الاعتقاد الحق في القدر

الواجب على العبد أن يُؤمن بقضاء الله، وقدره، وأن يُؤمن بشرع الله، وأمره، ونهيه، فعليه تصديق الخبر، وطاعة الأمر.
Saturday, July 1, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الاعتقاد الحق في القدر
 الاعتقاد الحق في القدر



 

الواجب على العبد أن يُؤمن بقضاء الله، وقدره، وأن يُؤمن بشرع الله، وأمره، ونهيه، فعليه تصديق الخبر، وطاعة الأمر.
فإذا أحسن حَمِدَ الله، وإذا أساء استغفر الله، وعلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره؛ فإن آدم عليه السلام لما أذنب تاب، فاجتباه ربه وهداه، وإبليس أصرَّ واحتج فلعنه الله وأقصاه، فمن تاب كان آدمياً، ومن أصرَّ واحتج بالقدر صار إبليسياً، فالسعداء يتبعون أباهم، والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس.
وبالمراعاة الصحيحة لقدر الله، وشرعه، يصير الإنسان عابداً حقيقة فيكون مع الذين أنعم الله عليهم من أنبياء، وصديقين، وشهداء، وصالحين، وكفى بهذه الصحبة غبطة وسعادة .
وبالجملة فعليه أن يؤمن بمراتب القدر الأربع السابقة، وأنه لا يقع شيء إلا وقد علمه الله، وكتبه، وشاءه، وخلقه، ويؤمن أيضاً بأن الله أمر بطاعته، ونهى عن معصيته، فيفعل الطاعة، ويترك المعصية، فإذا وفقه الله لفعل الطاعة وترك المعصية فليحمد الله، وليستمر على ذلك، وإن خُذِل ووُكل إلى نفسه فَفَعَل المعصية، وترك الطاعة فعليه أن يستغفر ويتوب.
ثم إن على العبد أيضاً أن يسعى في مصالحه الدنيوية، ويسلك الطرق الصحيحة الموصلة إليها، فيضرب في الأرض، ويمشي في مناكبها، فإن أتت الأمور على ما يريد حمد الله، وإن أتت على خلاف ما يريد تعزى بقدر الله، وعلم أن ذلك كله واقع بقدر الله عز وجل وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وإذا علم العبد من حيث الجملة أن لله فيما خلق وما أمر به حكمة عظيمة كفاه هذا، ثم كلما ازداد علماً وإيماناً ظهر له من حكمة الله ورحمته ما يبهر عقله، ويبين له تصديق ما أخبر الله به في كتابه.
ولا يلزم كل أحد أن يعلم تفاصيل الحديث عن الإيمان بالقدر، بل يكفي هذا الإيمان المجمل، فأهل السنة والجماعة كما هو مقرر عندهم لا يوجبون على العاجز ما يجب على القادر.
هذا ولله الحمد مقتضى الأدلة الشرعية، والفطرية، والعقلية، والحسية، لا تناقض فيه، ولا لبس.

