
لقد قاومت بطون قريش النبوة الهاشمية بكل فنون المقاومة ، وحاربتها بكل وسائل الحرب ، لا حباً بالاصنام ولا كراهية للاسلام ، فليس في الاسلام ما تعافه الفطرة فيكره ، لكن قريش لا تريد ان تغير صيغتها السياسية القائمة على اقتسام مناصب الشرف ، ولا تريد ان يتميز البطن الهاشمي عن بقية البطون ، ولا ان يتفوق هذا البطن عليها ، وقد تصورت بطون قريش ان التفاف الهاشميين حول النبوة ، ودفاعهم المستميت عن النبي هو اصرار هاشمي على التمييز ، ورغبة هاشمية بالتفوق على الجميع ، فحاصرت بطون قريش مجتمعة الهاشميين ، وتآمرت بطون قريش مجتمعة على قتل النبي ، وتعاونت بطون قريش مجتمعة على حرب النبي ، ففشل الحصار ، وفشلت المؤامرة ، وهزمت البطون في حروبها ، واحيط بها فأسلمت ، وادركت ان النبوة الهاشمية قدر محتوم لا مفر منه ولا محيد ، وطالما ان النبوة قدر محتوم ، ولا طاقة للبطون بمواجهة هذا القدر ومنعه ، فلتكن النبوة للهاشميين خالصة لهم لا يشاركهم بالنبوة احد من البطون ، وليتوقف الزحف الهاشمي على حقوق البطون الأخرى ، فالنبي قد اعد العدة لتكون الخلافة لعلي الهاشمي ولذرية النبي من بعد علي ، لانهم يعلم الله الاعلم بالاسلام ، والافهم بأحكامه ، والافضل من اتباعه ، والانسب لقيادة الامة ، والاطيب لنفوس الجميع .
الحل المثالي
لقد دخلت كل البطون في الاسلام ، والاسلام يجب ما قبله ، وتوحيد قريش في ظلال الاسلام مصلحة شرعية ، وضرورة من ضرورات انتصاره وشيوعه ، وانتشاره في البلدان ، ولا يحقق ذلك الا :1 ـ ان تكون النبوة خالصة لبني هاشم لا يشاركهم بها احد غيرهم كائنا من كان .
2 ـ ان تكون الخلافة لبطون قريش تتداولها فيما بينها لا يشاركها في الخلافة اي هاشمي على الاطلاق ، ولا حرج لو تداولها مع البطون من غيرهم كالانصار ، وكالموالي ، لان اشتراك هذا الغير يتداول الخلافة لا يخدم التمييز والتفوق الهاشمي ، واستقرت بأذهانهم نهائيا مقولة ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ) وتحولت هذه المقولة الى تيار غلاب مستقر في النفوس .
استكشاف الحل
قريش وبالاجماع قبلت النبوة الهاشمية باعتبار انها قدر لا مفر منه ، وهي تتمنى لو تحقق حلمها بالحل المثالي ، فلا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، ولكن هذه الاماني ملجومة بوجود النبي ، وامكانية تحقيقها بعد وفاته واردة ومتاحة .اقتناع الفاروق بالمقولة وتطويرها على يديه
لسوء الحظ ان الفاروق قد اقتنع بالمقولة القريشية ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ) وهو يلتقي هنا مع التيار الغلاب الساكن في نفوس قريش ، والمتأهب للظهور بعد وفاة النبي . واضفى عليها الفاروق ثوب الشرعية فوصفها بأنها الصواب والتوفيق ، وان الغاية منها منع الاجحاف الهاشمي على بطون قريش ، وهكذا طور الفاروق هذه النظرية ، والبسها ثوب الشرعية ، فشقت طريقها بيسر وسهولة ، وبلا حرج تختال بثوبها الشرعي مخفية احساسيسها الجاهلية ، لان شعار ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ) شعار جاهلي من كل الوجوه ، تجد جذوره مستقرة وواضحة في الصيغة الجاهلية التي سادت مكة قبل ظهور الاسلام ، والقائمة اصلا على اقتسام البطون القريشية لمناصب الشرف ، ومن جهة اخرى فان الخليفة المقترح من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو علي بالذات نكل ببطون قريش ، فليس فيها بطن الا وله دم عند علي ، فهو قاتل سادات بني امية في بدر ، وقاتل حنظلة بن ابي سفيان ، وقاتل العاص بن هشام بن المغيرة ، وهشام هذا هو خال امير المؤمنين (1)ثم ان عليا هو الذي كفى رسول الله كفار العرب بسيفه ورمحه ، فكيف يرضى ابو سفيان عن قاتل ابنه واولاد عمومته ؟ وكيف تتقبل هند وابنها معاوية رئاسة الذين قتلوا الاهل والاحبة ؟ عمر قد يقبل قاتل خاله ، ولكن غيره لا يتقبل ولا يقبل ، ثم إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا لو عليه ، فهو لم يقتل بيديه ، انما كان القاتل علي ، فعصبت قريش دماءها بعلي ، ووجهت لومها وكراهيتها له ، مع الاحتفاظ بهويتها الإسلامية ، وولائها للنبي بالذات ، فلو اخذت قريش بما تسميه بالفضائل التي اضفاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على علي وسلمت له الخلافة فان قريشا لن تتحد في ظل حكمه بل ستفترق وتختلف وسينعكس هذا الافتراق وهذا الاختلاف على مستقبل الاسلام ومستقبل الولاء للنبي بالذات ، وقد تقع الفتنة مع ما تجره من عواقب وخيمة على الاسلام والمسلمين . بهذا وحده يمكن ان نفسر الاندفاع الهائل لامير المؤمنين في هذا التوجه ، ونفسر سر الائتلاف بينه وبين بطون قريش على شعار لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، حتى تحول امير المؤمنين عمر الى مخطط ومنظر حقيقي واوحد لهذا التيار .
