لم يكن إلا للمحفل الأعظم أن يرقي إلى الدرجتين الثانية والثالثة. والظاهر أن درجة الأستاذ مُنِحت في بادئ الرأي إلى بعض الأعضاء الذين ترأسوا المحافل من سنة ١٧١٧–١٧٢٠، فكانت لهم بصفة إنعام، أما الدرجة الثانية فأُدخِلت بعد ذلك لإتمام الثلاث درجات؛ تمثيلًا لثلاث درجات الماسونية العلمية.أما الدرجات العالية فوق الثالثة، فلم تكن معروفة إلى سنة ١٧٤٤.
وفي سنة ١٧٢٧ بعد تولي جورج الثاني ملك إنكلترا، اجتمع المحفل الأعظم تحت رئاسة أرل إنشكوين، وقرَّر أن حقوق الانتخاب في المحفل الأعظم تكون للمنبهين السابقين أيضًا، وقد كانت محصورة في الأساتذة العِظَام السابقين والنوَّاب السابقين.
الأساتذة العِظَام الإقليميون
وقرَّروا أيضًا في ذلك الاجتماع تعيين أساتذة عِظَام إقليميين لتأليف محافل عظمى في الأقاليم خارج لندرا، ثم طُلِب تشكيل محفل في مدريد وتقرَّر، ثم تعيَّن الأخ جورج بومفريت أستاذًا أعظم إقليميًّا، وهو أول مَن تقلَّد هذا المنصب.وكان على الرئاسة العظمى في سنة ١٧٢٩ اللورد فيسكونت كنستون، وفي ٢٩ يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٣٠ سلَّم زمام الرئاسة لخلفه دوك نورفولك لداعي رغبته في التوجه إلى أيرلاندا، فسار إليها فانتُخِب رئيسًا لمحفل أعظم في دبلين، وذلك في ٦ أبريل (نيسان) سنة ١٧٣١، ولم يكن في أيرلندا محفل أعظم إلى ذلك العهد.
ملابس متوظفي المحفل
وأما ملابس أصحاب الوظائف في المحافل، فقد كانت مجردة من أدوات الزينة حتى أيام الأستاذ الأعظم دوك نورفولك، فهذا أهدى المحفل الأكبر سيف غوستافوس أدلفوس وسيف الباسل دوك برنارد ويمور من فنيسيا، فاستعملهما المحفل بمثابة سيف الأمة. ومن ذلك الحين مال الإخوة إلى استخدام المصوغات في ملبوساتهم؛ ففي سنة ١٧٣١ تقرَّر رسميًّا أنه لا يجوز لأحد غير الأستاذ الأعظم ونائبه ومنبهيه أن يلبسوا مصاغهم مذهبًا، يتقلدونه في أعناقهم بأطواق من الحرير الأزرق، وأن يأتزروا بجلد أبيض عليه حرير أزرق.انتشار الماسونية وتنقيح القوانين
وفي سنة ١٧٣٢ كانت الرئاسة العظمى في يد اللورد فيسكونت مونتاغيو فأزهرت الماسونية تحت رئاسته وكثر تأسيس المحافل، فتأسَّس في سنة واحدة ١٨ محفلًا في لندرا وحدها، و٧ محافل في أماكن أخرى من إنكلترا.وفي سنة ١٧٣٣ انتُخِب لهذا المنصب إرل ستراتمور، وكان أحد منبهيه الأخ يوحنا ورد، وهو مِن الممتازين بالغيرة والهمة الماسونيتين.
وفي نحو أواخر سنة ١٧٣٣ اتسعت دائرة امتيازات جمعية الإحسان المتقدم ذكرها، بحيث إنها لم تترك للمحفل الأعظم شيئًا من السيادة، فقد كان مرخَّصًا لها الاجتماع والبحث في أمور مهمة والقطع بها بدون مشورة أحد، فهي بذلك لم تسلب حقوق المحفل الأعظم فقط، لكنها سلبت أيضًا ميزانية المساواة بين الإخوة.
وفي أيام الأخ ستراتمور أُسِّس المحفل الأول في جرمانيا.
وفي سنة ١٧٣٤ ترأس على المحفل الأعظم إرل كروفورد، وكان شديد الغيرة على الماسونية، فأمر الأخ جيمس أندرسن لينظر في إعادة طَبْع كتاب النظامات، ولم يتم ذلك إلا في سنة ١٧٣٨. وفي رئاسة كروفورد عُيِّنَ ٣ أساتذة عِظَام إقليميين في لنكشير ودرهام ونورثمبرلاند.
وفي سنة ١٧٣٧ تحت رئاسة إرل دارنلي انتظم البرنس فريديك أوف ويلس في سلك الماسونية، وكان غيورًا على مصالحها، لكنه توفي سنة ١٧٥١، وهو لم يتم كل مساعداته لها.
وفي سنة ١٧٣٨ أصدرا البابا منشورًا ضد الماسونية وهو المنشور الأول.
وفي نحو هذا التاريخ انتشرت الماسونية في جرمانيا وروسيا وأميركا.
