الحب هو برنامج الحياة التي نعيش واسلوب للتعامل وضعه الله للبشر کي نستطيع معه قبول بعضنا بعضا .. وأما محتويات هذا البرنامج فهي كيف نحب . حب النفس . سلم الأولويات . علامات الحب . مفهوم اللا حب . كيف نحافظ على حبنا . إذا كان الزوجين يحبان بعضهما البعض فكيف يحافظان على هذا الحب .
في وقت من الأوقات ناقشوا الحب فقالوا له : إن العصر الذي نعيشه اليوم هو عصر الآلات ، وأما العمل العاطفي والروحي فلا وجود له في القرن العشرين . فرد عليهم الحب قائلاً : لا ، الإنسان يصنع ما يشاء ويبقى القلب دائماً كما صنعه الله تبارك وتعالى . فالحب موقعه في القلب والقلب من الأخلاق والسلوكيات التي يحتاجها المودة والرحمة ، ولذلك الله تعالى لما وصف لنا الحياة الزوجية قال : (وجعل بينكم مودة ورحمة )(1).
كيف من الممكن أن نحصل على هذه المودة ، وكيف يمكن أن يكون بين الزوجين هذه الرحمة ؟.
كل هذه النقاط سوف نتناولها في هذا البرنامج ، ولذلك يبقى مهما تكلمنا في الحب ومهما أعطينا قصصاً وأمثلة في الحب غير الحب العملي والواقعي الذي يعيشه الزوجان .
ولذلك يقال : كل ما يُكتب عن أي حبيبين في العالم لا يُفهم منه مثل يُفهم عندما يرى أحدهما الآخر وينظران في عيني بعضهما البعض . فالحب معنى جميل والحب هو مادة الحياة ، الحب الكل يتمناه وهو الذي يعطينا الأمل ويعطينا حب الحياة ، كل هذه المعاني نحن بحاجة إليها .
كيف نحب ؟
قد يقول البعض : هل ستعلمنا كيف نحب ؟. لسنا بحاجة إلى ذلك ولكن إذا أنت تريد فسوف نعلم . لكن أنا مستعد أن أتعلم على أيديكم لكن لنتحدث تحت هذا العنوان : كيف نحب ؟.هناك بعض الأمور لا يحتاج الإنسان إلى أن يتعلم فيها الحب لأن الحب عبارة عن شيء فطري ، مثل حب الوالدين والذي لا يحتاج إلى نعلم الولد بأن نقول له : تعال يا بني وحِبَّ أمك وأباك .
لسنا بحاجة إلى ذلك لأن الإنسان يولد ومرجعه أمه وأبوه ، كذلك حبنا لكبار السن العجزة والمسنين ، أو حبنا للأطفال ، فهذه أمور لا تحتاج منا إلى تعلم ولهذا نحن لا نتكلم معك في هذه الدائرة بل نتكلم في الحب الذي يحتاج منا أن ننميه ونكبره ونطوره ونزيد من حجمه ، مثل حب الزوجة لزوجها أو حب الزوج لزوجته .
ليس من الضروري أن تبدأ الحياة الزوجة على الحب لكن الحب يُبنى مع الأيام ، ما الذي يزيد الحب ؟.
المواقف بين الزوجين ، فلو قدَّر الله حصل حادث لزوج في السيارة والزوجة سهرت على راحته وجلست تربي طلباته ووقفت عند رأسه هذه كلها مواقف لن ينساها الزوج لها كل يوم ، وهذه المواقف تساهم في تنمية الحب وفي زيادة حجم الحب في القلب ، ونفس الشيء لو أن الزوجة وقعت مريضة وسهر لراحتها زوجها ولبى لها طلباتها وجلس يدعو لها فالزوجة لن تنسى هذا الموقف ، وهذا الموقف سوف ينمي من كمية الحب الموجود عند الزوجة .
فالحب بين الزوجين يحتاج إلى أن نعمل عليه ، يحتاج إلى أن نتحرك عليه حتى نكبره وننميه ، فلو أننا نسأل أبا خالد ونقول له : حبك لزوجتك أول ما تزوجت كم تعطيه من العشرة ؟. يقول : أعطيه ثلاثة من عشرة . فقلنا : كم وصل الحب بعد خمس سنوات ؟. يقول : سبعة من عشرة . قلنا له : بعد عشر سنوات كم وصل الحب ؟.
فقال : لا ، الحب الآن طفح فهو عشرون من عشرة . وهذا ممكن وكذا لو سألنا أم خالد وقلنا لها : أول ما بدأ زواجك كم تعطين الحب ؟. فقالت : ثمانية من عشرة . قلنا : بعد ثمان سنوات كم تعطين الحب ؟. قالت : اثنان من عشرة . وهذا ممكن ومهمتنا أن نتعلم أن أنحب ومهمتنا أن ننمي هذا الحب ، من الخطأ أن نطلب من الناس أن يحبونا وهذا أكبر خطأ يرتكبه الإنسان ، نحن لا نستطيع أن نجعل من أبي خالد يقول لأم خالد : يا أم خالد ! أنت لا بد أن تحبيني .
وأم خالد تقول له : يا أبا خالد ! أنت لا بد أن تحبني . الحب ليس بالأوامر ولا بالطلب بل هو شيء في النفس الحب ينبع من القلب ، ولذلك من الخطأ أن نطلب من الناس أن يحبونا ، لأن الحب لا يوجد بالطلب وإنما الحب ينبع من التصرفات ومن المواقف ، إذا كانت تريد أن يحبك الناس فلتكن حبيباً ، ولذلك أقول للزوجة إن كانت تقرأ الآن : إذا أردت أن يحبك الزوج فكوني حبيبة . وأقول للزوج إذا كان يقرأ : إذا أردت أن تحبك زوجتك فكن حبيباً .