قريش تتحد ضد الولي كما اتحدت ضد النبي صلی الله عليه وآله وسل
وحدة الرؤى الرئيسية وحدت قريشا كلها خلف شعار ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ) فقد وقفت كل بطون قريش بلا استثناء ضد النبوة الهاشمية ، واشتركت كل بطون قريش في مقاطعة بني هاشم ثلاث سنين بهدف القضاء على هذه النبوة وفشل الحصار ، وتآمرت كل بطون قريش على قتل النبي ، وعبرت عن وحدتها بهذا التآمر بارسال احد رجالها للاشتراك في قتله ، وفشلت المؤامرة ونجا النبي ثم جهزت كل بطون قريش الجيوش وحاربت النبي وفشلت ، واحيط بها فاستسلمت وادركت ان النبوة قدر لا مفر منه وسلمت بها لبني هاشم . (2)لكنها عزمت وجزمت على ان لا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، فوقفت وقفة رجل واحد ضد علي ، كما وقفت كل بطونها وقفة رجل واحد ضد النبي ، وغايتها محددة ، وهي ان لا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، وبنفس الوقت الاحتفاظ بالهوية الاسلامية والولاء للنبوة الهاشمية بالقدر الذي لا يتعارض مع نجاح المقولة .
قريش تخطط والهاشميون يرزحون في مصابها
قريش مدركة ان النبي ميت لا محالة في مرضه هذا ، وقد اخبرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وهم يصدقون النبي ، وهي مدركة ايضا ان ترك الامور على طبيعتها يؤدي حتما لفوز علي بالخلافة عندئذ يقع المحظور ، فيجمع الهاشميون مع الخلافة النبوة لذلك ، فلا غنى لها عن التحرك بالخفاء لمنع وقوع المحظور .والهاشميون كذلك وعلي بالذات مشغولون بمصابهم ، فالنبي ميت لا محالة في مرضه هذا ، وهو يعاني الالم ، والمه المهم لانه النبي والسيد ، وهم الاتباع المخلصون ، ولانه ألاخ والقريب وابن العام والحبيب فال أخ مثله ، ولا قريب يعني عنه ، ولا ابن عم يتحلى بمزاياه ، ولا حبيب نظير له على الاطلاق ، لذلك انصرفوا له بكليتهم ، وانشغلوا به عمن سواه مفترضين ان الآخرين مثلهم .
التخطيط المحكم
كيف علم عمر بأن النبي سيوصي ذلك اليوم بالذات فحضر ؟ ومن الذي اخبره ؟ وكيف تجمع هذا الفريق الذي ما ان سمع النبي يقول ( هلم اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ) حتى سمعوا الفاروق يرد فورا على النبي موجها الكلام لمن حضر ( ان النبي قد اشتد به الوجع وحسبنا كتاب الله ) فردد هذا الفريق فورا ( القول ما قاله عمر ) وزادوا ( رسول الله هجر !! استفهموه انه يهجر ) كما اسلفنا واثبتنا ، فقول النبي لا يمكن ان يخلق هذا النفور الفوري . والرد العمري الفوري بجملته الشهيرة ( إن الوجع قد اشتد برسول الله حسبنا كتاب الله ) لا يمكن ان يخلق الاقناع الفوري .ان مثل هذا الاقتناع الذي حمل اصحابه على اللفظ والخلاف والتنازع في حضرة رسول الله ، والاقرب الى الذهن والمنطق والعقل ان هنالك معرفة يقينية مسبقة لدى هذا الفريق بمضون الكتاب الذي اراد الرسول ان يكتبه ، وان هنالك نوعا من الاتفاق المسبق للحيولة بين النبي وبين كتابة هذا الكتاب ، ولو ادى ذلك الى مواجهة مع النبي نفسه ، والقول بأنه يهجر او هجر حاشا لله ، والاقرب الى التفكير ايضا بأن هنالك رابطا او اتفاقا يضمن تماسك هذا الفريق ووحدته حتى بمواجهة مع النبي نفسه ، اما هل هذا الاتفاق عفوي ام ثمرة تخطيط ، الله وحده يعلم ، لكن المؤكد ان ظهر الشرعية قد قصم تماما في هذه المواجهة .
