الإمام الحسين عليه السلام و معاوية

الموقف الذي اتّخده الامام الحسين عليه السلام تجاه مؤامرة معاوية ، فقد جمع الإمام الحسين في أحرج‏ اللحظات وأشدّ الظروف الصحابةَ من المهاجرين والأنصار -من تبقّى من المهاجرين والأنصار- في سنةٍ من سنين الحجّ في موقف
Thursday, July 13, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الإمام الحسين عليه السلام و معاوية
الإمام الحسين عليه السلام و معاوية



 

الموقف الذي اتّخده الامام الحسين عليه السلام تجاه مؤامرة معاوية ، فقد جمع الإمام الحسين في أحرج‏ اللحظات وأشدّ الظروف الصحابةَ من المهاجرين والأنصار -من تبقّى من المهاجرين والأنصار- في سنةٍ من سنين الحجّ في موقف عرفات، في ذلك الموقف الذي يتورّع فيه أيّ إنسانٍ مسلمٍ اعتياديٍّ عن أن يكذب على الله أو على رسوله، أو أن لا يؤدّي الأمانة كما هي.
جَمَع البقيّة الباقية من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم من حملة تراث محمّد (صلّى الله عليه وآله) ووقف فيهم خطيباً، وقال ما مضمونه: إنّ تراث النبي، وإنّ مفهوم الإمام علي يعيش الآن في خطر، وعليكم أن تنقذوا هذا التراث وهذا المفهوم من الخطر، وإنقاذ ذلك بأن تشهدوا بكلّ ما سمعتم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في هذا الخطّ، ولو تحمّلتم في هذا السبيل كلّ ما تحمّلتم من وسائل الإخافة والتهديد والحرمان من قبل طاغوت هذا الزمان‏(1).
هؤلاء البقية الباقية من المهاجرين والأنصار الذين استجابوا لدعوة الإمام الحسين هزّهم الإمام الحسين، وهزّتهم هذه المظلوميّة التي يعيشها خطّ الإمام الحسين، وهزّهم موقفُ عرفات ويومُ عرفة، الزمانُ والمكانُ والشخصُ، فتبارى هؤلاء، انطلقت ألسنتهم في يوم الحجيج‏ مع المسلمين، فكان يقف الواحد منهم تلو الآخر وينقل ما كان يستذكره وقتئذٍ من أحاديث عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله).
وكان كلّ حديثٍ من هذه الأحاديث، كانت قيمته الواقعيّة النفسيّة وقيمته الموضوعيّة أكبر بكثيرٍ من مئاتٍ من الروايات التي تنقل في الحالة الاعتياديّة؛ لأنّ هذا حديث يتحدّث به إنسان وأمامه جبروت معاوية وسيف معاوية وظلم معاوية بن أبي سفيان.
بهذا استطاع الإمام الحسين أن يثبّت معالم النظريّة، وأن يرسّخ في أذهان الاُمّة الإسلاميّة أنّه لا يزال هناك بقيّة من حملة تراث محمّد (صلّى الله عليه وآله) يعبّرون عن الخطّ الصالح، ويتحدّون بذلك سيف الحاكم وجبروت هذا الحاكم.
هذا على مستوى النظريّة.
موقف الإمام الحسين (عليه السلام) على مستوى الاُمّة:
وأمّا على مستوى الاُمّة، هذه الاُمّة التي شفيت من مرضها الأوّل أو بدأت تشفى، لكنّها مُنيت بمرضٍ آخر، مرض الشكّ شفيت منه أو كادت أن تشفى، تكشّفت لديها الاُطروحة.
استطاع الإمام الحسن باعتزاله المعترك السياسي مؤقّتاً أن يعطيها فرصةً لتجد باُمّ عينها أبعاد المؤامرة وحدودها، وواقع معاوية وما يمثّله معاوية من أفكار ومفاهيم.
استطاعت أن تعرف ذلك، فأصبحت الاُمّة الإسلاميّة تلعن معاوية، وأصبحت تعيش عليَّ بن أبي طالب كمثلٍ أعلى، كأمل، كحلم، كرجل قد مرّ في تاريخها ثمّ وقعت بعده في أشدّ المصائب والنكبات والويلات، أصبحت تعيش هذه الأزمة تجاه واقعها، وهذه العاطفة تجاه ماضيها.
