المرجعية بعد وفاة النبي

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم انقسم المسلمون الى قسمين رئيسيين حول المرجعية ، وكل قسم من هذين القسمين يزعم انه على الحق المبين :
Saturday, June 17, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
المرجعية بعد وفاة النبي
المرجعية بعد وفاة النبي




 

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم انقسم المسلمون الى قسمين رئيسيين حول المرجعية ، وكل قسم من هذين القسمين يزعم انه على الحق المبين :
1 ـ التاريخيون : وهم الذين سوغوا ما جرى في التاريخ السياسي الاسلامي واعتبروه شرعياً من كل الوجوه ، وبشكل خاص عهد الخلفاء الراشدين ، ويعرفون بأهل السنة ، واصطلاح التسنن واهل السنة نشأ في العهد الاموي ، وبالتحديد في زمن معاوية حيث انتصرت القوة على الشرعية ، واستقر الامر نهائيا لمن غلب ، ودانت الاكثرية الساحقة لهذا الغالب . ومن هنا سمي ذلك العام بعام الجماعة ، وسمي الذين دانوا لمن غلب بالجماعة وهم حزب الدولة ، فهم وان اختلفوا معها في بعض المواقف الا ان السمة الغالبة هي موالاة الدولة ، لان بيدها الارزاق ، فهي تعطيها لهم وتمنعها عمن يوالي غيرها ، ومن جهة ثانية فانهم قد اعتبروا الدولة رمزاً لوحدة المسلمين .
2 ـ الشرعيون : وهم الذين عارضوا ما جرى في التاريخ واعتبروه غير شرعي مع اختلاف بحجم المعارضة ونسبة الخروج على الشرعية . فعصر الخلفاء الراشدين عصر ذهبي بالنسبة لعصر بني امية ، ولا مجال للمقارنة بين العصرين . وعصر بني العباس اكثر
سوءاً من العصر الاموي ، وهم يعتقدون ان العقيدة الالهية عينت المرجع بعد وفاة النبي ، وان الله لم يترك الامر سدى ، انما رشح المرجعية للناس وحولها صلاحية الجمع بين الحكم والمرجعية ، وان المرجع المعين شرعا بعد وفاة النبي هو علي بن ابي طالب عليه السلام . وقد رتب الشرع طريقة تعيين المرجعية بنص كل مرجع على الذي يليه ، ويعرفون بالشيعة . وقد نشأ التشيع في زمن النبي ، والشيعة هم حزب المعارضة طوال التاريخ ، وقد طوردوا من قبل الحكام طوال العهدين الاموي والعباسي خاصة ، وحرموا من كافة حقوقهم ، ولم تقبل شهاداتهم ، وشطبت اسماؤهم من دواوين العطاء ، ولاحقتهم لعنة الحكام طوال التاريخ .
وسنقوم ببيان رأي الفريقين بالمرجعية بعد وفاة النبي وايراد حجة كل واحد منها تباعاً .

من هو المرجع بعد وفاة النبي ؟

زعم ترك النبي الامة بدون خلف ولا مرجعية
يقول اهل السنة ان النبي قد ترك الامة بدون خلف ولا مرجعية ، وانه لم يبين للمسلمين الامام او الولي الذي سيخلفه من بعده ويقوم بوظائفه الدنيوية والأخروية ، ومنها المرجعية من بعده . وقد استدلوا على ذلك برد الخليفة عمر بن الخطاب على الذين اشاروا عليه ان يستخلف من بعده على المسلمين فقال ( ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني ) يعني ابا بكر ( وان ادع فقد ودع من هو خير مني ) يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
ثم ان النبي برأيهم لم يوص لاحد قط بأن يقوم بوظائفه الدنيوية والآخروية ، ومنها المرجعية من بعده ، ويستدلون على ذلك بقول السيدة ام المؤمنين عائشة ( بأن النبي مات بين سحرها ونحرها ورأسه على فخذها ، ولو انه قد اوصى لسمعته ) ومن هنا فقد انكر بخاري ومسلم الوصية بهذا الشأن مستندين الى قول ام المؤمنين .
ومن المؤكد حسب رأيهم ان النبي اذا بين هذا الامام والولي والمرجعية من بعده فانه قطعاً ليس علياً بن ابي طالب كما تزعم الشيعة ، لانه لو كان علياً لما كان من المعقول ان يتجاهل الصحابة الكرام بيان النبي هذا ويولوا ويوالوا غيره ، لماذا ؟ لانهم عدول ومن اهل الجنة ومن يشك بترتيب الخلفاء ( ابا بكر وعمر وعثمان وعلي ) فقد ازرى على 12 الف صحابي (2) .
والخلاصة ان النبي ترك ولاية وامامة المسلمين ومرجعية الدين للمسلمين انفسهم على اعتبار ان خلافة النبي شأن من شؤون المسلمين ، والامامة والمرجعية تتبعان بالضرورة لرئاسة الدولة .

