الألفاظ الإسلامية

نريد بالعصر الإسلامي في صدد اللغة العربية الزمن الذي مر باللغة بعد ظهور الإسلام حتى كُتِبت العلوم الإسلامية، كالتفسير والحديث وسائر العلوم الشرعية واللغوية ونحوها، إلى عصر النهضة العباسية. ولا مشاحَّة في أن الإسلام
Wednesday, June 14, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الألفاظ الإسلامية
 الألفاظ الإسلامية




 

نريد بالعصر الإسلامي في صدد اللغة العربية الزمن الذي مر باللغة بعد ظهور الإسلام حتى كُتِبت العلوم الإسلامية، كالتفسير والحديث وسائر العلوم الشرعية واللغوية ونحوها، إلى عصر النهضة العباسية. ولا مشاحَّة في أن الإسلام أثَّر في اللغة تأثيرًا كبيرًا كان تابعًا لتأثيره في العادات والآداب والاعتقادات.
ويدخل في ذلك ما طرأ على اللغة من الاصطلاحات الدينية والفقهية واللغوية والأدبية، وما دخلها من الألفاظ الإدارية على أثر إنشاء الحكومة ودوائرها وفروعها، ثم الألفاظ العلمية والفلسفية بترجمة كتب اليونان والفرس والهنود إلى العربية.
ولذلك قسمنا الكلام في العصر الإسلامي إلى ثلاثة فصول، نقتصر في هذا الفصل على ما دخل اللغة العربية من التغيير بسبب العلوم الإسلامية، وهو ما عبَّرنا عنه بالألفاظ الإسلامية، ونُفرِد لكلٍّ من التغييرات الإدارية والأجنبية فصلًا خاصًّا.
فتأثير العلوم الإسلامية على اللغة يكاد يكون محصورًا في تنويع الألفاظ العربية وتغيير معانيها للتعبير عما أحدثه الإسلام من المعاني الجديدة، بلا إدخال ألفاظ أعجمية إلا نادرًا.

الاصطلاحات الشرعية والفقهية

وأشهر ما حدث من التنوعات في الألفاظ العربية في العصر الإسلامي المصطلحاتُ الدينية والشرعية والفقهية واللغوية، وكانت ألفاظها موجودة قبل الإسلام ولكنها كانت تدل على معانٍ أخرى، فتحولت للدلالة على ما يقاربها من المعاني الجديدة، فلفظ «المؤمن» مثلًا كان معروفًا في الجاهلية ولكنه كان يدل عندهم على الأمان أو الإيمان وهو التصديق، فأصبح بعد الإسلام يدل على المؤمن وهو غير الكافر، وله في الشريعة شروط معينة لم تكن من قبل، وكذلك المسلم والكافر والفاسق ونحوه. ومما حدث من المصطلحات الشرعية الصلاة وأصلها في العربية الدعاء، وكذلك الركوع والسجود والحج والزكاة والنكاح فقد كان لهذه الألفاظ وأشباهها معانٍ تبدلت بالإسلام وتنوعت.
وقس على ذلك في الاصطلاحات الفقهية، كالإيلاء والظهار والعدة والحضانة والنفقة والإعتاق والاستيلاء والتعزير واللقيط والآبق والوديعة والعارِيَّة والشفعة والمناسخة والفرائض والقسامة وغيرها.

الاصطلاحات اللغوية

ويقال نحو ذلك في الاصطلاحات اللغوية التي اقتضتها العلوم اللغوية، كالنحو والعَروض والشِّعر والإعراب والإدغام والإعلال والحقيقة والمجاز والنقض والمَنْع والقَلْب والرَّفع والنصب والخفض والمديد والطويل، وغيرها من أسماء البحور وضروب الإعراب والتصريف وهي كثيرة جِدًّا ولها فروع واشتقاقات … حتى لقد أصبح للفظ الواحد معنًى فقهي، وآخر لغوي، وآخر عروضي، وآخر ديني، مما لا يمكن حصره. وسنذكر أمثلة أخرى عند الكلام على اصطلاحات المنطق وعلم الكلام.
وأحدث الإسلام تغييرًا كبيرًا في أساليب التعبير كقولهم: «أطال الله بقاءك!»، فإن أول من قالها عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب.

