
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِک الْمُقَرَّبُونَ ) الشرف في الاسلام هو من کان له قصب السبق في الالتحاق برکب الرسالة المحمدية الخالدة والسابقون فيِ الاسلام معروفون والمتخلفون والمحاربون والمشککون .. کذلک معروفون ، وأمّا إسلام أبي بكر فقد روى غير واحد أنّه أسلم قبله أكثر من خمسين (1) .
( وقيل : أبوبكر ، وعليه الأكثرون على ما صرّح به حسان بن ثابت في شعر أنشده ... ) .
أين شعر حسّان؟ وما هو؟ ومن يرويه؟
ولو سلّم فهل يقاوم ما تقدّم؟
على أنّ من شعر حسان بن ثابت :
« جــــبريل نـادى معـلنـا * والـنـقـع لـيس بمـنـجـلي
والمـســلمـون قـد أحـدقـوا * حـول الـنـّبـي المـرســل
لا ســيف إلاّ ذو الــفـقــار * ولا فــتـى الاّ عــلـي » (2)
ومن شعره الثابت المرويّ في كتب الفريقين شعر ، يوم غدير خم وقد تعرّضنا له سابقاً .
( ما ذكر من أفضلية بعض الأفراد بحسب التعيين أمر ذهب اليه الأئمّة ، وقامت عليه الأدلّة ، قال الامام الغزالي : حقيقة الفضل ما هو عندالله ، وذلك ممّا لا يطّلع عليه إلاّ رسول الله ) .
إنّ الفضائل منها : نفسانيّة كالعصمة والأعلميّة ومنها : بدنيّة كالشجاعة ونحوها ، ومنها : خارجيّة كشرف الزوجة والأبناء مثلاً ... أمّا البدنيّة والخارجية فذلك ممّا يطّلع عليه جميع الناس ، وأمّا النفسانية فلا يطّلع عليها إلاّ رسول الله كما قال الغزالي وأقرّه السّعد ، ومن هنا قلنا باشتراط النصّ ، لأن من شرائط الإمامة العصمة والأعلميّة ، وهذان لا يطّلع عليهما إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلا بدّ من النصّ .
وقد عرفت أن لا نصّ إلاّ على علي عليه السّلام ...
( وقد ورد في الثناء عليهم أخبار كثيرة ... فلو لا فهم ذلك لما رتّبوا الأمر كذلك ... ) .
قد عرفت حال ما رووه في الثناء على المتقدّمين على علي عليه السلام ، وأمّا ترتيب الخلافة على ما وقع فليس به آية ولا رواية ولا إجماع ... وقد عرفت ... وحسن الظنّ بالصّحابة لا يجدي بعد أن ثبت وجود الفسّاق والمنافقين فيهم بكثرة كما اعترف به السّعد وغيره .
( فقد ورد النّص بأنّ فاطمة ... ) .
وأمّا فاطمة الزهراء عليها السّلام فقد اعترف بأنّه « قد ثبت أنّ فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين » لكن ليس هذا وحده ما ثبت من فضائلها ، فإنّ من جلائل فضائلها قول والدها فيها : « فاطمة بضعة منّي فمن آذاها آذاني ومن آذاني آذى الله » فإنّ هذا الحديث يدلّ على عصمتها فتكون بذلك أفضل الناس بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد أنصف الحافظ أبو القاسم السهيلي حيث قال بدلالة الحديث المذكور على أفضليتها من أبي بكر وعمر ، كما نقل عنه المناوي ذلك وأقرّه بشرح الحديث في ( فيض القدير ) .
( وأنّ الحسن والحسين ... ) .
فضائل الحسنين عليهما السلام لا تعدّ ولا تحصى ، ومن تأمّل فيها وأنصف حكم بكونهما أفضل الخلائق بعد والديهما ... كيف لا وهما إمامان معصومان بنصّ الكتاب والسنّة المعتبرة .
( وأنّ أهل بيعة الرضوان ... من أهل الجنّة ) .
من شهد ذلك وقتل في سبيل الله فمن أهل الجنة بلا كلام . ومن شهدها ومات بعد ذلك في حياة الرسول فالظاهر كونه من أهل الجنّة ايضاً . ومن بقي منهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان حكمه حكم وغيره ، فإنّه إن حفظ وصيّة رسول الله وعمل بها في اتّباع الكتاب والعترة كان من أهل الجنّة وإلاّ فلا .
وعلى الجملة فمن آمن بالله ورسوله وعمل الصالحات ومضى إلى ربه على هذه الحال فهو من أهل الجنة ، والآيات القرآنية الصريحة في هذا المعنى كثيرة جداً .
( وحديث بشارة العشرة ... ) .
وكذلك الكلام هنا ... ثم إنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة كما في الحديث الذي اعترف به ، فمن كان من أهل الجنة كانا سيّدين له ، ومن المعلوم كونهما أفضل حينئذٍ من سائر أهل الجنّة ، وأبوهما أمير المؤمنين عليه السلام أفضل منهما بالاجماع فهو أفضل أهل الجنّة بالأولويّة القطعيّة .