تلاشي عملية ترك الامة بدون مرجع

وقد اكتشف اهل السنة ان ترك الامام القائم الامة دون ان يسمي ولياً للعهد من بعده خطر ما حق ما بعده خطر ، وان من مصلحة المسلمين ومصلحة الاسلام ان يقوم الحاكم باختيار ولي عهده ليخلفه من بعده .
انظر الى قول السيدة عائشة مخاطبة عبد الله بن عمر ( يا بني ابلغ عمر سلامي وقل له : لا تدع امة محمد بلا راع ، استخلف عليهم ، ولا تدعهم بعدك هملاً ، فاني اخشى عليهم الفتنة ) فأتى عبد الله فأعلم الخليفة بما قالت ام المؤمنين (3)
لقد اصابت ام المؤمنين لان ترك الامة بدون راع ولا مرجعية يؤدي للفتنة ويترك الناس هملاً .
وقد انتبه لهذه الناحية ابنه عبد الله بن عمر فدخل عليه وهو يجود بنفسه ، فقال : ( يا امير المؤمنين ، استخلف على امة محمد ، فانه لو جاءك راعي إبلك او غنمك وترك ابله وغنمه لا راعي لها للمته وقلت له : كيف تركت امانتك ضائعة ؟ فكيف يا امير المؤمنين بأمة محمد ؟ ) فأجابه الفاروق بمقالته السابقه ( ان ادع فقد ودع من هو خير مني ... الخ ) (4) .
وامكن تلاشي عملية ترك النبي للامة بدون مرجع عن طريق ما عرف بولاية العهد ، وذلك بأن يقوم الخليفة او الامام او رئيس الدولة القائم كائناً من كان بتعيين من يتولى امور المسلمين من بعده ، لان الامام او الخليفة او رئيس الدولة الاسلامية القائم كائناً من كان هو ولي الامة والامين عليها ، ينظر للامة في حال حياته ، ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد مماته ، ويقيم لهم من يتولى امورهم كما كان هو يتولاها ، ويثقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به في ما قبل ، وقد عرف ذلك من الشرع باجماع الامة على جوازه وانعقاده . اذ وقع بعهد ابي بكر رضي الله عنه لعمر . وكذلك عهد عمر في الشورى الى الستة ... (5) .
وقد شرعت ولاية العهد بسبب فعل ابي بكر وعمر وعدم معارضة الصحابة لهم مما جعلها وليدة الاجماع ، والاجماع سند شرعي كما يرى ابن خلدون ، وذلك حرصا على وحدة المسلمين ومصلحتهم وهروبا من الفتنة ، وحتى لا تبقى امة محمد هملاً بغير راع على حد تعبير السيدة العائشة ام المؤمنين (6)
وتجنبا للوم على حد تعبير عبد الله بن عمر بن الخطاب (7) .
ويبدو ان الامام الوحيد برأي اهل السنة الذي لم يسم خليفته ، ولم يتخذ ولياً للعهد هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فهو بالمفهوم عند ابن خلدون : ينظر للناس عند حياته ، ويتبع ذلك ان لا ينظر لهم بعد وفاته ، بعكس بقية الخلفاء ، او رؤساء الدول الاسلامية حيث ينظر الواحد منهم عند حياته ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد وفاته (8) .
والخلاصة ان الصحابة الكرام اكتشفوا بعد طول معاناة ان ترك الامة دون بيان المرجع والامام وولي العهد دمار محقق ، وان الوصية والتسمية افضل لمصلحة المسلمين فشرعوها ، او هكذا صور .
والاهم من ذلك ان الشريعة الاسلامية شريعة سماوية ، وقد بينت كل شيء اجمله القرآن الكريم او فصله ، وبينه الرسول ودعمه ، وخلو الدين من هذا الامر الجوهري يناقض كمال الدين وتمام النعمة ، خاصة وان الرسول قد خير واختار الموت ، ومرض قبل الموت ، وعرف انه ميت في مرضه ذاك . ثم ان الله قد قذف في قلبه محبة هذه الامة ، وجعله بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، واطلعه على مستقبل هذه الامة ، فهل من الممكن عقلا ان يموت الرسول دون ان يبين للناس من هو المرجع من بعده ؟ ومن هو خليفته ؟ كيف تفوته هكذا امور فيتلاشاها ابو بكر وهو ليس نبياً ، وعمر وهو ليس نبيا ؟ وتحس بخطورتها عائشة ام المؤمنين وهي امرأة وليست نبياً ، فتحض عمر على الاستخلاف وتقول ( استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً !! ) هذا امر غير وارد قطعاً ، تدحضيه النصوص الشرعية القاطعة وتكذبه ، بالرغم من تقديرنا للواقع التاريخي الذي ساد .
فأهل السنة تشبثوا بكل شيء ليبرروا هذا الواقع الذي حدث . تشبثوا بالنص ، وعندما خذلهم النص تشبثوا بالافتراض ، وعندما انهار الافتراض تشبثوا بالشورى وعندما انهارت الشورى تشبثوا بالرأفة بالمسلمين والحرص على مصلحتهم ووحدتهم ومستقبلهم حتى لا يتركوا هملاً وبلا راع . واستقروا بعد طول ترحال على مبدأ ان الامام القائم او الخليفة القائم هو الذي يسمي من يليه ، اي يحدد للامة الشخص الذي عليها ان تبايعه .