الثمرة الاولى لهذا التخطيط
تمكن هذا الفريق من ان يحول بين النبي وبين كتابة ما يريد ، وبرز عمر بن الخطاب كأقوى رجل في هذا الفريق على الاطلاق ، فهو الذي خاطب الحاضرين ( ان النبي قد اشتد به الوجع حسبنا كتاب الله ) بمعنى انه لا حاجة لنا بكتاب النبي ، هذا معنا حسبنا يكفينا ، وما زاد عن الكفاية فهو لغو ولا ضرورة له . مما شجع مؤيدي هذا الرأي على القول ( رسول الله هجر استفموه انه يهجر ) حاشا لك يا رسول الله . والخلاصة ان الثمرة الاولى للتخطيط كانت الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما يريد ، ولنفترض جدلا ان النبي قد اصر على رأيه ولخص الموقف وقال ( لا تنسوا بأن الخليفة من بعدي علياً ) فان هذا القول سيعقد مهمة الفريق وسيضطره في ما بعد لاثبات الهجر مع ما يجره ذلك على الدين نفسه من ويلات وكوارث ، فلو رفعوا شعار الهجر فيما بعد لكان الدين نفسه في خطر ، ولما امكن التفريق بين ما قاله النبي في هجره المزعوم ، وصحوه المؤكد ، ففضل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يعدل عن كتابة الكتاب ليصون الاهم ، وهو الدين بدلا من صيانة المهم وهو خلافة علي ، فقال لهم ( قوموا عني ما انا فيه خير مما تدعوني اليه ) وخرج هذا الفريق وهو يتصور انه المنتصر ، وانه قطف الثمرة ، وان العقبة الكبرى في طريق تحقيق الهدف قد زالت .التخطيط لهزيمة الهاشميين
بمواجهة متكافئة وعادلة وشريفة بين قريش والهاشميين ، فان الفائز المؤكد هم بنو هاشم وقد اثبتت وقائع التاريخ ذلك ، فقد حاصرت كل بطون قريش مجتمعة بني هاشم ثلاث سنين ، وفشل الحصار وانتصر الهاشميون ، وقد تآمرت كل بطون قريش على قتل محمد ، واختارت من كل بطن منها رجلا ليشتركوا بقتل النبي مجتمعين ، فيضيع دمه بين القبائل ، ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه ، وفشلت المؤامرة ونجا النبي وانتصر الهاشميون .وجيشت بطون قريش الجيوش وحاربت محمداً وبني هاشم ، وانتصر محمد وانتصر الهاشميون بانتصاره ، وهزمت كل بطون قريش واحيط بها ، واسلمت واعترفت بالنبوة ، وادركت انها قدر لا مفر ولا محيد عنه . فانصب هدف بطون قريش على مسامحة الهاشميين بالنبوة ، والاقرار بتفرد الهاشميين بها وحدهم دون ان يشاركهم بها احد ، مقابل ان تأخذ بطون قريش الخلافة وتتداولها في ما بينها ، ولا مانع من خروج الرئاسة منهم الى غير قريش موقتاً على ان لا تؤول الى هاشمي ، لانه اذا آلت لبني هاشم فلن تخرج منهم ، ويقع المحظور بجمع الهاشميين للخلافة مع النبوة ، لكن وقائع التاريخ اثبتت ان الهاشميين هم الفائزون بأي مواجهة .
