السجود

هل يجوز السجود لغير الله سبحانه وتعالی وماهي حقيقة سجود الملائكة لآدم عليه‌السلام ، إنّ هذا السجود إذا كان بأمر من الله ، يخرج عن حيّز العبادة للمسجود له إلى حيّز عبادة الآمر بالسجود ، كما في قصّة أبينا آدم عليه‌السلام
Sunday, April 23, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
السجود
السجود



 

هل يجوز السجود لغير الله سبحانه وتعالی وماهي حقيقة سجود الملائكة لآدم عليه‌السلام ، إنّ هذا السجود إذا كان بأمر من الله ، يخرج عن حيّز العبادة للمسجود له إلى حيّز عبادة الآمر بالسجود ، كما في قصّة أبينا آدم عليه‌السلام وسجود الملائكة له ، وورود ذلك في عدد من السور القرآنية ، كما في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (1).
نسأل : هل كان السجود هنا عبادة لآدم عليه‌السلام أم تعظيماً وتفخيماً وتكريماً له؟!
فالآية تدلّ دلالة قطعية وواقعية واضحة على أنّ آدم عليه‌السلام كان مسجوداً له ، وأنّ الملائكة كانوا هم الساجدين ، وأنّ الله اعتبر إبليس مستكبراً وكافراً ؛ لأنّه لم يسجد لآدم ، فهل كان آدم معبوداً إلهاً والملائكة عابدون له والعياذ بالله؟!
لا ، إنّ الآية تدلّ على أنّ آدم عليه‌السلام كان مسجوداً للملائكة ، ولم يحسب سجودهم له شركاً وعبادة لغير الله ، ولم تعدّ الملائكة بذلك العمل مشركة ، ولم يجعلوا بعملهم هذا ندّاً لله وشريكاً في المعبودية ، بل كان عملهم تعظيماً لآدم وتكريماً لشأنه (2).
وهنا يمكن أن يكون لدينا عدد من الصور لتفسير أو فهم هذا السجود الملائكي المقدّس لآدم عليه‌السلام ، كما يذهب معظم أهل التفسير قديماً وحديثاً :
ـ يمكن أن يتصوّر : أنّ معنى السجود لآدم في هذه الآية هو الخضوع له ، لا السجود بمعناه الحقيقي المتعارف كسجود الصلاة.
ـ ويمكن أن يتصوّر : أنّ المقصود بالسجود لآدم عليه‌السلام ، هو جعله (قبلة) كالكعبة المشرّفة ، لا السجود له سجوداً حقيقياً.
ولكن كلا التصوّرين باطلان بالدليل :
أمّا الأوّل : فلأنّ تفسير السجود في الآية بالخضوع خلاف الظاهر والمتفاهم العربي ؛ إذ المتبادر من هذه الكلمة في اللغة والعرف هو الهيئة السجودية المتعارف عليها لا الخضوع.
وأمّا الثاني : فهو أيضاً باطل ؛ لأنّه تأويل بلا مصدر يرجع إليه ، ولا دليل يدلّ عليه.
هذا مضافاً إلى أنّ آدم عليه‌السلام لو كان قبلة للملائكة لما كان ثمة مجال لاعتراض الشيطان ؛ إذ قال : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (3).
لأنّه يلزم أبداً أن تكون القبلة أفضل من الساجد ، ليكون أيّ مجال لاعتراضه ، بل اللازم هو كون المسجود له أفضل من الساجد ، في حين أنّ آدم عليه‌السلام لم يكن أفضل في نظر الشيطان ، وهذا ممّا يدلّ على أنّ السجود كان أمام مسجود له.
