كانت المواقف الأخيرة التي وقفها الإمام الحسين (عليه السّلام) في وجه معاوية تعتبر تباشير التحرّك المضادّ ضدّ مخطّطات معاوية.
وبالرغم من أنّ الإمام (عليه السّلام) لم يُطاوع أحداً ممّن دعاه إلى خلع معاوية ، إذ كان امتداداً لمواثيق أخيه الإمام الحسن (عليه السّلام) ، ومن الموقّعين على كتاب الصلح مع معاوية حتّى لو أنّ معاوية قد نقض العهد وخالف بنود الصلح في أكثر من نقطة ، إلاّ أنّه بدهائه ومكره كان قد لبَّس نفسه ثوباً من التزوير لا يسهل اختراقه ، وكان يحتال على الناس بالتحلّم والتظاهر مستعيناً بالوضّاعين من رواة الحديث وبالدجّالين من أدعياء العلم والصحبة والزهد ، ممّا أكسبه عند العامّة العمياء ما لا يُمكن المساس به بسهولة.
إلاّ أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) استغلّ موضوع تنصيب معاوية يزيد مَلِكاً ، وإلزامه الناس بالبيعة له ، إذ كان هذا مخالفة صارخة لواحد من بنود الصلح ، مع مخالفته للأعراف السائدة بين المسلمين ممّا لا يجهله حتّى العامة ، وهي كون الصيغة التي طرحها للخلافة من بعده مبتدعةً لم يسبق لها مثيل.
ثم «يزيد» بالذات لم يكن موقعاً للأهليّة لمثل هذا المنصب الحسّاس ، بل كان معروفاً بالشرب واللعب والفجور بشكل مكشوف للعامة.
وكانت هذه المفارقات ممّا يُساعد الإمام الحسين (عليه السّلام) على اتّخاذ موقف مبدئي جعله هو المنطلق للتحرّك كما تناقله الرواة ، فقالوا :
لمّا بايع معاوية بن ابي سُفيان الناسَ ليزيد بن معاوية كان حسين بن عليّ بن أبي طالب ممّن لم يبايع له (1).
وبالرغم من وضوح أهداف الإمام لمعاوية ، وحتّى لمروان والّذين يحتوشونه ، حتّى إنّهم أعلنوا عن تخوّفاتهم وظنونهم بأنّ الإمام (عليه السّلام) يفكّر في حركة يسمّونها «نزوة» أو «مرصداً للفتنة» وما إلى ذلك ، لكنّهم لم يُقْدموا على أمر ضدّه ، ولعلّ معاوية كان يُحاول أن يقضي عليه بطريقته الخاصّة في الكيد والمكر ، إلاّ أنّ سرعة الأحداث ومجيء الأجل لم تمهله لذلك.
فكانت مواجهة الحسين (عليه السّلام) وصدّه من آخر وصايا معاوية لابنه يزيد ، كما كانت هي من أُولى اهتمامات يزيد نفسه ، ففي التاريخ :
توفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين ، وبايع الناس ليزيد فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أُويس العامري إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وهو على المدينة ـ : أن ادعُ الناسَ فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكن أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ بن أبي طالب..
فبعث الوليد بن عتبة من ساعته ـ نصف الليل ـ إلى الحسين بن عليّ (عليه السّلام).
إنّ اهتمام يزيد وتأكيده بأخذ البيعة أوّلاً من الحسين (عليه السّلام) ، واستعجال الوالي بالأمر بهذا الشكل لم يكن إلاّ لأمر مبيّت ومدبّر من قبل البلاط ورجاله. ولا بُدّ أنّ الإمام (عليه السّلام) كان قد قدّر الحسابات ، فلّما طلب الوالي منه البيعة رفضها وقال له : «نصبح فننظر ما يصنع الناس ، ووثب فخرج» كما جاء في نفس الحديث السابق.
ويبدو أنّ الوليد الوالي لم يكن متفاعلاً بشدّة مع الأمر ، أو أنّه لم يكن متوقّعاً لهكذا موقف من الإمام ، لأنّه لما تشادّ مع الحسين في الكلام قال الوليد : إن هجنا بأبي عبد الله إلاّ أسداً.
ولكنّها هي الحقيقة التي وقف عليها معاوية في حياته وأطلقها وإن كان الوليد لم يعرفها إلاّ اليوم.
وتتمة الحديث السابق : وخرجَ الحسين من ليلته إلى مكّة ، وأصبحَ النّاس وغدوا إلى البيعة ليزيد ، وطُلِبَ الحسين فلم يوجد (2).
وهكذا أفلت الحسين (عليه السّلام) من والي المدينة ، وفيها مروان بن الحكم العدوّ اللدود لآل محمّد ، والذي كان يحرّض الوالي على قتل الحسين (عليه السّلام) في نفس تلك الليلة إن لم يُبَايع.
وخرج الحسين (عليه السّلام) إلى مكّة التي هي أبعد مكان من الأزمة هذه ، والتي سوف يتقاطر عليها الحُجّاج لقُرب الموسم فتكون قاعدةً أفْسح وأوسع للتحرّك الإعلاميّ في صالح الحركة.
وعلى أبعد احتمال كان الحسين (عليه السّلام) يُجَرُّ إلى المواجهة المسلّحة مع رجال الدولة في منطقة الحرم ، ذلك الأمر الذي لا يريده الحسين (عليه السّلام) ، بل يربأ بنفسه أن يقع فيه .
فلذلك عزم على الخروج من مكّة.
فخرج متوجّهاً إلى العراق ، في أهل بيته وستّين شيخاً من أهل الكوفة ، وذلك يوم الإثنين في عشر ذي الحجّة سنة ستّين.
ولا بُدّ أنّ أجهزة الحكم كانت تلاحق الحسين (عليه السّلام) وتراقب تحرّكاته ، ويحاولون صدّه عن ما يريد ، وبالخصوص توجّهه إلى منطقة الكوفة في العراق التي تعتبر عند حكّام الشام أرض المعارضة الشيعيّة العلوية ، وإذا أفلت الحسين (عليه السّلام)منهم فلا بُدّ من وضع العراقيل في طريقه حتّى يتراجع ولا يخرج إلى العراق.
ومن الملاحظ في طريق الحسين (عليه السّلام) كثرة عدد «الناصحين» له (عليه السّلام) بعدم الخروج إلى العراق ، وتكاد كلمتهم تتّفق على السبب ، وهو «أنَّ أهل العراق أهل غدر وخيانة ، وأنّهم قتلوا أباه وطعنوا أخاه».
ومن الغريب أن نجد في الناصحين القريب والغريب ، والشيخ والشاب ، والرجل والمرأة ثم نجد الصحابي والتابعي ، والصديق والعدوّ ، ومن جهة اُخرى نجد إجابة الإمام الحسين (عليه السّلام) لكلّ واحد تختلف عن إجابته للآخر ، ولكنّ الحقيقة واحدة ، وسكت عن إجابة البعض!
وأمّا تفصيل الأمر : جاءه أبو سعيد الخُدْري فقال :
يا أبا عبد الله ، إنّي لكم ناصح ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغني أنّه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج ، فإنّي سمعتُ أباك يقول بالكوفة : «والله لقد مللتُهم وأبغضتُهم ، وملّوني وأبغضوني ، وما بلوت منهم وفاءً ، ومَن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب» ، والله ما لهم ثبات ، ولا عزم أمر ، ولا صبر على سيف ، ولم يذكروا جواب الإمام الحسين (عليه السّلام) لأبي سعيد ، الصحابي الكبير ، ولعلّ الإمام (عليه السّلام) تغافل عن جوابه ، احتراماً لكبر سنّه ، أو تعجّباً منه لعدم تعمقّه في الأُمور ، وعدم تفكيره فيما أصاب الإسلام وما يهدّده من أخطار بقدر ما كان يفكر في سلامة الحسين (عليه السّلام).
وقال عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة :
أين تريد يابن فاطمة؟! إنّي كاره لوجهك هذا ، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك حتّى تركهم سخطة وملّة لهم! أُذكّرك الله أن تغرّر بنفسك.
ولم يذكروا جواب الإمام (عليه السّلام) هنا أيضاً.
وقال أبو واقد الليثي : بلغني خروج حسين ، فأدركته بـ «مَلَل». فناشدته الله أن لا يخرج ، فإنّه يخرج في غير وجه خروج ، إنّما يقتل نفسه.
وقد ذكر جواب الحسين (عليه السّلام) لهذا أنّه قال : «لا أرجع» (3).
وكتب إليه المِسْوَر بن مخرمة :
إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق ... إيّاك أن تبرحَ الحرمَ ، فإنّهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك فتخرج في قوّة وعدة.
