اخلاقيات الحجّ

الحج هو العبادة الوحيدة المفروضة على مستطيعي الأُمّة ولمرّة واحدة في العمر. إنّ الحجّ في الحقيقة أكبر مؤتمر إسلامي سنوي في العالم ، بل وأكبر ظاهرة إيمانيّة أخلاقيّة في الحياة ؛
Friday, April 21, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
اخلاقيات الحجّ
اخلاقيات الحجّ
 



 
الحج هو العبادة الوحيدة المفروضة على مستطيعي الأُمّة ولمرّة واحدة في العمر. إنّ الحجّ في الحقيقة أكبر مؤتمر إسلامي سنوي في العالم ، بل وأكبر ظاهرة إيمانيّة أخلاقيّة في الحياة ؛
لأنّها تمثيل للقيامة والمحشر بكلّ ما فيه من عظمة ومهابة وقداسة. والمسلمون يجب عليهم أن يهتمّوا أيّما اهتمام بهذا المؤتمر النوراني المبارك ، وأن يعيدوه إلى مجده وإلى أصله التشريعي ؛ فإنّ القوم في هذه الأيام لا سيما وبعد تسلّط الحركة الوهابيّة على مقاليد الأمور هناك ، يفرغون الحجّ والعبادات من معانيها ومقاصدها الشرعيّة.
فتحوّل الحجّ إلى قشر لا لبّ فيه ، وذكر لساني لا معنى في القلب له ، هكذا أراد لنا السلفيون وأتباع محمد بن عبد الوهاب ، وما يخطّطها الاستعمار لضرب كلّ مقدّساتنا الإسلاميّة وعقائدنا الإيمانيّة ؛ ليسهل عليهم التسلّط والسيطرة علينا وعلى بلادنا وخيراتها كلّها.
فالحجّ أخلاق إنسانيّة ، ورسالة إيمانيّة رحمانيّة ، لا سيما شعائره الجملية البهيّة المنظّمة التي ترهب العالم المستكبر عندما يرون هذه الجموع المليونيّة بلباس واحد ، وطواف واحد ، وموقف واحد ، وهتاف وتلبية واحدة ، فيتساءلون : ماذا لو هتفت هذه الجموع بسقوطنا أو أعلنوا الحرب علينا؟
نعم ، هذا المؤتمر المبارك يبيّن أخلاقيّات رفيعة من أخلاقيّات الإمام الحسين عليه‌السلام ، واحترامه لجدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبيه المرتضى عليه‌السلام ، والصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ، فتراه يخطابهم بكلّ إجلال وتقدير واحترام وتبجيل ، ويذكّرهم بالقيادة الربانيّة والرسالة الإيمانيّة وواجبهم الشرعي تجاه ذلك كلّه ، ويأخذ اعترافهم وإقرارهم على كلّ ما يقول ، ويأمرهم بتبليغ الرسالة إلى أهل الصلاح والإيمان في كلّ البلدان.
وإليك أخي المؤمن تفاصيل المؤتمر كما ترويها الكتب المعتبرة لدينا :
لمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن علي (صلوات الله عليه) وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه ، فجمع الحسين عليه‌السلام بني هاشم ؛ رجالهم ونساءهم ومواليهم ، ومن الأنصار ممّن يعرفه الحسين عليه‌السلام وأهل بيته. ثمّ أرسل رسلاً قال لهم : «لا تَدَعوا أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجتمعوا لي ، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمئة رجل وهم في سرادقة عامّتهم من التابعين ، ونحو من مئتي رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
«أمّا بعدُ ، فإنَّ هذا الطاغيةَ قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم ، وإنّي أريدُ أن أسألكم عن شيءٍ ، فإن صدقتُ فصدّقوني وإن كذبتُ فكذّبوني ، وأسألكم بحقّ الله عليكم وحقّ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرابتي من نبيّكم لما سيّرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ، ودعوتم أجمعين في أمصاركم من قبائلكم ومَنْ أمنتم من الناس».
وفي رواية أُخرى بعد قوله : فكذّبوني قال :
اسمعوا مقالتي ، واكتبوا قولي ، ثُمَّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمَنْ أمنتم من النّاس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقّنا ؛ فإنّي أتخوّف أن يدرسَ هذا الأمر ، ويذهب الحقُ ويُغلبُ (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (1).
وما ترك شيئاً ممّا أنزل الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسَّره ، ولا شيئاً ممّا قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أبيه وأخيه وأُمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه ، وكلّ ذلك يقول أصحابه : اللّهمَّ نعم ، وقد سمعنا وشهدنا. ويقول التابعي : اللّهمَّ قد حدّثني به مَنْ أُصدّقه وأئتمنه من الصحابة. فقال : «أُنشدكم الله إلاّ حدّثتم به مَنْ تثقون به وبدينه» (2).
