حديث المتعتين

إنّ البحث عن المتعتين قديم جدّاً ، وكتابات السلف والخلف عنهما من النواحي المختلفة كثيرة جدّاً أيضاً لا خلاف بين المسلمين في نزول القرآن المبين بالمتعتين ...
Sunday, May 14, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
حديث المتعتين
حديث المتعتين




 


إنّ البحث عن المتعتين قديم جدّاً ، وكتابات السلف والخلف عنهما من النواحي المختلفة كثيرة جدّاً أيضاً
لا خلاف بين المسلمين في نزول القرآن المبين بالمتعتين ...
أمّا متعة الحجّ ، فقد قال عزّ وجلّ :
( فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) (1) .
وأمّا متعة النساء ، فقد قال عزّ وجلّ : ( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ آجورهنّ فريضة ) (2) .
وكان على ذلك عمل المسلمين ...
حتّى قال عمر بعد شطرٍ من خلافته :
« متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » .
فوقع الخلاف ...
وحار التابعون له ، الجاعلون قوله أصلاً من الأصول ، كيف يوجّهونه وهو صريح : قال الله ... وأقول ... ؟!

متعة الحجّ :

ومتعة الحجّ : أن ينشئ الإنسان بالمتعة إحرامه في أشهر الحجّ من الميقات ، فيأتي مكّة ، ويطوف بالبيت ، ثمّ يسعى ، ثمّ يقصرّ ، ويحلّ من إحرامه ، حتّى ينشئ في نفس تلك السفرة إحراماً آخر للحجّ من مكّة ، والأفضل من المسجد الحرام ، ويخرج إلى عرفات ، ثمّ المشعر ... إلى آخر أعمال الحج ...
فيكون متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ .
وإنّما سمّي بهذا الاسم لما فيه من المتعة ، أي اللذّة بإجابة محظورات الإحرام ، في تلك المدّة المتخلّلة بين الإحرامين ...
وهذا ما حرّمه عمر وتبعه عليه عثمان ومعاوية وغيرهما ...
موقف علي وكبار الصحابة من تحريمها :
وكان في المقابل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الحافظ للشريعة المطهّرة والذابّ عن السنّة المكرّمة .
أخرج أحمد ومسلم عن شقيق قال ـ واللفظ للأوّل ـ : « كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان عليّ يأمر بها ، فقال عثمان لعليّ : إنّك كذا وكذا . ثمّ قال علي : لقد علمت أنّا تمتّعنا مع رسول الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟ فقال : أجل » (3) .
وعن سعيد بن المسيّب ، قال : « اجتمع علي وعثمان بعسفان ، فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة . فقال له علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم تنهى عنه ؟! فقال عثمان : دعنا عنك ! فقال علي : إنّي لا أستطيع أن أدعك » (4) .
وعن مروان بن الحكم ، قال : « شهدت عثمان وعليّاً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما . فلمّا رأى علي ذلك أهلّ بهما : لبيّك بعمرةٍ وحجّةٍ معاً ، قال : ما كنت لأدع سنّة النبّي لقول أحد » (5) .
وعلى ذلك كان أعلام الصحابة ...
* كابن عبّاس ... فقد أخرج أحمد أنّه قال : « تمتّع النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فقال عروة بن الزبير : نهى أبوبكر وعمر بن المتعة ، فقال ابن عبّاس : ما يقول عريّة (6) !! قال : يقول : نهى أبوبكر وعمر بن المتعة .
فقال : ابن عبّاس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبي ؛ ويقولون : نهى أبوبكر وعمر ! » (7) .
وسعد بن أبي وقّاص ... فقد أخرج الترمذي : « عن محمد بن عبدالله ابن الحارث بن نوفل أنّه سمع سعد بن أبي وقاص الضحّاك بن قيس ـ وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ـ فقال الضحّاك بن قيس : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى . فقال سعد : بئسما قلت يا ابن أخي . فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى ذلك . فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وصنعناها معه .هذا حديث صحيح » (8) .
* وأبي موسى الأشعري ... فقد أخرج أحمد : « أنّه كان يفتى بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ! حتى لقيه أبو موسى بعد فسأله عن ذلك ، فقال عمر ، قد علمت أنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد فعله هو وأصحابه ولكن كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم » (9) .