يقول الجصّاص : ومن الناس مَنْ يقول أنّ السجود كان لله ، وآدم بمنزلة القبلة لهم ، وليس هذا بشيء ؛ لأنّه يوجب أن لا يكون في ذلك حظّ من التفضيل والتكرمة ، وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدم عليه‌السلام مفضلاً مكرماً.
ويدلّ أنّ الأمر بالسجود قد كان أراد به الله تكرمة آدم عليه‌السلام وتفضيله ، وقول إبليس فيما حكى الله عنه : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) (4).
فأخبر إبليس أنّ امتناعه من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته لآدم بأمر إيّاه بالسجود له. ولو كان الأمر بالسجود على أنّه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة له ولا فضيلة ، لما كان لآدم في ذلك حظّ ولا فضيلة يُحسد عليها كالكعبة المنصوبة للقبلة (5).
وعلى هذا فمفهوم الآية هو : أنّ الملائكة سجدوا لآدم بأمر الله سجوداً واقعيّاً ، وأنّ آدم أصبح مسجوداً للملائكة بأمر الله ، وهنا أظهر الملائكة من أنفسهم غاية الخضوع أمام آدم عليه‌السلام ، ولكنّهم مع ذلك لم يكونوا ليعبدوه (6).
هل السجود ليوسف عليه‌السلام عبادة؟
إنَّ العودة إلى القرآن الكريم واستعراض الآيات التي تحدّثنا عن سجود آخر ولا عبادة للمسجود له ، تضعنا أمام قصّة نبيّ الله يوسف عليه‌السلام وأبويه وإخوته ،كما تحدّثنا السورة المباركة بقوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً) (7).
ورؤياه التي يتذكّرها هي : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (8).
وقد تحقّقت هذه الرؤيا بعد سنوات عجاف طويلة ، بحيث سجد ليوسف أبواه وإخوته جميعاً عندما اجتمع شملهم تحت ظلّه وملكه لمصر ، علماً بأنّ أحد الساجدين هو والده يعقوب عليه‌السلام وهو نبيّ كما لا يخفى عليك أخي العزيز.
ألا ترى أنّ تعبير القرآن واضح وصريح بسجودهم ليوسف عليه‌السلام؟
وعن هذا البيان القرآني يستفاد جليّاً أنّ مجرّد السجود لأحد بما هو مع قطع النظر عن الضمائم والدوافع ليست عبادة ، والسجود كما نعلم هو غاية الخضوع والتذلّل (9).
إذ أنّه ليس كلّ خضوع بركوع أو سجود أو تذلّل يعتبر عبادة ، ويعتبر فاعلها مشركاً بالله كما يذهب أصحاب الفكر الوهابي ، والقرآن الكريم يؤيِّد ما نذهب إليه ويدحضهم بكلّ قوّة في العديد من الموارد والآيات المباركة.
إنّ الله سبحانه وتعالى ، ورسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله والعترة الطاهرة عليهم‌السلام ، والأولياء والصلحاء والعقلاء يأمرون الولد بالخضوع لوالديه احتراماً وإجلالاً لهما حتّى ولو كانا كافرين أو مشركين ، ويعبر عن ذلك بخفض الجناح لهما ، وهو كناية عن الخضوع الشديد والتذلّل لهما ، بقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (10).
فهل يا ترى إنّ الله سبحانه عندما أمرنا هذا الأمر بالخضوع والتدلّل للوالدين ، أمرنا بعبادتهما والشرك به والعياذ بالله؟! إنّ مثل هذا التفكير السقيم عجيب غريب فعلاً!