هذا شفيت منه، لم يبق هناك إلّا الغبي‏ من يفكّر في أنّ عليّ بن‏أبي‏طالب كان يعمل لنفسه، كان يعمل لزعامته، كان يعمل لقبيلته، فأصبح واضحاً أنّ معركة عليٍّ مع معاوية كانت معركة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع الجاهليّة التي اضطرّت أن تلبس الإسلام ثوباً لها لكي تبرز من جديد على المعترك، على الصعيد السياسي والعسكري، هذا أصبح واضحاً بالتدريج.
إلّا أنّ الاُمّة منيت -نتيجةً لمؤامرة معاوية بن أبي سفيان، منيت بعد أن نجحت هذه المؤامرة، وبعد أن تنازلت الاُمّة عبر هذه المؤامرة عن وجودها وعن شخصيّتها، مُنيت- بمرضٍ آخر أدهى وأمرّ. وهذا المرض الذي هو أدهى وأمرّ هو أنّها فقدت إرادتها، وفقدت بذلك أن تقول كلمتها، أصبحت تدرك لكنّها لا تستطيع أن تتحرّر، أصبحت تتألّم لكنّها لا تستطيع أن تنبثق؛ لأنّ هذه الاُمّة رخص عندها كلّ شي‏ء إلّا حياتها المحدودة، إلّا هذه الأنفاس التي ... ، التي تعلو وتهبط في ذلٍّ وفي عبوديةٍ وفي حرمان، غاية همِّ أيِّ إنسانٍ من هؤلاء أن يحافظ على هذه الأنفاس لكي يصل إلى نهاية الشهر ثمّ يقبض عطاءه عن يدٍ وهو صاغر من عاملٍ من عمّال بني اُمّية.
ماتت الهِمَّة، وماتت الإرادة، وماتت تلك الاُمّة الشامخة التي أعدّها الله لكي تمثّل خلافة الله في الأرض.
مشاهد موت الضمير وفقدان الإرادة :
1- وقصّة سيّد الشهداء، وسيرُ قصّة سيّد الشهداء فيه مئات الشواهد على هذا الموت العجيب، على فقدان الاُمّة لهذه الإرادة:
سيّد الشهداء يعتزم أن يتحرّك، يعتزم أن يسافر من المدينة إلى مكّة، ثمّ يعتزم بعد هذا أن يسافر من مكّة إلى العراق‏(2)، فيتبارى الأشخاص،
يأتون إليه من كلّ جانب: يأتي إليه عبد الله بن عبّاس‏، يأتي إليه عبد الله‏بن‏جعفر، يأتي إليه عبد الله بن عمر، يأتي إليه نساء بني هاشم‏، يأتي إليه عبدالله‏بن‏الزبير، يأتي إليه مختلف الأشخاص من مختلف الطبقات‏، يقولون له: «الله الله في دمك، لا تخرج، فإنّك تقتل».
أصبح القتل شيئاً مخيفاً مرعباً مذهلاً لا يمكن التصوّر فيه.
عبدالله بن جعفر، هذا ابن عمّ الحسين، من قبيلة الحسين، عبدالله‏بن‏جعفر يبعث برسالةٍ إلى الإمام الحسين مع ولديه ويقول: «أرجوك أن تمسك عن الحركة حتّى آتيك؛ فإنّي آتيك قريباً»(3).
ثمّ يأتي عبدالله بن جعفر إلى الحسين، يأتي لماذا؟ يأتي بكتاب أمانٍ من والي يزيد على مكّة، يأتي إلى الإمام الحسين بكتاب أمان، يستأمنه والي يزيد على مكّة، يقول: «إذاً فلماذا تخرج؟ ما دمت في أمانٍ هنا، فلماذا تسافر؟!».
أصبح الشخص لا يفكّر إلّا في أن يكون في أمان، أن يكون دمه في أمان، وأن يكون ماله المحدود في أمان، ثمّ ماذا عليه؟! ماذا عليه من الاُمّة؟! من الإسلام؟! من الأهداف الكبيرة؟! من الاُمور العظيمة؟! ما دام هو في أمان، ما دام يعيش في أمان هؤلاء السلاطين، هؤلاء الطغاة، هؤلاء الجبابرة!
