التعايش ما بين المذاهب الإسلاميّة

هناك آيات عديدة في القرآن الحكيم ، تتحدّث عن التنوّع والتعدّد في حياة البشر ، فرغم أنّ البشر يتساوون في إنسانيّتهم العامّة ، وفي خصائصهم الأوّلية المشتركة ، إلاّ أنّهم في حقيقة الأمر يتمايزون بدرجة وأُخرى داخل المحيط البشري.
Tuesday, May 23, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
التعايش ما بين المذاهب الإسلاميّة
التعايش ما بين المذاهب الإسلاميّة



 

هناك آيات عديدة في القرآن الحكيم ، تتحدّث عن التنوّع والتعدّد في حياة البشر ، فرغم أنّ البشر يتساوون في إنسانيّتهم العامّة ، وفي خصائصهم الأوّلية المشتركة ، إلاّ أنّهم في حقيقة الأمر يتمايزون بدرجة وأُخرى داخل المحيط البشري.
وهذا التنوّع إنّما هو جزء من ظاهرة كونيّة تشمل أصناف المخلوقات والكائنات ، فمجرّات الفضاء وكواكبه متعدّدة متنوّعة ، وعالم النبات يحتوي على ألوان وأشكال مختلفة رغم وحدة التربة التي ينبت منها ، والماء الذي يسقى به .
يقول تعالى : (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (1).
(وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ) (2).
وعالم الحيوان هو الآخر عامل متنوّع ، فدواب الأرض وطيور السماء ليست أُمّة واحدة ، وإنّما هي أُمم متعدّدة متنوّعة ، يقول الباري (عزّ وجلّ) : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) (3).
وحتى الملائكة ليسوا جميعاً في مستوى واحد ، وعلى شاكلة واحدة ، بل هناك تنوّع في أشكالهم ، ومهامهم ومقامهم ، يقول تعالى :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (4).
أمّا بالنسبة لعالم الإنسان فقد تحدّث القرآن الحكيم عن العديد من جوانب التنوّع في حياته ، وضمن الأبعاد المختلفة.
التمايز الفردي : هناك نوع من التميّز الشخصي لكلّ فرد من أفراد البشر ، فصورته وصوته يميّزانه عن الآخرين ؛ ولذلك اعتمد التصوير الفوتوغرافي ، والتسجيل الصوتي للدلالة على الشخص.
وكذا نرى خطوط أصابع يد الإنسان تسجّل تمايزاً دقيقاً بين أفراد البشر ، فإبهام كلّ إنسان والخطوط الموجودة فيه لا تتشابه مع أيّ إنسان آخر مهما كانت درجة القرابة بينهما ، حتّى في الحيّز الوراثي الواحد وحتى في التوأم ؛ ومن هنا يعتبر أخذ بصمات الإنسان دليلاً ثبوتيّاً واضحاً يستدلّ بها عليه .
ولعلّ في قوله تعالى : (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) (5)
إشارة إلى هذه الحقيقة العلميّة ، تسبق ما أثبته العلم أخيراً في هذا المجال ، حيث أصبح لدينا علم مستقل بذاته يسمّى (علم البصمات) ، يستفاد منه في القانون الجنائي وتعتمد عليه الدوائر الأمنيّة في مكافحة الجريمة ومعرفة المجرمين.
تفاوت على مستوى العلم والمعرفة : مستوى الذكاء والفطنة يتفاوت بين الناس حتّى أصبحت له مقاييس ومعدلات يرصد بها ، كما إنّ الرغبة في العلم والمعرفة تختلف من شخص إلى آخر .
يقول تعالى : (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (6).
تفاوت الحالة الاقتصادية : كما إنّ البشر في حياتهم المعيشيّة الماديّة ووجهها الاقتصادي متغايرون أيضاً ، فيوجد غني وفقير ، وفيما بينهما درجات عدّة متفاوتة .
يقول تعالى في سورة الزخرف : (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً) (7).
حيث إنّ تفاوت المواهب والقدرات والرغبات بين أبناء البشر هو الذي يشعرهم بحاجتهم إلى بعضهم البعض ؛ فالبشر ليسوا نسخاً مكرّرة ، إنّما هم متفاوتون ممّا يدفعهم للتعامل مع بعضهم ، وتسخير بعضهم البعض لصالح المجموع ، ولتقدّم حركة الحياة.
وهذا التفاوت يترتّب عليه تمايز مستوى المعيشة واختلاف أنماطها.
التنوّع العرقي والقومي : رغم أنّ مصدر الإنسانيّة رجل واحد وامرأة واحدة ، هما آدم وحواء ، كما يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) (8).
إلاّ أنّ استمرار حركة التناسل البشري ، واتّساع رقعة معيشتهم على سطح المعمورة أدّى بمرور الزمن إلى أن تتكيف مظاهر وأشكال تكوّنهم الجسدي بما يتناسب وظروف المحيط الطبيعي الذي يعيشون فيه ، ونظراً لاختلاف الأجواء والظروف الطبيعية التي تعيشها مجاميع البشر ، فقد أفرزت حالات من الاختلاف في المظاهر والأشكال بين تلك المجاميع.