عمر والحجر الأسود

وكذلك أمرنا سبحانه وجميع البشر بالحجّ للبيت العتيق ، والطواف حوله واستلام الحجر الأسود ، والسعي بين الصفا والمروة ، والصعود على عرفات للوقوف على صعيده الطاهر ، ورمي الجمرات في منى ، وغير ذلك من مناسك الحجّ الإسلاميّة التي تنطوي على معاني رفيعة عالية ، ومغازي معنوية سامية ، ونفعل ذلك بأمر من الله وسنّةٍ من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا عبادة للحجر والمدر والصخور ، وما شابه ذلك من مكوّنات تلك الأماكن المقدّسة الطاهرة.
وهل نشرك بالله في أفعالنا العبادية تلك ، لا سيما ونحن نترك الأهل والمال والبلاد ونقصد البيت العتيق ؛ لنحجّ إلى الله عبادة وطاعة ، وتقرّباً إلى جناب قدسه طمعاً بالمغفرة وزيادة الأجر بالجنّة؟!
والأعجب من هذا وذاك في التفكير السلفي الوهابي اعتصامهم برواية عمر ابن الخطاب الذي يحتجّ بها الشيخ عبد العزيز إمام المسجد النبوي الشريف ، بمحاورة له مع بعض الإخوة الكرام حيث يقول عمر للحجر الأسود بعدما قبّله : (إنّي أعلم أنّك حجر لا تنفع ولا تضرّ ، ولولا أنّي رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّلك ما قبّلتك) (11).
ولكن هذا الشيخ ذُهل عن جواب الإمام علي عليه‌السلام لعمر في نفس الموقف حين بيّن له غلط عقيدته ، وأعطاه الصحيح ببيانه الفصيح ، حين قال له : «نعم والله ، إنّه ليضرّ وينفع ؛ لأنّه الحجر الذي وضع فيه ميثاق الخلق عندما جمعهم الله في عالم الذرّ ، وألقمه لهذا الحجر وكان أبيض من الثلج ، وهو من حجار الجنّة ، وسوف يشهد لكلّ مَنْ أتاه واستلمه يوم القيامة» (12).
والرواية معروفة ومشهورة ، وأقنعت عمر بن الخطاب في حينها ، ولكنّها لم تقنع هؤلاء البشر في هذه العصور ؛ لأنّهم يرون أنّ السجود والركوع ، واستلام الحجر الأسود ، والخضوع والتذلّل هو من الشرك الأكبر الذي يخرج من الملّة ، أو الأصغر الذي يُفَسَّق صاحبُه ويُعذَّر ، وإلاّ فليقتل والعياذ بالله.
فهل يمكن أن يفكّر بمثل هذا التفكير عاقل يا عقلاء الدنيا؟! أين العقل؟! هل هو نائم أو مخدّر تحت تأثير الفضائيات الداعرة أو المخدّرات القاتلة؟ أم أنّه في إجازة طويلة الأمد؟ أم أنّه محكوم عليه بالإعدام قهراً تحت ظلام الدعوات الباطلة؟!
لقد جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليثير لكم دفائن العقول منذ أكثر من 1400 عام ، فلماذا حبستم عقولكم في قمقم معظم ، وجلدتم أنفسكم بسياط الجهل القاسية من دعوة ضالّة جاءت بتعاليم بعيدة عن الفطرة؟!
اقرؤوا ما كتب إليه أخوه سليمان بن عبد الوهاب وغيره من العلماء الأعلام الغيارى على دين الإسلام الحنيف ، وسيأتيكم بعض منه في البحوث القادمة بإذن الله.

