ماسونية فرنسا

تأسَّس أول محفل في فرنسا سنة ١٧٢١ في دينكرك، ودُعِي «المحبة والإخوة» تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي.
Sunday, April 16, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
ماسونية فرنسا
ماسونية فرنسا





 
تأسَّس أول محفل في فرنسا سنة ١٧٢١ في دينكرك، ودُعِي «المحبة والإخوة» تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي.
وفي سنة ١٧٢٥ تأسَّس أول محفل في باريس بسعي اللورد درفانت واترس وأخوين إنكليزيين، ويقال إن هذا اللورد هو أول مَن أسَّس محفلًا ماسونيًّا في فرنسا ببراءة رسمية من المحفل الأعظم الإنكليزي، وقد أسَّس أيضًا محافل أخرى.
وفي ١٢ يونيو (حزيران) سنة ١٧٢٦ تأسَّس محفل القديس توما في باريس، تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي أيضًا.
وفي سنة ١٧٢٩ تأسَّست محافل أخرى في باريس، منها محفل لويس دارجان، ومحفل فنون القديسة مرغريتا الأول، تأسَّس في ٧ مايو (أيار) والآخَر في أول أبريل (نيسان).
وفي سنة ١٧٣٢ تأسَّس محفل بيسي، ويُعرَف بمحفل أومون.
وفي سنة ١٧٣٦ تأسَّس في باريس محفل أعظم إقليمي تألَّف من اتحاد أربعة محافل على الطريقة الاسكوتلاندية، وتحت رئاسة البارون دي رمسي.
وفي سنة ١٧٣٨ تأسَّس المحفل الأعظم الإنكليزي في فرنسا، والبارون دي رمسي هو أول أستاذ أعظم سُمِّي رسميًّا فيها.
وكانت الماسونية عند أول عهدها في فرنسا لا يُقبَل فيها إلا العلماء والأشراف وسراة البلاد الذين اشتهروا بالفضيلة والاستقامة، فكانت معززة لا شيء يكدر اجتماعاتها.

اضطهاد لويس الخامس عشر للماسونية

وما زالت كذلك حتى أجيز للأواسط والأسافل الالتحاق بها، فتطرقت سموم الفساد إلى مادتها، فأتيح لأعدائها الوشاية بها إلى أولي الأمر وذوي السيادة، فوشي إلى لويس الخامس عشر من كاهنه الخاص أنها جمعية مفسدة في الناس، ويُخشى على البلاد من شرها، فأصدر منشورًا سنة ١٧٣٧ مآله: «أن المحافظة الكلية على الأسرار الماسونية أوجبت الظن في أن وراءها مقاصد مخيفة، فكل الرعايا الأمناء ممنوعون من التداخل فيها، أو الانضمام إليها»
ومنع جميع الأشراف الملتحقين بالماسونية من الحضور في مجلسه، إلا أن هذه الاضطهادات لم تكن إلا لتزيد أولئك الأشراف رغبة في التمسك بحبالها، فكانت المحافل تجتمع سرًّا وعدد الطالبين يزداد يومًا فيومًا، وقد أخذ بناصرها على الخصوص أغنياء الإنكليز المقيمون في باريس، وبالغوا في جسارتهم، حتى إن بعضهم كانوا لا يبالون بالتصريح أن المحفل الأعظم سيجتمع في يوم كذا لانتخاب أستاذ أعظم مثلًا، فبلغ البوليس شيء من ذلك، فاغتنم فرصةً باغت فيها الإخوة في إحدى جلساتهم في ١٠ سبتمبر (أيلول) سنة ١٧٣٧، وقبض على إحدى لوحات «وقائع» جلساتهم ونشرها على العموم، بعد أن فرض عليهم جزاء نقديًّا دفعوه فورًا.
نعم، إن مثل هذه المعاملات لم تكن كافية لإيقاف هذه الجمعية عن الاجتماعات وتبادل شعائر الإخاء، إلا أنها حملتها على السعي وراء تكثير عدد أعضائها، الأمر الذي أوجب تساهلها في انتقاء الطالبين، فكثر فيها الأعضاء الذين لم يكونوا على شيء من مقاصد هذه الجمعية، فساد الفساد، ثم ترأس عليها مَن لم يكن أهلًا للرئاسة، فتنحى عنها الأعضاء العلماء والأشراف، فأمست ألعوبة في أيدي الرعاع وسَفَلَة القوم.
لكنها مع ذلك لم تذعن لأوامر لويس الخامس عشر؛ لأنه ظهر في إحدى الجرائد بتاريخ ١٢ فبراير (شباط) سنة ١٧٣٨ أن الجمعية الماسونية احتفلت احتفالًا فاخرًا في لينفيل في ٢٤ يونيو (حزيران) من تلك السنة، حصل فيه استعفاء الأستاذ الأعظم هرنوستر وانتخاب دوك أوتين بدلًا منه.
وكانت أشغال هذه المحافل مشابهة لأشغال المحافل الإنكليزية، ولا تشتغل إلا بالدرجات الثلاث الرمزية.