ويبدو أنّ المِسْوَر كان يعرف السبب الأساس لتوجّه الحسين (عليه السّلام) وخروجه ، وهذا يدلّ على مزيد من الارتباط والتداخل مع قضيّة الحسين (عليه السّلام) ، لكنّه ـ لجهله بمقام إمامة الحسين (عليه السّلام) ـ يتصدّى بهذه اللهجة لتحذيره.
ولعدم وجود سوء نيّة عنده يذكر خيانة أهل العراق ، ويقترح على الحسين (عليه السّلام) مخرجاً من التكليف ، وهو أن يترك العراقيّين ليقدموا بأنفسهم إلى الخروج إلى الحسين (عليه السّلام) ، وهذه نصيحة مشفق ، متفهّم لجوانب من الحقيقة وإن خفي عليه لبّها وجوهرها ، ولذلك نجد أن الحسين (عليه السّلام) كان ليّناً في جوابه ، فجزّاه خيراً وقال : «أستخير الله في ذلك» (4).
وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنَّه إنّما يُساق الى مصرعه ، وتخبره وتقول :
أشهدُ لحدّثتني عائشة أنّها سمعتْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «يُقتل حسين بأرض بابل» (5).
إن تدخّل هذه المرأة في الأمر غريب ، والنساء الأكبر منها قدراً والأكثر منها معرفة وحديثاً حاضرات ، والأغرب أنّها «تأمر» الإمام (عليه السّلام) «بالطاعة ولزوم الجماعة» ، وهذه اللغة إنّما هي لغة الدولة ورجالها والمندفعين لها ، ولا أستبعد أن يكون وراء تحريك هذه ـ وهي ربيبة عائشة والراوية لحديثها ـ أيد عميلة للدولة.
وقد كان جواب الإمام (عليه السّلام) لها إلزامها بما رَوَتْ ، فلما قَرأ كتابها قال : «فلا بُدّ لي إذاً من مَصْرعي» ، ومضى (عليه السّلام).
وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقال: إنّ الرحم تُصارّني (6) عليك ، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك؟
قال (عليه السّلام) : «يا أبا بكر ، ما أنت ممّن يُستغشَّ ولا يُتَّهم ، فقل».
قال : قد رأيتَ ما صنع أهل العراق بأبيك وبأخيك ، وأنت تريد أن تسير إليهم ، وهم عبيد الدنيا ، فيقاتلك مَنْ قد وعدك أن ينصرك ، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصر ، فاذكّرك الله في نفسك (7).
إنّ أبا بكر ـ حسب النصّ عن الحسين (عليه السّلام) ـ ليس هو متّهماً ، ولا يتوقع منه الغش كما يُتّهم غيره من «الناصحين» ، ثم يبدو أنّه إنسان بعيد النظر ، حيث تنبّأ بأُمور أصبحت حقيقةً ، فيبدو أنّه كان مخلصاً في نصحه ، ولذلك كان جواب الإمام الحسين (عليه السّلام) له أن قال :
«جزاك الله يابن عمّ خيراً ، فقد أجتهدت رأيك ، ومهما يقضِ الله من أمر يكنْ».
وكتب إليه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كتاباً يحذّره أهل الكوفة ، ويُناشده الله أن يشخص إليهم ، فكتب إليه الحسين (عليه السّلام)
: «إنّي رأيتُ رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمرني بأمر أنا ماضٍ له ، ولستُ بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي» (8).
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : إنّي أسأل الله أن يُلهمك رُشدك ، وأن يصرفك عمّا يُرديك ، بلغني أنّك قد اعتزمت على الشخوصَ إلى العراق ، فإنّي أُعيذك بالله من الشقاق ، فإنْ كنتَ خائفاً فأقبلْ إليّ فلك عندي الأمانُ والبرّ والصلة.
وعمرو هذا من الأُمراء الأقوياء في فلك الحكام ، وذو عدّة وعَدَد ، ويبدو من كتابه أنّه على ثقة من نفسه ، وأنّه إنّما كتب الكتاب مستقلاً ، وأمّا نيّته فلا يبعد أن يكون قد فكّر في التخلّص من الحسين (عليه السّلام) وحركته بنحو سلمي ، لأنّه كان ممّن يرشَّح نفسه للحكم ، أو هو محسوب على الحكم ولا يحبّ أن يتورّط في مواجهة مع الحسين (عليه السّلام) ، ومع هذا فهو جاهل بكلّ الموازين والمصطلحات الإسلاميّة ، فهو يحذّر الإمام من «الشقاق» ثمّ هو يُحاول أن يُطمع الحسين (عليه السّلام) في الأمان والبرّ والصلة.
وقد كتب إليه الحسين (عليه السّلام) جواباً مُناسباً هذا نصّه : «إن كنتَ أردتَ بكتابكَ إليَّ برّي وصلتي ، فجُزيتَ خيراً في الدنيا والآخرة.
وإنّه لم يُشاقق مَنْ دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنّني من المسلمين.
وخير الأمانِ أمانُ الله ، ولم يؤمِنِ الله من لم يَخَفْهُ في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا توجب لنا أمانَ الآخرة عنده» (9).
ومن العِبَرِ أنّ عمراً هذا اغترّ بأمان خلفاء بني أُميّة ، فغدروا به ، وقطّعوه بالسيوف ، ولم ينفعه أهله وعشيرته ، فخسر أمان الدنيا وأمان الآخرة.
ويبقى من الناصحين العبادلة : ابن عبّاس ، وابن عمرو ، وابن الزبير ، وابن عمر ، أمّا ابن عبّاس فلو صحّت الرواية فإنّ يزيد بن معاوية دفعه على التحرّك في هذا المجال ، وكتبَ إليه يخبره بخروج الحسين (عليه السّلام) إلى مكّة ، وقال له :
... وأنت كبير أهل بيتك ، والمنظور إليه ، فاكْفُفْه عن السعي في الفُرقة.
وتقول الرواية : إنّ ابن عبّاس أجاب يزيد ، فكتب إليه : إنّي لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ، ولستُ أدع النصيحة له في كلّ ما يجمع الله به الأُلفة وتُطفأ به النائرة.
وتقول الرواية : ودخل عبد الله بن العبّاس على الحسين (عليه السّلام) فكلّمه ليلاً طويلاً.
وقال : أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة ، لا تأتِ العراقَ ، وإن كنتَ لا بُدّ فاعلاً فأقم حتّى ينقضي الموسم ، وتلقى النّاسَ وتعلم على ما يصدرون ، ثمّ ترى رأيك.
وتحدّد الرواية تاريخ هذا الحديث في عشر ذي الحجّة سنة ستّين.
وتقول الرواية : فأبى الحسين إلاّ أن يمضي إلى العراق ، وقال لابن عبّاس :
«يابن العبّاس ، إنّك شيخ قد كبُرت». ثمّ خرج عبد الله من عند الإمام (عليه السّلام) وهو مغضب.
ولو صحّت الروايةُ فإنّ إقدام ابن عبّاس على هذا العمل ، وانبعاثه ببعث يزيد ، وأُطروحته بتأخير الحركة ، وسائر كلامه يدلّ على تناسي ابن عبّاس لمقام الحسين (عليه السّلام) في العلم والإمامة ، وعلى بُعده عن الأحداث ، فكان جواب الحسين (عليه السّلام) بأنّه «شيخ قد كبر» تعبيراً هادئاً عن فقده للذاكرة ، وقوّة الحدس ، وما اتصّف به ابن عبّاس من الذكاء طول حياته الماضية والتي كشفتْ عنها مواقفُه السامية ، مع أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) ذكر لابن عبّاس أمراً جعله يهدأ ، وهو قوله له :
«لأن أُقتلَ بمكان كذا وكذا أحبُّ إليّ أن تستحلّ بي» ، يعني مكّة.
فبَكى ابن عبّاس ، وكان يقول : فذاك الذي سلا بنفسي عنه (10) ، وهذا ما يُبعد كل ما احتوته تلك الرواية ، ولعل الرواة خلطوا بين ابن الزبير وابن عبّاس ، ولو كان يزيد تمكّن من تحريك شيخ بني هاشم في تنفيذ ما يُريد ، فكيف لغيره من البُلهاء والمغفَّلين ، أو البسطاء والمستأجرين؟!
وأمّا ابن عمرو بن العاص فلم تُؤثر عنه كلمة في «الناصحين» ، إلاّ أنّه قال لمّا سُئل عن الحسين (عليه السّلام) ومخرجه : أما إنّه لا يَحِيْكُ فيه السلاحُ (11).