العبادة عند النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

وفي الجملة نقول : ليس مطلق الخضوع عبادة ، وإلاّ لكنّا وقعنا جميعاً في الشرك ، ووقع معنا حتّى رؤوس الفكر السلفي ؛ وذلك لأنّهم يخضعون للآباء والأُمّهات ، ويأمرون أولادهم وأزواجهم بالخضوع لهم ، ويتذلّلون للأمراء والكبراء ويخضعون لهم بعض الخضوع. فالتواضع ولين الجانب وسعة الصدر ، وبعض الأخلاقيّات التي تشتمل على بعض الخضوع ليست من العبادة في شيء ، بل هي أخلاقيّات إنسانيّة رائعة لا يمكن أن نتخلّى عنها.
فالاحترام والتقدير ليس عبادة ، وإلاّ فإنّ الله سبحانه أمر المسلمين بعدم رفع الصوت أمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدم الجهر له بالقول ، وعدم مناداته من وراء الحجرات ، وعندما كثرت مناجاتهم له صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم بدفع صدقة قبل المناجاة ، فلم يعمل بهذا الأمر الإلهي إلاّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام كما هو مشهور في السيرة وكتب التفسير كلّها.
وكُتب السنن فيها الكثير من الأحاديث التي تحكي عن تعظيم وتقدير المسلمين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واحترامه احتراماً يبهر كلّ غريب جاء إليهم ، وكانوا يتسابقون إلى أوامره ويطبقونها في كلّ صغيرة وكبيرة ، حتّى أنّهم كانوا يتبرّكون بفضل وضوئه ، ويتطببون بلمسه أو بشمِّ عرفه (عرقه) ؛ لأنّه أطيب من المسك والعنبر.
يروى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى البطحاء في وقت الظهيرة فتوضأ وراح يصلّي ، فقام الناس (المسلمون) فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم ، والرواي يقول : فأخذت بيده فوضعتها على وجهي ، فإذا هي أبرد من الثلج ، وأطيب رائحة من المسك (13).
هذا فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه الأوائل ، فهل هذا عبادة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون الله؟! وفاعله مشرك بالله والعياذ بالله؟! إنّ هذا القول لإفك عظيم!
فالعبادة ـ عزيزي القارئ ـ هي الخضوع والخشوع مع اعتقاد جازم بإلهيّة المخضوع له المعبود ، أو أنّها الخضوع اللفظي أو العملي الناشئ عن الاعتقاد بألوهيّة المخضوع له.
ومن العلماء مَنْ وضع هذا التعريف في قالب آخر حيث قال : إنَّ العبادة هي الخضوع ممّن يرى نفسه غير مستقل في وجوده وفعله أمام مَنْ يكون مستقلاً بنفسه غنيّاً عن غيره.
والعبادة بهذا المعنى هي نداء الله تعالى وسؤاله والخضوع التامّ أمامه ، لاستنزال حاجات الدنيا والآخرة للعبد ؛ لأنّ الله هو الفاعل الحقيقي ، والمتصرّف المختار ، والمالك الكلّي لأمور الدنيا والآخرة كلّها ، والمتصرّف فيها بالتدبير الحكيم ، ولو دعا العبد أو نادى أيّ موجود آخر في هذه الحياة بهذا الوصف تماماً أو بعضاً ، فالدعاء والنداء عبادة له وشرك بلا كلام أو نزاع في ذلك.
وعلى ذلك ، فلو خضع واحد منّا أمام موجود زاعماً بأنّه مستقل في ذاته أو فعله لصار الخضوع عبادة ، بل لو طلب فعل الله من غيره لكان هذا الطلب نفسه عبادة وشركاً(14).
هذا هو المعنى الحقيقي للعبادة ، وليس كلّ ما يذهب إليه أتباع محمد بن عبد الوهاب من أنّ كلّ خضوع أو خشوع ، أو دعاء أو استغاثة ، أو زيارة هي عبادة لذاك الذي نتوجّه إليه ؛
لأنّ التوجّه إلى أيّ شيء أو أحد دون اعتقادٍ جازمٍ بألوهيةٍ ، أو جزءٍ من ألوهيةٍ في مَنْ نتوجه إليه ، أو أنّه يملك استقلالية ذاتية في تصرّفه ، أو تصريف شؤون أو بعض شؤون هذا الكون الفسيح لا يعتبر عبادة أو شركاً.
المصادر :
1- سورة البقرة : الآية 34.
2- التوحيد والشرك في القرآن الكريم ص 51.
3- سورة الإسراء : الآية 61.
4- سورة الإسراء : الآية 61 ـ 62.
5- أحكام القرآن 1 ص 302.
6- التوحيد والشرك في القرآن الكريم ص 52.
7- سورة يوسف : الآية 100.
8- سورة يوسف : الآية 4.
9- التوحيد والشرك ص 53.
10- سورة الإسراء : الآية 24.
11- صحيح البخاري 2 ص 579 كتاب الحجّ ح 1520.
12- التفسير الكبير ـ للفخر الرازي 16 ص 32 قريب من هذا المعنى.
13- 1 ـ صحيح البخاري 1 ص 183 كتاب الصلاة ح 479 ، وما يُقارب هذا المعنى راجع الأحاديث رقم : (158 ـ 186 ـ 187 ـ 369 ـ 3347 ـ 3348 ـ 5346 ـ 5521 ـ 5991).
14- التوحيد والشرك في القرآن الكريم ص 88.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.