
قال الترمذي : « حدّثنا الحسن بن الصباح البزّار ، حدّثنا محمد بن كثير العبدي ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين إلاّ النبييّن والمرسلين .
قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .
حدّثنا عليّ بن حجر ، أخبرنا الوليد بن محمد الموقري ، عن الزهري ، عن عليّ بن الحسين ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ طلع أبوبكر وعمر ، فقال رسول الله عليه وسلّم : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين ؛ يا عليّ لا تخبرهما .
قال : هذا الحديث غريب من هذا الوجه . والوليد بن محمد الموقري يضعّف في الحديث ، ولم يسمع عليّ بن الحسين من عليّ بن أبي طالب .
وقد روي هذا الحديث عن عليّ من غير هذا الوجه .
وفي الباب عن أنس وابن عبّاس .
حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، قال : ذكر داود ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ما خلا النبيّين والمرسلين ؛ لا تخبرهما يا عليّ » (1) . وقال ابن ماجة : « حدّثنا هشام بن عمّار ، ثنا سفيان ، عن الحسن بن عمارة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين ؛ لا تخبرهما يا عليّ ما داما حيّين » (2) .
وقال : « حدّثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي ، ثنا عبد القدّوس بن بكر بن خنيس ، ثنا مالك بن مغول ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أبوبكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسلين » (3) .
وقال عبدالله بن أحمد : « حدّثني وهب بن بقية الواسطي ، ثنا عمر بن يونس ـ يعني اليمامي ـ عن عبدالله بن عمر اليمامي ـ عن الحسن بن زيد بن الحسن ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : كنت عند النبي صلّى الله عليه وآله وسّلم فأقبل أبوبكر وعمر رضي الله عنهم ، فقال : يا عليّ ، هذان سيّدا كهول أهل الجنّة وشبابها بعد النبيّين والمرسلين » (4) .
نظرات في سنده :
قد ذكرنا أهمّ أسانيد هذا الحديث في أهمّ كتبهم ، فالترمذي يرويه بسنده عن أنس بن مالك ، وهو وابن ماجة وعبدالله بن أحمد يروونه عن أمير المؤمنين عليه السلام .. وابن ماجة يرويه عن أبي جحيفة .. وربّما روي في خارج الصحاح عن بعض الصحابة لكن بأسانيد اعترفوا بعدم اعتبارها (5) .
وأوّل ما في هذا الحديث إعراض البخاري ومسلم عنه ، فإنّهما لم يخرجاه في كتابيهما ، وقد تقرّر عند كثير من العلماء ردّ ما اتّفقا على تركه ، بل إنّ أحمد بن حنبل لم يخرجه في مسنده أيضاً ، وإنّما أورده ابنه عبدالله في زوائده (6) ، وقد نصّ أحمد على أنّ ما ليس في المسند فليس بحجّة حيث قال في وصف كتابه : « إنّ هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه ، فإن كان فيه وإلاّ فليس بحجّةٍ :
أمّا الحديث عن عليّ عليه السلام :
فقد رواه عنه الترمذي بطريقين ، وعبدالله بن أحمد بطريقٍ ثالث .
أمّا الطريق الأول فقد نبّه على ضعفه الترمذي :
أولاّ : بأنّ عليّ بن الحسين لم يسمع من عليّ بن أبي طالب ، والواسطة بينهما غير مذكور ، وهذا قادح على مذهب أهل السنّة .
وثانياً : بأنّ الوليد بن محمد الموقري يضعّف في الحديث .
وقال ابن المديني : ضعيف لا يكتب حديثه .
وقال الجوزجاني : كان غير ثقة ، يروي عن الزهري عدّة أحاديث ليس لها أصول .
وقال أبو زرعة الرازي : لينّ الحديث .
وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث .
وقال النسائي : ليس بثقة ، منكر الحديث .
وقال ابن خزيمة : لا يحتّج به .
وقال ابن حبّان : روى عن الزهري أشياء موضوعة .
بل قال ابن معين ـ في رواية عنه ـ : كذّاب . وكذا قال غيره (7) .
وهذا الحديث عن الزهري !!
وأمّا « الزهري » ، فقد ترجمنا في بعض بحوثنا السابقة فلا نعيد .
وأمّا الطريق الثاني :
فهو عن الشعبي عن الحارث عن علي ... عند الترمذي ...
أمّا الشعبي ، فقد ترجمنا في بعض البحوث السابقة .
وأمّا الحارث ، وهو « الحارث بن عبدالله الأعور » فإليك بعض كلماتهم فيه :
أبو زرعة : لا يحتجّ بحديثه .
ابو حاتم : ليس بقويّ ولا ممّن يحتجّ بحديثه .
النسائي : ليس بالقويّ .
الدار قطني : ضعيف .
ابن عديّ : عامّة ما يرويه غير محفوظ .
بل وصفه غير واحدٍ منهم بالكذب !
بل عن الشعبي ـ الراوي عنه ـ : كان كذّاباً !! وقد وقع هذا عندهم موقع الإشكال ! كيف يكذّبه ثم يروي عنه ؟! إنّ هذا يوجب القدح في الشعبي نفسه !
فقيل : إنّه كان يكذّب حكاياته لا في الحديث . وإنّما نقم عليه إفراطه في حبّ عليّ ! (8) .