ومعنى كلامه أنّه لا يضرّه القتل مع سوابقه في الإسلام ، لكنّ الفرزدقَ الشاعرَ استشعر من الكلام دلالةً أُخرى ، ولعلّه عدّها تشجيعاً على الخروج ، وتأييداً له وحثّاً عليه حتّى عدّ ذلك من ابن العاص نفاقاً وخبثاً.
وأمّا ابن الزبير فقد حشره بعض المؤرّخين في «الناصحين» ، وإنْ صحّت الرواية بذلك فهو بلا ريب ممّن «يُستغشُّ» في نُصحه ، لأنّه هو الذي شبّ على عداء أهل البيت النبويّ (عليهم السّلام) ، ودفع أباه في اُتون حرب الجمل ، ووقف مع عائشة خالته في وجه العدالة.
ولقد أبدى حقده وسريرة نفسه لمّا استولى على الحكم في مكّة ، فكان يترك الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) حسداً لآله ، وقد جمع آل أبي طالب في الشعب مهدّداً بالإحراق عليهم لمّا أبوا أن يبايعوه ويعترفوا بإمارته ، وقد كان يكيد للإمام زين العابدين (عليه السّلام) في المدينة (12) ، هذا الرجل لم يُحاول نصح الحسين (عليه السّلام) بعدم الخروج خوفاً عليه من قَتَلة أبيه وأخيه ، بل لا يذكر ذلك إلاّ شماتةً.
وقد أجابه الإمام الحسين (عليه السّلام) ـ كما في الرواية ـ متُناسياً هذا الماضي الأسود ، لكن مذكّراً إيّاه بمستقبل مشؤوم :
فقال له : «لأنْ أُقتلَ بمكان كذا وكذا أحبَّ إليَّ من أن تُستحلّ بي» ـ يعني مكّة ـ متنبئاً بتسبّبه في انتهاك حرمة البيت والحرم عندما يعلن طغيانه في داخل مكّة ويستولي عليها ، ممّا يفتح يد جيش الشام لانتهاك حرمتها ، بل رميهم للكعبة وهدمها ، بينما الحسين (عليه السّلام) قد خَرج من مكّة رعايةً لهذه الحرمة أن تهتك.
لكن هُناك نُقولٌ وأحاديث كثيرة تؤكّد على أنّ ابن الزبير لم يكن إلاّ من المشجّعين للحسين (عليه السّلام) على الخروج إلى العراق ، صرّح بذلك سعيد بن المسيّب ، واتّهمه بذلك بشدّة المِسْوَر بن مخرمة (13).
وأمّا ابن عبّاس فقد واجه ابن الزبير بذلك حين قال له :
يابن الزبير ، قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز ، وتمثّل : يالك من قُبَّرة iiبمعمرِ خلا لَك الجوّ فبيضي واصفري ونقّري ما شئتِ أنْ iiتنقّريْ وأمّا ابن عمر ، ذلك المتظاهر بالورع المُظْلم الذي لم يميّز به الحق ولم يبتعد عن الباطل ، ويُحاول بزعمه الانعزال عن الفتنة ، رغبةً في العفّة عن الدماء ، فإنّه كان أصغر من أن يجد الحل المناسب للخروج عمّا يدخل فيه إن أحْسَنَ أن يدخُلَ في شيء!
فهو على أساس من نظرته الضعيفة والملتوية امتنعَ عن مبايعة الإمام عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) المجمع على إمامته ، لكنّه يقصد الحَجّاج ليُبايعه ، زاعماً أنّه سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «من باتَ وليس في عُنقه بيعةٌ ماتَ ميتةً جاهليّة».
فمدّ الحجّاج إليه رجله يُبايعه بها ، وحاجَجَهُ في امتناعه عن بيعة عليّ (عليه السّلام) بأنّه لمَّا ترك بيعته (عليه السّلام) أما كان يخافُ أن يموت في بعض تلك الليالي ، فكان الحجّاجُ المُلحد أبصَر في ذلك من ابن عمر المتزهّد!
وهكذا يجرُّ الخذلانُ بعضَ الناس إلى العمى عن رؤية ما بين يديه وهو يدّعي أنّه يرى الأُفقَ البعيدَ.
وبعد هذه المواقف الهزيلة يأتي ابنُ عمر إلى الحسين (عليه السّلام) ليحشر نفسه في «الناصحين» له بعدم الخُروج إلى العراق.
زاعماً إنّ أهل العراق قومٌ مناكير ، وقد قتلوا أباك ، وضربوا أخاك ، وفعلوا وفعلوا ، ولمّا أبى الإمام (عليه السّلام) ـ بما سيأتي نقله ـ قال ابن عمر. : أستودعك الله من قتيل.
لكن كلّ ما ذكره ابن عمر لم يكن ليخفى على الحسين (عليه السّلام) نفسه ، لأنّه (عليه السّلام) كان أعرف بأهل الكوفة وما فعلوه ، حيث كان فعلهم بمنظر منه ومسمع ، وبغياب ابن عمر عن ساحة الجهاد ذلك اليوم ، فليس إلى تنبُّؤات ابن عمر حاجة.
واذا كانت نظرة ابن عمر عدم التدخّل في السياسة ، والانعزال عن الفتن ، فلم يكن تدخُّله اليوم ، ومحاولته منع الحسين من الخروج منبعثاً عن ذات نفسه ، وإنّما أمثاله من البله يندفعون دائماً مع إرادات الظالمين ولو من وراء الكواليس ، اُولئك الّذين كان ابن عُمر يُغازلهم ويتقرّبُ إليهم مثل معاوية ويزيد والحجّاج.
وما أجابَ به الإمامُ الحسين (عليه السّلام) هؤلاء الناصحين قد اختلف حسب الأشخاص وأهوائهم وأغراضهم ، ومواقعهم وقناعاتهم ، وقربهم وبُعدهم كما رأينا.
وأمّا الجواب الحاسم والأساس فهو الذي ذكره الإمام (عليه السّلام) في جواب الأمير الأُموي عمرو بن سعيد ، فقال :
«... إنّه لم يُشاقق مَنْ دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنّني من المسلمين» (14).
فإذا كان الحسينُ (عليه السّلام) خارجاً لأداء واجب الدعوة إلى الله ، فلا يكون خروجه لغواً ، ولا يحقّ لأحد أن يُعاتبه عليه ، لأنّهُ إنّما يؤدّي بإقدامه واجباً إلاهيّاً وضعه اللهُ على الأنبياء وعلى الأئمّة (عليهم السّلام) من قبل الحسين وبعده.
وإذا أحرز الإمام تحقّق شروط ذلك ، وتمَّتْ عنده العدّة للخروج من خلال العهود والمواثيق ، ومجموعة الرسائل والكتب التي وصلت إليه ، فهو لا محالة خارج ، ولا تقف أمامه العراقيل المنظورة له والواضحة فضلاً عن تلك المحتملة والقائمة على الفرض والتخمين ، مثل الغدر به وهلاكه ، ذلك الذي عرضه «الناصحون».
فكيف لو كان المنظور هو الشهادة والقتل في سبيل الله التي هيَ من أفضلِ النتائج المتوقّعة والمترقّبة والمطلوبة لمن يدخل هذا السبيل؟! مع أنّها مقضيّة ومأمور بها ، وتحتاج إلى توفيق عظيم لنيلها ، فهي إذاً من صميم الأهداف التي يضَعها الإمام أمام وجهه لا أنّها موانع لإقدامه.
وأمّا أهل العراق وسيرتهم ، وأنّهم أهل النفاق والشقاق ، وعادتهم الغدر والخيانة ، فتلك أُمور لا تُعرقل خُطّة الإمام (عليه السّلام) في قيامه بواجبه ، وإنّما فيها الضرر المتصوّر على حياة الإمام (عليه السّلام) ، وتمسُّ راحته.
وليس هذا مهمّاً في قبال أمر القيادة الإسلاميّة ، وأداء واجب الإمامة حتّى يتركها من أجل ذلك ، ولذلك لم يترك الإمام عليّ (عليه السّلام) أهل الكوفة بالرغم من استيائه منهم إلى حدّ الملل والسأم ، لكن لا يجوزُ له شرعاً أن يترك موقع القيادة وواجب الإمامة من أجل أخلاقهم المؤذية لشخصه.
