استمرارمعاوية علی خطه

أنّ أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) حينما تولّى هذه الخلافة -أو هذه الزعامة- بعد مقتل عثمان أراد أن يشرح للمسلمين بطريقته الخاصّة أنّ المسألة بالنسبة إليه ليست مسألة تبديل [شخص، و] ذهاب شخص ومجي‏ء شخص آخر،
Monday, April 17, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
استمرارمعاوية علی خطه
استمرارمعاوية علی خطه





 
أنّ أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) حينما تولّى هذه الخلافة -أو هذه الزعامة- بعد مقتل عثمان أراد أن يشرح للمسلمين بطريقته الخاصّة أنّ المسألة بالنسبة إليه ليست مسألة تبديل [شخص، و] ذهاب شخص ومجي‏ء شخص آخر، ليست المسألةُ مسألة فارقٍ اسميٍّ أو شخصيٍّ بين زعيم الأمس وزعيم اليوم، وإنّما المسألة مسألة اختلاف كامل شامل في المنهج، وفي كلّ القضايا المطروحة أمام الاُمّة لعلاجها وتصفيتها.
كان يريد أن يغذّي في المسلمين النظرة الحرفيّة إليه‏ ، أن يُنظر إليه (عليه الصلاة والسلام) بوصفه قائماً على خطّ، وقيّماً على منهج، وأميناً على رسالة، وعنواناً لدستورٍ جديدٍ يختلف عن الوضع المنحرف القائم بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

رفض الإمام عليّ (عليه السلام) الخلافة أوّل الأمر:

لأجل هذا امتنع عن قبول الخلافة في أوّل الأمر، وقال لهم بأنّه: «فكّروا في غيري، واتركوني وزيراً لمن تستخلفون، فأنا لكم وزير خيرٌ منّي أمير»(1 «وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّي أميراً» (1)
)، يعني: على مستوى حياة الدعة والكسل، على مستوى حياة الرخاء واليسر، على مستوى الحياة الفارغة من المسؤوليّة، على مستوى هذه الحياة أنا وزيرٌ خيرٌ منّي أمير؛ لأنّي حينما أكون أميراً سوف اُرهقكم، سوف اُتعبكم، سوف أفتح أمامكم أبواب مسؤوليّاتٍ كبرى، و[أحقن‏] في قلوبكم الهمومَ الكبيرة، التي تجعل ليلكم نهاراً وتجعل نهاركم ليلاً، هذه الهموم التي تجعلكم دائماً وأبداً تعيشون مشاكل الاُمّة في كلّ أرجاء العالم الإسلامي، هذه الهموم التي سوف تدفعكم إلى حمل السلاح -من دون حاجةٍ مادّيّة- لأجل تطهير الأرض الإسلاميّة من الانحراف الذي قام عليها.
اتركوني وزيراً [أَكُن‏] أفضل لكم على مستوى هذه الحياة منّي وأنا أمير؛ لأنّي كوزيرٍ لا أملك أن أرسم الخطّ، لا أملك أن أضع المنهج والمخطّط، وإنّما اُسدّد وأنصح واُشير، وحينئذٍ يبقى الوضع الذي كان بعد وفاة النبي مستمرّاً.
قالوا له، أصرّوا عليه بأن يقبل أن يكون خليفة، فرض عليهم الشروط، قبلوا هذه الشروط إجمالاً دون أن يفسِّر، ودون أن يوضّح، وإنّما أعطاهم -بنحو الإجمال‏- فكرةً عن أنّ عهده هو عهد منهجٍ جديدٍ في العمل السياسي والاجتماعي والإداري‏، فقبلوا هذا العهد، وكان هذا سبباً في أن ينظر المسلمون من اللحظة الاُولى إلى عليّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) بوصفه نقطة تحوّلٍ في الخطّ الذي وجد بعد النبي (صلّى الله عليه وآله)، لا بوصفه مجرّد خليفة رابع، وإنّما هذا بداية عهدٍ جديد، انتعشت مع هذا العهد الجديد آمال كثيرة.