المرجع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند اهل السنة

الخليفة او الامام او رئيس الدولة الاسلامية ، القائم مقام النبي هو المرجع الديني والدنيوي معاً ، كيف لا وهو خليفة رسول الله . فما كان الرسول يقوم به يقوم به الخليفة . فهو ينظر في مصالح الامة لدينهم ودنياهم ، وهو وليهم والامين عليهم ينظر لهم ذلك في حياته ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد مماته ، ويقيم لهم من يتولى امورهم كما كان يتولاها ، ويثقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به فيما قبل (9) فهو يملك كافة الاختصاصات التي كان يختص بها النبي وكافة الصلاحيات المخولة للنبي كامام وكولي
للامة . وقد افردنا فصلا في كتاب النظام السياسي لهذه الاختصاصات (10)
ونقلنا قول صاحب كتاب نظام الحكم المرحوم ظافر القاسمي حيث قال ( ان اختصاصات الخليفة تشمل جميع الشؤون الداخلية والخارجية والعسكرية ، وان اعباءه تقع عليه وحده ، وانه اذا فوض شيئا منها فان ذلك لا يسقط حقه الاصيل بممارستها ) (11) .
ولقد حاول الامام الماوردي ان يكشف ويحدد هذه الاختصاصات على الصفحتين 15 و 16 من الاحكام ، وكذلك الفراغ على الصفحة 11 . ولقد لخصنا هذه المحاولة في كتابنا النظام السياسي ص 194 . والمرجعية الدينية تابعة بالضرورة لرئاسة الدولة ، لان رئيس الدولة هو خليفة النبي ، والنبي كان هو المرجع الديني والدنيوي معا . فما كان يمارسه النبي يمارسه الخليفة ، لانه هو القائم مقام النبي في كل امر من الامور عدا النبوة ، بل ان هنالك امورا دخلت باختصاصهم وقالوا بأن النبي نفسه لم يمارسها وهي ولاية العهد . فالنبي ترك الامة بدون راع وبدون ولي وبدون مرجع وبدون امام برأيهم ، ثم قام ابو بكر بمبادهة منه وتشجيع من اكابر الصحابة باتخاذ عمر وليا لعهده وتوليته خليفة من بعده . ثم جاء عمر فعهد لستة ، ومن يدقق بالعهد يكتشف انه عهد عمليا لعثمان ، لان عثمان كان يعرف بالرديف ، والرديف بلسان العرب هو الرجل الذي بعد الرجل ، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد زعيمهم (12)
ومن جهة ثانية فان طلحة كان غائباً ، فلو وقف الزبير وطلحة وعلي في صف ، ووقف الثلاثة الآخرون في صف عثمان لكان عثمان هو الخليفة لان التنفيذ الحرفي لوصية الفاروق يؤدي حتماً لاستخلاف عثمان ـ دقق بكل المصادر ستصل الى هذه النتيجه ـ .
وفي خلافة بني امية كان رئيس الدولة هو الذي يسمي خليفته على الغالب ، او كان الغالب هو الخليفة وهو المرجع وهو الذي يعين المرجع من بعده . وفي خلافة بني العباس كان الامر كذلك ، وفي خلافة بني عثمان كان الامر كذلك .
وهذا المبدأ ـ اي ان الخليفة هو المرجع وانه هو صاحب الحق بتولية الخليفة الذي يليه ليكون خليفة من بعده ومرجعا ـ سنة ابو بكر وعمر ونسج الخلفاء على منوالهما . والفرق ان ابا بكر وعمر كانا يتوخيان ان لا يسند هذا الامر لقريب لهما ، بينما كانت الامور فيما بعد عكس ذلك ، وقد جرت العادة فيما بعد واستقرت على ان يسمي رئيس الدولة الحالي خليفته من بعده ويرشحه للامة . وقد صور هذا الامر كأنه حق للخليفة القائم ، وقد فهم كثير من علماء اهل السنة ذلك ومنهم ابن خلدون اذ يقول بالحرف : ان الامام ينظر للناس في حال حياته ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد وفاته (13) .