اضطهاد أحبار رومية للماسونية

ولم ينحصر اضطهاد الماسونية في محل نشأته، لكنه امتد إلى أنحاء بعيدة؛ فإن البابا أكليمندس الثاني عشر شكَّل مؤتمرًا من كرديناليته للبحث في أمر الاجتماعات الماسونية، وفي ٢٨ أبريل (نيسان) سنة ١٧٣٨ أصدر منشورًا شديد الوطأة تهدد فيه الكهنة وغير الكهنة بالحرم إذا انضموا إلى تلك الجمعية، أو أخذوا بناصرها، أو سعوا إلى نشرها في بيوتهم أو في محل أشغالهم، إلا أن هذا المنشور قد ذهب أدراج الرياح في فرنسا، وربما كان ذلك لانتصار فريدريك الأعظم ملك بروسيا لها. ومثل ذلك كان نصيب منشور البابا بنيدكت الرابع عشر.

اضطهادات أخرى واختلال في الأعمال

وجماعة البوليس في فرنسا كانوا قد أنشئوا سنة ١٧٣٥ جمعية دَعَوها «جمعية نوح» إشغالًا للناس عن الماسونية، وقد حاولوا بتعاليمهم فيها إثبات تسلسل الماسونية من اجتماعات الصليبيين. ثم إن ميشال أندرو رمسي خطب خطابًا سنة ١٧٤٠ حاول فيه إيضاح فائدة هذه الجمعية إيقاعًا بالماسونية، وأدخل إليها الدرجات العليا تعزيزًا لها وبرقشة على أعين الأشراف من الإخوة، فأحدث علامات وكلمات للتعارف بين الأعضاء، وعلى مثل ذلك نشأت الدرجات العليا في الماسونية، وكان رمسي من أشد منشطيها.
ثم توفي دوك لوتين وانتُخِب بدلًا منه كونت كليرمون بأصوات رؤساء ١٦ محفلًا.
ولا يخفى أن الكونت كليرمون ترأس على الماسونية — وهي على ما علمت من الاحتياج إلى الإصلاح — فجعل يتحرى تحريًّا دقيقًا في انتقاء الطالبين، ويُكثِر من التشديد في منح البراءات لإنشاء محافل حديثة، واقتصد بقدر الإمكان في النفقات الباهظة التي كانت تُبذَل في الاحتفالات والولائم، وبالجملة جعل يسعى إلى كلِّ ما مِن شأنه إصلاح الماسونية وإرجاعها إلى سابق أحوالها من النظام والمواظبة والاستقامة.
ومن جملة ما كان جاريًا في المحافل أنهم لم يكونوا يدوِّنون وقائع جلساتهم، وقد كان للرؤساء أن يتصرفوا في إدارة المحفل وماليته كيف شاءوا، وأن يقيموا على كرسي الرئاسة أيًّا كان لا يلاحظون شيئًا من أهليته. فقد كان الفساد سائدًا في الماسونية إلى حد أنهم كانوا يُصدِرون المنشورات والبراءات تزويرًا، ويجعلون تاريخها أقدم مما هو بمئات من السنين، فبعض المحافل جعل تاريخ براءته سنة ١٥٠٠، وبعضهم جعلها أقدم من ذلك، والسبب أن المحفل الأعظم لم يكن يقوى على تنفيذ سلطته، والأستاذ الأعظم الكونت كليرمون لم يكن يجسر على المظاهرة بالعمل في سبيل الماسونية.

