الامة المؤمنة الجادة الصادقة الواعية تبحث عن الاعلم بالعقيدة والافهم لاحكامها ، لان هذه العقيدة هي المنظومة الحقوقية الالهية ، وهي بمثابة القانون النافذ والمسؤول الاول عن تطبيق هذا القانون هو الامام ، فاذا لم يكن الامام هو الاعلم والافهم فيقع المحظور .
والامة من جهة ثانية تبحث عن افضل افرادها ، لان من مصلحة الجميع ومن بواعث فخر الجميع ان يحكم الافضل ، والامة العاقلة المؤمنة الواعية تبحث عن الانسب ليقودها على درب الله .
ولا يستطيع اي فرد من افرادها ، ولا اي جماعة من جماعاتها ولا هي مجتمعة ان تعرف على سبيل الجزم واليقين من هو الاعلم والافهم والافضل والانسب .
ان من يعرف ذلك على وجه الجزم واليقين هو الله سبحانه وتعالى ، لذلك رحمة بعباده المؤمنين يتلطف فيخبرهم على وجه الجزم واليقين ان هذا هو صاحبكم الذي تبحثون عنه ، وهو المؤهل لقيادتكم وقيادة مسيرة الايمان في العالم .
وكأمة مؤمنة عاقلة واعية تقبل التكييف الالهي بأن هذا هو الاعلم والافهم والافضل والانسب ، وتفرح لانها عثرت على بغيتها فتقبل عليه وتبايعه بالرضا لا بالاكراه ليكون اماما وقائدا لمسيرتها ، وبمجرد تمام البيعة يصبح الامام الذي رشحه الله هو القائد الشرعي والفعلي للامة ، ويتعاون مع الامة لوضع المنظومة الحقوقية الالهية موضع التطبيق .
الانفكاك بين الواقع والشرعية
اما اذا لم تقبل الامة بالتكييف الالهي بأن هذا الذي قدمه الله هو الأعلم والأفهم الافضل والانسب لقيادتها ، وفتشت لنفسها وبقدراتها عن شخص آخر اعتقدت انه الافضل والانسب لقيادتها ، عند اذ تحدث عملية انفكاك بين الشرعية والواقع فيكون الحاكم القابض على مقاليد الامور فعليا شخص والامام المعين من قبل الله شخص آخر لا سلطة بيديه ، ويتعذر عليه ان يتأمر على اناس لا يقبلون به ، ودينه يمنعه من اللجوء الى اساليب غير شرعية للوصول الى السلطة ، ومع الايام يستحوذ الحاكم على السلطة والمرجعية ، فيزعم بأنه خليفة النبي والقائم مقامه ، ومن يعارض ذلك يهز الحاكم بوجهه عصا السلطة .فالحسين بن علي بن ابي طالب إمام بالنص ، وولي بالنص ، ومرجع بالنص ، وهوالقدوة في زمانه بالنص . ولكن الامة رغبة او رهبة بايعت يزيد بن معاوية فأصبح يزيد هو الحاكم الواقعي ( الخليفة ) .
اما الحسين فهو الامام الشرعي ولكنه غير قادر على ممارسة صلاحياته ، لان يزيد استولى عليها بالقوة والغصب ، وسكتت الامة عليه وبايعته طوعاً او كرها وادارت ظهرها لامامها الشرعي ، وعلى الحسين ان يقبل بالامر الواقع او يواجه قوة السلطة التي تتدرج بالضغط عليه بكل وسائل الدولة وامكانياتها التي قد تصل الى انزال عقوبة الموت بالامام .
فالسلطة بمثابة زوجة شرعية للامام الحسين ولكل امام معين وفق الشرع ، وهذه الزوجة الفاتنة تحب زوجها وتخلص له لانه اهل لها .
فجاء الحاكم وبالقوة والغلبة والقهر ، واغتصب الزوجة من زوجها واجبرها على معاشرته بالقوة ، لان الحاكم يدرك ان جسد الزوجة له وقلبها معلق بزوجها الشرعي ، فان هذا الحاكم لن يهنأ قبل ان يموت هذا الزوج الشرعي ، حتى يستحوذ على قلب زوجته وجسدها معا ، وحتى لا تعود الزوجة لزوجها الشرعي خلسة .
الائمة الشرعيون
1 ـ علي بن ابي طالب .2 ـ الحسن بن علي .
3 ـ الحسين بن علي .
4 ـ زين العابدين بن الحسين .
5 ـ ابنه محمد الباقر
6 ـ ابنه جعفر الصادق .
7 ـ ابنه موسى الكاظم .
8 ـ ابنه علي الرضا .
9 ـ ابنه محمد الجواد .
10 ـ ابنه علي الهادي .
11 ـ ابنه الحسن العسكري .
12 ـ ابنه محمد بن الحسن المهدي .