قال (عليه الصلاة والسلام): «إنّي لا أعيش في أمان عاملٍ من عمّال يزيد يا عبدالله!» ، قال: «واللهِ يا سيّدي إنّك تقتل إذا خرجت»، قال (عليه السلام): «وإنّي أعلم أنّي سوف اُقتل». سكت عبد الله بن جعفر.
قصّة مسلم شاهد آخر لموت إرادة الاُمّة.
مسلم بن عقيل حينما يُضطرّ إلى مراجعة الأحداث، حينما يجي‏ء عبيدالله بن زياد ويخطّط للاشتباك في معركة مع مسلم والقبض على مسلم،
مسلم يخرج إلى الجامع يريد أن يصلّي مع شيعته.
تقول الرواية: بأنّ واحداً تلو الآخر من هؤلاء كان ينسحب، يأتي إليه أخوه أو أبوه أو اُمّه أو اُخته تقول: «أنت ما عليك وشغل السلاطين، هذا شغل السلاطين، أنت اذهب إلى عملك، إلى شغلك، إلى كسبك، إلى متجرك. هؤلاء -مسلم وعبيدالله بن زياد- سلاطين، في ما بينهم يتعاركون ويتخالفون، أنت اذهب إلى خطّك».
أصبح الإنسان لا يعيش إلّا هذا الوضع المحدود، لا يعيش الإنسان إلّا مصالحه الخاصّة، فكان لا بدّ في وضع من هذا القبيل ماتت فيه الإرادة، كان لا بدّ فيه من هزّ ضمير الاُمّة، وإحياء هذه الإرادة، وإعادتها من جديد.
عدم تعرّض الإمام الحسين (عليه السلام) للظلم أصّل موضوعيّة حركته:
وهكذا قرّر الإمام الحسين أن يخرج لمواجهة هذه المؤامرة على شخصيّة الاُمّة، ولم يكن يحاول بذلك‏ أن يقضي على السلطان السياسي لبني اُميّة؛ فإنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يحتمل أن يوفّق للقضاء على السلطان السياسي لبني اُميّة -على ما يبدو من الروايات‏(4)
لمجرّد احتمالٍ بدا لا أكثر، وإلّا كانت الأخبار العامّة توضح له بأنّه سوف يقتل، والظروف الموضوعيّة كانت كلّها توضح له أنّه سوف يقتل. وكيف يمكنه أن يتغلّب على السلطان السياسي لبني اُميّة وهو يعيش في اُمّة ميْتة؟!
كان لا بدّ لشخصٍ هو أبعد هؤلاء الناس عن الظلم وعن الغبن في مصالحه الشخصيّة، كان لا بدّ لشخصٍ من هذا القبيل أن يثأر لظلم المظلومين؛ لكي يحسّ هؤلاء المظلومون بأنّ هناك هدفاً أكبر من هذه الحدود الصغيرة.
الحسين (عليه السلام) لم يعش هذا الظلم الفردي الذي عاشه كلُّ مسلمٍ ومسلمة؛ لأنّ الحسين (عليه السلام) كان أعزّ الناس جاهاً، وأمنعهم جانباً، ومن أكثرهم مالاً، وأوسعهم حياةً. كلّ الدنيا كانت متوفّرةً للحسين (عليه السلام)، وكلّ المسلمين كانوا يحوطون الحسين (عليه السلام) بكلّ تجليلٍ وتقديسٍ وتكريم، لم يكن بحاجة إلى جاهٍ وإلى مالٍ وإلى تكريم، لم يكن يعيش أيَّ ظلمٍ من بني اُميّة، كان خلفاء بني اُميّة يجاملونه ويدارونه ويخشونه ويخافونه.
لكنّه بالرغم من هذا تحرّك، ولم يتحرّك اُولئك الذين التهبت السياط فوق ظهورهم، تحرّك لكي يحسَّ اُولئك الذين التهبت السياط فوق ظهورهم بأنّهم لابدّ أن يتحرّكوا.