سَنُّ النظامات والقوانين

وفي نحو سنة ١٧٤٤ قرَّر المحفل الأعظم الإنكليزي في فرنسا سَنَّ قانون جديد، فعيَّن لجنة من أفاضل الأعضاء فكتبوه، فكان مؤلَّفًا من عشرين مادة، منها ١٩ مأخوذة من لائحة النظامات الإنكليزية التي كُتِبت سنة ١٧٢٣ وسنة ١٧٣٨ كما تقدَّمَ، مع إصلاحها على ما يناسب الزمان والمكان، والمادة العشرون مستحدثة قد وُضِعت بناءً على مقتضى الحال، ونصُّها:بناءً على ادِّعَاء كثير من الإخوة أنهم أساتذة اسكوتلانديون، وطلبهم بمقتضى ذلك حقوق وامتيازات رسمية في محافل خصوصية، الأمر الذي لم نَرَ له أثرًا في السجلات القديمة المنتشرة في كل المحافل على سطح الكرة الأرضية، وملافاةً لتفاقم الخطب وحفظًا للنظام الذي لا بد منه بين الإخوة البنَّائين الأحرار، نصرِّح أن أولئك المدَّعِين لا تُقبَل دعواهم، ولا يمكن التسليم لهم بما يطلبونه من الحقوق المقدسة إلا بعد اشتغالهم بوظائف معينة في المحفل الأعظم أو المحافل الأخرى الفرعية، وإلا فإنهم لا فرق بينهم وبين التلامذة والرفاق، وليس لهم ما يتميزون به عنهم.
ومثل هذه العبارات تدل دلالة صريحة على أن ما يسمونه بالدرجات السكوتسية لم تظهر إلا في ذلك العهد، وبمراجعة جميع التقارير والمنشورات القديمة لا يوجد لها ذكر، إلا ما لمَّح إليه رمسي في خطابٍ ألقاه سنة ١٧٤٤. وكانوا يسمون هذه الدرجة في الماسونية الدرجة الرابعة.
وعلى مثال ذلك نشأت الدرجات العليا، إلا أن أصل نشأتها بالتدقيق فغير معروف تمامًا؛ لفقدان الأوراق الماسونية التي كان يمكن الاهتداء بها إلى شيء من ذلك. لكن المظنون أن دعاة عائلة ستيورت، وفيهم الجزويت، كانوا يسعون إلى إعادة هذه العائلة إلى التملك في اسكوتلاندا، فاستنجدوا الماسونية، فأَبَتْ خيانة ملكها والسعي إلى استبداله، فلم يَرَ أولئك أولى من أن يجمعوا إليهم مَن كان على دعوتهم من الماسونيين، وأن يجتمعوا معًا في حالةٍ غير حالة الاجتماعات الماسونية الاعتيادية، فاستحدثوا طريقة دَعَوها بالدرجات العليا، وذلك سنة ١٧٣٦، وجعلوا يمدون سطوتهم إلى الأنحاء البعيدة، فلم يجدوا لها أنسب من فرنسا؛ لأنها كانت فيها على ما علمت من الانحطاط وسفالة الأعضاء، وقد صادفوا نجاحًا لمشروعهم، فأقدم الفرنساويون على الاشتراك في تلك الدرجات، واتفق وجود رمسي الخطيب المشهور هناك، فخطب ونشَّط تلك الاجتماعات، فازداد الفرنساويون رغبة في الأمر. ثم إن الذين جاءوا بعد ذلك أتموا تلك الاختراعات؛ ففي سنة ١٧٤٣ اختُرِعت درجة قادوش في مدينة ليون.
أما درجة الفرسان الهيكليين فكانت في أيام الصليبيين وأُلغِيت سنة ١٣١١، لكنها عادت إلى الظهور في نحو سنة ١٧٤٠، عندما نُفِي فرسان مالطا لداعي تهمتهم بالاشتراك مع الماسونيين.
وقِسْ على ما تقدَّمَ كثيرًا من الدرجات العالية التي استُحدِثت في الماسونية، وكان لكلٍّ منها غرض في حينه، ولذلك ترى بالمقابلة أنها لا تنطبق بعضها على بعض، وربما خالفت في بعض الأحوال مبادئ الماسونية الحقيقية، الأمر الذي يجعل لغير الماسونيين بابًا للانتقاد والتنديد.
وقد صادقت هذه الدرجات ترحابًا عظيمًا في فرنسا، ففتح لها الماسون هناك صدورًا رحبة، وأغفلوا الدرجات الثلاث الأصلية التي هي بالحقيقة الدرجات الماسونية الحقة، وربما كان ذلك لجهلهم الغرض الشريف المقصود منها؛ فعكفوا على الدرجات العليا، فضربوا الأثلاث وجمعوها، فكانت لهم درجة ٩ وهي ٣ × ٣، ودرجة ٣٣، ودرجة ٩٠، وجعلوا لكلٍّ من هذه الدرجات إشارات وكلمات ورموز خصوصية، فرغب الناس في الانضمام إليها، ولا تزال تلك الرغبة شديدة في كثيرين إلى هذا اليوم.
فعلى مثل ما تقدَّمَ نشأت الدرجات العليا، ولمثل هذه الغايات أُنشِئت، على أن ذلك لا يمنع كونها الآن على خلاف ما ذُكِر؛ لأن الجماعات مؤلَّفة من الأفراد، فتختلف مقاصدها باختلاف مقاصد أولئك الأفراد.
فإذا كان شأن الماسونية الحرة في فرنسا على ما تقدَّمَ، لا نعجب إذا رأينا البوليس يتتبع خطواتها ويجعل في طريقها العثرات، فإنه في ٥ يونيو (حزيران) سنة ١٧٤٤ أكثر من التحريات عن الاجتماعات، فباغت اجتماعًا في باريس شتَّت شمل أعضائه.
وفي سنة ١٧٤٤–١٧٤٧ نُشِرت في حق الماسونية منشوراتٌ عديدة تتهمها بالتداخل في الأعمال السياسية والدينية. وعلى هذه المنشورات بُنِي كلُّ ما تبع ذلك من الاضطهاد.
وقد كان من نتائج تلك الاضطرابات في فرنسا تعداد المحافل والمدارس الماسونية، ففي سنة ١٧٥٤ أُسِّس مجمعٌ٤ من الدرجات العليا على مثل نظام الفرسان الهيكليين، انضم إليه عدة من سراة البلاد ورجال الدولة، وكان يُعرَف باسم «مجمع كليرمون»؛ لأن اجتماعاته كانت تلتئم في مدرسة كليرمون الجزويتية، وكان للجزويت باعٌ طولى في تأسيس ذلك المجمع.