وكذلك الواجب الذي أُلقي على عاتق الإمام الحسين (عليه السّلام) بدعوة أهل العراق وأهل الكوفة بالخروج إليهم ، والقيام بأمر قيادتهم ، وهدايتهم إلى الإسلام ، لم يتأدَّ إلاّ بالخروج ، ولم يسقط هذا الواجب بمجرّد احتمال العصيان غير المتحقّق في ظاهر الأمر ، فكيف يرفع اليد عنه؟ وما هو عذره عن الحجّة التي تمّت عليه بدعوتهم له ولم يبدُ منهم نكثٌ وغدرٌ بعدُ؟ فلا بُدّ أنْ يمضي الإمام (عليه السّلام) في طريق آداء واجبه حتّى تكون له الحجّة عليهم إذا خانوا وغدروا كما حدث في كربلاء ، ولو على حساب وجوده الشريف.
وقد كان الإمام يُعلن ويُصرّح ويُشير باستمرار إلى «كتب القوم ورسائلهم» عندما يُسأل عن وَجْه مسيره ، ليدلّ المعترضين على خروجه إلى هذا الوجه الرصين المحكم ، وهذا الواجب الإلهيّ المستقرّ على الإمام (عليه السّلام) ، وهكذا أسكت الإمام (عليه السّلام) اعتراض ابن عمر ، فقال له مكرّراً: «هذه كتبهم وبيعتهم» (15).
وكلّ مسلم يعلم أنّ الحّجة إذا تمّت على الإمام (عليه السّلام) بحضور الحاضر ووجود الناصر فقد أخذ الله عليه أن يقومَ بالأمر عند انعدام العذر الظاهر ، ولا تصدُّه احتمالاتُ الخِذلان ، ولا يردعُه خَوفُ القتل عن ترك واجبه أو التقصير في ما فُرض عليه ، بل لا بُدّ من أن يسيرَ على ما ألزمه الله ظاهراً من القيام بالأمر ، وطلب الصلاح والإصلاح في الأُمّة ، حتّى تنقطع الحّجة ولا يبقى لمعتذر عذر ، وهكذا كانَ يعملُ الأنبياء (عليهم السّلام) من قبل.
وها هو الحسين (عليه السّلام) إمام عصره وسيّد المسلمين في زمانه ، يجد المخطّط الأُمويّ لعودة الناس إلى الجاهليّة يُطبَّق ، والإسلام بكلّ شرائعه وشرائحه يُهدّد بالاندثار والإبادة ، ويجد أمامه هذه الكثرة من كتب القوم ودعواتهم ، وبيعتهم ، وإظهارهم للاستعداد ، فأيُّ عذر له في تركهم وعدم الاستجابة لهم؟!
وهل المحافظة على النفس ، والرغبة في عدم إراقة الدماء ، والخوف من القتل أُمور تمنع من أداء الواجب ، وتعرقل مسيرة المسؤولية الكبرى ، وهي المحافظة على الإسلام وحرماته ، وإتمام الحجّة على الأُمّة بعد دعواتها المتتالية ، واستنجادها المتتابع؟!
ثمَّ هَلْ تُعْقَلُ المحافظة على النفس بعد قطع تلك المراحل النضالية ، والتي كان أقل نتائجها المنظورة القتلُ ، حيث إنّ يزيدَ صمّم على الفتك بالإمام (عليه السّلام) الذي كان يجده السدّ الوحيد أمام استثمار جهود أبيه في سبيل الملك الأُموي العَضوض ، فلا بدّ من أن يزيحه عن هذا الطريق.
ويتمنى الحكم الأُموي لو أن الحسين (عليه السّلام) يقف هادئاً ولو للحظة واحدة حتّى يركّز في استهدافه ويقتله ، وحبّذا لو كان قتل الحسين (عليه السّلام) بصورة اغتيال حتّى يضيع دمه وتهدر قضيته.
وقد أعلن الحسين (عليه السّلام) عن رغبتهم في ان يقتلوه هكذا ، وأنّهم مصممون على ذلك حتّى لو وجدوه في جُحْر ، وأشار يزيد إلى جلاوزته أن يحاولوا قتل الحسين (عليه السّلام) أينما وجدوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ، فلماذا لا يُبادرهم الإمام (عليه السّلام) إلى انتخاب أفضل زمان ، وأفضل مكان ، وأفضل شكل للقتل؟!
الزمان «يوم عاشوراء» المسجّل في عالم الغيب ، والمثبت في الصحف الأُولى ، وما تلاها «من أنباء الغيب» التي سنستعرضها ، وكذا المكان «كربلاء» الأرض التي ذكر اسمها على الألسن منذ عصر الأنبياء ، أمّا الشكل الذي اختاره للقتل فهو النضال المستميت الذي ظلّ صداه مُدَويّاً في اُذن التأريخ ، يقضّ مضاجع الظالمين والمزوّرين لكتبه.
إنّ الإمام (عليه السّلام) وبمثل ما قام به من الإقدام أثبت ذكره ومقتله على صفحات التاريخ ، حتّى لا تناله خيانات المنحرفين ، وجحود المنكرين ، وتزييف المزورين.
ويخلد في الخالدين (16) ، وسيأتي حديث عن علم الإمام (عليه السّلام) بمقتله من الغيب ، وإقدامه على ذلك في الفقرة التالية (28).
28 ـ من أنباء الغيب للغيب والإيمان به دور في حضارة الدين والرسالات كلّها ، وفي الإسلام كذلك ، حتّى جعل من صفات الّذين يلتزمون بها أنّهم (يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ).
والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قد جاء بأنباء الغيب التي أوحاها الله إليه ، وكلّ ما أخبر به منْ أنْباء المستقبل وحوادثه فهو من الغيب الموحى إليه ، إذ هو (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى) ، وكانت واقعة خروج الحسين (عليه السّلام) إلى أرض العراق وقتله هُناك من دلائل النبوّة ، وشواهد صدقها حقّاً.
وقد استفاضتْ بذلك الأخبار ، وممّا نقله ابن عساكر : عن عليّ (عليه السّلام) قال : «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعيناه تفيضان ، فقلت : يا نبيّ الله ، أغضبك أحدٌ؟ ما شأن عينيك تُفُيضان؟
قال : بل قام من عندي جبرئيل قبلُ ، فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات» (17).
وزار مَلَك القَطْر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فدخل الحسين (عليه السّلام) يتوثّب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقال الملك : أما إنّ أُمّتك ستقتله!
وقد روى هذه الأنباء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليٌّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، واُمّ سلمة اُمّ المؤمنين ، وزينب اُمّ المؤمنين ، واُمّ الفضل مرضعة الحسين (عليه السّلام) ، وعائشة بنت أبي بكر ، ومن الصحابة أنس بن مالك ، وأبو اُمامة.
وفي حديثه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنسائه : «لا تُبكوا هذا الصبيّ» ـ يعني حسيناً.
فكان يوم اُمّ سلمة ، فنزل جبرئيل (عليه السّلام) ، فدخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال لاُمّ سلمة : «لا تَدَعي أحداً يدخلْ علَيَّ».
فجاء الحسين (عليه السّلام) ... أراد أن يدخل ، فأخذته اُمّ سلمة فاحتضنته وجعلت تُناغيه وتسكته ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
فقال جبرئيل للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) : إنّ أُمتّك ستقتل ابنك هذا ...
فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد احتضن حسيناً ، كاسف البال مهموماً ...
فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال لهم : «إنّ أُمّتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر (18).
إنّ الذين بلغتهم هذه الأنباء وآمنوا بها غيبيّاً ، ليَزداد إيمانهم عمقاً وثباتاً لمّا يجدون الحسين (عليه السّلام) يُقتل فعلاً ، وبذلك يكون الحسين (عليه السّلام) ومقتله من شواهد النبوّة والرسالة ودلائلها الواضحة ، وبهذا تتحقّق مصداقيّة قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «... وأنا من حُسين».
ونزول جبرئيل (عليه السّلام) بالأنباء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أمرٌ مألوفٌ إذ هو مَلَك الوحي ، وموصل الأنباء ، أمّا نزول ملك القَطْر ـ المطر ـ وإخباره بذلك فهو أمر يستوقف القارئ.
فهل في ذلك دلالة خفيّة على موضوع فقدان الماء في قضيّة كربلاء ، و «العطش» الذي سيتصاعد مثل الدخان من أبْنِيَة الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء؟!
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 136.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 138.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 139.
4- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 140.
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 140.
6- في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور : تظارُّني.
7- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
8- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
9- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
10- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 142.
11- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 144.
12- جهاد الإمام السجاد (عليه السّلام) ص 283.
13- تاريخ دمشق ص 201ص202 وكذلك الحديث (331) منه.
14- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
15- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 135.
16- «علم الأئمة بالغيب» / 58 ـ 69.
17- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 133.
18- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 134.