انشقاق معاوية:

حينما بويع (عليه أفضل الصلاة والسلام) كانت أكبر الصعاب التي واجهها بعد بيعته هو انشقاق معاوية بن أبي سفيان، وتخلّف الشام بكامله -تبعاً لمعاويةبن أبي سفيان- عن الانضمام إلى بيعته (عليه أفضل الصلاة والسلام).
هذا التناقض الذي وجد في عهده شقَّ المجتمع الإسلامي -أو الدولة الإسلاميّة- إلى شقّين، ووُجد في كلٍّ من الشقّين جهازٌ سياسيٌّ وإداريٌّ لا يعترف بالآخر، ولا يعترف بمشروعيّة الآخر.
الفوارق الموضوعيّة بين وضع الإمام عليٍّ (عليه السلام) ووضع معاوية:
ومنذ البدء كان هناك فوارقُ موضوعيّةٌ واضحةٌ بين وضع عليٍّ (عليه الصلاة والسلام)
هذه الفوارق الموضوعيّة لم يصنعها الإمام بيديه، وإنّما هي نتيجة تاريخ‏:
الفارق الأوّل: الرصيد العلوي في الشام، والرصيد الاُموي في العراق:
أ- فأوّلاً: كان معاوية يستقلّ بإقليم من أقاليم الدولة الإسلاميّة، ولم يكن لعليٍّ (عليه الصلاة والسلام) أيُّ رصيدٍ أو قاعدة شعبيّة في ذلك الإقليم على الإطلاق؛ لأنّ هذا الإقليم كان قد دخل في الإسلام بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانعزال عليٍّ عن خطّ العمل.
وكان هذا الإقليم دخل [و]دشّن حياته الإسلاميّة بولايّة اُمويٍّ قبل معاوية، وهو أخو معاوية: يزيد، ثمّ بعد هذا ولاية معاوية؛ فهو عاش الإسلام من منظار ومن نطاق وُلاة بني اُميّة، ولم يسمع بعلي (عليه الصلاة والسلام)، ولم يتفاعل مع الوجود الإسلامي والعقائدي لهذا الإمام العظيم.
لهذا، شعارُ عليٍّ لم يكن يملك رصيداً وقاعدةً شعبيّة في المجتمع الذي تزعّمه معاوية، وحمل لواء الانشقاق فيه(ويؤكّده أنّ معاوية بن أبي سفيان أتى مجلساً في فتنة مقتل عثمان «فيه عليُّ بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعمّار بن ياسر، فقال لهم: يا معشر الصحابة! أوصيكم بشيخي هذا خيراً، فوالله، لئن قتل بين أظهركم لأملأنّها عليكم خيلاً ورجالاً، ثمّ أقبل على عمّار بن ياسر فقال: يا عمّار! إنّ بالشام مائة ألف فارس كلٌّ يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون عليّاً ولا قرابته، ولا عمّاراً ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحابته، ولا طلحة ولا هجرته، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله، ولا يتّقون سعداً ولا دعوته» (2)
بـ- وهذا بخلاف العكس؛ فإنّ شعار معاوية كان يملك رصيداً قويّاً وقاعدةً قويّة في المجتمع الذي تزعّمه الإمام (عليه الصلاة والسلام)؛ لأنّ معاوية كان يحمل شعار الخليفة القتيل، والمطالبة بدم الخليفة القتيل‏، والخليفة القتيل كان هو أميرَ ذلك المجتمع الذي تزعّمه علي (عليه الصلاة والسلام)، وكان لهذا الخليفة القتيل اُخطبوطٌ في هذا المجتمع، وقواعدُ في هذا المجتمع، وأرحامٌ في هذا المجتمع، ومنتفعون ومرتزقون في هذا المجتمع.