الترجيح بمرجح لتحقيق الهدف
ادركت قريش ان سر الانتصارات المتوالية للهاشميين على بطون قريش ، وسر التميز والتفوق الهاشمي يكمن في وجود المرجح الذي ساهم بترجيح الكفة الهاشمية على كفة بطون قريش ، فالمرجح للهاشميين في صراعهم ضد بطون قريش هو الله الناصر اولا واسبابه بالترجيح ثانيا ، فاجماع قريش على مقاطعة الهاشميين ظلم صارخ اخل بالتوازن ، وتزويد الله للهاشميين بالصبر والاخذ بيدهم وتزويدهم بمن يؤيدهم من صفوف بطون قريش ويطلب فك هذا الحصار مرجح ادى لفشل الحصار .ومؤامرة قريش لقتل النبي افساد في الارض وقتل دون سبب موجب ذلك ، ونوم علي بن ابي طالب في فراش النبي ، ونجاة النبي واستقراره في يثرب سبب مرجح ادى لفشل مؤامرة القتل .
وتجييش بطون قريش الجيوش ومحاربة النبي وملاحقته بلا كلل ولا ملل ، تماد بالباطل واصرار عليه ، والتفاف الانصار حول النبي واحتضانه ومحاربتهم الى جانبه وجانب الهاشميين ، سبب مرجح ادى لفشل كل الحروب التي شنتها بطون قريش ، واسفر عن هزيمة ساحقة ادت في النهاية لانهيار الزعامة المشركة واستسلامها بالكامل .
التكافؤ والفرصة والموضوعية
اذا كان هنالك تكافؤ بالفرض بين رأي قريش وبين رأي بني هاشم ، فان الرأي الهاشمي سيسمو على رأي قريش ، ويثبت انه الاصوب والاجدر ، واذا كان هنالك فرصة موضوعية لتقرع الحجة بالحجة ، فان الولي من بعد النبي سيفرغ بحجته الباهرة حجة غيره ، لان الولي مع القرآن والقرآن معه بالنص ، والحق مع الولي والولي مع الحق بالنص ، كما اثبتنا ، واذا كانت هنالك مبارزة شريفة بين الولي وبين اي كان ، فان الولي سيفوز ، لانه المنصور باذن الله ، ولكن الولي لا يستطيع ان يخطط في الظلام ولا يمكنه التآمر ، ولا يمكنه معصية الله .المرجع الذي سيهزم الولي والخطة المثلي
اهتدت قريش الى مفصل الامور وفيصلها ... اهتدت الى الانصار . اذا استطاعت قريش ان تضمن ولاء الانصار لموقفها فقد حققت النصر الساحق ، وتحقيق هدفها الاعظم بمنع الهاشميين من ان يجمعوا مع الخلافة النبوة ، ومنع الولي من ان يكون هو الخليفة ، لانه اذا تولى علي الخلافة فسوف يقترح الحسن ليخلفه من بعده ، فالامام الحسن امام مسمى من قبل الله وقبل رسوله ، ومن له مكانة ابن بنت رسول الله حتى يعترض يوم تسميته ، وبالتالي سيكون الخليفة من بعد ابيه ، فاذا تولى الحسن الامامة فسيقترح الحسين إماماً من بعده ، وليس بامكان احد ان يعترض عليه ... الخ وهكذا تبقى الامور بيد ابناء النبي الهاشميين ويجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، فيكون فوزهم على البطون ساحقا .ووسيلة منع ذلك كله تكمن في المرجع وفي انعدام تكافؤ الفرص ، وفي السرعة والحزم :
1 ـ المرجع الاعظم واقعيا هم الانصار ، فاذا وقفت الانصار مع علي فقد هزمت قريش وفق موازينها ووقع المحظور ، فجمع الهاشميون الخلافة والنبوة ، واذا وقفت الانصار مع قريش ومع هدفها هذا فان هزيمة الهاشميين وهزيمة الولي مؤكدة وفق هذه الموازين .
واذا امكن تحييد الانصار فلا يقفوا مع الولي فان هذا انجاز ، وامكانية تحقيق هدف قريش واردة بكل الموازين الموضوعية .
2 ـ النقطة الثانية انعدام تكافؤ الفرص ، فاذا وقف الولي على قدم المساواة مع قريش ومع اي زعيم من زعمائها ، في فرصة متكافئة ، فان الولي سيغلب وسيقيم الحجة الشرعية على قريش مجتمعة ، وعلى اي زعيم من زعمائها ، والمهم بهذه الحالة ان لا يتكلم معه الزعيم القرشي بصفته الشخصية ، ولكن يتكلم معه باسم جمع ، باسم المهاجرين ، باسم اكثرية الامة ، فاذا فعل الزعيم القرشي ذلك فامكانية هزيمة الولي وفق موازينهم واردة .
