الإمام علي عليه‌السلام و التجسيم

إنّ حديث التجسيم والتشبيه الذي جاءت به العقول الوهابيّة ، وأساطين التجليد (وليس التجديد) ، هو من عند اليهود والنصارى ، وربما قيل ذلك من بقايا الوثنية اليونانية وغيرها من العقائد الباطلة التي جاء الإسلام الحنيف لتصحيحها
Monday, April 17, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الإمام علي عليه‌السلام و التجسيم
الإمام علي عليه‌السلام و التجسيم





 

إنّ حديث التجسيم والتشبيه الذي جاءت به العقول الوهابيّة ، وأساطين التجليد (وليس التجديد) ، هو من عند اليهود والنصارى ، وربما قيل ذلك من بقايا الوثنية اليونانية وغيرها من العقائد الباطلة التي جاء الإسلام الحنيف لتصحيحها وتقويمها وإعادتها إلى التوحيد الحقّ الذي يتلخص بقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في خطبة الأشباح المعروفة ، والمروية في نهج البلاغة ، والتي يقول فيها : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ ، وَلا يُكْدِيهِ الإِعْطَاءُ وَالْجُودُ ... الأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْ‏ءٌ قَبْلَهُ ، وَالآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْ‏ءٌ بَعْدَهُ ، وَالرَّادِعُ أَنَاسِيَّ الأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ».
ثمّ قال للذي سأله : «فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ ، وَاسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ ، وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ ، وَلا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ ، فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ» (1).
هكذا ينزّه الله سبحانه وتعالى أئمّةُ المسلمين ، والأُمّةُ كلّها من بعدهم ، فهم منار الهدى وأعلام التقى للأُمّة ، عنهم تأخذ معالم دينها.
وهذا بالضبط ما جاء به القرآن الكريم الذي كان قمّة الإعجاز في كلّ شيء ، حتّى في بحوث التوحيد والتقديس والتنزيه للباري تعالى. ألا تكفي عشرات الآيات المباركات في هذا الباب ، وهي رأس الدين وأوّل أصوله ، وعمدة أركانه الخمسة؟
ألا تكفي الوهابيّة السلفيّة والحشويّة وبقيّة المجسّمة سورة الإخلاص المباركة وكلماتها النورانيّة : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (2)؟
بلى والله تكفي وتكفي ؛ لأنّها تعادل ثلث القرآن كما في الروايات المستفيضة ، لِما فيها من معارف التوحيد الذي قال عنه أمير المؤمنين في خطبة أُخرى :
«أوّلُ الدِّينِ معرفتهُ ، وكمالُ معرفتهِ التَّصديقُ به ، وكمالُ التصديقِ به توحيدهُ ، وكمالُ توحيدهِ الإخلاصُ لهُ ، وكمالُ الإخلاصِ لهُ نفيُ الصفاتِ عنهُ ؛ لشهادةِ كلِّ صفةٍ أنّها غيرُ الموصوفِ ، وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنّهُ غيرُ الصفةِ» (3).
إلاّ أنّ المجسّمة لم يرق لهم ذلك ، فراحوا يحملون آيات القرآن على ظاهرها البحت ، ولم يعتمدوها في أبحاثهم ، وإنّما عمدوا إلى السُنّة والأحاديث الملفّقة والمكذوبة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قال : «ستكثر من بعدي الكذّابة ، فما جاءكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافقه فخذوه ، وإن عارضه فاضربوا به عرض الحائط».

الرحمن على صورة إنسان :

وهؤلاء تركوا الميزان والحكَم وهو كتاب الله ، وجعلوا المحكوم عليه السُنّة هي الحكَم في عقائدهم ، وتمسّكوا بأحاديث كعب الأحبار ، وعبد الله بن منبه ، وعبد الله بن سلام ، ومقاتل بن سليمان ، وأبي هريرة الدوسي وغيرهم ممّن رويت عنهم تلك الأحاديث التي لم يسمعوها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
كقول أبي هريرة : (إنّ الله خلق آدم على صورته) (4) ، وهذا ترجمة لما جاء في التوراة في السّفر الأوّل : (سنخلق بشراً على صورتنا يشبهها).
وأصل هذا الحديث صحيح إلاّ أنّ أبا هريرة اختصره وأخذ منه ما يوافق أهواءه ، أو ما كان يمليه عليه صاحبه كعب الأحبار ، لكنّ الصحابة صحّحوه له ؛ حيث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرَّ برجل يضرب رجلاً (عبداً) وهو يقول : (قبّح الله وجهك ، ووجه مَنْ أشبه وجهك).
فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا ضرب أحدكم فليتقِ (يتجنب) الوجه ؛ فإنّ الله تعالى خلق آدم على صورته» (5).
أي أنّ الوجه المضروب على صورة أبيه آدم عليه‌السلام ، وليس كما فهمه اُولئك من أنّ ضمير الصورة عائد على الذّات المقدّسة ، سبحانك اللهمّ سبحانك.
وهذا آخر (عبد الرحمن بن عائش) يروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : (رأيت ربّي في أحسن صورة) تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
فقال لي (الله) : فيمَ يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟!
قلت : أنت أعلم ياربّ ، فوضع كفّه بين كتفيّ حتّى وجدت بردها بين ثديي!) (6) تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
والحافظ ابن الجوزي يروي ذلك عن ابن حامد المجسّم الحنبلي بهذا اللفظ : (ولمّا أُسري بي رأيت الرحمان تعالى في صورة شاب أمرد ، له نور يتلألأ ، وقد نُهيت عن وصفه لكم ، فسألت ربّي أن يكرمني برؤيته ، وإذا هو كأنّه عروس حين كشف عن حجابه ، مستوٍ على عرشه) (7).
وبيّن الحافظ ابن الجوزي أنّ هذا كذب قبيح (8).
وهذه أُمّ الطفيل تروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربّه في المنام في أحسن صورة شاباً موفّراً ، رجلاه في خضرةٍ ، عليه نعلان من ذهب ، على وجهه فراش من ذهب (9).
وبعد هذا البسط ، إليك عقيدة القوم في الله سبحانه وتعالى التي تبدو واضحة من عنوان الكتاب الذي ألّفه الشيخ محمود التويجري ، وهو (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن).
تصوّر رعاك الله هذه العقيدة الغير إسلاميّة ، ويطالبوننا باعتناقها وهي محضّ الجاهليّة التي حاربها الإسلام ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورجالاته المخلصون؟!
مشاهدات ابن بطوطة لابن تيمية
وإليك ما كتبه الرحّالة العالمي ابن بطوطة عن مشاهداته لإمام من أئمّتهم في العقائد ، وشيخ من أعظم مشايخهم ، وعمدة من أعمدتهم الذي لم يأتِ مثله إلاّ المجدّد في نظرهم محمد بن عبد الوهاب النجدي.
كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية ، كبير الشام