تسمية المحفل الأعظم الفرنساوي

وكانت محافل فرنسا إلى ذلك العهد تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي القائم في باريس. ففي ٤ يوليو (تموز) سنة ١٧٥٥ أقروا على تسميته «المحفل الأعظم الفرنساوي»، باجتماع الآراء في جلسة رسمية قانونية، وأقروا في تلك الجلسة على قبول لائحة القانون الجديد، وهي تشتمل على ٤٤ مادة، وفيها درجات الاسكوتلانديين، ويستدل من نصوص بعض المواد أن من موضوعها المساعدة في نشر الكثلكة، ونص المادة الثانية يُوجِب تعميد الطالبين.
وفي سنة ١٧٥٦ تشكَّل المجمع الأول الفرنساوي تحت اسم «فارس المشرق»، ومن قوانينه أن أعضاءه يُدعَون أمراء وسلاطين.
وفي سنة ١٧٥٨ نشأ مذهب جديد مؤلَّف من ٢٥ درجة، وتألَّف منه مجمع دعا نفسه «مجلس شورى إمبراطوري المشرق والمغرب»، وأعضاؤه ملوك وأمراء ماسونيون، وانتشر هذا المذهب في أنحاء كثيرة من أوروبا.
وفي سنة ١٧٦٣ أخذ بنسمايل رئيس محفل لاكندور في متس في نشر درجات هذا المذهب، وبينها درجة «القنطرة الملوكية» ودرجة «الصليب الوردي» وهي مستحدثة في ذلك الوقت، وقد قال أحد المؤرخين إن هذه الدرجة «يعني الصليب الوردي» ليست شيئًا آخَر سوى مذهب الروم الكاثوليك منتظمًا على شكل الدرجة.