الحاكم القائم هو المرجع عند اهل السنة

اهل السنة يعتبرون الخليفة الذي يتولى رئاسة الدولة ويمارسها بالفعل هو المرجع بالذات في كل الامور الدينية والدنيوية . فأبو بكر هو المرجع الاعلى في زمانه ، وعمر هو المرجع الاعلى في زمانه ، وعثمان ومعاوية ويزيد ومروان بن الحكم ... الخ كل واحد منهم يقوم بدور ومهمة المرجعية في زمانه . وينطبق هذا الوصف على خلفاء بني العباس وبني عثمان . فكل واحد منهم مرجع في زمانه ، هو بالذات او من يوكل له هذه المهمة . فالعبرة بالمرجعية الفعلية هو الغلبة . فالحاكم الغالب على الامة هو وليها وامامها ومرجعها في كافة الشؤون الدينية والدنيوية .
ذكر ابو يعلى العز فقال ( روي عن الامام احمد مادل على ان الخلافة تثبت بالغلبة والقهر ، ولاتفتقر الى العقد ) فقال في رواية عبدوس بن مالك العطار ( ومن غلب بالسيف حتى صار خليفة وسمي امير المؤمنين فلا يحل لاحد يؤمن بالله واليوم الآخر ان يبيت ولا يراه اماماً براً كان ام فاجراً ) وقال في روايه ابي الحارث في الامام يخرج عليه ( من يطلب الملك فيكون مع هؤلاء قوم ومع هذا قوم ( تكون الجماعة مع من غلب ) وذلك اعمالاً للقاعدة الشرعية التي وضعها عبد الله بن عمر بن الخطاب عندما صلى بأهل المدينة يوم الحرة وقال للناس : نحن مع من غلب والناس يبايعون الغالب ) (14) .
الا ترى كيف انتهت الامور واقعيا بالنظام السياسي الاسلامي . فعلى الامة ان تبايع الغالب بغض النظر عن دينه وصفاته ، وبغض النظر عن موقف الشرع منه ، بل اصبحت تلك المقولات جزءاً من الشريعة السياسية .
والخلاصة ان الحاكم القائم الغالب هو المرجع في كافة شؤون الامة عند اهل السنة .