التنوع الإنساني واللغوي : ومن أجلى ألوان التنوّع في حياة البشر تنوّع اللغات وتعدّدها ، فقد أبان العلماء أنّ هناك حوالي (3000) لغة منطوقة في العالم اليوم ولا تدخل اللهجات في إطار هذا العدد (9) .
ويكفي في الهند وحدها ثمّة (850) ألف لغة ولهجة محليّة مستعملة. لقد منح الله تعالى الإنسان القدرة على التعبير عمّا يدور في نفسه عبر النطق والكلام ، يقول تعالى : (خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (10).
ولذلك يعتبر القرآن تعدد اللغات واختلاف الألسنة آية من آيات الله ، ويذكرها إلى جانب ذكر خلق السماوات والأرض ، يقول الباري (عزّ وجلّ) : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (11).
التنوع الديني : وقد تحدّث القرآن الكريم عن تعدد الديانات ، وأثبت ذكر أهم الديانات السماوية والوثنية ، معتبراً ذلك التعدد والاختلاف ظاهرة طبيعية في هذه الحياة ، لما منح الله تعالى الإنسان من حرية اختيار ، وأودع في نفسه من نوازع الخير والشرّ ، أمّا الحسم والفصل بين أتباع هذه الديانات فهو مؤجّل إلى ما بعد الحياة الدنيا.
يقول الله سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (12).
والمتمعّن في جوهر المعنى القرآني في هذا المجال ، وضمن سياقه الموضوعي ، يلاحظ دون أدنى شكّ إلى طبيعة الإقرار القرآني بحقيقة الاختلاف الديني بين بني البشر ، والآية الكريمة تذكر أتباع ست ديانات كانت معروفة وسائدة آنذاك ، بل ويبسط مدارات الحديث عن ذلك في أكثر من جهة وموضوع.
فأوّلاً : لا يمكن إلغاء حالة التعدّد الديني بالقوّة والفرض حيث يقول : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (13) .
ويقول : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (14).
ثانياً : على المؤمن بدين الله أن يعتمد الأسلوب اللائق المناسب في الدعوة إلى دينه ، دون تهريج أو تجريح ، أو تشنّج وانفعال ، قال تعالى في كتابه الكريم : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (15).
ثالثاً : يفترض أن يستهدف الإنسان من تديّنه الوصول إلى الحقيقة ، فلا بدّ له حينئذٍ من الانفتاح على الديانات والآراء الأُخرى بحثاً عن الحقّ والصواب .
يقول الباري (عزّ وجلّ) : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ اُولئك الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَاُولئك هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ) (161).
ولا يصح له أن ينكفئ على عقيدته الموروثة دون تفكير أو نقاش ، قال تعالى : (قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (17).
لذا ينبغي أن يسود الحوار السليم بين الديانات المختلفة اعتماداً على الدليل والبرهان ، قال تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) (18).
والحوار بين الأديان يجب أن يكون موضوعيّاً هادئاً ، على أساس الاحترام المتبادل ، فقد قال سبحانه وتعالى : (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (19).
رابعاً : لا ينبغي للاختلاف الديني بين الناس أن يؤدّي إلى الصراع والنزاع ، فالأصل في العلاقة بين أبناء البشر هو التعايش والانسجام والاحترام المتبادل ، أمّا مَنْ تُسوّل له نفسه الاعتداء على المختلفين معه فلا بدّ له من ردعه ومواجهة عدوانه .
قال تعالى : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (20).
وينهى الإسلام عن جرح مشاعر أتباع الديانات حتّى لو كانت وثنية بسبّ مقدّساتهم ؛ لأنّ ردّ فعلهم الطبيعي سيكون سبّ مقدّسات المسلمين ، قال سبحانه وتعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (21).
المصادر :
1- سورة الرعد : الآية 4.
2- سورة الأنعام : الآية 141.
3- سورة الأنعام : الآية 38.
4- سورة فاطر : الآية 1.
5- سورة القيامة : الآية 4.
6- سورة يوسف : الآية 76.
7- سورة الزخرف : الآية 32.
8- سورة النساء : الآية 1.
9- الموسوعة العربية العالمية 21 ص 119.
10- سورة الرحمن : الآية 3 ـ 4.
11- سورة الروم : الآية 122.
12- سورة الحج : الآية 17.
13- سورة البقرة : الآية 256.
14- سورة الكافرون : الآية 6.
15- سورة النحل : الآية 125.
16- سورة الزمر : الآية 18.
17- سورة المائدة : الآية 104.
18- سورة الأنبياء : الآية 24.
19- سورة العنكبوت : الآية 46.
20- سورة الممتحنة : الآية 8.
21- سورة الأنعام : الآية 108.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.