امتداد الماسونيَّة

بينما كانت الماسونيَّة تتقدم في بريطانيا تقدمًا عظيمًا كانت تزهو وتزهر في غاليا ترانسالبين فتُشَادُ المحافل وتتقاطر الشعوب أفواجًا للانتظام في سلك هذه الجمعية الشريفة، ولبثت منقطعة متفرقة في البلاد ولا مقرَّ لها حتى انتهى
Wednesday, May 31, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
امتداد الماسونيَّة
امتداد الماسونيَّة





 

بينما كانت الماسونيَّة تتقدم في بريطانيا تقدمًا عظيمًا كانت تزهو وتزهر في غاليا ترانسالبين فتُشَادُ المحافل وتتقاطر الشعوب أفواجًا للانتظام في سلك هذه الجمعية الشريفة، ولبثت منقطعة متفرقة في البلاد ولا مقرَّ لها حتى انتهى حكم الرومان الذين ضغطوا عليها أخيرًا فذاقت من استبدادهم مُرَّ العذاب فالْتأمت ولمَّت شعثها وجعلت فرنسا مركز دائرتها.
وكانت تُدعى هناك الجمعيات السرية الحرة، وكان إخوتها يُسَمَّوْن البنَّائين الأحرار وغيَّرت سنة ٤٨٦ب.م قليلًا من الرموز والإشارات التي رأت وجوب تحويرها. ولكنه بقي في لومبارديا محافل حفظت قواعدها الأساسية الأصلية التي بُنيت عليها ولم تقبل أقل تحوير أو تغيير، وتكاثر عددها جدًّا وأصبح طلابها من الألف فما فوق، فضاقت عليهم الأعمال وأمسى كثيرون منهم بلا عمل.
ثم نالت الماسونيَّة من الحكم الباباوي الذي بيدهِ الحل والربط في المسائل الدينية امتيازات ببناءِ الكنائس وتشييد المعابد، وتفرَّق إخوتها في العالم المسيحي يبثون فيهِ روح النشاط، وما زالت الامتيازات والإنعامات تتوالى عليهم من زمن رئاسة البابا نيقولاوس الثالث سنة ١٢٧٧ حتى خلافة البابا بنديكتوس الثاني عشر سنة ١٣٣٤ وأُعفوا من الضرائب الأميرية التي وضعتها الحكومة على الشعب.
وكانت تلك الامتيازات تُخَوِّلُهم أن يقيموا محلات لسُكْنَى الباباوات، وأن يعيِّنوا مقدار أجرتهم عن البناء بلا مراجعة في الطلب، وأن يلتئموا في محافلهم ويروا أعمالهم ويقيموا احتفالاتهم بلا منازع ولا معارض.
ومنع الطلبة عن العمل ما لم يكونوا قد انتظموا في سلك الجمعية الماسونيَّة التي لها وحدها حق البناء ومن خالف حُرم عن الاشتراك في الديانة المسيحية وأسرارها جزاءَ ما كسبت يداه.
وزهت الماسونيَّة في جميع الأجيال الغابرة خصوصًا في الأعصر المتوسطة وتقدمت تقدمًا عظيمًا، وأقامت في جميع أنحاء أوروبا كإنكلترا وجرمانيا وغاليا وإيطاليا وإسبانيا والبروتغال تلك المباني العظيمة التي يدهش منها العالم الأدبي حتى الآن.
وكان الماسون يقيمون لهم محافل عظيمة لاجتماعاتهم في أي مكان احتلوه متخذين لهم رؤساء من أعاظم الرجال ونابغيهم لعلمهم الأكيد أن الجمعية لا تتوثق عراها ما لم تجمعهم جامعة الحب وتربطهم رابطة الوئام.
وكانوا يقبلون في عدادهم طلبة كثيرين، وبعد أن يقسم هؤلاء اليمين المعظمة أنهم لن يخونوا الجمعية الماسونيَّة ولا يبوحوا بأسرارها لأيٍّ كان ما لم يكن أخًا معروفًا عندهم ولا يتخذوا معرفتهم للرموز والإشارات طريقة لهداية الجهال، ولا يتلفَّظون بشيءٍ من ذلك لا كتابةً ولا شفاهًا، وبعد أن يجربوهم تجارب عديدة ويتحققوا إقدامهم ويتأكدوا بسالتهم يقبلونهم بينهم ويطلعونهم على أسرارهم.
