بعد ان نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً بن ابي طالب امام هذا الجمع الحاشد اماما وخليفة على امته كمل الدين وتمت النعمة الالهية ، فالمنظومة الحقوقية الالهية مكتملة ، والولي من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نصب ، فيمكن للنبي ان يترك الدنيا وهو مطمئن على دينه وعلى امته ، فما على الولي المنصب علي الا ان يتابع المشوار وفق المنهج الذي علمه النبي اياه طوال ثلاث وعشرين عاماً . وبعد ان نصب النبي خليفته من بعده نزلت آية الاكمال: ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً ) (1) .
فلو ان النبي فارق الدنيا ولم ينصب الامام والخليفة من بعده ولم يبين كيفية انتقال منصب الإمام لنا في ذلك كمال الدين وتمام النعمة ، لان الامام هو القائم مقام النبي ، والنبي هو اساس نظام الدين ونظام الدنيا وهو محور كل تحرك .
وقد اكتشف الحكام ذلك ، فلم يصدف على الاطلاق ان مات حاكم دون ان يعين عمليا الحاكم الخليفة الذي يليه ، وقالوا ( ان هذا حق مطلق لهم ) انظر الى قول ابن خلدون عن الخليفة ( فهو وليهم والامين عليهم ينظر لهم ، ذلك في حياته ويتبع ذلك ان ينظر لهم بعد مماته ويقيم لهم من يتولى امورهم كما كان هو يتولاهم ويثقون بنظره لهم في ذلك ، كما وثقوا به في ما قبل ... ) (2) .
فاذا لم يعين الخليفة القائم من يخلفه من بعده لكان موضع لوم ، انظر بربك الى قول عبد الله بن عمر لابيه ( يا امير المؤمنين استخلف على امة محمد ، فانه لو جاءك راعي ابلك او غنمك وترك ابله او غنمه لا راعي لها للمته وقلت له : كيف تركت امانتك ضائعة ، فكيف يا امير المؤمنين بأمة محمد ) (3) .
ثم انظر قول عائشة ام المؤمنين لعبد الله بن عمر ( يا بني ابلغ عمر سلامي وقل له : لا تدع امة محمد بلا راع ، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً ، فاني اخشى عليهم الغشة ) فأتى عبد الله فأعلمه فقال ( ومن تأمرني ان استخلف ؟ ... الخ ) (4) .
كل الخلفاء طوال التاريخ ادركوا بأن ترك الخليفة القائم للامة دون ان يعين من يخلفه ، عمل ينافي الحكمة ، ويفتح باب الفتنة ، ويعرض من يفعل ذلك اللوم ، كما يتعرض الراعي عندما يترك غنمه او ابله وعائشة ام المؤمنين امرأة ادركت ذلك ، وقد بينت ذلك في باب المرجعية ووثقته .
لهف نفسي على الاسلام فكيف يدرك كل هؤلاء الناس هذه الناحية ولا يدركها رسول الله ؟ !
كيف يؤتمن كل حاكم على تعيين من يليه ولا يؤتمن رسول الله ؟ !
كان امام الذين اعمالهم التقليد ، واحد من طريقين : اما دين محمد كما بينه للناس ، واما الدين كما فهمه الحكام ، فاختاروا دين الحكام لانهم مع من غلب ( نحن مع من غلب ) تلك مقولة عبد الله بن عمر التي تحولت الى نص شرعي ، ولا حول ولا قوة الا بالله ، فمن يعينه الحاكم من بعده سيحكم ومن يغلب كائناً من كان يحكم امة محمد !! ولله عاقبة الامور .
الترتيب الالهي لانتقال منصب الامام بعد وفاة الولي
الله انزل القرآن كرسالة وعقيدة الهية الى بني البشر ، وكضرورة من ضرورات بيان وتوضيح هذه العقيدة ، انزل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالذات لانه المعد من قبل الله ليكون الاعلم بالعقيدة والافهم لاحكامها ، تلك العقيدة التي هي بمثابة المجموعة القانونية النافذة ولانه هو الافضل من بين اتباع هذه العقيدة ، ولانه من جهة ثالثة هو الانسب لقيادة هؤلاء الاتباع في الحال والمآل . ومن هنا فقد كان النبي هو مرشد الدعوة وعندما تمخضت الدعوة عن دولة ترأس محمد الدعوة نفسه .وسيرة محمد سنة وجزء من العقيدة سواء قوله او فعله او تقريره ولا احد في الدنيا كلها ينوب عن محمد بهذه المهمة ولا احد يغني عنه او يسد مسده اثناء حياته المباركة . محمد كمرشد للدعوة ، وكقائد للدولة هو مركز الدائرة وقائد الامة ومرجعها في كافة الشؤون الدينية والدنيوية .