من الذي يقوم مقام الحاكم في المرجعية

مادام الحاكم حيا وغالبا فهو المرجع الاعلى للامة في كافة شؤونها الدينية والدنيوية . وقبل ان ينتقل هذا الحاكم الى جوار ربه ولو كان في النزع الاخير يعين للامة اماماً وولياً ومرجعاً لها من بعده ، وهو اهل لذلك ومخول بذلك . ولم لا ؟ فهو وليهم والامين عليهم ينظر لهم في ذلك في حياته ، ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد وفاته ، ويقيم لهم من يتولى امورهم كما كان هو يتولاها ويثقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به فيما قبل . وقد عرف ذلك من الشرع باجماع الامة اذ وقع بعهد ابي بكر لعمر بمحضر من الصحابة فأجازوه واوجبوا على انفسهم به طاعة عمر (15) .
ونضيف : ان تولية معاوية ليزيد تمت بمحضر من بقي من الصحابة . فاذا عين الحاكم القائم خليفته ومرجعية الامة من بعده تقوم الامة عملياً بمبايعته ، ومن يعارض الامة فهو مفسد في الارض .
وصلاحيات الخليفة القائم بتعيين من يخلفه صلاحيات مطلقة لا راد لها ومعللة بكونه موضع الثقة على حد تعبير ابن خلدون ( وابو بكر على فراش الموت عهد الى عمر وقال لكاتب عهده عثمان : لو كتبت لك لكنت اهلاً لها ) (16) .
ثم ها هو عمر وهو على فراش الموت ايضا يفكر بأمر المسلمين ويقلب الامر على وجوهه المختلفة ، ويبحث عن الرجل الذي يستطيع ان يقوم مقامه فيقول ( لو كان ابو عبيدة حيا وليته واستخلفته ، ولو ادركت خالد بن الوليد استخلفته ووليته ، ولو ادركت سالماً مولى ابي حذيفة لاستخلفته ) (17)
ومعنى هذا ان سالما مولى ابي حذيفة لو كان حيا لكان بامكانه ان يتسلم الخلافة مع ان سالما ليس قريشياً ولا يعرف له نسب في العرب ، ومع هذا كان يؤم المهاجرين والانصار في مسجد قباء ، كما يروي البخاري .
وبالمناسبة اذا كانت خلافة سالم جائزة وهو الذي لم يعرف له نسب في العرب ، فكيف لا تكون جائزة خلافة الانصار ، اليسوا اقرب عرقيا لرسول الله ؟ ثم الم يحتج الثلاثة الذين حضروا السقيفة بأنهم اولى من الانصار لانهم اهل النبي وعشيرته . ثم ماذا تبقى من قاعدة : الائمة من قريش ؟ ثم كيف ان معاذ بن جبل من الانصار وكان لا يجوز تولية الانصار يوم السقيفة ، فكيف جازت فكرة تولية معاذ فيما بعد ؟ ثم ان خالداً قاتل الاسلام بكل فنون القتال حتى اسلم ، وعلي قاتل مع الاسلام بكل فنون القتال ، فبأي مبدأ يقدم خالد على علي ؟ ! وقيل لعمر ( استخلف عبد الله بن عمر ) ورفض عمر ذلك لسبب بسيط جداً وهو ان عبد الله بن عمر عجز عن طلاق امرأته كما قال عمر .
وتصور بربك ان عمر ( رضي الله عنه ) فكر اخيراً بأن يعهد بالخلافة لعلي بن ابي طالب عليه السلام ولكن رهقته غشية (18)
الا ترى ان صلاحيات الخليفة القائم بتسمية ولي عهده او امام المستقبل من بعده في نظر اهل السنة صلاحيات مطلقة . ويجدر بالذكر ان ولاية العهد اصبحت جائزة ومشروعة في نظر علماء اهل السنة بسبب عهد ابي بكر لعمر وعهد عمر للستة او عملياً لعثمان . وبعد ان تولى الامويون رئاسة الدولة اصبح العهد هوالطريقة المتبعة على الاغلب في تولية الخليفة وتعيين مرجع المستقبل ، وهكذا الحالة في عهد العباسيين والعثمانيين ، فاما عهد الىالولد او عهد لاحد افراد الاسرة المالكة (19) .
واصبحت التسمية او ولاية العهد او مرجعية المستقبل امراً شرعياً وذلك حرصاً على مصلحة المسلمين . انظر لقول ام المؤمنين : ( استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً ) ثم انظر الى رد عمر عليها ( ومن تأمرني ان استخلف ؟ ) فلو امرته ام المؤمنين ان يستخلف اي شخص لفعل .