وحديث العشرة المبشرّة لا يروونه إلاّ عن عبدالرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وكلاهما من العشرة!
( تطابق الكتاب والسنّة والإجماع على أنّ الفضل للعلم والتقوى ) .
نعم الفضل للعلم والتقوى ، كتاباً وسنة وإجماعا ، ولا ريب في أنّ الأعلم والأتقى هو الأفضل ، فهو المتعيّن للإمامة والخلافة ... وقد ثبت أنّه الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام .
( فإن قيل : قال الله تعالى : ( انما يريد الله ... ) وقال النبّي : إنّي تركت فيكم ... ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم وغيره ، قلنا : نعم ... ) .
قد ثبت بالأحاديث المعتبرة أنّ المراد من « أهل البيت » في قوله تعالى : ( انما يريد الله ... ) هم الخمسة الطّاهرة ، حتى أنّ أم سلمة استأذنت في الدخول معهم فلم يأذن لها رسول الله وقال : إنّك إلى خير ... وإذهاب الرّجس مطلقاً دليل على العصمة ، فكان الخمسة معصومين بالآية المباركة .
ومن كان معصوماً كان أفضل ، ومن كان الأفضل كان الامام دون غيره .
وثبت أيضاً : أن المراد من « عترتي أهل بيتي » في الحديث هم الأئمة الإثنا عشر ، لأنّ الأمر المطلق بالتمسّك والإتباع والأخذ يستلزم عصمة المتبوع والمقتدى ، كما ذكر الفخر الرازي وغيره في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) ونظائر ذلك . ولأنّ الذين لا يفارقون القرآن ، بل يكونون معه ويكون معهم هو الأئمة المعصومون .
وفي هذا الحديث دلالة على بقاء الأئمة من العترة مادام القرآن باقياً ، ليكون حافظاً له من التّغيير ، مبيّناً لما احتاج منه إلى البيان والتفسير ...
ومن كان معصوماً كان أفضل النّاس علماً وعملاً ...
فظهر أنّ الآية المباركة والحديث دليلان آخران على أفضلية الأئمة من العترة الطاهرة ، والحديث المذكور أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي وأحمد والحاكم وغيرهم من الأئمة ، بل هو من الأحاديث المتواترة المقطوع بصدورها عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
حول الصحابة
( يجب تعظيم الصّحابة والكف عن مطاعنهم وحمل ما يوجب بظاهرة الطعن فيهم على محامل ... وللروافض سيّما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصّحابة ... ) .
لابدّ أوّلاً من تعريف الصّحابي ، فقد اختلفت كلماتهم في تعريفه ، والذي يهمّنا هنا معرفة رأي السّعد :
قال ابن الحاجب : « الصّحابي من رأي النّبي عليه الصّلاة والسّلام وإن لم يرو ولم تطل » .
فقال العضد بشرحه : « قد اختلف في الصحابي فقيل : من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يرو عنه حديثاً ولم تطل صحبته له ، وقيل ... » (3) .
فالمختار عند الماتن والشارح هو القول الأول .
ووافقهما السّعد في الحاشية وهذه عبارته :
« قوله : الصحابي من رآه ، أي مسلم راي النبي ، يعني صحبه ولو أعمى ، وفي بعض الشروح ، أي رأه النبي عليه الصلاة والسلام » (4) .
فالصحابي : من رأى النبي مسلماً أو رآه النبي .
هذا هو الموضوع . والحكم : وجوب تعظيم الصّحابة كلهم والكفّ عن مطاعنهم وحمل ما يوجب ...
فالحاصل : وجوب تعظيم كلّ مسلم رأى النبيّ أو رآه النبي ، والكف عن مطاعنه ...
فهل يرتضي هذا أحد؟ وما الدليل عليه؟
( إنّ ما وقع بين الصّحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات ، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن الطريق الحق ، وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد ، وطلب الملك والرياسة ، والميل إلى اللذات والشهودات ، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النّبي بالخير موسوماً ... ) .
كيف يقول هنا : يجب تعظيم الصحابي ـ أي كلّ من لقي النبي ـ ... ويقول هناك : « ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبي بالخير موسوماً »؟
أللهمّ إلاّ أن يقال : كلامه هنا عام وقد خصّصه كلامه ذاك ، فيكون حكم ما ذكره هنا حكم ما ورد كتاباً وسنةً في مدح الأصحاب عموماً ، فإنّ الله تعالى والنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يأمران بحبّ من حاد عن الطريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق ... بل الحكم الشرعي هو الاجتناب والتبرّي عن هكذا أشخاص .
هذا مقتضى التحقيق الحقيق بالقبول والتصديق .
وعلى الجملة ، فإنّ من الأصحاب من لا يجوز تعظيمه والاقتداء به ، ومنهم من يجب تعظيمه وتكرمه ، وهذا القسم هوالذي يحمل ما يوجب بظاهره الطعن منهم على محامل وتأويلات ... كما هوالحال بالنّسبة إلى سائر المسلمين ...