سياسة الإمام الحسين (عليه السلام) في هزّ ضمير الاُمّة.:
1 -حتميّة القتل:
وقد حاول الإمام الحسين (عليه السلام) -واستطاع‏أن يُشعر الاُمّة باستمرارٍ أنّه يتحرّك وهو يعلم أنّه مقتول، يتحرّك وهو يعلم أنّه يستشهد: في المدينة قال للمحتجّين عليه بأنّه‏ سوف يقتل‏. في مكّة وقف خطيباً يودّع بيت الله الحرام وقال بأنّه سوف يقتل‏؛ لكي يجعل الاُمّة تعيش هذه الاُسطورة، اُسطورة أنّ شخصاً يتقدّم نحو الموت وهو ثابت الجأش، قويُّ القلب، واضح اليقين في أنّ هذا الطريق يريده الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله).
إذاً، فالموت ليس خطراً إذا كان هذا الموت هو طريق إنقاذ المسلمين، هو طريق تخليص الاُمّة من مؤامرة الجبابرة والطواغيت.
كان يُشيع في نفوس المسلمين أنّ الموت شي‏ءٌ هيّنٌ في سبيل هذه الأهداف الكبيرة.. نعم، أنا سوف أموت.. نعم، أنا سوف اُقتل على أيّ حال، سوف اُقتل لأنّ هذا طريق واجب، لا بدّ لي أن أسلك هذا الطريق لكي أستطيع بذلك أن اُؤدّي الأمانة. هذا من ناحية.
2- عدم الظهور بمظهر من لا يملك تبريراً لحركته:
ومن ناحيةٍ أحكم كلَّ ظروف حركته بشكلٍ لا يبعث في ذهن هذه الاُمّة المسلمة المائعة أيَّ نقدٍ في أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) استعجل الظروف، أو أنّه استبق أوانه وتحرّك بحركةٍ ابتدائيّةٍ بدون مبرّر، حشد كلّ المبرّرات المنطقيّة والمعقولة لحركته، لم يكن هناك إنسان يمكنه أن يقول: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد استعجل الموقف قبل أن يتأكّد من الظروف.
كيف يقال: إنّه استعجل الموقف قبل أن يتأكّد من الظروف وقد بقي في مكّة طويلاً والكتب تأتي ولا يجيب عليها، إلى أن اجتمعت عنده آلاف من الكتب‏(5)؟!
وبعد هذا أيضاً لا يجيب جواباً قاطعاً؛ يبعث ابن عمّه مسلم بن عقيل، لا يوصيه بقتالٍ ولا بحرب، وإنّما يوصيه أن يذهب إلى الكوفة ليرى أنّ أهل الكوفة هل هم مزمعون حقيقةً على أن يبايعوا خطَّ الإمام علي (عليه السلام)، وعلى أن يضحّوا في سبيل خطّ الإمام (عليه السلام)؟
يذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة، يبقى الإمام الحسين (عليه السلام) في مكّة حتّى يبعث إليه مسلمُ بنُ عقيل مؤكِّداً أنّ جميع أهل الكوفة وشيوخ أهل الكوفة قد اتّفقوا على زعامتك وإمامتك وقيادتك، وهم لك منتظرون‏.
كلّ هذه الظروف هيّأها الإمام الحسين (عليه السلام) -أو صبر حتّى تتهيّأ- لكي لا يبقى هناك نقدٌ لمنتقد، لكي لا يقول شخصٌ يريد أن يخلق المبرّرات بأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) استعجل. الحسين لم يستعجل.
3- حشد المثيرات العاطفيّة:
من ناحية ثالثة: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) حشد كلّ الظروف العاطفيّة في حركته أيضاً كي يستعين بهذه الظروف العاطفيّة في سبيل أن يهزّ ضمير الاُمّة.
أ- لعلّ ذاك الشخص لم يفهم، لعلّ عبد الله بن عمر لم يفهم حينما قال له الإمام الحسين: «إنّي أعلم أنّي سوف اُقتل». قال له عبد الله بن‏عمر: «يا سيّدي ما بال النسوة؟ فلماذا تأخذ معك حريم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟»، قال: «لأنّ الله أراد أن يراهنّ سبايا».
ولم تكن هذه الإرادة إرادةً تكوينيّة، وإنّما كانت إرادةً تشريعيّة، يعني: أراد أن يصحب معه النسوة من حريم النبي (صلّى الله عليه وآله) حتّى يشارِكْنَ في المحنة، ويشارِكْنَ في اعتداء طواغيت بني اُميّة؛ لكي يكون هذا عاملاً مساعداً في هزّ ضمير الاُمّة.