المرجعية الجماعية عند أهل السنة

قال ابن خلدون ( ان الصحابة كلهم لم يكونوا اهل فتيا ، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ، وانما كان مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومحكمه وسائر ادلته ، بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم او ممن سمعه منهم وعن عليتهم ، وكانوا يسمون ( ( القراء ) ) اي الذين يقرأون الكتاب لان العرب كانوا امة امية ، فاختص من كان قارئاً للكتاب بهذا الاسم لغرابته يؤمئذ وبقي الامر كذلك صدر الملة ) (20) .
وبحلول العهد الاموي تكونت المقاطع الاساسية لنظرية عدالة كل الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي ، فأصبح الصحابة جميعا وبدون استثناء وبدون مقدمات كلهم عدولاً ، وكلهم من اهل الجنة ولا يدخل احد منهم النار ولا يجوز عليهم الكذب ، وتحولوا لمراجع دينية كل واحد منهم مرجع قائم بذاته ومستقل عن سواه ، وان اخذت من اي واحد منهم جاز .
فرأي ابي بكر شرع لانه صحابي بالدرجة الاولى ، شأنه شأن كل الصحابة ، فهو من العدول وكذلك رأي عمر ، وكذلك رأي اي صحابي على الاطلاق .
يقول ابو حنيفة ( اذا لم اجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله اخذت بقول اصحابه ، فاذا اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة الواحدة اخذت بقول من شئت وادع من شئت ) (21) .
وجاء في اعلام الموقعين لابن القيم ( ان اصول الاحكام عند الامام احمد خمسة : الاول النص ، والثاني فتوى الصحابة ، فعمل الصحابي على خلاف عموم القرآن دليل على التخصيص وقول الصحابي بمنزلة عمله ) (22) .
وبالمناسبة نذكر ثانية بأن سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تعني القول والفعل والتقرير . وانت تلاحظ ان لكل صحابي سنة قول وفعل وتقرير . انظر الى قوله ( وقول الصحابي بمنزلة عمله ) فقول الصحابي يخصص عموم الكتاب ( القرآن ) ويقيد مطلقاته ، وعمل الصحابي يخصص عموم الكتاب ويقيد مطلقاته . فأنت تلاحظ ان قول الصحابي يعامل كأنه وحي من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ والكارثة اي صحابي بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي ـ . فأبو بكر صحابي ومعاوية صحابي ومروان بن الحكم صحابي وعبد الله بن ابي سرح صحابي ، والاربعة كما يتصور اهل السنة مراجع ونجوم ، وبأي واحد منهم يجوز الاقتداء به والاهتداء .
والخلاصة ان لدى اهل السنة مرجعية جماعية . فكل واحد من الصحابة بلا استثناء مرجع قائم بذاته منزه ، ممتنع عليه الكذب ، ينطق بالحق المبين لانه من اهل الجنة . ومن يشك بهؤلاء المراجع جميعاً او بأي واحد منهم فهو زنديق لا ينبغي ان يؤاكل او يشارب او يصلى عليه . وبعد ان انتقل الصحابة كلهم الى جوار ربهم حل محلهم التابعون ، وبانتقال التابعين الى جوار ربهم حل محلهم العلماء من اهل السنة ، والاحزاب التي تكونت عندهم .