اختلافات داخلية

ثم أخذ إمبراطورو المشرق والمغرب وأمراؤهما أن ينقسموا فيما بينهم، فنشأ انقسام المحافل. وملافاةً للعاقبة أصدر المحفل الأعظم الفرنساوي أمرًا عاليًا في ٢٤ أوغسطس (آب) سنة ١٧٦٦، مآله: مقاومة الدرجات العليا ومجامعها، ومنع المحافل الرمزية من اعتبارها بصفة رسمية، وأرسل هذا القرار إلى المحفل الأعظم الإنكليزي فصادق عليه، وجرت بينهما في سنة ١٧٦٧ مخابرات رسمية آلَتْ إلى عقد معاهدة مآلها: أن لا يصرِّح أحدهما بإنشاء محافل فرعية تحت رعايته في البلاد التي هي تحت رعاية الآخَر. إلا أن هذه المعاهدة لم تَكَدْ تظهر قبل أن تفاقم الخطب في المحافل الفرنساوية، وزاد انقسامها فآلَ الأمر إلى إنشاء محفل أعظم ثاني. وكيفية ذلك أن كلًّا من الحزبين بالغ بالقحة، حتى إنه جعل يطعن بالآخَر جهارًا في المطبوعات العمومية، فتداخلت الحكومة المحلية في المسألة، فأمر المحفل الأعظم جميع المحافل أن تتوقف عن الاجتماع، غير أن ذلك لم يمنع بعضها من الاجتماع سرًّا؛ فلم تَأْتِ سنة ١٧٧١ حتى تأسست محافل أخرى، إما من تلقاء ذاتها، أو برخصة من الأستاذ الأعظم، أو بإقرار من رؤساء المحافل الفرعية، فنشأ نحو من ٣٠ محفلًا في باريس وأقاليمها، ولا يخفى أن كثيرًا من الإخوة في فرنسا كانوا لا يزالون يتذكرون علاقتهم مع إنكلترا، بل كانوا يعتبرون سيادتها عليهم، فأنشئوا محفلًا أعظم ثانيًا لم يمكث طويلًا.
وفي يونيو (حزيران) من تلك السنة توفي الأستاذ الأعظم كونت كليرمون، وهو لم يَأْتِ على شيء من الإصلاح. وقبل وفاته تمكن كثيرون من الإخوة القدماء من الأشراف وأعضاء البرلمان من تثبيت المحفل الأعظم الفرنساوي بعض التثبيت، وتقرَّبَ كثير من الإخوة المنفيين من المحفل الأعظم بوسائط مختلفة، وأَبْدَوا إخلاصهم وأملهم بإصلاح الأحوال. وفي اجتماع ٢١ يونيو (حزيران) من سنة ١٧٧١ قَبِل المحفل الأعظم بعض هؤلاء الإخوة وأعادهم إلى حضنه، في اجتماعٍ عُقِد تحت رئاسة ثلاثة من الإخوة الأساتذة القدماء، وقرَّروا في ذلك الاجتماع وجوب الإعمال على انتخاب أستاذ أعظم.

تنظيمات جديدة واتفاق المحافل والمجامع

ففي ١٤ أوغسطس من تلك السنة (١٧٧١) انتُخِب موظفو المحفل الأعظم، وقُدِّم في تلك الجلسة لائحة قوانين مؤلَّفة من ٥٣ و٤١ مادة، فتقرر قبولها ووقَّعَ عليها النائب الأعظم.
وتختلف مواد هذه اللائحة عن التي كانت قبلها باعتماد طريقة التنويب، واتحاد المحافل في تقرير المسائل العمومية المبنية على القانون.
وفي ١٧ ديسمبر (كانون الأول) من تلك السنة تقرَّر تعيين ٢٢ رقيبًا أعظم إقليميين، على أن يبقوا في تلك الوظيفة ثلاث سنوات متتابعة. أما واجباتهم فزيارة المحافل، ومراقبة تنفيذ القوانين فيها، مع تعيين مقدار شغل كلٍّ منها، وأن يقدِّموا كل ثلاثة أشهر عند اجتماع المحفل الأعظم تقريرًا فيما راقبوه وعرفوه.
وفي ٥ أبريل (نيسان) سنة ١٧٧٢ انتُخِب دوك شارترس للرئاسة العظمى في المحفل الأعظم، وقد قَبِل تلك الوظيفة على نية توحيد الدولة الماسونية، ولم تكن مقاصده محصورة في المحفل الأعظم فقط، ولكنها كانت شاملة لمجامع الدرجات العليا التي يرأسها إمبراطورو المشرق والمغرب، وقد تقرَّر ذلك حسب مرغوبه في ٩ أوغسطس (آب) من تلك السنة.