هذه الظروف العاطفيّة أيضاً حشدها باستمرار، وكان يحاول باستمرار أن يستثير كلَّ من يجده، حتّى عبد الله بن عمر، حتّى أعداءه وخصومه.
قال: «يا عبد الله بن عمر! لا تترك نصرتي».؛ يعني: ليست نصرتي بأن تقبِّلني‏. وأن تكرّمني، وإنّما نصرتي بأن تمشي في خطّي، بأن تبذل دمك في الخطّ الذي أبذل فيه دمي. أمّا التقبيل، أمّا هذا النوع من التكريم الرخيص، هذا ليس له قيمة عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
كان يحاول أن يهزّ ضمير الاُمّة، يهزّ ضمير كلِّ فردٍ من أفراد الاُمّة، لكنّ الاُمّة كانت في سبات، هذه الاُمّة التي ماتت إرادتها.
بـ- عبيد الله بن الحرّ الجعفي الذي وصل إلى منزلٍ من المنازل، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) في ذلك المنزل، واطّلع الإمام الحسين على أنّ عبيدالله بن الحرّ الجعفي وصل إلى ذلك المنزل‏.، وعبيدالله بن الحرّ الجعفي له سوء سابقة في تاريخ جهاد الإمام علي (عليه السلام) ، لكنّ الإمام الحسين حاول أن يهزّ ضميره، بعث إليه برسول يطلب منه النصرة.
ذهب رسول الإمام الحسين إلى عبيدالله بن الحرّ الجعفي قال له: «جئتك بالكرامة، جئتك بكرامة لا يوجد فوقها كرامة؛ بأن تُستشهد بين يدي ابن‏رسول الله.. إنّ الحسين يدعوك لنصرته والاستشهاد بين يديه»، فظهر الغضب في وجه عبيدالله بن الحرّ الجعفي والضيق وقال: «إنّي خرجت من الكوفة خوفاً من أن يأتي الحسين، وأن تقوم المعركة ويتأزّم حينئذٍ موقفي.. خرجت فراراً من أن أعيش هذه اللحظة التي جعلتَني أعيشها الآن»، ثمّ اعتذر من الاستجابة للإمام الحسين (عليه السلام).
الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكتفِ بهذا، قام بنفسه وجاء إلى عبيدالله بن الحرّ الجعفي يستصرخه، يطلب منه، يحاول أن ينفذ إلى أعماقه، أن يحرّك ضميره ووجدانه، أن ينبّهه إلى الأخطار التي تكتنف الرسالة والإسلام.
يقول الناقل: «ما رقّ قلبي كما رقّ يومئذٍ والحسين (عليه السلام) حوله الصبية من أطفاله يطوفون به، ويمشي إلى عبيدالله بن الحرّ الجعفي يستصرخه ويناديه، فيعتذر عبيدالله بن الحر، يقول له: هذه فرسي خذها بدلاً عنّي».
يقول (عليه السلام): «إنّي لست بحاجةٍ إلى فرسك، إن كنت قد بخلت بدمك على الإسلام وعليَّ فلا حاجة في فرسك، لكن عندي وصيّة»، قال: «وما الوصيّة؟»، قال: «إن قدرت على أن لا تسمَعَ واعيتنا فافعل؛ لأنّه ما سمع واعيتنا شخصٌ ثمّ لم ينصرنا إلّا أكبّه الله على وجهه يوم القيامة في جهنّم»(6).
وهذه الواعية -واعية الإمام الحسين- واعية الإسلام؛ لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) استشهد في سبيل الإسلام، ولم يكن يعيش تلك اللحظة إلّا للإسلام؛ فواعية الإمام الحسين (عليه السلام) هي واعية الإسلام، والأخطار التي كان من أجلها يضحّي الإمام الحسين وقتئذٍ هي الأخطار التي تعيشها الاُمّة الإسلاميّة عبر كلّ هذه القرون إلى يومنا هذا.
قتل الإمام الحسين (عليه السلام) واستشهد في سبيل الحيلولة دون الأخطار التي عاشها المسلمون ويعيشونها إلى يومنا هذا.