قال سليم : فكان فيما ناشدهم الحسين عليه‌السلام وذكّرهم ، أن قال :
«أُنشدكم الله ، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه ، وقال : أنتَ أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أُنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ، ثمّ ابتنى فيه عشرة منازل ، تسعةً له وجعل عاشرها في وسطها لأبي ، ثمّ سدَّ كلّ بابٍ شارعٍ إلى المسجد غيرَ بابه ، فتكلّم في ذلك مَنْ تكلّم فقال : ما أنا سددتُ أبوابكم وفتحتُ بابه ، ولكنّ الله أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه.
ثمّ نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره ، وكان يُجنبُ في المسجد ومنزله في منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فولِدَ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وله فيه أولاد؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أفتعلمون أنّ عمر بن الخطّاب حرص على كوّةٍ قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى عليه ، ثمّ خطب فقال : إنّ الله أمرني أن ابني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أنشدكم الله ، أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبهُ يوم غدير خُمٍّ فنادى له بالولاية ، وقال : ليبلّغ الشَّاهدُ الغائبَ؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أنشدكم الله ، أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له في غزوةِ تبوك : أنتَ منّي بمنزلة هارونَ من موسى ، وأنتَ وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أنشدكم الله ، أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا النصارى مِنْ أهلِ نجرانَ إلى المباهلة لم يأتِ إلاّ به وبصاحبته وابنيه؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أنشدكم الله ، أتعلمون أنّه دفع إليه اللواء يوم خيبرٍ ، ثمّ قال : لأدفعنَّه إلى رجلٍ يحبّه الله ورسوله ويُحبُّ الله ورسوله ، كرّار غير فرار ، يفتحها الله على يديه؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثهُ ببراءة وقال : لا يبلِّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي؟».
قالوا : اللّهمَّ نعم.
قال : «أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تنزل به شدةٌ قطٌ إلاّ قدَّمه لها ثقةً به ، وأنّه لم يدعه باسمه قطّ إلاّ أن يقول : يا أخي ، وادعوا لي أخي؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بينه وبين جعفرٍ وزيدٍ ، فقال : يا علي ، أنت منّي وأنا منك ، وأنت وليُّ كلّ مؤمنٍ بعدي؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أتعلمون أنّه كانت له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يومٍ خلوةٌ ، وكلّ ليلةٍ دخلةٌ ، إذا سأله أعطاه ، وإذا سكت ابتدأه؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضّله على جعفرٍ وحمزة حين قال لفاطمة عليها‌السلام : زوّجتكِ خير أهل بيتي ، أقدمهم سلماً ، وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا سيّدُ ولد آدم ، وأخي عليّ سيّد العرب ، وفاطمةُ سيّدةُ نساء أهل الجنّة ، والحسن والحسين ابناي سيّدا شباب أهل الجنّة».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهُ بغسلهِ ، وأخبرهُ أنّ جبرائيل عليه‌السلام يُعينُهُ عليه؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
قال : «أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالَ في آخر خُطبةٍ خطبها : إنّي تركتُ فيكم الثَّقلين ؛ كتاب الله وأهل بيتي ، فتمسَّكوا بهما لن تضلوا؟».
قالوا : اللّهمّ نعم.
فلم يدع شيئاً أنزله الله في علي بن أبي طالب عليه‌السلام خاصّة ، وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ناشدهم فيه ، فيقول الصحابة : اللّهمّ نعم ، قد سمعنا ، ويقول التابع : اللّهمّ قد حدثنيه مَنْ أثق به فلان وفلان.
ثمَّ ناشدهم أنَّهم قد سمعوه يقول : «مَنْ زعمَ أنّه يُحبّني ويبغض علياً فقد كذب ، ليس يُحبني ويبغض علياً ، فقال له قائل : يا رسول الله وكيف ذلك؟
قال : لأنّه منّي وأنا منه ، مَنْ أحبّه فقد أحبني ، ومَنْ أحبّني فقد أحبّ الله ، ومَنْ أبغضه فقد أبغضني ومَنْ أبغضني فقد أبغض الله».
فقالوا : اللّهمَّ نعم ، قد سمعنا. وتفرّقوا على ذلك (3).