مراتب القدر وأركانه، وخلق أفعال العباد

الإيمان بالقدر يقوم على أربعة أركان تُسمى مراتب القدرأوأركانه، وهي المدخل لفهم باب القدر، ولا يتم الإيمان به إلا بتحقيقها كلها؛ فبعضها مرتبط ببعض، فمن أقر بها جميعاً اكتمل إيمانه بالقدر، ومن انتقص واحداً منها أو أكثر اختل إيمانه بالقدر، وهذه الأركان هي:
1- العلم.
2- الكتابة.
3- المشيئة.
4- الخلق.
وقد نظمها بعضهم بقوله:
عِلْمٌ كِتابةُ مولانا مشيئَتُهُ
وخَلْقُهُ وهو إيجادٌ وتكوينُ
المرتبة الأولى: العلم: وهو الإيمان بأن الله عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً، أزلاً، وأبداً، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله، أو بأفعال عباده؛ فعلمه محيط بما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
ويعلم الموجود، والمعدوم، والممكن، والمستحيل، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.
وقد عَلِمَ جميع خلقه قبل أن يخلقهم، فعلم أرزاقهم، وآجالهم، وأقوالهم، وأعمالهم، وجميع حركاتهم، وسكناتهم، وأهل الجنة، وأهل النار.
وهذه المرتبة وهي العلم السابق اتفق عليها الرسل من أولهم إلى آخرهم، واتفق عليها جميع الصحابة، ومن تبعهم من هذه الأمة، وخالفهم مجوسُ هذه الأمة القدرية الغلاة .
والأدلة على هذه المرتبة من القرآن الكريم والسنة المطهرة كثيرة جداً منها:
قوله تعالى : [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ] سورة الحشر: 22.
أي عالم ما غاب من الإحساس وما حضر، وقيل: عالم السر والعلانية، وقيل: ما كان وما يكون، وقيل: الآخرة والدنيا.
وقدم الغيب على الشهادة؛ لكونه متقدماً وجوداً .
قوله عز وجل :[وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ] سورة البقرة:30.
قيل: إنه علم من إبليس المعصية وخلقه لها.
وقيل: كان علمه أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة.
قوله تعالى :[أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ] سورة الجاثية: 23.
قال ابن عباس: علم ما يكون قبل أن يخلقه.
وقال أيضاً : على علم قد سبق عنده.
وقال أيضاً : يريد الأمر الذي سبق له في أم الكتاب.
قوله تعالى :[وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ] سورة الأنعام: 28.
فهذا إضلال ناشئ عن علم الله السابق في عبده أنه لا يصلح للهدى، ولا يليق به، وأن محله غير قابل له؛ فالله أعلم حيث يضع هداه وتوفيقه كما هو أعلم حيث يجعل رسالته.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، ومنها:
قوله تعالى :[وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] سورة الأنعام : 59.
وقوله تعالى :[لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً] سورة التوبة: 47.
وقوله تعالى :[وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ] سورة الأنفال: 32.
وأما من السنة فمن ذلك ما يلي:
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سُئل النبي "عن أولاد المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين .
قال ابن حجر في شرح الحديث: قال ابن قتيبة: معنى قوله الله أعلم بما كانوا عاملين: أي لو أبقاهم؛ فلا تحكموا عليهم بشيء، وقال غيره: أي علم أنهم لا يعملون شيئاً، ولا يرجعون فيعملون، أو أَخْبَرَ بعلم شيء لو وجد كيف يكون مثل قوله [وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا].
قال ": ما منكم من نفس إلا وقد عُلم منزلها من الجنة والنار.
المرتبة الثانية: الكتابة: وهي الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير الخلائق إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ.
وقد أجمع الصحابة، والتابعون، وجميع أهل السنة والحديث على أن كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب في أم الكتاب، التي هي اللوح المحفوظ، والذكر، والإمام المبين، والكتاب المبين.
والأدلة على هذه المرتبة كثيرة من الكتاب والسنة منها:
قال تعالى : [أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ] سورة الحج: 70.
فما كتبه الله عز وجل وأثبته عنده كان في علمه قبل أن يكتبه، ثم كتبه كما في علمه، ثم وُجِدَ كما كتبه عز وجل .
قوله تعالى:[وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ] سورة يس 12.
قوله: وكل شيء أي من الأعمال والنيات وغيرها.
أحصيناه في إمام مبين أي في كتاب هو أم الكتاب، وإليه مرجع الكتب التي تكون بأيدي الملائكة، وهو اللوح المحفوظ .
قوله: [قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا] سورة التوبة:51.
أي ما قدره الله، وأجراه في اللوح المحفوظ .
قال سبحانه عن موسى عليه السلام دعاءه: [وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً] سورة الأعراف: 156.
أي من علم نافع، ورزق واسع، وعمل صالح .
وقال تعالى عن محاجة موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون: [قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى] سورة طه
أي قد أحصى أعمالهم من خير وشر، وكتبه في كتابه، وهو اللوح المحفوظ، وأحاط به علماً وخُبْراً؛ فلا يضل عن شيء منها، ولا ينسى ما علمه منها .
وقال عز وجل : [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ] سورة الأنبياء:105.
أي كتبنا في الكتاب المزبور، والمراد: الكتب المنزلة كالتوراة ونحوها من بعد الذكر أي كتبناه في الكتب المنزلة بعدما كتبنا في الكتاب السابق، وهو اللوح المحفوظ، وأم الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه.
وقال تعالى : [لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] سورة الأنفال:68.
أي سبق به القضاء والقدر أنه قد أحل لكم الغنائم، وأن الله قد رفع عنكم أيتها الأمة العذاب لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
وأما السنة فمن ذلك ما يلي:
روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله " يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء .
قال النووي :قال العلماء: المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره لا أصل التقدير؛ فإن ذلك أزلي لا أول له.
وقوله: وعرشه على الماء أي قبل خلق السماوات والأرض والله أعلم.
قال النبي ": ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة .
المرتبة الثالثة: المشيئة: وهذه المرتبة تقتضي الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا حركة، ولا سكون، ولا هداية، ولا إضلال إلا بمشيئته.
وهذه المرتبة قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميع الكتب المنزلة من عند الله، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه، وأدلة العقل والبيان .
والنصوص الدالة على هذا الأصل كثيرة جداً من الكتاب والسنة، منها:
قوله تعالى : [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ] سورة القصص: 68.
في هذه الآية دليل على عموم خلقه تعالى لسائر المخلوقات، ونفوذ مشيئته بجميع البريات، وانفراده عز وجل باختيار من يختاره ويختصه من الأشخاص، والأوامر، والأزمان، والأماكن، وأن أحداً ليس له من الأمر والاختيار شيء.
قوله تعالى : [وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ] سورة التكوير:29.
قوله تعالى : [وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ] سورة الكهف: 2324.
قوله تعالى : [وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الله] سورة الأنعام:111.
5 قوله تعالى : [مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] الأنعام: 39.
ومن الأدلة من السنة ما يلي:
قال ": إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يُصَرِّفه حيث يشاء.
وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله " إذا جاءه السائل، أو طلبت إليه حاجة قال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء .
ومشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة يجتمعان فيما كان، وما سيكون، ويفترقان فيما لم يكن، ولا هو كائن، فما شاء الله كونه فهو كائن بقدرته لا محالة، وما لم يشأ كونه فإنه لا يكون؛ لعدم مشيئته له، لا لعدم قدرته عليه.
قال تعالى : [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ] البقرة:253.
فعدم اقتتالهم ليس لعدم قدرة الله، ولكن لعدم مشيئته ذلك، ومثله قوله تعالى: [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى] سورة الأنعام: 35، وقوله: [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا] سورة الأنعام: 107، وقوله: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً] سورة يونس:99.
المرتبة الرابعة: الخلق: وهذه المرتبة تقتضي الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله بذواتها، وصفاتها، وحركاتها، وبأن كل من سوى الله مخلوق مُوْجَدٌ من العدم، كائن بعد أن لم يكن.
وهذه المرتبة دلت عليها الكتب السماوية، وأجمع عليها الرسل عليهم الصلاة والسلام واتفقت عليها الفطر القويمة، والعقول السليمة، والأدلة على هذه المرتبة لا تكاد تحصرمنها:
قوله تعالى : [اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ] سورة الزمر: 62.
قوله تعالى : [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ] سورة الأنعام:1.
قوله تعالى : [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً] الملك:2.
قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً] سورة النساء: 1.
قوله تعالى : [وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ] سورة الأنبياء: 33.
قال سبحانه : [هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ] سورة فاطر: 3.
ومن الأدلة من السنة ما يلي:
1- أخرج البخاري في خلق أفعال العباد عن حذيفة قال: قال النبي ": إن الله يصنع كل صانع وصنعته .
2- وعن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله " يقول، كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّها، أنت وليها ومولاها.
والشاهد من ذلك قوله " اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها... فالفاعل هو الله تعالى فهو الذي يطلب منه ذلك.
3- عن ورَّاد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي ما سمعت النبي " يقول خلف الصلاة، فأملى عليَّ المغيرة، قال: سمعت النبي " يقول خلف الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
والشاهد من ذلك قوله: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، فالمعطي والمانع هو الله تعالى فهو الفاعل لذلك، وهذا يدل على أنَّ الخالق هو الله عز وجل .