الألفاظ المهملة

وكما أحدث الإسلام ألفاظًا جديدة للتعبير عن معانٍ جديدة اقتضاها الشرع الجديد والعلم الجديد، فقد محا من اللغة ألفاظًا قديمة ذهبت بذهاب بعض اعتقادات الجاهلية وعاداتهم، منها قولهم «المرباع» وهو ربع الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس في الجاهلية، و«النشيطة» وهي ما أصاب الرئيس قبل أن يصير إلى بيضة القوم، أو ما يغنمه الغزاة في الطريق قبل الوصول إلى الموضع الذي قصدوه، و«المكس» وهو دراهم كانت تُؤخَذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية، وكذلك الإتاوة والحلوان.
ومما أُبطِل قولهم: «أَنعِم صباحًا» و«أَنعِم ظلامًا»، وقولهم للملك: «أَبَيْتَ اللَّعنَ!»، وقول المملوك لمالكه: «ربي»، وتسمية من لم يحج «صرورة»، وغير ذلك. وقد نرى بعض هذه الألفاظ مستعملًا في اللغة الآن، فهو إمَّا مستعمل في غير معناه الأصلي، وإمَّا أنه قد أُرجِع إليه بعد إهماله.
على أننا لا نشك في إهمال كثير من الألفاظ العربية في القرنين الأولين للهجرة، ولا سبب لذلك غير ما يقتضيه النمو من التجدد والدثور. يكفي لتحقيق ذلك مراجعة المعجمات وتدبر ألفاظها، فإنك ترى فيها مئات وألوفًا من الألفاظ التي بطل استعمالها، ولا نظنهم جمعوها في صدر الإسلام إلَّا لأنها كانت شائعة على ألسنة العرب.
وقد يُعترَض على ذلك أن تلك الألفاظ إنما أُهمِلت في العصور الأخيرة، فلا ننكر إهمال بعضها في هذه العصور، ولكن جانبًا كبيرًا منها أُهمِل في العصور الأولى فضلًا عما قَلَّ استعماله قبل الإسلام، حتى لقد كان أحدهم يسمع أعرابيًّا يتكلم فإذا ذكر ألفاظًا مهملة أُغلِق على السامع فهمها ولو كان لغويًّا:
يُروَى عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: «بينما أنا في المسجد الحرام، إذ وقف علينا أعرابي فقال: يا مسلمون — بعد الحمد لله والصلاة على نبيه — إني امرؤٌ من هذا المِلْطَاط الشرقي، المُوَاصِي أسيافَ تِهَامة، عَكَفَتْ علينا سنون مُحُش، فاجْتبَّتِ الذُّرَى، وهشَمَتِ العُرَى، وجَمَشَتِ النَّجْمَ، وأعْجَتِ البَهْم، وهَمَّتِ الشَّحْمَ، والْتَحَبَتِ اللحمَ، وأَحْجَنتِ العظمَ، وغادَرَتِ الترابَ مَوْرًا، والماء غَوْرًا، والناسَ أَوْزَاعًا، والنَّبَط قُعَاعًا، والضَّهْل جُزَاعًا، والمُقام جَعْجَاعًا، يُصبِّحنا الهاوي، ويَطرُقنا العاوي. فخرجتُ لا أتلفَّع بوَصِيده، ولا أتقوَّت بمَهِيده، فالبَخَصَات وقِعة، والرُّكبات زَلعة، والأطراف فَقِعة، والجسمُ مُسْلَهِمٌّ، والنظر مُدْرَهِمٌّ، أَعْشُو فأغْطَشُ، وأَضْحَى فأَخْفَشُ، أُسْهِل ظالعًا، وأُحْزِن راكعًا! فهل مِن آمِرٍ بمَيْر، أو داعٍ بخير، وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر؟!» قال أبو زيد: «فأعطيته دينارًا، وكتبتُ كلامه واستفسرتُ منه ما لم أعرفه.» وأبو زيد الأنصاري من فطاحل أئمة اللغة. وأمثال هذه كثيرة في أخبار العرب.