فهذه قضية مهمة لا بد أن نقف عندها وهي تُعتبر مقدمة لمثل هذا البرنامج .
أسرع وسيلة من الممكن أن نجعل الآخرين يحبوننا كالزوجة مثلاً بأن أعرف الأشياء التي هي تحبها وبالتالي أنا أفعلها لها ، هنا من المحتمل أن أزيد كمية الحب ومن المحتمل أن أنمي الحب بين الزوج وبين الزوجة ، ولذلك على كل زوجة وكل زوجة يقرآن أن ينظرا إلى بعضهما البعض وليبتسما وليقل كل واحد منهما للآخر : ما هي الأشياء التي تحبها حتى أتقرب لك فيها ، وبعدها قلب لا يكون قلباً بل قلبين يصير ثلاثة يصير أربعة ، ويكون الحب كله ممتلئاً في قلوبنا .
حب نفسك
هل تعلمون لماذا أنا قلت : حب نفسك . سواء الذي يقرؤني الزوج أو الزوجة فأقول لها : حبي نفسك . قد يقول البعض : لماذا أحب نفسي ، أنا لو أحببت نفسي لكنت أنانيا .وأنا أقول أن هذا غير صحيح فمن يحب نفسه لا يكون أنانياً لأن أصل الحب أن يحب الإنسان نفسه ، ولو لم يحب الإنسان نفسه فإنه لن يبث الحب ولن يعطيه ، قد يقول البعض : لو كانت الزوجة تعيش من أجل أولادها فمعناه أنها تحب أولادها . أنا أقول : هذا الكلام صحيح ، لكن ما الذي يجعلها تحب أولادها ؟.
حبها لنفسها فالزوج أو الزوجة يحبان بعد عمر طويل أن يكون عندهما أولاد يرفعوا اسمهما ويشرفهما نسبتهم لهما وهذا معناه حب النفس ، وكي أحب نفسي أحب من يخلفني أن يكون قدوة للناس ويشرفني وجوده ، ولذلك الإمام الغزالي طرح بحثاً كاملاً تحت عنوان ( حب النفس ) بل وقال : " حتى حب الله ينبع من حب النفس " .
على اعتبار أن الإنسان يحب يعمل العمل الصالح لأنه يحب نفسه ، لأن العمل الصالح جزاؤه رضا الله ورضا الله هو دخول الجنة فحبه لنفسه هو الذي دفعه إلى مثل هذا الموضوع ، ولذلك الإنسان حبه لماله من حب نفسه وحبه لأولاده من حب نفسه وحبه لزوجته وحبه لعائلته وقبيلته من حب نفسه ، فأول الحب هو حب النفس ولو ما كان الإنسان يحب نفسه لما كان عنده هذه التصرفات التي نجدها بين الأسرة وبين الزوج والزوجة .
لو سألت سؤالاً وقلت : هل الحب أصل أو ثمرة ؟.
الحب ثمرة ومعنى هذا حتى نحصل هذه الثمرة لا بد لها من أساس ، والأساس أن نتخذ قراراً أن نحب ، فإذا اتخذنا قراراً أصبح الحب هو الثمرة التي نعيش فيها ونعامل معها ، والإنسان يحب أنه يحب ويُحب أنه يُحَبُّ وهذه قضية مهمة جداً ، ولذلك إذا أردنا أن نقتل العلاقة الزوجية نجعل فيها كراهية وفيها بغض ونجعل فيها حسداً وحقداً وهذه كلها أمور ضد الحب ، عملوا دراسة مرة على التعبير عن الحب عند بعض المسافرين .
وهذه الدراسة عُمِلَت في المطار وأخذوا يراقبون الناس ويراقبون سلوكهم أثناء الوداع ، فرأوا أن بعض الناس في المطار عند توديعه لأهله يحتضن ويقبل ، والبعض الثاني فقط يصافح ، والبعض الثالث فقط يتحدث ويسلم من بعيد ، هذه كلها أنواع للتعبير عن هذه الثمرة وهي الحب ، وكل هذه الأنواع مردها تربية الإنسان ، فالإنسان عندما يتربى من الصغر على أنه يعبر عن حبه بالاحتضان أو بالكلام أو بالمصافحة ، أو بعضهم يتربى على أن يعبر عن حبه بالاستهزاء أو بالضرب ، هذه كلها وسائل للتعبير ولذلك المسئولية علينا كبيرة جداً في أن نربي الأجيال المستقبلية على كيف تعبر عن الحب تعبيراً سليماً .
لذلك نرجع ونقول : حب نفسك ، التفت لنفسك ، أنظر لنفسك وبعدها انطلق للآخرين فإن فاقد الشيء لا يعطيه . فإذا كان الإنسان يكره نفسه فكيف يقدم الحب للآخرين ، فإذا كان الزوج يكره نفسيته ويكره شخصيته فكيف نطالبه بأن يحب زوجته ، وعلى هذا فإنه لا بد للإنسان أن يحب نفسه حتى يحسن عطاء هذا الحب للآخرين وبعدها يعيش معهم في حب مشترك وفي سلام دائم .
المصادر : 1- الروم: ٢١