من هو صاحب الاختصاص بتعيين النبي للامام ؟
ان صاحب الاختصاص بتعيين الامام هو الله سبحانه وتعالى لان اول ولي وامام ورئيس للدولة الاسلامية هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد عينه الله في هذا المنصب ، لانه هو الاعلم بالعقيدة والافهم لاحكامها ، والافضل بين اتباعها ، والانسب لقيادة هؤلاء الاتباع وتطبيق احكام العقيدة عليهم ، ولانه لا احد يعرف على وجه الجزم واليقين المتصف بهذه الصفات الا الله ، لذلك حصر بنفسه حق اختيار هذا الامام ، او المرجع او الولي وتقديمه للناس ، وخول هذا الامام صلاحية بيان العقيدة في كل زمان وصلاحية المرجعية وصلاحية الجمع بين الولاية على الاتباع والمرجعية في الدين والدنيا ، والحكم بين الناس على ضوء احكام هذا الدين عليه .من هو هذا الامام ؟
امام الامة في كل زمان هو عميد اهل بيت النبوة ، لماذا عمادة اهل البيت بالذات ؟ لان القرآن ثقل واهل البيت ثقل اخر ، وان الهداية لا تدرك الا بالتمسك بالثقلين ، والضلالة على المدى البعيد ، وبالنتيجة لا يمكن تجنبها الا بالتمسك بالثقلين ، وهذا ليس اجتهاداً ، انما هو نص شرعي ثابت في القرآن والسنة بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير ولان الله يبين لنا انهم للمسلمين بمثابة سفينة نوح من ركبها في كل زمان نجا ومن تخلف عنها غرق ولانهم من جهة ثالثة الامان من الاختلاف وقد اعدهم الله لذلك ولانهم ذرية محمد ، فكل نبي من الانبياء جعل الله ذريته في صلبه ، وجعل ذرية محمد في صلب علي ومن بطن فاطمة (5) .من هو صاحب الاختصاص بتعيين الخليفة من بعد النبي الامام ؟ الاعلم بالعقيدة والافهم لاحكامها ، والأفضل بين اتباعها والانسب لقيادة هؤلاء الاتباع ، وتطبيق احكام العقيدة ، ولا احد يعرفه على وجه الجزم واليقين الا الله سبحانه وتعالى ، لذلك فهو المختص بتعيين الخليفة من بعد النبي ، ومن هنا فان الله قد اختار علياً بن ابي طالب خليفة واماما ومرجعا للامة بعد نبيها ، وامر الله رسوله ان يعد خليفته وان يوطد له ، حتى اصبح الاعلم بعد النبي ، والافهم بعد النبي والافضل بعد النبي والانسب بعد النبي ، وهو المؤهل والمخول بممارسة كافة الوظائف الدينية والدنيوية التي كان يمارسها الرسول باستثناء النبوة فلا نبي بعده ، وقد بين الله لنا من خلال رسوله ان عليا مع الحق والحق مع علي ، يدور حيث دار ، لذلك ، هو موضع ثقة على حد تفسير ابن خلدون في الفصل 30 من مقدمته .
من هو المختص بتعيين الخليفة الذي يلي خليفة النبي
طالما ان الخليفة بعد النبي مباشرة علي بن ابي طالب على الحق ومع الحق ، وان الحق معه يدور حيث دار ، وطالما انه مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا الحوض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وطالما انه الافضل والانسب بين الاتباع ، والاعلم والافهم بشهادة الله ورسوله فهو المخول بتعيين الخليفة الذي يليه ، وكل امام يعين بنص من سبقه فهم ابناء النبي بنص القرآن الكريم ، وآية المباهلة تصفع كل مكابر على وجهه وتلوي انفه ، فعندما نزل قوله تعالى ( فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (6)وقد اجمعت الامة على ان هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فالحسن والحسين بحكم هذه الاية وحدهما اولاده (7)
فبأي حديث بعده تؤمنون ؟ ! واي لغة يمكن ان تحملنا على ترك التقليد واتباع الحق واعمال العقل !!