«وكان أهل الشام.. لمّا قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان (رضي الله عنه) الذي قتل فيه مخضّباً بدمه وبأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم، إصبعان منها وشي‏ء من الكف، وإصبعان مقطوعتان من اُصولهما ونصف الإبهام، وضع معاوية القميص على المنبر، وكتب بالخبر إلى الأجناد، وثاب إليه الناس، وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع معلّقة فيه، وآلى الرجال من أهل الشام ألّا يأتوا النساء ولا يمسّهم الماء للغسل إلّا من احتلام، ولا يناموا على الفرش حتّى يقتلوا قتلة عثمان، ومن عرض دونهم بشي‏ء أو تفنى أرواحهم، فمكثوا حول القميص سنة والقميص يوضع كلّ يوم على المنبر ويجلّله أحياناً فيلبسه، وعلّق في أردانه أصابع نائلة (رضي الله عنها)»(3)
ولهذا، كان شعار معاوية بن أبي سفيان يلتقي مع وجودٍ ومع قاعدةٍ ورصيدٍ في داخل مجتمع أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، بينما لم يكن شعار الإمام (عليه الصلاة والسلام) يلتقي مع قاعدةٍ ورصيدٍ في داخل مجتمع معاوية.
الفارق الثاني: اختلاف الموقفين على مستوى الغزو والدفاع:
من ناحية اُخرى، كانت طبيعة المهمّة تميّز معاوية عن عليّ‏بن‏أبي‏طالب:
أ- لأنّ أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) -بوصفه الحاكمَ الشرعيَّ المسؤول عن الاُمّة الإسلاميّة- كان يريد أن يقضي على هذا الانشقاق الذي ولد في جسم الاُمّة، وذلك بتصفية حساب هؤلاء المنحرفين، وإجبارهم بالقوّة على الانضمام إلى الخطّ الشرعي‏.
وكان هذا يستدعي الدخول في حرب، ودفع الإنسان المسلم الذي كان يعيش تحت راية الإمام علي إلى ساحة حرب، لا ليدافع عن نفسه وعن إقليمه، بل ليغزو إقليماً آخر.
كان عليٌّ (عليه الصلاة والسلام) يريد من العراقي أن يخرج من العراق، تاركاً أمنَه وهدوءه واستقرارَه ومعيشتَه ورخاءه ليحارب اُناساً شاميّين لم يلتقِ معهم بعداوةٍ سابقة، وإنّما فقط بفكرة أنّ هؤلاء انحرفوا، ولا بدّ من إعادة أرض الشام إلى المجتمع الإسلامي والدولة الإسلاميّة، فكان موقف عليٍّ (عليه الصلاة والسلام) يتطلّب ويفترض [و]يطرح قضيّة الهجوم.
بـ- وأمّا معاوية بن أبي سفيان، فكان يكتفي في تلك المرحلة بأن يحافظ على وجوده في الشام‏، لم يكن معاوية بن أبي سفيان يفكّر -ما دام أمير المؤمنين‏[حيّاً] - أن يهاجم أميرَ المؤمنين، وأن يحارب العراق، ويضمّ العراق إلى مملكته، وإنّما كان يفكّر فقط في أن يحتفظ بهذا الثغر من ثغور المسلمين حتّى تتهيّأ له الفرص والمناسبات والظروف الموضوعيّة بعد ذلك لِأَنْ يتآمر على الزعامة المطلقة في كلّ أرجاء المجتمع الإسلامي. كتب معاوية إلى عليٍّ (عليه السلام): «وقد كنتُ سألتك الشام على ألّا يلزمني لك طاعة ولا بيعة، فأبيت ذلك عليَّ»، فأجابه (عليه السلام): «فأمّا طلبك الشام، فإنّي لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك منها أمس» (4)
فمعاوية لم يكن يقول للشامي: «تعالَ اخرج من الشام مطلِّقاً كلَّ راحتك واستقرارك وهدوءك، واذهب إلى العراق لتحارب شخصاً لم تعادِه من قبل، لا لشي‏ء إلّا لأنّ هذا الشخص خارجٌ عن طاعتي».
