
الشيء المهمّ في المقام أن نفكّر في المقارنة بين عصرنا وعصر سيّد الشهداء (عليه السلام)
صحيحٌ أنّه لا يوجد اليوم في هذا العصر شخصٌ لو ضحّى بنفسه يستطيع أن يوجد هذه الهزّة في ضمير الاُمّة الإسلاميّة.. الاُمّة الإسلاميّة اليوم مات ضميرها كما مات ضميرها في عصر معاوية بن أبي سفيان، الاُمّة الإسلاميّة اليوم تُقطّع من أطرافها وتُنتهك حرماتها فلا تتحرّك حركةً حقيقيّة؛ فهي ميْتة، هذه الاُمّة الإسلاميّة ميْتة.
أنا قلت مراراً بأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) صعد المنبر فقال على إثر هجوم عشيرةٍ من عشائر معاوية على عشيرةٍ كانت تنتمي إلى الدولة الإسلاميّة الصالحة، كان يقول:
«لو أنّ إنساناً مات بعد هذا همّاً وغمّاً لم يكن عندي ملوماً»«فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً» (1).
واليوم تقع مئاتٌ من هذه المآسي الكبرى وهذه الأحداث الكبرى في العالم الإسلامي فلا يتأثّر بها أكثر المسلمين، ولا يحسّ بها أكثر المسلمين. هذا معناه أنّ ضمير الاُمّة الإسلاميّة ميْت، فهل يمكن إحياء هذا الميْت؟!
لا يوجد عندنا شخصٌ يتمتّع بكلّ الملابسات والظروف التي كان يتمتّع بها سيّد الشهداء (عليه السلام):
الحسين (عليه السلام) كان ريحانة النبي (صلّى الله عليه وآله)، كان سيّد شباب أهل الجنّة، كان الناس كلّهم يرونه تعبيراً آخر ومباشراً تماماً عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، كانوا يتقرّبون به إلى الله تعالى، كان في عهده بعض الصحابة الذين لا يزالون موجودين، وقد سمعوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) -من فم النبيّ الطاهر- أنّه قال (صلّى الله عليه وآله):
«الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(2)..
لا يوجد أحدٌ من المسلمين اليوم يملك هذا الذي كان يملكه الإمام الحسين (عليه السلام) لكي يحرّك ضمير الاُمّة الإسلاميّة.. إنسانٌ واحدٌ بمفرده لا يمكن أن يحرّك ضمير الاُمّة الإسلاميّة، فكيف نستطيع أن نحرّك ضمير الاُمّة الإسلاميّة؟
إنّ العمل الدعوائي والنموذجيّة الإسلاميّة في الدعاة، وهذا الخطّ الطويل المتلاحق المتتابع للتضحيات هو الذي قد يحرّك ضمير الاُمّة الإسلاميّة، يُظهر هذا الضميرَ من حالة الركود والموت إلى حالة الحياة والحركة.
يجب أن نوطّن أنفسنا، ويجب على المسلمين أن يوطّنوا أنفسهم على أن يضحّوا باللحظات والساعات المرحة، ويجب أن لا ينتظروا من هذه الاُمّة أن تستفيق لوحدها، بل يجب علينا التضحية بالغالي والنفيس، بالوقت والدم.
ويجب أن لا ينتظروا حينما يضحّون أن يحقّقوا المكسب الذي حقّقه أبوعبدالله (عليه السلام) ، بل يجب أن يشعروا أنّ تضحيتهم هي جزء من خطٍّ طويل، وهذا الخطّ الطويل بامتداده التاريخي قد يحقّق حينئذٍ جزءاً من ذلك المكسب العظيم الذي حقّقته تضحية الإمام الحسين (عليه السلام).
التضحيات حينما تتلاحق، حينما تتتابع، حينما يحسّ المسلمون بأنّ هناك قطاراً من المسلمين مستعدّاً للتضحية بوجوده وبنفسه في سبيل الله سبحانه وتعالى..
حينما يحسّ المسلمون بهذا إحساساً واقعاً في حياتهم العمليّة، حينما يضحّي هؤلاء المسلمون بالتدريج، حينما يضحّون لا على مستوى الكلام، لا على مستوى هذا الكلام الذي أنا أقوله؛
لأنّ الحسين (عليه السلام) كان بإمكانه أن يتكلّم وليس الكلام بمفيد، لكنّه لم يكتفِ بالكلام؛ لأنّ الحسين (عليه السلام) لو خطب ألف خطبةٍ لم يكن يستطيع أن يحرّك ضمير الاُمّة الإسلاميّة، وإنّما حرّكها بدمه لا بلسانه، حرّكها بتضحيته لا بخطابته..
فلو أنّ قطاراً تاريخيّاً مترابطاً من التضحيات المتتابعة بُذل في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمة الله بالنحو المناسب والمطابق لقواعد الشرع، فحينئذٍ بالإمكان أن يتحرّك ضمير الاُمّة الإسلاميّة.
ونحن كلّنا يجب أن نعدّ أنفسنا روحيّاً وفكريّاً لكي نكون على مستوى أكبر درجة من العطاء للإسلام، على مستوى عطاء النفوس والأرواح للإسلام، ليس فقط على مستوى العطاء الكلامي وعطاء الأوقات والجهود للإسلام.
يجب أن نروّض أنفسنا، أن نوحي لأنفسنا دائماً أنّنا في اللحظة التي ينادينا فيها الإسلام للموت يجب أن نكون مستعدّين للموت. قد لا نواجه هذه اللحظة أبداً، لكنّه بالإمكان أن نواجهها في لحظةٍ من اللحظات.
أَلم تمرّ علينا جميعاً تجربة المدِّ الشيوعي الأحمر في العراق؟ لو أنّ تجربة المدّ الشيوعي الأحمر في العراق كانت قد ارتفع مقياسها الزئبقي أكثر ممّا وقع إلى حدٍّ ما، ألم يكن كلُّ واحدٍ منّا يواجه وقتئذٍ نداءً من الإسلام يدعوه إلى التضحية بنفسه؟! يدعوه إلى الموت؟!
هذه المواقف قد تدعونا إلى التضحية بالنفس والدماء، هذه الأحداث محتَمَلة ما دامت الاُمّة الإسلاميّة تعيش هذه المؤامرات، فلا بدّ إذاً أن نوحي لأنفسنا أنّنا على استعداد لعطاء أنفسنا حينما يتطلّب الإسلام منّا.
كما نحن مطالبون اليوم في فلسطين وكثيرٍ من أقطار الاُمّة الإسلاميّة التي يتعرّض فيها الإسلام والمسلمون إلى كوارث ومآسي وويلات، نحن مطالبون بتصحيح الوضع في جميع أقطار الاُمّة الإسلاميّة، والعودة بها للبناء الإسلامي الصحيح، وبإفشاء أحكام الإسلام في الدولة والمجتمع والفرد، في الأرض والمصنع والمتجر، في العامل والفلاّح والصناعي والغني والفقير.
إنّنا يجب أن نوحي لأنفسنا دائماً بأنّنا مطالبون بما طولب به الإمام الحسين (عليه السلام)؛ وذلك لأنّنا نسير في خطّ الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته.
هذا هو الدرس الذي يجب أن نعرفه من تضحية سيّد الشهداء (عليه السلام).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصادر:
1- نهج البلاغة:70 ، الخطبة 27.
2- الكتاب المصنّف في الأحاديث والآثار (ابن أبي شيبة) 378 :6 ؛ فضائل الصحابة 771 :2 ؛ المسند (ابن حنبل) 3 :3 ؛ السنن (ابن ماجة) 44 :1.