الألفاظ الإدارية

مصالح الدولة
كانت مصالح الدولة قبل الإسلام عبارة عن مناصب كبار الأمراء من قريش في الكعبة، كالسدانة والسقاية والرفادة والقيادة والمشورة والأعنة والسفارة والحكومة والعمارة وغيرها، وكلها عربية يدل لفظها على معناها. فلما ظهر الإسلام وفتح المسلمون الشام والعراق ومصر وفارس، أنشَئوا على أنقاض دولتَي الروم والفرس دولة دوَّنوا فيها الدواوين، ونظَّموا الجند، وسنُّوا القوانين على ما اقتضاه تمدنهم مما لم يكن له مثيل في جاهليتهم، فاضطُرُّوا للتعبير عن ذلك إلى ألفاظ جديدة فاستعاروا بعضها من لغات القوم الذين أقاموا بينهم وخاصة الفرس واليونان والرومان، واستعملوا لما بقي ألفاظًا عربية حوَّلوا معانيَها حتى تؤدِّي معاني تلك الموضوعات، كما فعلوا في الاصطلاحات الشرعية واللغوية. ولو شئنا ذكر كل ما استُحدِث من تلك الألفاظ لما وسعه غير المجلدات، فنكتفي بالأمثلة.

الألفاظ الإدارية العربية

أول الألفاظ الإدارية التي استُحدِثت في الدولة العربية «الخليفة»، فإنها كانت تدل في الأصل على من يخلف غيره ويقوم مقامه بدون تخصيص، ثم انحصر معناها فيمن يخلف النبي وأول الخلفاء أبو بكر، ومنها صارت تؤدِّي معنى «السلطان يحكم بين الخصوم، والسلطان الأعظم، والمحكم الذي يستخلف من قبله.» ويُقال نحو ذلك في سائر مناصب الدولة، كالوزارة والإمارة والنقابة والكتابة والحجابة والشرطة ونحوها.
فإن الوزارة كانت تدل على المعاونة، ثم تغير معناها باختلاف الدول واختلاف حال الوزراء فيها، ويشتق دار مستتر لفظ الوزير من أصل فارسي قديم (بهلوي) هذا نطقه «ويجيرا»، ومعناه حكم أو أقر.
ومثل ذلك «الكاتب»، فقد رأيت فيما تقدم أن الأصل في دلالة «كتب» الحفر على الخشب أو الحجر لأنهم كانوا يكتبون بالحفر، فلما كتبوا بالمداد صار معناها الكتابة المعروفة.
ولما ظهر الإسلام احتاجوا إلى من يكتب السُّوَر فكان الذين يكتبونها يُسمَّوْن كَتَبَة الوحي، وكان بعضهم يكتبون بين الناس في المدينة. فلما تولَّى أبو بكر استخدم كاتبًا يكتب له الكتب إلى العُمَّال والقُوَّاد، ولمَّا تولَّى عمر ودوَّن الدواوين استخدم الكَتَبة لضبط أسماء الجند وأعطياتهم، فصار الكاتب يدل على الكتابة والحساب. ولما استبدَّ الكُتَّاب في الدولة المصرية وغيرها صار الكاتب بمعنى الوزير، ويراد بالكاتب الآن العالِم المنشئ.
ومن ذلك لفظ «الدولة»، فقد كانوا يريدون «انقلاب الزمان، والعقبة في المال، والفتح في الحرب»، ثم دلوا به على المَلِك ووزرائه ورجال حكومته، ولم يكن لها هذه الدلالة قبلًا.
و«الحجابة» تدل في الأصل على السر والمنع فالحاجب الساتر أو المانع، فكان حاجب الخليفة من أصغر رجال الدولة. فلما ضعف الخلفاء واستبدَّ الحُجَّاب صار معنى الحاجب عندهم مثل معنى الوزير.
وقِسْ على ذلك سائر مناصب الدولة، كالإمارة والشرطة والقضاء والحسبة والنقابة والإمامة، وغيرها من اصطلاحات الجند كالمسترزقة والمتطوعة والعلوفة والعسكر، وضروب الحرب وأبواب الهجوم كالزحف والكر والفر والبيات والكفاح والغرة، وصنوف الأسلحة كالدبابة والكبش والعرادة وغيرها. ناهيك باصطلاحات الدواوين على إجمالها، كقولهم الثغور والعواصم والإقليم والقصبة والعمل والولاية والضياع والحكومة والسكة والتوقيع والوظيفة والخراج والجزية والعشور والمرافق والصوافي والجوالي والجباية والوقف والمصادرة والمستغَلات والصدقة والمكوس والمراصد ودار الضرب والضمان والدفاتر والجرائد والخرائط والإيغار والراتب والجاري والعطاء والبيعة والدعوة والختم والخطط والمطالعة والمؤامرة، وغير ذلك كثير جدًّا.