مَنْ هو ابن تيمية؟

أحمد بن عبد الحليم الحرّاني الحنبلي ، الملقّب بابن تيمية ، وتقي الدين ، وأبي العباس ، كان من كبار علماء الحنابلة في القرن السابع والثامن الهجريين. ولد في مدين حرّان سنة 661 هـ ، وبعد أن عاش 67 عاماً توفي سنة 728 هـ في دمشق.
إنّه من بيت حمل لواء المذهب الحنبلي أكثر من قرن من الزمن ، تعاقب فيه رجال على زعامة المذهب ، فتصدّروا الخطابة وأكثروا التأليف ، منهم : محمد بن الخضر بن تيمية ، وابنه عبد الغني المعروف بالسيف ، وأيضاً عبد القاهر بن عبد الغني السيف.
والدة ابن تيمية تدعى ستّ النعم بنت عبدوس الحرّانية. أمّا بالنسبة إلى قبيلته ، فإنّ أحداً ممّن ترجم له لم يذكر قبيلته ولا منحدره القومي ، وحتى معاصروه وتلامذته كالذهبي ، وابن الوردي ، وابن كثير وغيرهم لم ينسبوه إلى قبيلة من قبائل العرب ولا من غيرهم ، ولم يذكر شيء من ذلك في تراجم آبائه أيضاً ؛ فبقيت نسبته عرضة للتكهّنات التي لا يؤيّدها دليل شافٍ ، ولا ينفيها برهان قاطع بعد سكوت معاصريه ، بل ومعاصري آبائه عن ذلك.
نشأ ابن تيمية بحرّان ، حتّى إذا بلغ السابعة من عمره أغار على المدينة التتار ، ففرّ أهل المدينة منها ، وهاجرت أسرته إلى الشام واستقرّت هناك ، وكانت آراؤه الكثيرة المنحرفة تخالف آراء الفقهاء ، فكفّروه واشتدّت العداوة بينه وبينهم حتّى بدأ ولاة مصر يستمعون للشكايات المثيرة ، ومنها شكايات الصوفية.


يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ، (وهذا ديدن الهمج الرعاع الذين كانوا يعظّمون معاوية وعمرو بن العاص و ...) ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم بأمر أنكره الفقهاء (التجسيم والتشبيه). قال : وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أن قال : (إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا) ونزل درجة من المنبر ثمّ صعد ليكمل!
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه (ابن تيمية) وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشيّة حرير (وهو محرّم على رجال أُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك (10) (أي جلده وأقام عليه الحدّ).

هذه عقيدة القوم يا أهل الإيمان!

لم يقيّد ابن تيمية نفسه باتّباع مذهب أحمد بن حنبل ، وكان من المسائل الكلامية يغالي في التوحيد ، وفي زمانه رحّب الناس به واستمعوا إليه وأعجبوا به ، وتعصّب له فريق ، ولكنّ دعوته لم تلقَ التأييد ، فظلّت راكدة إلى أربعة قرون ونصف ، حيث حملها محمد بن عبد الوهاب مؤسّس الحركة الوهابيّة إلى شبه الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري.
هذه آراء أعاظمهم ومشايخهم وأعلامهم عن الله تعالى وصفاته؟!
هذا هو التوحيد الذي يدعون الأُمّة الإسلاميّة إليه؟! أليس هو عين الكفر والشرك والجحود بكل ما جاء به القرآن وملّة أهل الإيمان؟!

المصادر :
1- نهج البلاغة 1 ص خطبة 89 المعروفة بالأشباح.
2- سورة الإخلاص.
3- نهج البلاغة ـ الخطبة الأولى.
4- صحيح البخاري : الآية ح 6227 ، صحيح مسلم ص ح 2841.
5- صحيح مسلم ص ح 2612 ، مسند أحمد 2 ص 434.
6- تهذيب التهذيب 6 ص 185.
7- دفع شبهة التشبيه ـ لابن الجوزي ص 151.
8- السلفية الوهابيّة ص 32.
9- المصدر نفسه.
10- رحلة ابن بطوطة ص 95.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.