ولانهم على الاقل من قريش ، وقريش عشيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلافة في قريش (8)
وناصية قريش بالنص الشرعي هم بنو هاشم ، وناصية هاشم هم بنو عبد المطلب ، وناصية عبد المطلب هم محمد واهل بيته (9)
لان الله قد طهرهم ، وآية التطهير لا تخفى على احد ، فان قالوا انها في النساء فكيف تكون ازواج الرجل طاهرات واولاده غير ذلك !! او على الاقل من باب رد الاحسان ، لانهم حوصروا ثلاث سنين في شعاب ابي طالب .
وهؤلاء الائمة اثنا عشر (10) وهؤلاء هم الائمة الاطهار وليسوا الحكام ، لان الحكام من قريش بالمئات وليسوا اثني عشر فقط (11) .
الحكمة من حصر الامامة بأولاد محمد
لان الله طهرهم واعدهم لذلك فلا خطر على الأمة منهم ، ولقطع دابر التنافس والخلاف على منصب الامامة ، اذ بغيرهم يتحول الملك لمن غلب ، فيحكم امة محمد الغالب بغض النظر عن دينه وعلمه وامانته ، فاذا كان منصب الامام محصورا بعمادة اهل البيت تطيب نفوس الجميع ، لان حاكمهم هو ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فيعم الاستقرار وتهنأ النفوس وتهدأ الاطماع .المصادر :
1- سورة المائدة آية 3 .
2- مقدمة ابن خلدون فصل 30 ص 120 .
3- مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 353 .
4- الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 23 .
5- الصواعق المحرقة ص 112 وج 3 ص 164 من الحاكم وقال انه جمع ، وراجع كنز العمال ج 6 ص 152 والمناقب للخوارزمي ص 27 .
6- آية 61 من سورة آل عمران .
7- صحيح مسلم ب فضائل علي ج 2 ص 360 وج 15 ص 176 بشرح النووي وصحيح الترمذي ج 4 ص 293 والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 150 وصححه ومسند الامام احمد ج 1 ص 185 وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 21 وتفسير الطبري ج 3 ص 299 و 300 والكشاف للزمخشري ج 1 ص 368 ـ 370 وتفسير ابن كثير ج 1 ص 370 ـ 371 وتفسير القرطبي ج 4 ص 104 واحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 295 ـ 296 واسباب النزول للواحدي ص 59 واحكام القرآن لابن العربي ج 1 ص 275 والتسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج 1 ص 109 وزاد المسير لابن الجوزي ج 1 ص 399 وفتح القدير للشوكاني ج 1 ص 347 وتفسير الفخر الرازي ج 2 ص 699 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 196 والدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 38 ـ 39 والصواعق المحرقة لابن حجر ص 72 والمناقب للخوارزمي ص 60 و 96 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 110 واسد الغابة لابن الاثير ج 4 ص 26 والاصابة لابن حجر العسقلاني ج 2 ص 509 ومشكاة المصابيح للعمري ... الخ .
8- كنز العمال ج 12 ص 25 نقله عن احمد في مسنده وعن الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن وعن الحاكم في المستدرك وقد روى قرابة مائة حديث تفيد ان الامر في قريش وقد روى هذه الاحاديث كل اصحاب السنن راجع الاحاديث 33789 ـ 33890 ج 12 من الكنز .
9- كنز العمال ج 2 ص 43 نقله عن الحاكم في مستدركه وعن البيهقي في سننه وعن الطبراني في الكبير وعن ابن عساكر فراجع ج 12 ص 43 و 58 من الكنز للمتقي الهندي .
10- كنز العمال ج 12 ص 24 وقد نقله عن البخاري ومسلم .
11- ويمكن لمن اراد معرفة اسماء حكام قريش وعددهم ان يراجع مروج الذهب للمسعودي .