كيف تعمل المراجع عند اهل السنة

بعد وفاة النبي وفي زمن الخلفاء الراشدين كان الخليفة هو المرجع الاعلى للمسلمين ، فهو صحابي ومن العدول حقيقة وبنفس الوقت هو الخليفة ، يسأل من يشاء من الصحابة ويأخذ برأيه او برأي من يشاء . وغالباً ما كان يسأل ابو بكر وعمر القراء كعلي ، وابي بن كعب ، ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ... ولا تثريب عليه لو اخذ برأيه لان المطلوب هو معرفة الحكم الشرعي . وفكرة عدالة الصحابة بالمعنى الذي طرحه الامويون وروجوا له واقروه لم تكن موجودة ، والاكثرية الساحقة من الصحابة كانت ادوارهم بالمرجعية محدودة جداً بمعنى انهم لم يكونوا مراجع .
ولم يختلف الامر كثيرا في العهد الاموي ، فمعاوية بوصفه صحابي ومن العدول بعد ان تكرست نظرية عدالة الصحابة اصبح هو المرجع الاعلى للمسلمين ، ويمارس مرجعيته كما مارسها من سبقه بالخلافة ، فله ان يسأل من يشاء ويأخذ برأي من يشاء وقد افادته فكرة عدالة كل الصحابة لانها جعلته من اهل الجنة وبررت له الجلوس محل ابي بكر وعمر وعثمان وعلي مع انه الطليق ابن الطليق ، وبررت له ان يتمتع بنفس الصلاحيات بوصفه خليفة . واذا تعددت آراء الذين سألهم معاوية او الذين عرضوا عليه آراءهم ، فلمعاوية الحق بأن يأخذ ما يشاء ممن يشاء .
اما بالنسبة لطلاب العلوم فهم احرار بقبول ما يرونه من آراء الصحابة في المسألة الواحدة اذا تعددت . وتتكرر الحالة مع التابعين ، وتتكرر الحالة مع علماء المسلمين بعد التابعين ، وتتكرر فيما يتصل بالاحزاب . وبعد زوال الخلافة الاسلامية اصبح كل عالم من علماء اهل السنة مرجعاً قائماً بذاته يفتي لنفسه ولاتباعه ، واصبح كل حزب من الاحزاب العربية خاصة مرجعاً قائماً بذاته ومهمته منصبة على اثبات انه على الحق ، وتكثيف الجهود ليستحوذ وحده على السلطة في اي مصر يتواجد فيه .
المصادر:
1- الامامة والسياسة لابن قتيبة ص 23 وراجع تاريخ الطبري مجلد 3 ص 34 وراجع مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 353 .
2- الاصابة في تمييز الصحابة ج 1 ص 8 وما فوق وبهامشها الاستيعاب لابن عبد البر .
3- الامامة والسياسة ص 23 .
4- مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 353 وراجع الامامة والسياسة ص 23 وتاريخ الطبري ص 34 .
5- مقدمة ابن خلدون ص 210 دار الفكر .
6- الامامة والسياسة لابن قتيبة ص 23 .
7- مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 353 .
8- مقدمة ابن خلدون ص 210 دار الفكر .
9- مقدمة ابن خلدون دار الفكر ص 210 .
10- النظام السياسي ص 187 .
11- نظام الحكم للاستاذ ظافر القاسمي ص 353 .
12- نظام الحكم للاستاذ ظافر القاسمي وقد نقلها عن الطبري ص 197 ـ 198 .
13- المقدمة لابن خلدون .
14- نظام الحكم للقاسمي .
15- مقدمة ابن خلدون ص 210 دار الفكر .
16- راجع ص 429 ج 3 من تاريخ الطبري وص 37 من سيرة عمر لابن الجوزي .
17- راجع مرض عمر وموته في تاريخ الطبري وفي طبقات ابن سعد وراجع ص 15 من الامامة والسياسة .
18- شرح النهج ج 1 ص 64 لعلامة المعتزلة راجع كتابنا النظام السياسي في الاسلام .
19- نظام الحكم للقاسمي ص 197 ـ 198 .
20- طبقات ابن سعد ج 4 ص 168 وراجع آراء علماء المسلمين ص 50 وما فوق .
21- المستصفى للغزالي ص 135 ـ 136 وراجع آراء علماء المسلمين للسيد الرضوي ص 88 .
22- المدخل الى علم اصول الفقه لمعروف الدواليبي وراجع ص 87 من آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي .
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.