إنشاء الشرق الأعظم الفرنساوي

ولمَّا تمَّ قرار ٩ أوغسطس على ما رأيت تعيَّنت لجنة من قدماء الإخوة للنظر في بعض الإصلاحات؛ تخلُّصًا مما كان يُخشَى وقوعه من الشرور.
وفي ١٧ سبتمبر من تلك السنة تفرَّق في المحافل منشورٌ يُنسَب فيه الانقسام الذي كان حاصلًا إلى تطلُّب الدرجات العليا امتيازات خصوصية، فبحثت تلك المحافل في جلساتها التي انعقدت أثناء سنة ١٧٧٣ بالمواد التي وضعت بشأن إعادة الامتيازات.
وفي ٩ مارس (آذار) التأَمَ المحفل الأعظم تحت رئاسة دوك لكسمبرج، وصادق على تسمية ذلك المحفل الذي تألَّفَ من اتحاد الفئتين «المحفلَ الأعظم الوطني».
وما زال المحفل الأعظم الوطني يجتمع بانتظام. وقد قرَّر بنودًا كثيرة طُبِعت ومنشورات فيها ملخص أعماله، تفرَّقت في المحافل في سائر المملكة الفرنساوية، وفيها ما نصه:إن رؤساء المحافل الباريسية قد بلَّغتكم تعيين سمو دوك شارترس رئيسًا أعظم، والأخ الشهير دوك لكسمبرج مدبرًا عامًّا للماسونية في فرنسا. وبناءً على اقتضاء الأحوال قد تعيَّنَتْ لجنةٌ من ثمانية مندوبين بإقرار الرؤساء في باريس، لكي ينظروا في قضيةٍ قد مَرَّ عليها ستة أشهر وهي في مجال البحث. ثم إن الدعوة التي دُعِيتموها بالمنشور للاجتماع في اللجنة، فقد حضر مندوبوكم إليها وأظهروا أهليتهم، والتأموا في اجتماع ٥ مارس (آذار) سنة ١٧٧٣. ثم في الاجتماع التالي الذي انعقد في ٨ من الشهر المذكور أظهروا قبولهم، وصادقوا على انتخاب سمو الأستاذ الأعظم وحضرة المدبر العام، وقد أقروا مع إخوانهم في باريس على السعي الشديد بما فيه خير العشيرة.
وفي ٩ منه اجتمع مجلس من نوَّاب الأقاليم تحت رئاسة المدبر الأعظم، وتداولوا مع المندوبين المنتخبين من رؤساء المحافل في باريس، ثم سار سبعة من الإخوة تحت رئاسة المدبر الأعظم إلى الأستاذ الأعظم يطلبون مصادقته فنالوها، فعرضوا على الجلسة القوانين التي كان ألَّفها مندبو محافل باريس، فتعيَّنت لجنةٌ من تسعة إخوة لتفحصها.
ونظرًا لشدة غيرة المحترمين في باريس، ورغبتهم في العمل في سبيل النفع العام، قد اجتمعوا في خمسة أقسام لتعيين أربعة عشر مندوبًا؛ لينوبوا عنهم في الاجتماع العام، فاجتمع هؤلاء المندوبون مع نوَّاب الأقاليم ونوَّاب باريس بالنيابة عن جميع الماسون الفرنساويين التابعين للمحفل الأعظم الوطني، وقرَّروا استحسان تلك القوانين اعتمادًا على أنها تئول إلى ملافاة التهورات التي كان يُظَن تطرُّقها إلى الإدارة السابقة، وكان غرضهم الأول إقامة الحد، فاستدعوا رؤساء الأقاليم لمشاركتهم في الاستيلاء على حققوهم وامتيازاتهم.
وخشية أن يكون في تجديد انتخاب المتوظفين ما يكدِّر الاتفاق تركوه للمدبر الأول، الذي له الأفضلية في كل الاجتماعات، ثم نظروا في أمر المالية، وقرَّروا جمع مبالغ وصَرْفها في سبيل احتياجات المحافل التي هي تحت المحفل الأعظم الوطني الفرنساوي، وقد كان بين موظفي المحفل الأعظم الوطني المذكور عدد من الأشراف، كالأستاذ الأعظم دوك شارترس، والمدبر الأعظم دوك مونت مرنسي لكسنبرج، والمحافظ الأعظم الكونت بوزنسوا، ونائب الأستاذ الأعظم البرنس روجان، والخطيب الأعظم بارون دي لاشفالري، والمرشد الأعظم البرنس بكناتِلِّي، وهذا الأخير تعيَّن سنة ١٧٧٠ من قِبَل المحفل الأعظم الإنكليزي أستاذًا أعظم في نابولي وسيسيليا وغيرهما.