وبالرغم من أنّ الإمام (عليه السّلام) لم يُطاوع أحداً ممّن دعاه إلى خلع معاوية ، إذ كان امتداداً لمواثيق أخيه الإمام الحسن (عليه السّلام) ، ومن الموقّعين على كتاب الصلح مع معاوية حتّى لو أنّ معاوية قد نقض العهد وخالف بنود الصلح في أكثر من نقطة ، إلاّ أنّه بدهائه ومكره كان قد لبَّس نفسه ثوباً من التزوير لا يسهل اختراقه ، وكان يحتال على الناس بالتحلّم والتظاهر مستعيناً بالوضّاعين من رواة الحديث وبالدجّالين من أدعياء العلم والصحبة والزهد ، ممّا أكسبه عند العامّة العمياء ما لا يُمكن المساس به بسهولة.
إلاّ أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) استغلّ موضوع تنصيب معاوية يزيد مَلِكاً ، وإلزامه الناس بالبيعة له ، إذ كان هذا مخالفة صارخة لواحد من بنود الصلح ، مع مخالفته للأعراف السائدة بين المسلمين ممّا لا يجهله حتّى العامة ، وهي كون الصيغة التي طرحها للخلافة من بعده مبتدعةً لم يسبق لها مثيل.
ثم «يزيد» بالذات لم يكن موقعاً للأهليّة لمثل هذا المنصب الحسّاس ، بل كان معروفاً بالشرب واللعب والفجور بشكل مكشوف للعامة.
وكانت هذه المفارقات ممّا يُساعد الإمام الحسين (عليه السّلام) على اتّخاذ موقف مبدئي جعله هو المنطلق للتحرّك كما تناقله الرواة ، فقالوا :
لمّا بايع معاوية بن ابي سُفيان الناسَ ليزيد بن معاوية كان حسين بن عليّ بن أبي طالب ممّن لم يبايع له (1).
وبالرغم من وضوح أهداف الإمام لمعاوية ، وحتّى لمروان والّذين يحتوشونه ، حتّى إنّهم أعلنوا عن تخوّفاتهم وظنونهم بأنّ الإمام (عليه السّلام) يفكّر في حركة يسمّونها «نزوة» أو «مرصداً للفتنة» وما إلى ذلك ، لكنّهم لم يُقْدموا على أمر ضدّه ، ولعلّ معاوية كان يُحاول أن يقضي عليه بطريقته الخاصّة في الكيد والمكر ، إلاّ أنّ سرعة الأحداث ومجيء الأجل لم تمهله لذلك.
فكانت مواجهة الحسين (عليه السّلام) وصدّه من آخر وصايا معاوية لابنه يزيد ، كما كانت هي من أُولى اهتمامات يزيد نفسه ، ففي التاريخ :
توفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين ، وبايع الناس ليزيد فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أُويس العامري إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وهو على المدينة ـ : أن ادعُ الناسَ فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكن أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ بن أبي طالب..
فبعث الوليد بن عتبة من ساعته ـ نصف الليل ـ إلى الحسين بن عليّ (عليه السّلام).
إنّ اهتمام يزيد وتأكيده بأخذ البيعة أوّلاً من الحسين (عليه السّلام) ، واستعجال الوالي بالأمر بهذا الشكل لم يكن إلاّ لأمر مبيّت ومدبّر من قبل البلاط ورجاله. ولا بُدّ أنّ الإمام (عليه السّلام) كان قد قدّر الحسابات ، فلّما طلب الوالي منه البيعة رفضها وقال له : «نصبح فننظر ما يصنع الناس ، ووثب فخرج» كما جاء في نفس الحديث السابق.
ويبدو أنّ الوليد الوالي لم يكن متفاعلاً بشدّة مع الأمر ، أو أنّه لم يكن متوقّعاً لهكذا موقف من الإمام ، لأنّه لما تشادّ مع الحسين في الكلام قال الوليد : إن هجنا بأبي عبد الله إلاّ أسداً.
ولكنّها هي الحقيقة التي وقف عليها معاوية في حياته وأطلقها وإن كان الوليد لم يعرفها إلاّ اليوم.
وتتمة الحديث السابق : وخرجَ الحسين من ليلته إلى مكّة ، وأصبحَ النّاس وغدوا إلى البيعة ليزيد ، وطُلِبَ الحسين فلم يوجد (2).
وهكذا أفلت الحسين (عليه السّلام) من والي المدينة ، وفيها مروان بن الحكم العدوّ اللدود لآل محمّد ، والذي كان يحرّض الوالي على قتل الحسين (عليه السّلام) في نفس تلك الليلة إن لم يُبَايع.
وخرج الحسين (عليه السّلام) إلى مكّة التي هي أبعد مكان من الأزمة هذه ، والتي سوف يتقاطر عليها الحُجّاج لقُرب الموسم فتكون قاعدةً أفْسح وأوسع للتحرّك الإعلاميّ في صالح الحركة.
عراقيل على المسير
لا ريب أنّ تخلّص الحسين (عليه السّلام) من مسألة البيعة ، وخروجه بهذا الشكل المتخفي من المدينة لم يُرضِ الدولة ولا أجهزتها ، فلذلك تصدّوا للموقف بمحاولة اغتيال الحسين (عليه السّلام) في مكّة ، وفي زحام الموسم ، وقد جاء في بعض المصادر «أنّ يزيد بثّ مَن يغتاله ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة».وعلى أبعد احتمال كان الحسين (عليه السّلام) يُجَرُّ إلى المواجهة المسلّحة مع رجال الدولة في منطقة الحرم ، ذلك الأمر الذي لا يريده الحسين (عليه السّلام) ، بل يربأ بنفسه أن يقع فيه .
فلذلك عزم على الخروج من مكّة.
فخرج متوجّهاً إلى العراق ، في أهل بيته وستّين شيخاً من أهل الكوفة ، وذلك يوم الإثنين في عشر ذي الحجّة سنة ستّين.
ولا بُدّ أنّ أجهزة الحكم كانت تلاحق الحسين (عليه السّلام) وتراقب تحرّكاته ، ويحاولون صدّه عن ما يريد ، وبالخصوص توجّهه إلى منطقة الكوفة في العراق التي تعتبر عند حكّام الشام أرض المعارضة الشيعيّة العلوية ، وإذا أفلت الحسين (عليه السّلام)منهم فلا بُدّ من وضع العراقيل في طريقه حتّى يتراجع ولا يخرج إلى العراق.
ومن الملاحظ في طريق الحسين (عليه السّلام) كثرة عدد «الناصحين» له (عليه السّلام) بعدم الخروج إلى العراق ، وتكاد كلمتهم تتّفق على السبب ، وهو «أنَّ أهل العراق أهل غدر وخيانة ، وأنّهم قتلوا أباه وطعنوا أخاه».
ومن الغريب أن نجد في الناصحين القريب والغريب ، والشيخ والشاب ، والرجل والمرأة ثم نجد الصحابي والتابعي ، والصديق والعدوّ ، ومن جهة اُخرى نجد إجابة الإمام الحسين (عليه السّلام) لكلّ واحد تختلف عن إجابته للآخر ، ولكنّ الحقيقة واحدة ، وسكت عن إجابة البعض!
وأمّا تفصيل الأمر : جاءه أبو سعيد الخُدْري فقال :
يا أبا عبد الله ، إنّي لكم ناصح ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغني أنّه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج ، فإنّي سمعتُ أباك يقول بالكوفة : «والله لقد مللتُهم وأبغضتُهم ، وملّوني وأبغضوني ، وما بلوت منهم وفاءً ، ومَن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب» ، والله ما لهم ثبات ، ولا عزم أمر ، ولا صبر على سيف ، ولم يذكروا جواب الإمام الحسين (عليه السّلام) لأبي سعيد ، الصحابي الكبير ، ولعلّ الإمام (عليه السّلام) تغافل عن جوابه ، احتراماً لكبر سنّه ، أو تعجّباً منه لعدم تعمقّه في الأُمور ، وعدم تفكيره فيما أصاب الإسلام وما يهدّده من أخطار بقدر ما كان يفكر في سلامة الحسين (عليه السّلام).
وقال عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة :
أين تريد يابن فاطمة؟! إنّي كاره لوجهك هذا ، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك حتّى تركهم سخطة وملّة لهم! أُذكّرك الله أن تغرّر بنفسك.
ولم يذكروا جواب الإمام (عليه السّلام) هنا أيضاً.
وقال أبو واقد الليثي : بلغني خروج حسين ، فأدركته بـ «مَلَل». فناشدته الله أن لا يخرج ، فإنّه يخرج في غير وجه خروج ، إنّما يقتل نفسه.
وقد ذكر جواب الحسين (عليه السّلام) لهذا أنّه قال : «لا أرجع» (3).