ولكنّ عليّاً كان يقول هذا للعراقي؛ لأنّ عليّاً كان يحمل بيده مسؤوليّة الاُمّة، ومسؤوليّة إعادة الوحدة إلى المجتمع الإسلامي، بينما كان معاوية كلُّ مكسبه وكلُّ همّه وقصارى أمله أن يحافظ على هذا الانشقاق، يحافظ على هذه التجزئة التي أوجدها والتي كادها للإسلام والمسلمين.
وهنا: شتّان بين قضيّة الهجوم حينما تطرح وقضيّة الدفاع.
الفارق الثالث: المنافسة المَدَنيّة العراقيّة لعليٍّ (عليه السلام)، والتسليم الشامي لمعاوية:
ومن ناحية ثالثة، كان هناك فرقٌ آخر بين معاوية وبين إمام الإسلام (عليه الصلاة والسلام)، وهذا الفرق هو:
أ- أنّ معاوية كان يعيش في بلدٍ لم يكن قد نشأت فيه زعامات سياسيّة طامحة إلى الحكم والسلطان من ناحية، ولم يكن فيه اُناسٌ من أصحاب السوابق إلى الإسلام ممّن يرى لنفسه الحقَّ في أن يساهم في التخطيط، وفي التقدير، وفي حساب الحاكم، وفي رسم الخطّ، لم يكن هكذا.
الشام أسلمت على يد معاوية وأخي معاوية وأمثال معاوية، كلّهم كانوا مسلمين نتيجةً لإسلام معاوية ولإسلام أخي معاوية ولإسلام من استخلف معاويةَ على الشام، ولم يكن قد مُنِي بتناقضات من هذا القبيل.
بـ- أمّا عليٌّ (عليه الصلاة والسلام) [فـ-]-كان يعيش في مدينة الرسول، كان يعيش في حاضرة الإسلام الاُولى التي عاش فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعاش فيها بعد ذلك أبو بكر، وعاش فيها بعد ذلك عمر وعثمان، حتّى قتل عثمان:
فهو من ناحية: كان يواجه كثيراً من الصحابة من أصحاب السوابق في خدمة الإسلام، هؤلاء الذين كان كثيرون منهم يرَون أنّ من حقّهم أن يساهموا في التخطيط، وأن يشتركوا في رسم الخطّ، وكان لكلٍّ منهم اجتهاده
وذوقه وقريحته في التخطيط وفي رسم الخطّ، كان عليٌّ يواجه أشخاصاً كانوا يرونه ندّاً لهم، غاية الأمر أنّه الندّ الأفضل، الندّ المقدَّم، ولكنّهم صحابة كما أنّه هو صحابي، عاش مع النبيّ وعاشوا مع النبيّ.
طبعاً، نحن نعلم أيضاً بأنّ خلافة عليٍّ كانت بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) بأكثر من عشرين سنة، وهذا معناه أنّ [الرواسب‏](2)، يعني أنّ مخلّفات عهد النبوّة، ذاك الامتياز الخاصّ الذي يتمتّع به أمير المؤمنين في عهد النبوّة، والذي عبّر عنه معاويةُ في رسالة له إلى محمّد بن أبي بكر حينما قال له: «كان عليٌّ في عهد الرسول كالنجم لا يطاول»(3)، ذاك الامتياز الخاصّ كان قد انتهى مفعولُه، وتضاءل أثرُه في نفوس المسلمين.
الناس عاشوا عشرين سنةً يرون عليّاً مأموماً، يرَونه منقاداً، يرونه جنديّاً بين يَدَي أمير، هذا الإحساس النفسي خلال عشرين سنة ذهب بتلك الآثار التي خلّفها عهد النبوّة.