* وجابر بن عبدالله ...فقد أخرج مسلم وغيره عن أبي نضرة ، قال : « كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها . قال فذكرت ذلك لجابر ابن عبدالله . فقال : علي يدي دار الحديث . تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فلمّا قال عمر (10) قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، وأبتوا (11) نكاح هذه النساء فلن أوتى برجلٍ نكح امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته بالحجارة » (12) .
* وعبدالله بن عمر ... فقد أخرج الترمذي : « أنّ عبدالله بن عمر سئل عن متعة الحجّ . فقال : هي حلال . فقال له السائل : إنّ أباك قد نهى عنها . فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أمر أبي نتّبع أم أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟‍ فقال الرجل : بل أمر رسول الله . قال : فقد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (13) .
* وعمران بن حصين (ذكر كلّ من ابن عبدالبرّ في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة أنّه كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، بل نصّ ابن القيّم في زاد المعاد على كونه أعظم من عثمان ، وذكروا أنّه كان يرى الملائكة وتسلّم عليه وهو ما أشار إليه في الحديث يقوله : « قد سلّم عليّ » توفّي سنة 52 بالبصرة .)
وكان شديد الإنكار لذلك حتّى في مرض موته ـ فقد أخرج مسلم : « عن مطرف قال : بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي . فإن عشت فاكتم علي (14) وإن متّ فحدّث بها إن شئت . إنّه قد سلّم عليّ . واعلم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد جمع بين حجّ وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبيّ الله . فقال رجل برأيه فيها ما شاء » (15) .
قال النووي بشرح أخبار إنكاره : « وهذه الروايات كلّها متّفقة على أنّ مراد عمران أنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ جائز ، وكذلك القران ، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطّاب منع التمتّع » .
*دفاع ابن تيميّة ثمّ إقراره بالخطأ :
وذكر شيخ إسلامهم ابن تيميّة في الدفاع عن عمر وجوهاً ، كقوله : « إنّما كان مراد عمر أن يأمر بما هو أفضل » واستشهد له بما رواه عن ابنه من أنّه « كان عبدالله بن عمر يأمر بالمتعة ، فيقولون له : إنّ أباك نهى عنها . فيقول : إنّ أبي لم يرد ما تقولون » وحاصل كلامه ما صرّح به في آخره حيث قال : « فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار ، لا على وجه التحريم ، وهو لم يقل : « أنا أحرّمهما » .
قلت : أمّا أنّ مراده كان الأمر بما هو أفضل ، فتأويل باطل ، وأمّا ما حكاه عن ابن عمر فتحريف لما ثبت عنه في الكتب المعتبرة ، وقال ابن كثير : « كان ابنه عبدالله يخالفه فيقال له : إنّ أباك كان ينهى عنها ! فيقول : خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء ! قد فعل رسول الله ، أفسنّة رسول الله نتّبع أم سنّة عمر بن الخطّاب؟! » (16) .
والعمدة إنكاره قول عمر : « وأنا احرمّهما » . وسنذكر جمعاً ممّن رواه !
هذا ، وكأنّ ابن تيميّة يعلم بأن فائدة فيما تكلّفه في توجيه تحريم عمر والدفاع عنه ، فاضطرّ إلى أن يقول :
« أهل السنّة متّفقون على أنّ كلّ واحدٍ من الناس يؤخذ بقوله ويترك إلاّ رسول الله ، وإنّ عمر أخطأ ، فهم لا ينزّهون عن الإقرار على الخطأ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (17) .
لكنّه ليس « خطأ » من عمر ، بل هو « إحداث » كما جاء في الحديث المتقدّم عن أبي موسى الأشعري ... وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعنّ رجال منكم ثم ليختلجنّ دوني ، فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! » (18) .
ولقائل أن يقول : إنّ الغرض الأصلي من التحريم هو إحياء سنّة الجاهليّة ، فإنّهم « كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض ».
قال البيهقي : « ما أعمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر الشرك » (19) .
ولذا صحّ عنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي لأحللت . فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله هي لنا أو للأبد ؟ فقال : لا ، بل للأبد » . أخرجه أرباب الصحاح كافّة ، وعقد له البخاري في صحيحة باباً .