وكتب إليه المِسْوَر بن مخرمة :
إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق ... إيّاك أن تبرحَ الحرمَ ، فإنّهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك فتخرج في قوّة وعدة.
ويبدو أنّ المِسْوَر كان يعرف السبب الأساس لتوجّه الحسين (عليه السّلام) وخروجه ، وهذا يدلّ على مزيد من الارتباط والتداخل مع قضيّة الحسين (عليه السّلام) ، لكنّه ـ لجهله بمقام إمامة الحسين (عليه السّلام) ـ يتصدّى بهذه اللهجة لتحذيره.
ولعدم وجود سوء نيّة عنده يذكر خيانة أهل العراق ، ويقترح على الحسين (عليه السّلام) مخرجاً من التكليف ، وهو أن يترك العراقيّين ليقدموا بأنفسهم إلى الخروج إلى الحسين (عليه السّلام) ، وهذه نصيحة مشفق ، متفهّم لجوانب من الحقيقة وإن خفي عليه لبّها وجوهرها ، ولذلك نجد أن الحسين (عليه السّلام) كان ليّناً في جوابه ، فجزّاه خيراً وقال : «أستخير الله في ذلك» (4).
وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنَّه إنّما يُساق الى مصرعه ، وتخبره وتقول :
أشهدُ لحدّثتني عائشة أنّها سمعتْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «يُقتل حسين بأرض بابل» (5).
إن تدخّل هذه المرأة في الأمر غريب ، والنساء الأكبر منها قدراً والأكثر منها معرفة وحديثاً حاضرات ، والأغرب أنّها «تأمر» الإمام (عليه السّلام) «بالطاعة ولزوم الجماعة» ، وهذه اللغة إنّما هي لغة الدولة ورجالها والمندفعين لها ، ولا أستبعد أن يكون وراء تحريك هذه ـ وهي ربيبة عائشة والراوية لحديثها ـ أيد عميلة للدولة.
وقد كان جواب الإمام (عليه السّلام) لها إلزامها بما رَوَتْ ، فلما قَرأ كتابها قال : «فلا بُدّ لي إذاً من مَصْرعي» ، ومضى (عليه السّلام).
وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقال: إنّ الرحم تُصارّني (6) عليك ، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك؟
قال (عليه السّلام) : «يا أبا بكر ، ما أنت ممّن يُستغشَّ ولا يُتَّهم ، فقل».
قال : قد رأيتَ ما صنع أهل العراق بأبيك وبأخيك ، وأنت تريد أن تسير إليهم ، وهم عبيد الدنيا ، فيقاتلك مَنْ قد وعدك أن ينصرك ، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصر ، فاذكّرك الله في نفسك (7).
إنّ أبا بكر ـ حسب النصّ عن الحسين (عليه السّلام) ـ ليس هو متّهماً ، ولا يتوقع منه الغش كما يُتّهم غيره من «الناصحين» ، ثم يبدو أنّه إنسان بعيد النظر ، حيث تنبّأ بأُمور أصبحت حقيقةً ، فيبدو أنّه كان مخلصاً في نصحه ، ولذلك كان جواب الإمام الحسين (عليه السّلام) له أن قال :
«جزاك الله يابن عمّ خيراً ، فقد أجتهدت رأيك ، ومهما يقضِ الله من أمر يكنْ».
وكتب إليه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كتاباً يحذّره أهل الكوفة ، ويُناشده الله أن يشخص إليهم ، فكتب إليه الحسين (عليه السّلام)
: «إنّي رأيتُ رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمرني بأمر أنا ماضٍ له ، ولستُ بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي» (8).
وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : إنّي أسأل الله أن يُلهمك رُشدك ، وأن يصرفك عمّا يُرديك ، بلغني أنّك قد اعتزمت على الشخوصَ إلى العراق ، فإنّي أُعيذك بالله من الشقاق ، فإنْ كنتَ خائفاً فأقبلْ إليّ فلك عندي الأمانُ والبرّ والصلة.
وعمرو هذا من الأُمراء الأقوياء في فلك الحكام ، وذو عدّة وعَدَد ، ويبدو من كتابه أنّه على ثقة من نفسه ، وأنّه إنّما كتب الكتاب مستقلاً ، وأمّا نيّته فلا يبعد أن يكون قد فكّر في التخلّص من الحسين (عليه السّلام) وحركته بنحو سلمي ، لأنّه كان ممّن يرشَّح نفسه للحكم ، أو هو محسوب على الحكم ولا يحبّ أن يتورّط في مواجهة مع الحسين (عليه السّلام) ، ومع هذا فهو جاهل بكلّ الموازين والمصطلحات الإسلاميّة ، فهو يحذّر الإمام من «الشقاق» ثمّ هو يُحاول أن يُطمع الحسين (عليه السّلام) في الأمان والبرّ والصلة.
وقد كتب إليه الحسين (عليه السّلام) جواباً مُناسباً هذا نصّه : «إن كنتَ أردتَ بكتابكَ إليَّ برّي وصلتي ، فجُزيتَ خيراً في الدنيا والآخرة.
وإنّه لم يُشاقق مَنْ دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنّني من المسلمين.
وخير الأمانِ أمانُ الله ، ولم يؤمِنِ الله من لم يَخَفْهُ في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا توجب لنا أمانَ الآخرة عنده» (9).
ومن العِبَرِ أنّ عمراً هذا اغترّ بأمان خلفاء بني أُميّة ، فغدروا به ، وقطّعوه بالسيوف ، ولم ينفعه أهله وعشيرته ، فخسر أمان الدنيا وأمان الآخرة.
ويبقى من الناصحين العبادلة : ابن عبّاس ، وابن عمرو ، وابن الزبير ، وابن عمر ، أمّا ابن عبّاس فلو صحّت الرواية فإنّ يزيد بن معاوية دفعه على التحرّك في هذا المجال ، وكتبَ إليه يخبره بخروج الحسين (عليه السّلام) إلى مكّة ، وقال له :
... وأنت كبير أهل بيتك ، والمنظور إليه ، فاكْفُفْه عن السعي في الفُرقة.
وتقول الرواية : إنّ ابن عبّاس أجاب يزيد ، فكتب إليه : إنّي لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ، ولستُ أدع النصيحة له في كلّ ما يجمع الله به الأُلفة وتُطفأ به النائرة.
وتقول الرواية : ودخل عبد الله بن العبّاس على الحسين (عليه السّلام) فكلّمه ليلاً طويلاً.
وقال : أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة ، لا تأتِ العراقَ ، وإن كنتَ لا بُدّ فاعلاً فأقم حتّى ينقضي الموسم ، وتلقى النّاسَ وتعلم على ما يصدرون ، ثمّ ترى رأيك.
وتحدّد الرواية تاريخ هذا الحديث في عشر ذي الحجّة سنة ستّين.
وتقول الرواية : فأبى الحسين إلاّ أن يمضي إلى العراق ، وقال لابن عبّاس :
«يابن العبّاس ، إنّك شيخ قد كبُرت». ثمّ خرج عبد الله من عند الإمام (عليه السّلام) وهو مغضب.
ولو صحّت الروايةُ فإنّ إقدام ابن عبّاس على هذا العمل ، وانبعاثه ببعث يزيد ، وأُطروحته بتأخير الحركة ، وسائر كلامه يدلّ على تناسي ابن عبّاس لمقام الحسين (عليه السّلام) في العلم والإمامة ، وعلى بُعده عن الأحداث ، فكان جواب الحسين (عليه السّلام) بأنّه «شيخ قد كبر» تعبيراً هادئاً عن فقده للذاكرة ، وقوّة الحدس ، وما اتصّف به ابن عبّاس من الذكاء طول حياته الماضية والتي كشفتْ عنها مواقفُه السامية ، مع أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) ذكر لابن عبّاس أمراً جعله يهدأ ، وهو قوله له :
«لأن أُقتلَ بمكان كذا وكذا أحبُّ إليّ أن تستحلّ بي» ، يعني مكّة.
فبَكى ابن عبّاس ، وكان يقول : فذاك الذي سلا بنفسي عنه (10) ، وهذا ما يُبعد كل ما احتوته تلك الرواية ، ولعل الرواة خلطوا بين ابن الزبير وابن عبّاس ، ولو كان يزيد تمكّن من تحريك شيخ بني هاشم في تنفيذ ما يُريد ، فكيف لغيره من البُلهاء والمغفَّلين ، أو البسطاء والمستأجرين؟!
وأمّا ابن عمرو بن العاص فلم تُؤثر عنه كلمة في «الناصحين» ، إلاّ أنّه قال لمّا سُئل عن الحسين (عليه السّلام) ومخرجه : أما إنّه لا يَحِيْكُ فيه السلاحُ (11).