ولهذا كان عليٌّ يُنظر إليه بشكلٍ عام عند الصحابة الذين ساهموا في حلّ الاُمور وعقدها، وكانوا يمشون في خطّ السقيفة.. هؤلاء الصحابة الذين ساهموا في حلّ الاُمور وعقدها، وقدّموا خدمات للإسلام في صدر حياتهم، و[كان‏] قُدّر لهم بعد هذا أن يمشوا في خطّ الانحراف وفي خطّ السقيفة، هؤلاء كانوا ينظرون إلى عليّ (عليه الصلاة والسلام) كالأخ الأكبر: الزبير، صحيحٌ [أنّه‏] كان يخضع لعليّ‏بن أبي طالب، لكن [كان‏] يخضع [له‏] كالأخ الأكبر، لا يرى أنّ إسلامه مستمدٌّ منه، أنّ وجوده في الإسلام مستمدٌّ منه.
هذه الحقيقة الثابتة التي كانت واضحةً على عهد النبيّ طُمست خلال عهد الانحراف، خلال عهد أبي بكر وعمر وعثمان. ولهذا، كان الزبير يعترف بأنّ عليّاً أحسن منه، لكن في نفس الوقت لم يكن يرى نفسه مجرّد آلة، أو مجرّد تابع، أو مجرّد جنديٍّ يجب أن يؤمر فيطيع.
فكان هناك اُناس من هذا القبيل، هؤلاء يريدون أن يشتركوا في التخطيط، يشتركوا في رسم الخطّ، في ظرفٍ هو أدقّ ظرفٍ وأحرجه وأبعده عن عقول هؤلاء القاصرين. هذه من ناحية.
ومن ناحيةٍ اُخرى: كانت توجد هناك الأطماع السياسيّة والأحزاب السياسيّة التي تكوّنت في عهد عمر بن الخطّاب،واستفحلت بعد عمربن‏الخطّاب كنتيجة للشورى.
هذه الأحزاب السياسيّة أيضاً كانت تفكّر في أمرها، وتفكّر في مستقبلها، وتفكّر في أنّه كيف تستفيد أكبر قدرٍ ممكنٍ من الفائدة في خضمّ هذا التيّار، وفي خضمّ هذا التناقض.
وهذا بخلاف معاوية؛ [فمعاوية] لم يكن قد مني بصحابةٍ أجلاّء يعاصرونه ويقولون له: «نحن صحابة كما أنت صحابي»، بل كلُّ أهل الشام كانوا مسلمين نتيجةً لإسلامه هو وإسلام أخيه، لم يرَ أحدٌ منهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يسمع أحدٌ منهم القرآن إلّا عن طريق معاوية وأخي معاوية وبعض الشواذ من الصحابة الذي كان يزور الشام بين حين وحين‏.
إذاً، فكانت حالة الاستسلام الموجودة في مجتمع الشام بالنسبة إلى معاوية لا يوجد ما يناظرها بالنسبة إلى إمام الإسلام (عليه أفضل الصلاة والسلام) في مجتمع المدينة والعراق.
الفارق الرابع: تبنّي عليٍّ (عليه السلام) قضيّةً في صالح الأضعف، بخلاف معاوية:
ومن ناحيةٍ اُخرى، كان هناك أيضاً فرقٌ آخر بين معاوية وبين أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وحاصل هذا الفرق الآخر هو:
أ- أنّ أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان يتبنّى قضيّةً هي في صالح الأضعف من أفراد المجتمع، وكان معاوية يتبنّى قضيّةً هي في صالح الأقوى من أفراد المجتمع.
أمير المؤمنين كان يتبنّى الإسلام بما فيه من قضايا العدالة الاجتماعيّة التي يمثّلها النظام الاقتصادي في الإسلام، وهذه القضايا لم تكن في صالح الأقوى، بل كانت في صالح الأضعف.