متعة النساء :

وهي أن تزوجّ المرأة الحرّة الكاملة نفسها من الرجل المسلم بمهرٍ مسمّىّ إلى أجلٍ مسمّىً ، فيقبل الرجل ذلك ، فهذا نكاح المتعة ، أو الزواج الموقّت ، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر في النكاح الدائم ، من كون العقد جامعاً لجميع شرائط الصحّة ، وعدم وجود المانع من نسبٍ أو سببٍ وغيرهما ، ويجوز فيه الوكالة كما تجوز في الدائم ، ويلحق الولد بالأب كما يلحق به فيه ، وتترتّب عليه سائر الاثار المترتّبة على النكاح الدائم ، من الحرمة والمحرمية والعدّة ...
إلاّ أنّ الافتراق بينهما يكون لا بالطلاق بل بانقضاء المدّة أو هبتها من قبل الزوج ، وأنّ العدّة ـ إن لم تكن في سنّ اليأس الشرعي ـ قرءان إن كانت تحيض ، وإلاّ خمسة وأربعون يوماً ، وأنّه لا توارث بينهما ، ولا نفقة لها عليه وهذه أحكام دلّت عليها الأدلّة الخاصّة ، ولا تقتضي أن يكون متعة النساء شيئاً في مقابل النكاح مثل ملك اليمين .

ثبوتها بالكتاب والسنّة والإجماع :

وقد دلّ على مشروعيّة هذا النكاح وثبوته في الإسلام :
1 ـ الكتاب ، في قوله عزّ وجلّ : ( فما استمتعتم به منهنّ ... ) (20) وقد روي عن جماعة من كبار الصحابة والتابعين ، المرجوع إليهم في قراءة القرآن واحكامه التصريح بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، حتّى أنّهم كانوا يقرأونها : « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلّ ... »، وكانوا قد كتبوها كذلك في مصاحفهم ، فهي ـ حينئذٍ ـ نصّ في المتعة ، ومن هؤلاء :
عبدالله بن عبّاس ، واُبي بن كعب ، وعبدالله بن مسعود ، وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدّي ، وقتادة (21) .
بل ذكروا عن ابن عبّاس قوله : « والله لأنزلها الله كذلك ـ ثلاث مرّات » .
وعنه وعن أبي التصريح بكونها غير منسوخة .
بل نصّ القرطبي على أنّ دلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور ، وهذه عبارته : « وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام » (22) .
2 ـ السنّة : وفي السنّة أحاديث كثيرة دالّة على ذلك ، نكتفي منها بواحدٍ ممّا أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم عن عبدالله بن مسعود قال :
« كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ليس لنا نساء . فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى اجل ، ثمّ قرأ عبدالله : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين ) (23) .
ولا يخفى ما يقصده ابن مسعود من قراءة الآية المذكورة بعد نقل الحديث ، فإنّه كان ممّن أنكر على حرّم المتعة .
3 ـ الإجماع : فإنّه لا خلاف بين المسلمين في أنّ « المتعة » نكاح . نصّ على ذلك القرطبي ، وذكر طائفةً من أحكامها ، حيث قال :
« لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق » ثمّ نقل عن ابن عطيّة كيفيّة هذا النكاح وأحكامه (24) .
وكذا الطبري ، فنقل عن السدّي ، « هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى » (25) .
وعن ابن عبدالبّر في « التمهيد » : « أجمعوا على أنّ التعة نكاح ، لا إشهاد فيه ، وأنّه نكاح إلى أجلٍ يقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما » .

تحريم عمر :

وكانت متعة النساء ـ كمتعة الحجّ ـ حتّى وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وزمن أبي بكر ، وفي شطرٍ من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال :
« متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » وقد وردت قولته هذه في كتب الفقه والحديث والتفسير والكلام (26).
ومنهم من نصّ على صحّته كالسرخسي ، ومنهم من نصّ على ثبوته كابن قيّم الجوزية ، وفي المحاضرات للراغب الأصبهاني : « قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة ؟ قال : بعمر بن الخطّاب . فقال : كيف هذا وعمر كان أشدّ الناس فيها ؟ ! قال : لأنّ الخبر الصحيح قد أتى أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله أحلاّ لكم متعتين وإنّي أحرمهما عليكم وأعاقب عليهما ؛ فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه » .
وفي بعض الروايات : أنّ النهي كان عن المتعتين وحيّ على خير العمل (27) .
وعن عطاء ، عن جابر بن عبدالله : « استمتعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأبي بكر وعمر ، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حديث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر ، فدعاها فسألها فقالت : نعم ، قال من أشهد ؟ قال عطاء : لا أدري قال : أمّي أم وليّها . قال فهلاً غيرها ؟!
فذلك حين نهى عنها » (28) .
ومثله أخبار أخرى ، وفي بعضها التهديد بالرجم (29) .
فالذي نهى عن المتعة هو عمر بن الخطّاب ...
وفي خبرٍ : أنّ رجلاً قدم بن الشام ، فمكث مع امرأةٍ إلى ما شاء الله أن يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب ، فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله ، ثمّ لم ينهانا عنه حتّى قبضه الله . ثمّ مع أبي بكر فلم ينهانا حتى قبضه الله ، ثمّ معك ، فلم تحدث لنا فيه نهياً . فقال عمر : أم والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهيٍ لرجمتك » (30) .
ومن هنا ترى أنّه في جميع الأخبار ينسبون النهي إلى عمر ، يقولون : « فلمّا كان عمر نهانا عنهما » و« نهى عنها عمر » و « قال رجل برأيه ما شاء » ونحو ذلك ، ولو كان ثمّة نهي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما كان لنسبة النهي وما ترتّب عليه من الآثار الفاسدة إلى عمر وجه كما هو واضح . وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : « لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي » (31)
وعن ابن عبّاس : « ما كانت المتعة إلاّ رحتً من الله تعالى رحم بها عباده ، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلاّ شقي » (32) .
ومن هنا جعل تحريم المتعة من أوّليّات عمر بن الخطّاب (33) .
بل إنّ عمر نفسه يقول : « كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما » فلا يخبر عن نهي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بل ينسب النهي إلى نفسه ويتوعّد بالعقاب ، بل إنّه لم يكذّب الرجل الشامي لمّا أجابه بما سمعت ، بل لمّا قال له : « ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً » اعترف بعدم النهي مطلقاً حتى تلك الساعة ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمة « تحدثّ » .

موقف عليّ وكبار الصحابة من تحريمها :

ثم إنّه وإن تابع عمر في تحريمه بعض القوم كعبدالله بن الزبير ، لكن ثبت على القول بحلّيّة المتعة ـ تبعاً للقرآن والسنّة ـ أعلام الصحابة ، وعلى رأسهم مولانا أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ... قال ابن حزم :
« وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف ، منهم من الصحابة : أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبدالله وابن مسعود وابن عبّاس ومعاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد ابنا أميّة بن خلف .
ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر » .
قال : « ومن التابعين : طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله ... » (34) .
ولم يذكر ابن حزم عمران بن حصين وبعض الصحابة الآخرين : وذكر ذلك القرطبي وأضاف عن ابن عبدالبّر : « اصحاب ابن عباس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عبّاس » (35) .
ومن أشهر فقهاء مكّة المكرّمة القائلين بحلّيّة المتعة : عبدالملك بن عبدالعزيز ، المعروف بابن جريج المكّي ، المتوفّى سنة 149 هـ ، وهو من كبار الفقهاء وأعلام التابعين وثقات المحدّثين ومن رجال الصحيحين ، فقد ذكروا أنّه تزوّج نحواً من تسعين امرأة بنكاح المتعة .
وذكر ابن خلّكان أنّ المأمون أمر أيّام خلافته أن ينادى بحلّيّة المتعة . قال :
فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء ، فوجداه يستاك ويقول ـ وهو متغيّظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما . قال : ومن أنت يا جعل حتى تنهى عمّا عفله رسول الله وأبو بكر ؟! فأراد محمد بن منصور أن يكلّه ، فأومأ إليه أبو العيناء وقال : رجل يقول في عمر بن الخطّاب ما يقول نكلّمه نحن ؟! ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوّفه من الفتنة ، ولم يزل به حتى صرف رأيه » (36) .