ومعنى كلامه أنّه لا يضرّه القتل مع سوابقه في الإسلام ، لكنّ الفرزدقَ الشاعرَ استشعر من الكلام دلالةً أُخرى ، ولعلّه عدّها تشجيعاً على الخروج ، وتأييداً له وحثّاً عليه حتّى عدّ ذلك من ابن العاص نفاقاً وخبثاً.
وأمّا ابن الزبير فقد حشره بعض المؤرّخين في «الناصحين» ، وإنْ صحّت الرواية بذلك فهو بلا ريب ممّن «يُستغشُّ» في نُصحه ، لأنّه هو الذي شبّ على عداء أهل البيت النبويّ (عليهم السّلام) ، ودفع أباه في اُتون حرب الجمل ، ووقف مع عائشة خالته في وجه العدالة.
ولقد أبدى حقده وسريرة نفسه لمّا استولى على الحكم في مكّة ، فكان يترك الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) حسداً لآله ، وقد جمع آل أبي طالب في الشعب مهدّداً بالإحراق عليهم لمّا أبوا أن يبايعوه ويعترفوا بإمارته ، وقد كان يكيد للإمام زين العابدين (عليه السّلام) في المدينة (12) ، هذا الرجل لم يُحاول نصح الحسين (عليه السّلام) بعدم الخروج خوفاً عليه من قَتَلة أبيه وأخيه ، بل لا يذكر ذلك إلاّ شماتةً.
وقد أجابه الإمام الحسين (عليه السّلام) ـ كما في الرواية ـ متُناسياً هذا الماضي الأسود ، لكن مذكّراً إيّاه بمستقبل مشؤوم :
فقال له : «لأنْ أُقتلَ بمكان كذا وكذا أحبَّ إليَّ من أن تُستحلّ بي» ـ يعني مكّة ـ متنبئاً بتسبّبه في انتهاك حرمة البيت والحرم عندما يعلن طغيانه في داخل مكّة ويستولي عليها ، ممّا يفتح يد جيش الشام لانتهاك حرمتها ، بل رميهم للكعبة وهدمها ، بينما الحسين (عليه السّلام) قد خَرج من مكّة رعايةً لهذه الحرمة أن تهتك.
لكن هُناك نُقولٌ وأحاديث كثيرة تؤكّد على أنّ ابن الزبير لم يكن إلاّ من المشجّعين للحسين (عليه السّلام) على الخروج إلى العراق ، صرّح بذلك سعيد بن المسيّب ، واتّهمه بذلك بشدّة المِسْوَر بن مخرمة (13).
وأمّا ابن عبّاس فقد واجه ابن الزبير بذلك حين قال له :
يابن الزبير ، قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز ، وتمثّل : يالك من قُبَّرة iiبمعمرِ خلا لَك الجوّ فبيضي واصفري ونقّري ما شئتِ أنْ iiتنقّريْ وأمّا ابن عمر ، ذلك المتظاهر بالورع المُظْلم الذي لم يميّز به الحق ولم يبتعد عن الباطل ، ويُحاول بزعمه الانعزال عن الفتنة ، رغبةً في العفّة عن الدماء ، فإنّه كان أصغر من أن يجد الحل المناسب للخروج عمّا يدخل فيه إن أحْسَنَ أن يدخُلَ في شيء!
فهو على أساس من نظرته الضعيفة والملتوية امتنعَ عن مبايعة الإمام عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) المجمع على إمامته ، لكنّه يقصد الحَجّاج ليُبايعه ، زاعماً أنّه سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «من باتَ وليس في عُنقه بيعةٌ ماتَ ميتةً جاهليّة».
فمدّ الحجّاج إليه رجله يُبايعه بها ، وحاجَجَهُ في امتناعه عن بيعة عليّ (عليه السّلام) بأنّه لمَّا ترك بيعته (عليه السّلام) أما كان يخافُ أن يموت في بعض تلك الليالي ، فكان الحجّاجُ المُلحد أبصَر في ذلك من ابن عمر المتزهّد!
وهكذا يجرُّ الخذلانُ بعضَ الناس إلى العمى عن رؤية ما بين يديه وهو يدّعي أنّه يرى الأُفقَ البعيدَ.
وبعد هذه المواقف الهزيلة يأتي ابنُ عمر إلى الحسين (عليه السّلام) ليحشر نفسه في «الناصحين» له بعدم الخُروج إلى العراق.
زاعماً إنّ أهل العراق قومٌ مناكير ، وقد قتلوا أباك ، وضربوا أخاك ، وفعلوا وفعلوا ، ولمّا أبى الإمام (عليه السّلام) ـ بما سيأتي نقله ـ قال ابن عمر. : أستودعك الله من قتيل.
لكن كلّ ما ذكره ابن عمر لم يكن ليخفى على الحسين (عليه السّلام) نفسه ، لأنّه (عليه السّلام) كان أعرف بأهل الكوفة وما فعلوه ، حيث كان فعلهم بمنظر منه ومسمع ، وبغياب ابن عمر عن ساحة الجهاد ذلك اليوم ، فليس إلى تنبُّؤات ابن عمر حاجة.
واذا كانت نظرة ابن عمر عدم التدخّل في السياسة ، والانعزال عن الفتن ، فلم يكن تدخُّله اليوم ، ومحاولته منع الحسين من الخروج منبعثاً عن ذات نفسه ، وإنّما أمثاله من البله يندفعون دائماً مع إرادات الظالمين ولو من وراء الكواليس ، اُولئك الّذين كان ابن عُمر يُغازلهم ويتقرّبُ إليهم مثل معاوية ويزيد والحجّاج.
وما أجابَ به الإمامُ الحسين (عليه السّلام) هؤلاء الناصحين قد اختلف حسب الأشخاص وأهوائهم وأغراضهم ، ومواقعهم وقناعاتهم ، وقربهم وبُعدهم كما رأينا.
وأمّا الجواب الحاسم والأساس فهو الذي ذكره الإمام (عليه السّلام) في جواب الأمير الأُموي عمرو بن سعيد ، فقال :
«... إنّه لم يُشاقق مَنْ دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنّني من المسلمين» (14).
فإذا كان الحسينُ (عليه السّلام) خارجاً لأداء واجب الدعوة إلى الله ، فلا يكون خروجه لغواً ، ولا يحقّ لأحد أن يُعاتبه عليه ، لأنّهُ إنّما يؤدّي بإقدامه واجباً إلاهيّاً وضعه اللهُ على الأنبياء وعلى الأئمّة (عليهم السّلام) من قبل الحسين وبعده.
وإذا أحرز الإمام تحقّق شروط ذلك ، وتمَّتْ عنده العدّة للخروج من خلال العهود والمواثيق ، ومجموعة الرسائل والكتب التي وصلت إليه ، فهو لا محالة خارج ، ولا تقف أمامه العراقيل المنظورة له والواضحة فضلاً عن تلك المحتملة والقائمة على الفرض والتخمين ، مثل الغدر به وهلاكه ، ذلك الذي عرضه «الناصحون».
فكيف لو كان المنظور هو الشهادة والقتل في سبيل الله التي هيَ من أفضلِ النتائج المتوقّعة والمترقّبة والمطلوبة لمن يدخل هذا السبيل؟! مع أنّها مقضيّة ومأمور بها ، وتحتاج إلى توفيق عظيم لنيلها ، فهي إذاً من صميم الأهداف التي يضَعها الإمام أمام وجهه لا أنّها موانع لإقدامه.
وأمّا أهل العراق وسيرتهم ، وأنّهم أهل النفاق والشقاق ، وعادتهم الغدر والخيانة ، فتلك أُمور لا تُعرقل خُطّة الإمام (عليه السّلام) في قيامه بواجبه ، وإنّما فيها الضرر المتصوّر على حياة الإمام (عليه السّلام) ، وتمسُّ راحته.
وليس هذا مهمّاً في قبال أمر القيادة الإسلاميّة ، وأداء واجب الإمامة حتّى يتركها من أجل ذلك ، ولذلك لم يترك الإمام عليّ (عليه السّلام) أهل الكوفة بالرغم من استيائه منهم إلى حدّ الملل والسأم ، لكن لا يجوزُ له شرعاً أن يترك موقع القيادة وواجب الإمامة من أجل أخلاقهم المؤذية لشخصه.