وقام بعد ذلك قوم من العظماءِ والأشراف وانخرطوا فيها مسرورين ولأعمالها شاكرين. ولكنهم إذ كانوا ذوي مدارك سامية يقصر عن تبيانها كل كاتب بليغ تركوا غايتها العملية وشأنها لعلمهم الأكيد أن وراءَ ذلك غاية فلسفية لم يدركها الجُهَّالُ فبدءُوا ينقِّبُون ويجدُّون سعيًا في نيل هذه الغاية الشريفة علهم يفلحون.
وقام أعداءُ العمران يثيرون عليهم حربًا عوانًا واضطهدوهم شديد الاضطهاد فاضطرَّ هؤلاء إلى التستُّر شديدًا، وكانت تعاليمهم ممتدة في كثيرٍ من الأنحاء.
ورأى الكهنة افتخار الماسون الأحرار بأعمالهم وتعظمهم في تعاليمهم فثار فيهم ثائر الحسد واتهموهم بإدخال أمور جديدة هي الهرطقة إلى تعاليم الكنيسة، فشجبوهم غير مُتَرَوِّينَ في أمرهم ونشأ عن هذا الشجب اضطهاد عظيم احتمله الماسون ولم يجنوا ذنبًا سوى حبهم للتقدم والنجاح وعدم فهم أعدائهم لمداركهم السامية.
الماسونيَّة في جرمانيا
لم تزهر الماسونيَّة في بريطانيا وغاليا فقط، بل في ألمانيا أيضًا، حيث أخرجت ثمارًا يانعة جدًّا، فكان هناك محافل كثيرة العدد مؤلفة من نخبة الرجال وسُرَاةِ القوم، وكانوا يسلمون برئاسة البعض عليهم، ويدعونهم هوبتهوت Haupthutte، وكان عددها خمسة متفرقة في خمسة بلاد، وهي: كولونيا وستراسبورغ وفينا وزوريخ ومكدبورغ.
وكان محفل كولونيا الأعظم أهم المحافل الجرمانية وأعظمها، وكان باني كتدرائية كولونيا معدودًا أستاذًا أعظم لعموم بَنَّائي ألمانيا السفلى كباني كتدرائية ستراسبورغ لألمانيا العليا. وتقلبت الأحوال وتوالتِ الأيام ولبثت بنايات ستراسبورغ قائمة تفخر بقوتها وشأنها فنازعت كولونيا الرئاسة العظمى طويلًا إلى أن أحرزتها.
وكان بين المحافل التابعة لمحفل ستراسبورغ الأعظم بعض محافل في فرنسا وسرابيا وهيسيا وتورنغيا وفرانكونيا وبافاريا، وكانت بقيَّة المحافل التي في فرنسا وفي بلجيكا تابعة لمحفل كولونيا الأعظم ومحافل النمسا وهنكاريا وستيريا لمحفل فينَّا الأعظم.
وعدَّت محافل سويسرا محفل برن محفلها الأعظم حتى إذا انتهت بناية كتدرائيتها نقلت مركزها إلى زوريخ سنة ١٥٠٢ب.م، واعترفت محافل الساكس برئاسة محفل ستراسبورغ الأعظم، ولكنها تبعت أخيرًا محفل مادبورغ.
وكان لهذه الجمعية امتيازات وحقوق سامية جدًّا فكانوا يحكمون في القضايا التي تُرفع إليهم حكمًا باتًّا بلا مراجعة ولا معارضة حسب أحكام الشرائع الماسونيَّة، وقد جمع رؤساءُ المحافل العظيمة في جلسة عقدت في مدينة راتسبون تلك الأحكام وطبعوها سنة ١٤٦٤ للمرة الأولى تحت عنوان شرائع ناقشي الحجارة في ستراسبورغ وقوانينهم.
ومنح الإمبراطور مكسيمليانوس امتيازات كثيرة للجمعية الماسونيَّة سنة ١٤٩٨، وجاء بعده شارلكن سنة ١٥٢٠ وصادق على البراءات التي أصدرها سلفه الإمبراطور «مكسيمليانوس» فيما يختص بالماسونيَّة، وقام الإمبراطور «فرديناندوس» وحذا حذو أسلافهِ فأكرم الجمعية ووثق بها. وهكذا صار الخلف يتناقل هذه المحبة عن السلف حتى عظم شأنها كثيرًا.