وفي سنة ١٧٣٩ تذمَّر بعض الإخوة على المحفل الأعظم الإنكليزي، بدعوى أنه أحدث في القوانين الأساسية، وأنه أبطل الاحتفالات، وغيَّر الطقوس، وأجاز فوق ذلك لمندوبيه افتتاح محافل عظمى إقليمية في المدن التي هي تحت رعاية المحفل الأعظم اليوركي، فنتج من ذلك انقسام بين محافل إنكلترا الشرقية ومحافلها الغربية، وانحاز كثيرون من تابعي المحفل الأعظم الإنكليزي إلى المحفل الأعظم اليوركي،٣ واستحدثوا محفلًا أعظم في إنكلترا دَعَوه «محفل الماسون القدماء»؛ إشارةً إلى أنهم أسَّسوه على الطقس القديم، وصادقت عليه محافل اسكوتلاندا وأيرلندا العظمى، وقطعت مخابراتها مع المحافل المؤسَّسة على الطقوس الحديثة.
وفي سنة ١٧٤٠ ازدادت المحافل التابعة للمحفل الأعظم الإنكليزي «ذي الطقس الحديث» عددًا ونشاطًا، وما زالت الماسونية تزيد انتشارًا، وتعاليمها إفادةً، وأعضاؤها عددًا وقوةً حتى سنة ١٧٥١، فخافها جماعة الحكام والكهنة وأصدروا في حقها المنشورات والأوامر تَتْرَى بين تهديد وترهيب في سائر أقطار أوروبا، وكانت كلما زاد الاضطهاد زادت قوةً وثباتًا، تدافع بالأمر الممكن منتظرة إحقاق الحق، وهي في كل ذلك لم تنوِ على أحد سوءًا، ولم تقصد بفئة شرًّا.
ولكن البشر ضعيفون بالطبع، وقد قدَّر الله أن لا تخلو جماعة منهم ممَّن ينكرون الحق، وهم يعلمون خيفة أن تمس حقوقهم أو يلحق بهم ضر. فملافاةً لما يخشى حدوثه بسبب ذلك التأَمَ المحفل الأعظم الإنكليزي «نعني به الحديث دائمًا» سنة ١٧٥٤، تحت رئاسة ماركيز كارنارﭬﻮن ونيابة الأخ توماس ماننهام، الذي اشتهر بعلو الهمة والحزم، وكانت المحافل الماسونية في إنكلترا مدوَّنة في سجل عمومي، إلا أن كثيرًا منها كان قد أبطل العلاقة مع المحفل الأعظم، وبعضها أبطل الاشتغال كلية، فأصدر ماننهام قرارًا باسم الأستاذ الأعظم بتاريخ ٢٧ يونيو (حزيران) سنة ١٧٥٤ مآله: «أنه يطلب من كل أخ «حسب استطاعته» أن يتحرى بنفسه عن تصرف وأعمال المحافل الفرعية، بأن يحضر اجتماعاتها ويلاحظ أعمالها، ويقدم عنها تقريرًا عما يتراءى له، وأن كل محفل لا يقدِّم بحقه ما يثبت مواظبته على العمل ومحافظته على القانون، يُشطَب اسمه من السجل الماسوني.»
ثم تقرَّر تحوير لائحة النظامات وإضافة بعض البنود التي اقتضتها الأحوال، وتعينت لذلك لجنة من الرئيس الأعظم وبعض الإخوة من ذوي الاطلاع والمعرفة.
ووجد المحفل الأعظم بالبحث أن عددًا من الإخوة قد أسَّسوا محفلًا على غير سنَّته، فتهددهم بالشطب فلم يرعووا، فأصدر في حقهم منشورًا مآله أن محفلهم هذا يُعتبَر محفلًا غير قانوني، وأن أعضاءه لا يُقبَلون في محافله بصفة زائرين، وأن جميع الدبلومات الماسونية بعد ذلك يجب أن تكون مختومة بالختم الماسوني وممضيَّة من السكرتير الأعظم.
وبقيت رئاسة المحفل الأعظم بيد كارنارﭬﻮن ثلاث سنوات أنشئ أثناءها أربعون محفلًا، وتعيَّن تسعة أساتذة عظام إقليميون.
وفي سنة ١٧٥٨ وقع انتخاب الرئاسة العظمى على اللورد البردود، وما زال عليها إلى سنة ١٧٦٢، وتشكَّل في أيامه محافل كثيرة، وتقرَّر تعيين ١٣ أستاذًا أعظم إقليميًّا.
وفي سنة ١٧٦٢ انتُخِب اللورد فرر للرئاسة ولم يكن مقدامًا، فتقهقرت الماسونية في أيامه. ويقال إن بعض الإخوة في لندرا حرَّروا رسميًّا إلى المحفل الأعظم الاسكوتلاندي يطلبون البراءة لإنشاء محفل تحت رعايته، فكان من سياسة رئيسه أن يرفض طلبهم؛ خيفة أن يتداخلوا بأعمال المحفل الأعظم الإنكليزي.
وفي ٨ مايو (أيار) سنة ١٧٦٤ انتُخِب اللورد بلاني للرئاسة العظمى، وبقي فيها أربع سنوات، تأسَّس أثناءها ٧١ محفلًا، وتعيَّن ١٢ أستاذًا أعظم إقليميًّا.
وفي سنة ١٧٦٧ تقرر طَبْع لائحة النظامات طبعة جديدة، وفي هذه السنة دخل الماسونية دوك غلوسستر ودوك كمبرلاند في لندرا، ودوك يورك في برلين.
وفي ٢٧ أبريل (نيسان) ١٧٦٧ انتُخِب للرئاسة العظمى دوك بوفروت، وأزهرت الماسونية في أيامه.
المصدر :
من کتاب / تاريخ الماسونية العام / جُرجي زيدان