امتداد واعية الحسين (عليه السلام) على مرّ العصور:
إنّ واعية الحسين (عليه السلام) لم تنقطع يوم عاشوراء.. إنّ واعية الحسين حيث إنّها واعية رساليّة وليست واعيةَ شيخِ عشيرةٍ أو قبيلة، فواعية الرسالة لا تنقطع ما دامت الأخطار تكتنف هذه الرسالة، وقد قال هذا الإمام الشهيد الصادق: إنّه «ما سمع واعيتَنا شخصٌ ولم ينصرنا إلّا أكبّه الله على وجهه يوم القيامة»
نحن يجب علينا أن نعرف أنّ هذه الواعية نواجهها اليوم كما واجهها عبيدالله بن الحرّ الجعفي. إن لم نواجهها من فم الحسين (عليه السلام) فنواجهها من دم الحسين، ومن تاريخ الحسين، ومن بطولة الحسين يوم عاشوراء ومواقفه المتعدّدة، نواجه هذه الواعية من كلّ الأخطار التي تكتنف الرسالة، وتكتنف الإسلام، وتكتنف الاُمّة الإسلاميّة من كلّ صوبٍ وحدب.
كلّ هذا الضياع في القيم والأخلاق، في المبادئ والمثل، كلّ هذا التميّع، كلّ هذا هو واعية الإسلام.
نحن نواجه هذه الواعية في كلّ مكان، في كلّ زمان، من كلّ صوب وحدب.
إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) حينما ثار وحينما بدأ يبذل دمه في سبيل الإسلام كان يواجه بداية خطٍّ من الانحراف، هذا الخطّ نحن الآن نعيش قمّته، نعيش أزمته، نعيش كلّ تصوّراته، كلّ أبعاده. إذاً، فواعية الإسلام اليوم أوسع وأكبر.
ونحن، وأيّ فردٍ من المسلمين، لا يزال اليوم مدعوّاً -كما كان عبيدالله بن الحرّ الجعفي مدعوّاً- أن يغضّ النظر عن مصالحه، عن وجوده، عن كيانه، عن شهواته، عن رغباته الشخصيّة؛ في سبيل أن يساهم في إنقاذ الإسلام، في إنقاذ المسلمين، في إعادة الإسلام إلى الحياة، في رفع هذا الوهن عن وجوه المسلمين، وعن كرامات المسلمين.
إنّ كلّ مسلمٍ قادرٌ على أن يساهم في هذه العمليّة بقليلٍ أو كثير، في حدود إمكانيّاته وقابليّاته.
المساهمة ليس شكلها الوحيد حمل السيف، وحمل السيف لا يمكن أن يكون إلّا بعد مساهمات طويلة الأمد.. إذاً، فهناك نوعٌ من المساهمة قبل حمل السيف.
ولو أنّ كلّ واحد منّا يقول بأنّي لا أستطيع أن أحمل السيف -إذاً فأنا لا تكليف عليَّ ولا مسؤوليّة عليّ- فمعنى هذا أنّه سوف لن يمكن حمل السيف في يوم من الأيّام.
إنّ حمل السيف هو شكلٌ من أشكال المساهمة، وهو شكل أعلى من أشكال المساهمة، ولا يمكن أن يوجد هذا الشكل فجأة. لا بدّ لكلّ واحد مسلم أو مسلمة أن يساهم بقدر إمكانه وظروفه الفكريّة والعلميّة والاجتماعيّة في جواب هذه الواعية، في الردّ على هذه الواعية، في إنقاذ هذا الجريح الذي يُضرَب في كلّ يوم، ويُستَهزَأ منه في كلّ يوم، وتُتَحدّى أحكامُه في كلّ يوم، وتُضْرَبُ تشريعاتُه عرضَ الحائط في كلّ يوم.
المصادر:
1- كتاب سليم بن قيس: 788 - 789؛ الاحتجاج 296 :2.
2- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 385 :5.
3- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 387 :5، ولم يرد قدومُه في إثر الكتاب في: الفتوح 67 :5، .
4- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 407 :5؛ الفتوح 31 :5؛ مقتل الحسين (عليه السلام) (الخوارزمي) 284 :1، 324؛ اللهوف على قتلى الطفوف:65.
5- الأخبار الطوال: 229؛ البدء والتاريخ 9 :6؛ اللهوف على قتلى الطفوف: 35.
6- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 407 :5؛ الفتوح 73 :5 - 74؛ مقتل الحسين (عليه السلام) (الخوارزمي) 325 :1 - 326؛ / أنساب الأشراف 188 :3.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.