هذا هو الكلام الفصل ، والحجّة من حجّة الله على الخلق في ذاك اليوم المهيب ، وتحت ظلّ الحكم الأموي الرهيب الذي طغى فيه معاوية بن أبي سفيان ، وراح يقتل الناس لا سيما شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ سعياً منه لإبادة الإيمان ، ودفن الإسلام دفناً ، كما صرّح بذلك لصاحبه المغيرة بن شعبة ذات يوم.
إنّ الإسلام كلّه أخلاق وقيم ومثل عُليا ، وكلّ ذلك تمثّله القيادة الربّانيّة ، والإمامة الشرعيّة المتمثّلة بأهل البيت الأطهار عليهم‌السلام ، وأبو عبد الله الحسين عليه‌السلام خامس أصحاب الكساء يبيّن الحقائق ، ويضع النقاط على الحروف ، وكأنّه (روحي له الفداء) يُهيّئ الأُمّة الإسلاميّة ليوم عصيب ، سيحلّ يوم عاشوراء ، وموقف عجيب سيقفه على تراب كربلاء.
أليس هذا كلّه أخلاق وقيم يجب على الأُمّة تمثّله في حياتها إذا أرادت السعادة والخير لها ، والخروج من هذه الشرنقة التي حصرت نفسها فيها في هذا الزمان الأغبر.
نعم ، بنهضة الحسين عليه‌السلام وأخلاقيّاته ، ومناقبيّاته النموذجية الصادقة يكون الإنقاذ والخلاص.
الحسين عليه‌السلام وصلة الرحم
بقي علينا أن نتحدّث عن مفردة واحدة من مناقبيّات الإمام الحسين عليه‌السلام في هذا الباب ؛ لنكون قد حاولنا إعطاء صورة واضحة عن معظم الجوانب الاجتماعيّة لحياة المولى عليه‌السلام الذي له كلمة رائعة يقول فيها : «مَنْ سرّه أن يُنسأ في أجله ويُزاد في رزقه ، فليصل رحمه» (4).
عرَّف علماء الأخلاق الصلة بأنّها ضدّ القطيعة.
وصلة الرحم : هي إشراك ذوي اللحمة والقرابات بما ناله من المال والجاه وسائر خيرات الدنيا ، وهو أعظم القربات ، وأفضل الطاعات (5). قال سبحانه في كتابه العزيز : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) (6).
وقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) (7).
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) (8).
وكم هي الأحاديث النبويّة والإماميّة حول الرحم وصلتها ، وثواب ذلك الوصل الذي أمر الله به. ففي الحديث النبوي الشريف : «أوصي الشاهدَ مِنْ أُمّتي والغائب ، ومَنْ في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة ، أنْ يصلَ الرَّحمَ وإن كانت منه على مسيرة سنة ؛ فإنَّ ذلك من الدِّين» (9).
وأمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «صِلوا أرحامكم ولو بالتّسليم».
والإمام الباقر عليه‌السلام يقول : «إنَّ الرحم متعلّقةٌ يوم القيامة بالعرش ، وهي تقول : اللّهمَّ صل مَنْ وصلني ، واقطع مَنْ قطعني».
والإمام الصادق عليه‌السلام يقول : «صلة الرَّحم تهوِّن الحساب يوم القيامة ، وهي منسأةٌ في العمر ، وتقي مصارع السُّوء».
فالرحم : ربما تكون من الرحمة والتراحم ، فإذا وصلت كانت سبباً لنزول الرحمة الإلهيّة على اُولئك المتراحمين ، فيرحمهم الله ؛ لأنّهم تراحموا فيما بينهم ، ولهذا تكون منسأة ، مطوّلة للعمر والأجل المحتوم (الموت) ، وتزيد في الأرزاق ، وتبارك الأعمار ، وتبني البلاد ، وتزدهر أحوال العباد.
والعقوق والقطيعة : من أهم أسباب التنازع والخصام ، وهي في ذوي الأرحام تكون الحالقة ؛ لأنّها تحلق الأعمار والأرزاق ، وتدع الديار لا خير فيها ، ولا بركة تنزل عليها من الباري تعالى : «ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء» (10).
المصادر :
1- سورة الصف : الآية 8.
2- موسوعة الغدير 1 ص 198 ، كتاب سليم بن قيس ص 168.
3- كتاب سليم بن قيس ص 168 ـ 171.
4- عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 2 ص 44 ح157 ، موسوعة البحار 74 ص 91 ح15.
5- جامع السعادات 2 ص 259.
6- سورة النساء : الآية 36.
7- سورة النساء : الآية 1.
8- سورة رعد : الآية 1.
9- جامع السعادات 2 ص 260.
10- موسوعة البحار 77 ص 167 ، كنز العمال ص ح5969.



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.