مسألة خلق أفعال العباد:

أفعال العباد داخلة في عموم خلقه تعالى ولا يخرجها شيء من عموم قولهتعالى : [اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ] سورة الزمر: 62، وإنما أفردت هنا لوقوع اللبس فيها.
وخلاصة القول في هذه المسألة: أفعال العباد كلَّها من الطاعات، والمعاصي، داخلةٌ في خلق الله، وقضائه، وقدره؛ فقد علم الله عز وجل ما سيخلقه في عباده، وعلم ما هم فاعلون، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وخلقهم الله كما شاء، ومضى فيهم قدره، فعملوا على النحو الذي شاءه فيهم، وهدى الله من كتب لهم السعادة، وأضل من كتب عليهم الشقاوة، وعلم أهل الجنة ويسرهم لعمل أهلها، وعلم أهل النار ويسرهم لعمل أهلها.
فأفعال العباد هي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، وهي من العباد فعلاً وكسباً، فالله هو الخالق لأفعالهم، وهم الفاعلون لها، فنؤمن بجميع نصوص الكتاب والسنة الدالة على شمول خلق الله، وقدرته على كل شيء من الأعمال والأوصاف، كما نؤمن بنصوص الكتاب والسنة الدالة على أن العباد هم الفاعلون حقيقةً للخير والشر، وعلى هذا اتفق أهل السنة والجماعة.
والنصوص التي مرت بنا في المرتبة الرابعة من مراتب القدر تدل على ذلك، وهناك أدلة أصرح في الدلالة على هذه المسألة كقوله تعالى : [وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ] سورة الصافات: 96.
قال المفسرون: في معنى [ما] في الآية وجهان:
أحدهما: أن تكون بمعنى المصدر؛ فيكون المعنى: والله خلقكم وعملكم.
والثاني: بمعنى الذي؛ فيكون المعنى، والله خلقكم وخلق الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام.
وفي هذه الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله.
وبعد بيان الحق في مسألة خلق أفعال العباد ينتهي الحديث في هذا المبحث عن مراتب القدر الأربع التي لا يتم الإيمان بالقدر إلا بها.
المصادر : راسخون 2017
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.