استكشاف المستقبل امام الولي وخليفة النبي
ادى رسول الله الامانة ، وبلغ الرسالة ، وبين كل شيء ، ونصب ولي عهده وخليفته من بعده ، كما امره الله ، وبلغ افراد الامة وجماعاتها بذلك ، ثم اعلن القرار الالهي امام مائة الف مسلم ، وهنأ الجميع عليا بذلك ، وعلى رأس المهنئين عمر بن الخطاب ، ولاح ان كل شيء في مكانه الصحيح ، وان الامور ستجري رخاء وبريح ملائمة .ولم يكتف النبي بذلك ، إنما نقل اصحابه ذهنيا معه وكشف امامهم بعض مضايق المستقبل ، فقال امام كبار اصحابه وفيهم ابو بكر وعمر ( ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ) فاستشرف لها القوم وفيهم ابو بكر وعمر . قال ابو بكر ( انا هو ؟ ) قال النبي ( لا ) قال عمر ( أنا هو ؟ ) قال النبي ( لا ولكنه خاصف النعل يعني عليا ) قال ابو سعيد الخدري ( فبشرناه فلم يرفع رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) . (1)
وها هو النبي يكشف لخليفته الامور فيقول له ( اما انت ستلقى بعدي جهداً ) فقال علي ( في سلامة ديني ؟ ) قال النبي ( نعم في سلامة دينك ) (2) .
ولم يكتف النبي بذلك ، انما اخبر وليه وخليفته من بعده ( ان الامة ستغدر به بعد وفاته ) (3) .
والاهم انه سيقاتل ، اذ قال له النبي ( يا علي ستقاتلك الباغية وانت على الحق ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني ) (4) .
ويحاول النبي بكل جهوده لتنبيه الامة فيقول مرة لاحد اصحابه ( يا ابا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا ، حق على الله جهادهم ، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه ، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ) (5) .
نسف الصيغة السياسية الجاهلية
الترتيبات الالهية المتعلقة بمنصب رئاسة الدولة نسفت تماما الصيغة السياسية الجاهلية ، فالقيادة في نظر الاسلام اختصاص وعمل فني تماما ، يتصدى له الاعلم والافهم ، والافضل والانسب للقيادة من بين اتباعه ، بغض النظر عن بطنه او قبيلته .بينما الصيغة السياسية الجاهلية قائمة على اعتبار القيادة بمثابة شركة لكل بطن هذه البطون سهم في هذه الشركة ، فقد توصلت هذه البطون الى صيغة سياسية قائمة على اقتسام مناصب الشرف المناصب السياسية في ما بينها من قيادة ورفادة وسقاية ولواء وسفارة .... الخ .
ولاح لهذه البطون انها افضل صيغة ، اذ ليس فيها غالب ولا مغلوب ، فالمناصب السياسية قدر مشترك بين البطون وفق هذه الصيغة ، ولا مصلحة لاي بطن في تغيير هذه الصيغة ، مما جعلها عنوان عقيدة سياسية ، واثراً مأثوراً مما تركه الاولون ، ومن غير الجائز الخروج عليه ، وحاولت القبائل المكية ان تمنع ظهور نبي من بني هاشم ، وقاومت بكل قواها ولكنها فشلت ، فكان نبوة بني هاشم قدر لا مفر منه ، فاذا اخد الهاشميون النبوة فهذا قدر لا محيد عنه ، فهل تكون الخلافة او الملك قدراً ايضا ، فمن غير المعقول ان يعطي الله الهاشميين النبوة والخلافة معاً ؟ ومن هنا فان الترتيبات الالهية المتعلقة بالخلافة من بعد النبي اثارت حفيظة قريش وحدها ، وتمخض هذا الحسد عن شعار ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون النبوة مع الخلافة ) ولكن هذا الشعار كان ملجوماً بوجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن الفرصة مهيأة لظهوره . المصادر :
1- مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج 1 ص 64 والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 183 ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 115 وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 ص 137 وقريب منه في خصائص النسائي ص 131 ومسند الامام احمد ج 5 ص 37 الهامش وحلية الاولياء ج 1 ص 67 واسد الغابة ج 3 ص 282 والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 252 و 253 وذخائر العقبى ص 67 ومناقب علي لابن المغازلي ص 298 وشرح النهج لابن ابي الحديد بتحقيق محمد ابو الفضل ج 2 ص 277 ومجمع الزوائد ج 9 ص 33 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 173 والصواعق المحرقة لابن حجر ص 74 والاصابة للعسقلاني ج 2 ص 392 وكنز العمال ج 15 ص 94 ... الخ وراجع ملحق المراجعات ص 161 ـ 162 .
2- راجع المستدرك للحاكم ج 3 ص 140 وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 118 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند الامام احمد ج 5 ص 34 وفضائل الخمسة ج 3 ص 53 والملحق ص 161 .
3- راجع شرح النهج لابن ابي الحديد ج 6 ص 45 بتحقيق محمد ابو الفضل والبداية والنهاية لابن كثير ج 6 ص 218 وفضائل الخمسة ج 3 ص 51 وتلخيص الشافي للطوسي ج 3 ص 51 .
4- ترجمة الامام علي بن ابي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 ص 171 والغدير للاميني ج 3 ص 193 ومنتخب الكنز ج 5 ص 32 من مسند الامام احمد الهامش .
5- راجع مجمع الزوائد ج 3 ص 134 وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 ص 123 وذكره عنهم في احقاق الحق ج 7 ص 343 راجع ملحق المراجعات ص 164 .