المصادر :
1- سورة البقرة 2 : 196 .
2- سورة النساء 4 : 24 .
3- مسند أحمد 1 / 97 .
4- مسند أحمد 1 / 136 . ورواه البخاري ومسلم في باب التمتّع .
5- مسند أحمد 1 / 95 . ورواه البخاري أيضاً وجماعة .
6- تصغير « عروة » تحقيراً له .
7- مسند أحمد 1 / 337 .
8- صحيح الترمذي 4 / 38 .
9- مسند أحمد 1 / 50 .
10- أي بأمر الخلافة .
11- أي : اقطعوا ، اتركوا .
12- صحيح مسلم ، باب جواز التمتع .
13- صحيح الترمذي 4 / 38 .
14- لاحظ إلى أين بلغت التقيّة !!
15- صحيح مسلم باب جواز التمتّع . وفي الباب من صحيح البخاري وسنن ابن ماجة ، وهو عند أحمد في المسند 4 / 434 .
16- تاريخ ابن كثير 5 / 141 .
17- منهاج السنّة 2 / 154 .
18- أخرجه البخاري وغيره في باب الحوض .
19- أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما في أبواب التمتّع والعمرة .
20- سورة النساء : 24 .
21- الطبري والقرطبي وابن كثير والكشّاف والدرّ المنثور . كلّها بتفسير الآية . وراجع أيضاً : أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 2 / 147 ، سنن البيهقي 7 / 205 ، شرح مسلم ـ النووي ـ 6 / 127 ، المغني لابن قدامة 7 / 571 .
22- تفسير القرطبي 5 / 130 .
23- صحيح البخاري / في كتاب النكاح وفي تفسير سورة المائدة ، صحيح مسلم كتاب النكاح ، مسند أحمد 1 / 420 .
24- تفسير القرطبي 5 / 132 .
25- تفسير الطبري بتفسير الآية .
26- تفسير الرازي 2 / 167 ، شرح معاني الاثار 374 ، سنن البيهقي 7 / 207 ، بداية المجتهد 1 / 346 المحلّى 7 / 107 ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 1 / 279 ، شرح التجريد للقوشجي الأشعري ، تفسير القرطبي 2 / 370 ، المغني 7 / 527 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 2 / 205 ، الدرّ المنثور 2 / 141 ، كنز العمّال 8 / 293 ، وفيات الأعيان 5 / 197 .
27- شرح التجريد للقوشجي ، بحث خلافة عمر .
28- صحيح مسلم باب نكاح المتعة 6 / 127 بشرح النووي هامش القسطلاني ، مسند أحمد 3 / 304 ، سنن البيهقي 7 / 237 ، والقصّة هذه في المصنّف لعبد الرزّاق 7 / 469 .
29- بل عنه أنّه قال : « لا أؤتى برجلٍ تزوّج امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته ولو أدركته ميّتاً لرجمت قبره! » المبسوط ـ للسرخسي ـ 5 / 153 .
30- كنز العمّال 8 / 294 .
31- المصنّف ـ لعبد الرزّاق بن همام ـ 7 / 500 ، تفسير الطبري 5 / 17 ، الدرّ المنثور 2 / 40 ، تفسير الرازي 3 / 200 .
32- تفسير القرطبي 5 / 130 . ومنهم من رواه بلفظ « شفا » أي قليل . أنظر : النهاية وتاج العروس وغيرهما من كتب اللغة .
33- تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ .
34- المحلّى 9 / 519 .
35- تفسير القرطبي 5 / 133 .
36- وفيات الأعيان 5 / 197 بترجمة يحيى بن أكثم .
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.