بـ- ومعاوية كان يمثّل الجاهليّة بفوارقها وعنعناتها وطبقاتها، وهذا لم يكن في صالح الأضعف، بل كان في صالح الأقوى؛ ذلك أنّه بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حينما دخل العراق والشام وبقيّة البلاد في داخل إطار المجتمع الإسلامي لم يقضِ الخلفاءُ الذين تسلّموا زعامة المسلمين على التنظيم القبائلي الذي كان موجوداً في هذه البلاد، بل بقي التنظيم القبائلي سائداً في هذه البلاد، وبقي زعيم كلُّ قبيلةٍ هو الشخص الذي يرتبط بالسلطان، وهو همزة الوصل بين قبيلته وبين السلطان.
وهذا التنظيم القبائلي بطبيعته يخلق جماعة من زعماء وشيوخ هذه القبائل الذين لم يروّضهم الإسلام في المرتبة السابقة، ولم يعيشوا أيّام النبوّة عيشاً صحيحاً، بل لم يَرَوا النبيَّ على الإطلاق، يجعل من هؤلاء طبقةً معيّنةً ذات مصالح وذات أهواء وذات مشاعر في مقابل قواعدهم الشعبيّة، ويُهيِّئ لهم أسباب النفوذ والاعتبار.
الآن تصوّروا مجتمعاً إسلاميّاً تركه أبو بكر وعمر وعثمان وهو يغصُّ بالتقسيمات القبليّة، ويغصُّ بالتنظيمات القبليّة، بمعنى أنّ كلّ قبيلةٍ كانت تخضع سياسيّاً وإداريّاً لزعامةٍ في تلك القبيلة، وكانت زعامة هذه القبيلة هي همزة الوصل بين هذه القبيلة وبين السلطان.
تصوّروا مجتمعاً من هذا القبيل: أحدُ الأميرين [فيه‏] يحمل اُطروحةَ أنْ يساوي بين شيخ هذه القبيلة وبين أفراد هذه القبيلة، ويحمل الآخر اُطروحةَ أنْ يرشي رؤساء هذه القبائل بقدر الإمكان! أيُّ الاُطروحتين تكون أقدر بالنسبة إلى هذا المجتمع؟!
طبعاً، الاُطروحة الاُولى هي في صالح الأضعف، الأكثرِ كمّاً، ولكنّه الأضعف كيفاً، والاُطروحة الثانية هي في صالح الأقلّ كمّاً، ولكنّه الأقوى كيفاً.
هذا أيضاً كان عاملاً من عوامل القوّة بالنسبة إلى معاوية.
هذه الظروف الموضوعيّة لم يصنعها الإمام (عليه الصلاة والسلام)، وإنّما هي صُنعت خلال تاريخ، فوُجد لمعاوية مركزٌ قوي، ووجد للإمام (عليه الصلاة والسلام) مركزٌ لولا براعته الشخصيّة وكفاءته الشخصيّة ورصيده الروحي الكبير في القطّاعات الشعبيّة الواسعة لَمَا استطاع (عليه الصلاة والسلام) أن يقوم بما قام به من حروب ثلاثة داخليّة في خلال أربع سنوات.
بدأ الإمام (عليه الصلاة والسلام) خلافته ودشّن عهده، وبدأ الانقسام مع هذا العهد على يد معاوية بن أبي سفيان، وأخذ الإمام (عليه الصلاة والسلام) يهيّئ المسلمين للقيام بمسؤوليّاتهم الكبيرة، للقيام بدورهم في تصفية الحسابات السابقة، في تصفيتها على المستوى المالي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الاجتماعي، على المستوى السياسي والإداري أيضاً الذي كان يحتاج إلى الحرب، كان يحتاج إلى الجهاد، كان يحتاج إلى القتال، وأخذ يدعو الناس إلى أن يخرجوا للقتال، وخرج الناس إلى القتال.
المصادر :
1- نهج البلاغة: 136، الخطبة 92.
2- الإمامة والسياسة 46 :1.
3- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 562 :4، وراجع: الإمامة والسياسة 103 :1.
4- وقعة صفّين: 470، 471. وكتب معاوية إلى ابن عبّاس: «وقد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام، فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق» وقعة صفّين: 414.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.