وفي ٣٠ أوغسطس (آب) نهض المحفل الأعظم القديم إلى إقامة الحجة، وصرَّح أن المحفل الأعظم الوطني غير قانوني، وأن الأساتذة المترأسين على المحافل مشتركون معه بذلك، فكان المحفل الأعظم القديم عثرة في طريق المحفل الوطني، ولا سيما بقطع المخابرات؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الإخوة المنضمين إليه حديثًا، وكانت الدفاتر والسجلات والمذكرات المهمة لا تزال في مكتب كاتب سر المحفل الأعظم القديم، ولذلك لم يكن في وسع المحفل الأعظم الوطني الإجابة على شيء مما كانت تسأله عنه المحافل من تلك الأوراق.
وقد اجتهد المحفل الأعظم الوطني بوسائط مختلفة مع أعضاء المحفل الأعظم الآخَر بين استعطاف وتهديد لكي يسلموا تلك الأوراق، فذهبت كل مساعيه أدراج الرياح، فآلَ الأمر إلى تداخل الحكومة، فتوجَّه اللورد لكسمبرج إلى وكيل البوليس، وطلب إليه أن يقبض على أمين ختم المحفل الأعظم ويُلقِيه في السجن مع كثير من الأعضاء غيره، ولم تكن النتيجة إلَّا زيادة العداوة بين الجانبين وسقوط كثير من المحافل. ثم أُطلِق المسجونون وقد زاد إصرارهم على التوقف في تسليم الأوراق.
هذه حالة الماسونيَّة في فرنسا سنة ١٧٧٣، وقد كانت على مثل ذلك في إنكلترا وجرمانيا.
وقد كانت لائحة القوانين وقرار ٥ مارس لا يزالان بدون مصادقة الأستاذ الأعظم دوك شارترس، فتعيَّنت لجنة من أربعة إخوة متوظفين توجَّهوا لمقابلة الأستاذ الأعظم وطلب مصادقته، فرفض مقابلتهم انتقامًا لما سبق في حقه من الاستهزاء عند استلامه زمام الرئاسة، فعادوا إليه ثانية، فرفض أيضًا. وما زالوا يسعون إلى غرضهم حتى ١٤ أكتوبر؛ إذ جاءوا إليه بحيلة تهنئته بمولودٍ له جديد، ولما قابلوه عرضوا ما جاءوا من أجله وطلبوا إليه تعيين يوم مخصوص لأجل تنصيبه، فعُيِّن يوم ٢٢ أكتوبر لذلك.
وفي اليوم المعيَّن حصل احتفال التنصيب، وأقسم الموظفون على إخلاصهم، فثبَّتهم الرئيس الأعظم ثم صادق على اللائحة وسائر القرارات وختمها بختمه.
ومن يوم تنصيب الأستاذ الأعظم أُبْطِل اسم «المحفل الأعظم الوطني»، وعُوِّض عنه باسم «الشرق الأعظم الفرنساوي»، فأخذ من ذلك الحين في تنظيم شئون الماسونية، فقرَّر أن المحافل التي لا يكون لديها براءة من الشرق الأعظم لا تُعتبَر قانونية، فاضطر كثير من المحافل القديمة أن تجدِّد براءتها.
ثم تراءى للإخوة النظر في أمر تحوير الدرجة العليا، وعيَّنوا لذلك لجنة، إلا أن المحافل لم يكن لها رغبة في ذلك، وإنما رغبتهم كانت بالدرجات الرمزية الثلاث فقط، وفي ١٠ يونيو (حزيران) سنة ١٧٧٤ قرَّر الشرق الأعظم إنشاء محافل لقبول النساء.
وكان الشرق الأعظم في بادئ الرأي يلتئم في بيوت بعض الإخوة، ثم استأجروا له بناءً كبيرًا كان مدرسةً للجزويت، وانتقلوا إليه في ١٢ أوغسطس (آب) سنة ١٧٧٤.
المصدر :
من کتاب / تاريخ الماسونية العام / جُرجي زيدان
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.