3 ـ السرعة القصوى بحيث يتم البت بموضوع الخلافة خلال فترة انشغال العترة الطاهرة بتجهيز النبي ودفنه ، فلا يحضر منهم احد على الاطلاق ويتم تنصيب الخليفة بغيابهم كلهم ، فلا يكون لهم بعد ذلك عذر ، ولا مبرر للاعتراض الا الفتنة ومواجهة دولة حقيقية لها رئيسها ونائبها وجيشها ، وهم اتباع الخليفة الجديد ومبايعوه .
اجتماع السقيفة
مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، غاب القمر المنير الذي اضاء الوجود بنوره ، وشاع الخبر ، وهرع سكان العاصمة وتجمعوا في بيت النبي واحاطوا به ، يبكون نبيهم ووليهم وامامهم الاعظم ، والآل الكرام وعلى رأسهم الولي والخليفة بعد النبي منصرفون كلهم وبكليتهم الى مصابهم الذي لا مصاب مثله ، ومشغولون بتجهيز النبي لمواراته في ضريحه الاقدس .في هذا الوقت بالذات انعقد الاجتماع في سقيفة بني ساعدة .
اسئلة بدون اجوبة
لماذا انعقد هذا الاجتماع بهذا الوقت بالذات ؟ ومن الذي دعا اليه ؟ وكيف امكن عقده بهذا الوقت بالذات ؟ ومتى بدأ التحضير له ؟ ومن حضره على وجه اليقين من الانصار ؟ فالسقيفة لا تتسع لكل الانصار ، وقسم كبير منهم كان بحكم المنطق في بيت النبي او متحلقا حوله ؟ لان من المستحيل ان يغيبوا كلهم عن النبي دفعة واحدة ؟ ومن الذي بدأ بالتحضير لهذا الاجتماع ؟ وكم استغرق التحضير له ؟ ولماذا لم يعلم بهذا الاجتماع من المهاجرين الا عمر بالذات ؟ ومن الذي اخبره ؟ لان عمر لم يكن في بيت النبي ولا مع المتحلقين حوله ، انما كان في مكان ما وهو يعلم ان ابا بكر في منزل النبي بالضرورة ، فأتى عمر فأرسل الى ابي بكر ( ان اخرج الي ) فأرسل اليه ( اني منشغل ) فأرسل اليه ( انه حدث امر لابد من حضوره ) فخرج ابو بكر اليه فقال ( اما علمت ان الانصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون ان يولوا هذا الامر سعد بن عبادة ) واحسنهم مقالة من يقول ( منا امير ومن قريش امير ) فمضيا مسرعين ، فلقيا ابا عبيدة بن الجراح فتماشوا اليهم ثلاثتهم .من الذي اتى بالخبر
يقول الطبري ( ان اول من سمع خبر اجتماع الانصار هو عمر ) (3) وفي رواية اخرى ( ابا بكر بلغه الخبر ) وفي رواية ابن هشام ( فأتى آت الى ابي بكر وعمر ) اما من هو هذا الذي اتى بالخبر ؟ فلا احد يعرفه على الاطلاق لان اسم هذا المخبر ضاع (4) .اثنان من الانصار
عندما سار الثلاثة باتجاه السقيفة وجدا عويم بن ساعدة الانصاري ومعن بن عدي (5) وهما من صفوة الانصار ، وفي رواية ثانية للطبري ( فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة ، وهما صحابيان قد شهدا بدراً ) .وفي رواية انهما قالا للثلاثة ( ارجعوا واقضوا امركم بينكم ) وفي رواية ثانية ( ارجعوا فانه لن يكون ما تريدون ) .
الملفت للانتباه : انهما من الانصار وشهدا بدراً ، ومع هذا لم يحضرا اجتماع السقيفة ، ولا كانا متوجهين اليه مع علمهم بالاجتماع ، انما كان اتجاه مسيرهما معاكس لاتجاه مسير الثلاثة ، فقد تبادل الاثنان الحديث مع الثلاثة المهاجرين ، ومضى كل نفر في دربه . لانه لم يشر احد ان الخمسة ساروا معاً باتجاه اجتماع السقيفة . ثم مضمون الحوار فمرة قالوا للثلاثة ( ارجعوا واقضوا امركم بينكم ) بمعنى انه لا علاقة للانصار بهذا الامر ، ومرة اخرى قالا ( انه لن يكون الذي تريدون ) بمعنى ان الانصار لن توليكم . فأي الروايتين اولى بالتصديق ؟
المصادر :
1- الطبقات : ج 2 ص 17 ـ 18 .
2- الامامة والسياسة ص 70 ـ 72 .
3- راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 219 .
4- نظام الحكم للقاسمي ص 126 .
5- تاريخ الطبري ج 3 ص 206 .