فالألفاظ المذكورة عربية الأصل وأكثرها معروف قبل الإسلام، ولكن مدلولاتها تغيرت بتغير أحوال المسلمين بعد إنشاء دولتهم، إذ حدث بإنشائها معانٍ جديدة اضطُرُّوا في التعبير عنها إلى ألفاظ جديدة، فنوَّعوا ما عندهم إمَّا عمدًا أو عفوًا فصارت إلى ما هي عليه.
ﻓ «الخراج» مثلًا كان معناه في الجاهلية الكراء والغلة، ويدل ذلك على معنى ضرب الخراج في الإسلام، فإنهم كانوا يعدون الأرض ملكًا لهم وقد سلَّموها لأهلها على سبيل الإيجار بالكراء، فصار معنى الخراج بعد ذلك «ما وُضِع على رقاب الأرض من حقوق تُؤدَّى عنها»، ثم صار الخراج مقاسمة أو مساحة أو سَيْحًا أو سقيًا، وأكثرها ألفاظ جديدة لمعانٍ جديدة.
و«الحكومة» كانت تدل في الجاهلية على الفصل بين المتخاصمين لأنها مصدر حَكَم أي قَضَى، وتلك كانت أعمال صاحب الحكومة في الجاهلية، ثم تحوَّل معناها إلى «أرباب السياسة أو رجال الدولة».
و«السكة» في الأصل الحديدة المنقوشة التي كانوا يضربون عليها النقود، ثم سُمِّيَت النقود بها، واشتقوا منها الأفعال والأسماء لهذا المعنى.
و«التوقيع» الأصل فيه «التأثير»، من قولهم: «وقَّع الوبر ظهر البعير توقيعًا»: أثَّر فيه، ثم استعملوه في الإسلام لما يوقِّعه الكاتب على القصص المرفوعة إلى الخليفة أو السلطان أو الأمير، فكان الكاتب يجلس بين يدي السلطان في مجالس حكمه، فإذا عرضت قصة (عرضحال) على السلطان أمر الكاتب أن يوقِّع عليها (يؤشِّر) بما يجب إجراؤه، ثم تحوَّل معناها إلى اسم علامة السلطان كالإمضاء عندنا. وعلى نحو هذا النمط تحوَّل معنى «الإمضاء» اليوم إلى التوقيع ومعناه في الأصل «التنفيذ»، فكان توقيع السلطان على القصة عبارة عن أمر رجال الدولة في إمضائها أي تنفيذ توقيعه، ثم تحوَّل معناها إلى التوقيع أي وضع العلامة على الصكوك ونحوها.
ومن هذا القَبِيل «الوظيفة»، فإن الأصل في معناها «ما يُقَدَّر من عمل وطعام ورزق وغير ذلك»، ومنها «وظَّف عليه الخراج ونحوه» أي قدَّره، فاستعملها كُتَّاب الدولة العربية لهذا المعنى مع بعض الانحراف فقالوا: «وظَّف الرجل توظيفًا: عيَّن له في كل يوم وظيفة»، فالموظف هو الذي يأخذ الوظيفة أو الراتب، ثم توسَّعوا في لفظ الوظيفة فدلُّوا بها على المنصب أو الخدمة المعينة، والمشهور أن استعمالها لهذا المعنى من اصطلاحات هذا العصر، ولكنه أقدم من ذلك كثيرًا فقد استعملها لهذا المعنى جماعة من فحول الكتبة، كابن خلدون في مقدمته والمقريزي في خططه وغيرهما.
وتولَّد في أثناء تحوُّل هذه اللفظة إلى هذا المعنى ألفاظ أخرى تقوم مقامها في معناها الأول، كالراتب والجاري والماهية (وهذه فارسية الأصل من «ماه» شهر، والماهية الشهرية.) واستحدثوا لفظة أخرى للمنصب لم يكن لها هذا المعنى من قبل وهي «الخطة»، فمعناها في «القاموس» «الأرض التي تنزلها ولم ينزل بها نازل قبلك»، و«الخطة» بالضم «الخصلة وشبه القصة والأمر والجهل» فاستعملوها بمعنى المنصب لعلاقة لا نعلمها، ومن ذلك قول ابن خلدون: «الوزارة أُمُّ الخُطَط الإسلامية والرُّتَب الملوكية.»
المصدر :
اللغة العربية كائن حي / جُرجي زيدان
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.