( أمّا توقف عليّ في بيعة أبي بكر فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة والحزن بفقد رسول الله ... ) .
هذا حمل باطل ، فإنّه عليه السّلام قد أصابه بفقد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من الكآبة والحزن ما لا يوصف ، ولكنّ ذلك ما كان بحيث يكون مانعاً له عن الحضور للبيعة مدة ستة أشهر لو كان يرى أبابكر إمام حق ... وهويعلم بأنّ من بات وليس في عنقه بيعة إمام فمات مات ميتة جاهلية! ولو سلّم أن المانع له ذلك فلم لم يأمر قومه وأتباعه وزوجته بالبيعة؟
إنّ هذا الحمل باطل ، بل الأدلّة والشواهد من الخطبة الشقشقيّة وغيرها دالة على خلافة ... وقد تقدم في الكتاب طرف من ذلك ...
( بل لأنّه تركهم واختيارهم من غير إلزام ... ) .
ما الداعي لتوجيه تخلّف الجماعة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام؟ وكيف يلتئم هذا التوجيه مع ما ثبت عن بعضهم م الندم على المخلّف عن البيعة والقتال مع الامام؟
وهل يكون ترك الإلزام من الامام عليه السّلام عذراً لترك الواجب بحكم الاسلام؟ ثمّ لينظركم فرق بين إمامة أمير المؤمنين الذين ترك الإلزام ، وإمامة الذين هدّدوا آل رسول الله بتحريق دارهم على من فيها؟
( وما ذهب إليه الشيعة من أن محاربي علي كفرة ... فمن اجتراءاتهم وجهالاتهم ... ) .
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 : « فصل في أحكام محاربي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والقاعدين عن نصرته عليه السلام : عندنا أن من حارب أمير المؤمنين وضرب وجه ووجه أصحابه بالسيف كافر ، والدليل المعتمد في ذلك : اجماع الفرقة المحقة من الإماميّة على ذلك ، فإنهم لايختلفون في هذه المسألة على حالٍ من الأحوال ، وقد دلّلنا علىأن إجماعهم حجة فيما تقدم .
وأيضاَ : فنحن نعلم أن من حاربه كان منكراً لامامته ودافعاً لها ، ودفع الامامة كفر ، كما أنّ دفع النبوة كفر ، لأنّ الجهل بهما على حدٍ واحد ، وقد روي عن النّبي أنه قال : من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية . وميتة الجاهلية لا تكون إلاّ على كفر .
وأيضاَ : روي عنه أنه قال : حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي ، ومعلوم أنه إنما أراد أن أحكام حربك تماثل أحكام حربي ، ولم يرد أن إحدى الحربين هي الأخرى ، لأن المعلوم ضرورة خلاف ذلك ، وإذا كان حرب النّبي كفراً وجب مثل ذلك في حرب أمير المؤمنين ، لأنه جعله مثل حربه .
ويدلّ على ذلك أيضاَ : قوله أللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، ونحن نعلم أنه لا تجب عداوة أحد بالاطلاق إلاّ عداوة الكفار .
وأيضاً : فنحن نعلم أن من كان يقاتله يتحل دمه ويتقّرب إلى الله بذلك ، واستحلال دم امرئ مسلم كفر بالاجماع ، وهوأعظم من استحلال جرعة من الخمر الذي هو كفر بالاتفاق ... » (5) .
( فان قيل : يزعمون ... قلنا : مقاولتهم ومخاشنتهم في الكلام كانت محض نسبة إلى الخطأ ... وبالجملة فلم يقصدوا إلاّ الخير والصّلاح في الدين ... ) .
إذا كان يحسن الظن بأصحاب الجمل وأهل صفّين وغيرهم ، ويحمل أعمالهم ـ حتى المقاتلة فضلاً عن اللعن والتّفضليل ـ على الصحة ... فمن البعض الذي نصّ بعد هذه العبارة على أنّه « قد حاد عن طريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد ... » .
( فان قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد . قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ... وإلاّ فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟ ... ) .
هذا توجيه لما ذهب إليه بعض النواصب ، لكنّ مقتضى مذهب أهل السنة القائلين بإمامة من تغلّب بالجور والقهر ، وبعدم جواز عزل الحاكم وإن ظلم أو فسق ... هو المنع من لعن يزيد ...
ثم إنّ الأعلى كائناً من كان إن كان مستحقا للّعن فهو ملعون مثل يزيد ، وان كان له دخل في تمكّن يزيد من رقاب المسلمين وتسلّطه على أهل بيت سيّد المرسلين ، فهو شريك في جميع ما فعله نغل معاوية اللعين ... فيستحق ما يستحقّه ... وإنّ الحق يقال على كلّ حال ...
المصادر :
1- تاريخ الطبري 3 / 420 .
2- رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : 16 عن أحمد في الفضائل .
3- شرح المختصر 2 / 67 .
4- شرح المختصر 2 / 67 .
5- تلخيص الشافي 4 / 131 ـ 133 .