قلت : إن كان كذلك فقد ثبت القدح للشعبي ، إذ الإفراط في حبّ عليّ لا يوجب القدح ولا يجوّز وصفه بالكذب ، ومن صفا هنا ترى أنّ غير واحدٍ ينصّ على وثاقة الحارث ...
هذا ، ولا حاجة إلى النظر في حال رجال السندين حتى الشعبي ، وإلاّ فإنّ « الحسن بن عمارة » عند ابن ماجة :
قال الطيالسي : قال شعبة : ائت جرير بن حازم فقل له : لا يحلّ لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنّه يكذب ...
وقال ابن المبارك : جرحه عندي شعبة وسفيان ، فبقولهما تركت حديثه .
وقال أبو المروزي عن أحمد : متروك الحديث .
وقال عبدالله بن المديني عن أبيه : كان يضع .
وقال أبو حاتم ومسلم والنسائي الدار قطني : متروك الحديث .
وقال الساجي : ضعيف متروك ، أجمع أهل الحديث على ترك حديثه .
وقال الجوزجاني : ساقط .
وقال ابن المبارك عن ابن عيينة : كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يحدّث عن الزهري جعلت إصبعيّ في أذنيّ .
وقال ابن سعد : كان ضعيفاً في الحديث .
وقال السهيلي : ضعيف بإجماع منهم (9) .
قلت : فهذا حال هذا الرجل الذي روي عنه ابن ماجة ! وروى عنه سفيان مع علمه بهذه الحال ! وإذا كان سفيان جارحاً له فكيف يروي عنه؟! ألا يوجب ذلك القدح في سفيان كذلك وسقوط جميع رواياته عنه؟! وهذا الحديث من ذلك !
وأمّا الطريق الثالث :
وهو رواية عبدالله ، ففيه :
أوّلاً : إنّه ممّا أعرض عنه أحمد بناءً على ما تقدّم .
وثانياً : إنّ فيه الحسن بن زيد ... قال ابن معين : ضعيف . وقال ابن عديّ : « أحاديثه عن أبيه أنكر ممّا روى عن عكرمة » (10) .
قلت : وهذا الحديث من ذاك !
وثالثاً : إنّ لفظه يشتمل على « وشبابها » وهذا يختصّ بهذا السند وهو كذب قطعاً .
وأمّا الحديث عن أنس :
وهو الذي أخرجه الترمذي ، ففيه :
وهو الذي أخرجه الترمذي ، ففيه :
« قتادة » وكان مدلّساً ، يرمى بالقدر ، رأساً في بدعةٍ يدعو إليها ، حاطب ليل ، حدّث عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم ... إلى غير ذلك ممّا قيل فيه (11) .
و« أنس بن مالك » نفسه لايجوز الاعتماد عليه ، لا سيّما في مثل هذا الحديث ، فقد ثبت كذبه في حديث الطائر المشويّ (12) وكتمه للشهادة بالحقّ حتى دعا عليه عليّ عليه السلام ، وهو مع الحقّ (13) .
وأمّا حديث أبي جحيفة :
وهو الذي أخرجه ابن ماجة ، ففيه :
« عبد القدّوس بن بكر بن خنيس » قال ابن حجر : « ذكر محمود بن غيلان عن أحمد وابن معين وأبي خيثمة أنّهم ضربوا على حديثه » (14) .
تتمّة :
إنّه لا يخفى اختلاف لفظ آخر الحديث عن عليّ ، ففي لفظ : « لا تخبرهما يا علّي » وفي آخر « لا تخبرههما يا عليّ ما داما حيّين » وفي ثالث لم يذكر هذا الذيل أصلاً ... !
أمّا في الحديث عن أنس فلا يوجد أصلاً ...
ولماذا نهى عليّاً من أن يخبرهما ؟! ولماذا لم ينه أنس عن ذلك ، بل بالعكس أمره بأن يبشّرهما ـ وعثمان ـ في حديثٍ يروونه عنه .
لم أجد ـ في ما بيدي من المصادر ـ لذلك وجهاً ... إلاّ عند ابن العربي المالكي ... فإنّه قال : « قال ذلك لعليّ ليقرّر عند تقدّمهما عليه »!! وأنّه « نهاه أن يخبرهما لئلاّ يعلما قرب موتهما في حال الكهولة »!! (15) .
وهل كان يحتاج عليّ إلى الإقرار إن كان تقدّمهما عليه بحقّ؟!
وهل كان يضرّهما العلم بقرب موتهما في حال الكهولة؟! وهل كانا يخافان الموت ؟! ولماذا؟!
المصادر :
1- صحيح الترمذي 5 / 570 .
2- سنن ابن ماجة 1 / 36 .
3- سنن ابن ماجة 1 / 38 .
4- المسند 1 / 80 .
5- مجمع الزوائد 1 / 89 .
6- ترجمة أحمد في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي .
7- تهذيب التهذيب 11 / 131 .
8- لاحظ ذلك كلّه بترجمة الحارث من تهذيب التهذيب 2 / 126 .
9- لاحظ هذه الكلمات وغيرها بترجمته من تهذيب التهذيب 2 / 263 .
10- تهذيب التهذيب 2 / 243 .
11- لاحظ ترجمته في تهذيب التهذيب 8 / 317 .
12- الترمذي والحاكم والطبراني وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر وابن الأثير ... راجع منها المستدرك 3 / 130 .
13- راجع كتاب الغدير 1 / 192 .
14- تهذيب التهذيب 6 / 329 .
15- عارضة الأحوذي 13 / 131 .