وكذلك الواجب الذي أُلقي على عاتق الإمام الحسين (عليه السّلام) بدعوة أهل العراق وأهل الكوفة بالخروج إليهم ، والقيام بأمر قيادتهم ، وهدايتهم إلى الإسلام ، لم يتأدَّ إلاّ بالخروج ، ولم يسقط هذا الواجب بمجرّد احتمال العصيان غير المتحقّق في ظاهر الأمر ، فكيف يرفع اليد عنه؟ وما هو عذره عن الحجّة التي تمّت عليه بدعوتهم له ولم يبدُ منهم نكثٌ وغدرٌ بعدُ؟ فلا بُدّ أنْ يمضي الإمام (عليه السّلام) في طريق آداء واجبه حتّى تكون له الحجّة عليهم إذا خانوا وغدروا كما حدث في كربلاء ، ولو على حساب وجوده الشريف.
وقد كان الإمام يُعلن ويُصرّح ويُشير باستمرار إلى «كتب القوم ورسائلهم» عندما يُسأل عن وَجْه مسيره ، ليدلّ المعترضين على خروجه إلى هذا الوجه الرصين المحكم ، وهذا الواجب الإلهيّ المستقرّ على الإمام (عليه السّلام) ، وهكذا أسكت الإمام (عليه السّلام) اعتراض ابن عمر ، فقال له مكرّراً: «هذه كتبهم وبيعتهم» (15).
وكلّ مسلم يعلم أنّ الحّجة إذا تمّت على الإمام (عليه السّلام) بحضور الحاضر ووجود الناصر فقد أخذ الله عليه أن يقومَ بالأمر عند انعدام العذر الظاهر ، ولا تصدُّه احتمالاتُ الخِذلان ، ولا يردعُه خَوفُ القتل عن ترك واجبه أو التقصير في ما فُرض عليه ، بل لا بُدّ من أن يسيرَ على ما ألزمه الله ظاهراً من القيام بالأمر ، وطلب الصلاح والإصلاح في الأُمّة ، حتّى تنقطع الحّجة ولا يبقى لمعتذر عذر ، وهكذا كانَ يعملُ الأنبياء (عليهم السّلام) من قبل.
وها هو الحسين (عليه السّلام) إمام عصره وسيّد المسلمين في زمانه ، يجد المخطّط الأُمويّ لعودة الناس إلى الجاهليّة يُطبَّق ، والإسلام بكلّ شرائعه وشرائحه يُهدّد بالاندثار والإبادة ، ويجد أمامه هذه الكثرة من كتب القوم ودعواتهم ، وبيعتهم ، وإظهارهم للاستعداد ، فأيُّ عذر له في تركهم وعدم الاستجابة لهم؟!
وهل المحافظة على النفس ، والرغبة في عدم إراقة الدماء ، والخوف من القتل أُمور تمنع من أداء الواجب ، وتعرقل مسيرة المسؤولية الكبرى ، وهي المحافظة على الإسلام وحرماته ، وإتمام الحجّة على الأُمّة بعد دعواتها المتتالية ، واستنجادها المتتابع؟!
ثمَّ هَلْ تُعْقَلُ المحافظة على النفس بعد قطع تلك المراحل النضالية ، والتي كان أقل نتائجها المنظورة القتلُ ، حيث إنّ يزيدَ صمّم على الفتك بالإمام (عليه السّلام) الذي كان يجده السدّ الوحيد أمام استثمار جهود أبيه في سبيل الملك الأُموي العَضوض ، فلا بدّ من أن يزيحه عن هذا الطريق.
ويتمنى الحكم الأُموي لو أن الحسين (عليه السّلام) يقف هادئاً ولو للحظة واحدة حتّى يركّز في استهدافه ويقتله ، وحبّذا لو كان قتل الحسين (عليه السّلام) بصورة اغتيال حتّى يضيع دمه وتهدر قضيته.
وقد أعلن الحسين (عليه السّلام) عن رغبتهم في ان يقتلوه هكذا ، وأنّهم مصممون على ذلك حتّى لو وجدوه في جُحْر ، وأشار يزيد إلى جلاوزته أن يحاولوا قتل الحسين (عليه السّلام) أينما وجدوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ، فلماذا لا يُبادرهم الإمام (عليه السّلام) إلى انتخاب أفضل زمان ، وأفضل مكان ، وأفضل شكل للقتل؟!
الزمان «يوم عاشوراء» المسجّل في عالم الغيب ، والمثبت في الصحف الأُولى ، وما تلاها «من أنباء الغيب» التي سنستعرضها ، وكذا المكان «كربلاء» الأرض التي ذكر اسمها على الألسن منذ عصر الأنبياء ، أمّا الشكل الذي اختاره للقتل فهو النضال المستميت الذي ظلّ صداه مُدَويّاً في اُذن التأريخ ، يقضّ مضاجع الظالمين والمزوّرين لكتبه.
إنّ الإمام (عليه السّلام) وبمثل ما قام به من الإقدام أثبت ذكره ومقتله على صفحات التاريخ ، حتّى لا تناله خيانات المنحرفين ، وجحود المنكرين ، وتزييف المزورين.
ويخلد في الخالدين (16) ، وسيأتي حديث عن علم الإمام (عليه السّلام) بمقتله من الغيب ، وإقدامه على ذلك في الفقرة التالية (28).
28 ـ من أنباء الغيب للغيب والإيمان به دور في حضارة الدين والرسالات كلّها ، وفي الإسلام كذلك ، حتّى جعل من صفات الّذين يلتزمون بها أنّهم (يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ).
والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قد جاء بأنباء الغيب التي أوحاها الله إليه ، وكلّ ما أخبر به منْ أنْباء المستقبل وحوادثه فهو من الغيب الموحى إليه ، إذ هو (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى) ، وكانت واقعة خروج الحسين (عليه السّلام) إلى أرض العراق وقتله هُناك من دلائل النبوّة ، وشواهد صدقها حقّاً.
وقد استفاضتْ بذلك الأخبار ، وممّا نقله ابن عساكر : عن عليّ (عليه السّلام) قال : «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعيناه تفيضان ، فقلت : يا نبيّ الله ، أغضبك أحدٌ؟ ما شأن عينيك تُفُيضان؟
قال : بل قام من عندي جبرئيل قبلُ ، فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات» (17).
وزار مَلَك القَطْر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فدخل الحسين (عليه السّلام) يتوثّب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقال الملك : أما إنّ أُمّتك ستقتله!
وقد روى هذه الأنباء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليٌّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، واُمّ سلمة اُمّ المؤمنين ، وزينب اُمّ المؤمنين ، واُمّ الفضل مرضعة الحسين (عليه السّلام) ، وعائشة بنت أبي بكر ، ومن الصحابة أنس بن مالك ، وأبو اُمامة.
وفي حديثه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنسائه : «لا تُبكوا هذا الصبيّ» ـ يعني حسيناً.
فكان يوم اُمّ سلمة ، فنزل جبرئيل (عليه السّلام) ، فدخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال لاُمّ سلمة : «لا تَدَعي أحداً يدخلْ علَيَّ».
فجاء الحسين (عليه السّلام) ... أراد أن يدخل ، فأخذته اُمّ سلمة فاحتضنته وجعلت تُناغيه وتسكته ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
فقال جبرئيل للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) : إنّ أُمتّك ستقتل ابنك هذا ...
فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد احتضن حسيناً ، كاسف البال مهموماً ...
فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال لهم : «إنّ أُمّتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر (18).
إنّ الذين بلغتهم هذه الأنباء وآمنوا بها غيبيّاً ، ليَزداد إيمانهم عمقاً وثباتاً لمّا يجدون الحسين (عليه السّلام) يُقتل فعلاً ، وبذلك يكون الحسين (عليه السّلام) ومقتله من شواهد النبوّة والرسالة ودلائلها الواضحة ، وبهذا تتحقّق مصداقيّة قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «... وأنا من حُسين».
ونزول جبرئيل (عليه السّلام) بالأنباء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أمرٌ مألوفٌ إذ هو مَلَك الوحي ، وموصل الأنباء ، أمّا نزول ملك القَطْر ـ المطر ـ وإخباره بذلك فهو أمر يستوقف القارئ.
فهل في ذلك دلالة خفيّة على موضوع فقدان الماء في قضيّة كربلاء ، و «العطش» الذي سيتصاعد مثل الدخان من أبْنِيَة الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء؟!
المصادر :
1- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 136.
2- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 138.
3- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 139.
4- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 140.
5- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 140.
6- في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور : تظارُّني.
7- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
8- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
9- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
10- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 142.
11- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 144.
12- جهاد الإمام السجاد (عليه السّلام) ص 283.
13- تاريخ دمشق ص 201ص202 وكذلك الحديث (331) منه.
14- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 141.
15- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 135.
16- «علم الأئمة بالغيب» / 58 ـ 69.
17- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 133.
18- مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 134.