وفي أواخر القرن الخامس عشر قام الكهنة والباباوات وأثاروا على الجمعية الماسونيَّة اضطهادًا شديدًا فعجز الإخوة عن إتمام بناء الكنائس والقصور التي كانوا قد بدءُوا بتشييدها وحدث في كثير من الممالك، وخصوصًا في فرنسا اضطرابات واضطهادات تقشعرُّ لذكرها الأبدان فانحلَّت عرى كثير من المحافل لكثرة ما ذاق أعضاؤُها من مُرِّ العذاب.
وجاء بعد ذلك إصلاح «لوثيروس» الذي كثيرًا ما هدد السلطة الباباوية بالاضمحلال، ولوفرة المنتظمين في سلك تعاليمه قلَّ إنشاءُ الكنائس والمعابد إلى درجة عظيمة. وأصبحت الجمعية الماسونيَّة تئنُّ من جراح الاضطهاد المميتة؛ فانحلَّت محافل كثيرة من المحافل الألمانية لما رأت من عظم المظالم وفرط الاضطهاد.
وكانت محافل سويسرا قد انحلَّت قبلها سنة ١٥٢٢ بموجب أمر عالٍ من الجمهورية السويسرية، وأصبحت المحافل الأربعة العظيمة في حالة يسرُّ لها العدو وأمست بلا عمل تعمله ولا بناءٍ تبنيهِ وتغيَّرت أحوالها وتبدَّلت أمورها، وطرأ عليها حوادث كثيرة حوَّلت تقدمها إلى تأخُّر.
وفي ١٦ مارس سنة ١٧٠٧ صدر أمر الحكومة الألمانية في مدينة راتسبون بمنع جمعية البنَّائين عن العمل، وبأن تبقى خاضعة فيما بعدُ لأحكام المجالس المدنية.
وفي زمن الاضطهاد الذي قاسته الماسونيَّة بإنكلترا في أواسط الجيل السابع عشر؛ أي بعد أن قُتل الملك «تشارلس الأول» ظلمًا وعدوانًا سنة ١٦٤٦ قام ماسون إنكلترا واسكوتسيا يدًا واحدة وشمَّروا عن ساعد جِدهم واجتهادهم بهمة لا تعرف الكلل ولا يعروها الملل ليعيدوا المُلك إلى «تشارلس الثاني»، ويخلعوا «كُرومْوِل» المغتصب، فأنشئوا لهذه الغاية درجات كثيرة سامية أدخلوها في جمعيتهم وألبسوها منذ ذلك العهد لباس الجِد والسياسة.
وكان من هذه الاضطرابات والقلاقل أن انقسمت الماسونيَّة إلى قسمين: قسم بقي متقلدًا شرائعه الأولى متمسكًا بها؛ وهي علم البناء والهندسة، وقسمٍ آخر دُعي الماسون المنتخبين.
وكان هذا القسم من عيون أعيان البلاد، ونخبة سراتها أصحاب المراكز العالية، وكانت مراكزهم تؤهلهم لِنَيل مبتغاهم بلا تكلف عناءٍ، وبواسطتهم ارتقى الملك «تشارلس الثاني» إلى عرش المُلك الذي ورثه عن أبيهِ وأجدادهِ سنة ١٦٦٠؛ فأزهرت الجمعية في أيام هذا الملك العظيم الشأن وتقدمت تقدمًا عظيمًا، فدعاها جمعية مهد العلم الملكي؛ لأنها هي التي ساعدته على المُلك ولولاها لبقي حقيرًا منفيًّا.
وكانت الماسونيَّة مؤلفة في ذلك العهد من الأعضاء المنتخبين ولم يكن فيها من العمال سوى نفر قليل لا يعتدُّ به، فتركوا الغاية التي شيدت هذه الجمعية لأجلها والأسباب التي عوَّلت عليها منذ نشأتها وأخذت الماسونيَّة العملية تتقهقر تقهقرًا عظيمًا والماسونيَّة الرمزية تتقدم تقدمًا مبينًا.
المصدر :
راسخون 2017
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.