الحسين عليه السلام ومبرّرات رفض البيعة

الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام کان يواجه عدّة مواقف عمليّة، بإمكانه أن يتّخذ أيَّ واحدٍ منها بعد أن هلك معاوية وبويع يزيد وطُلب منه أن يبايع يزيدبن‏معاوية:
Saturday, July 15, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الحسين عليه السلام ومبرّرات رفض البيعة
الحسين عليه السلام ومبرّرات رفض البيعة



 

الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام کان يواجه عدّة مواقف عمليّة، بإمكانه أن يتّخذ أيَّ واحدٍ منها بعد أن هلك معاوية وبويع يزيد وطُلب منه أن يبايع يزيدبن‏معاوية:
الموقف الأوّل: هو أن يبايع يزيدَ بنَ معاوية كما بايع أمير المؤمنين أبابكر وعمر وعثمان.
الموقف الثاني: أن يرفض بيعة يزيد بن معاوية، لكن يبقى في مكّة أو في المدينة، في أحد الحرمين: في حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) -يعني: في بيته وبلدته- أو في حرم الله، ينتقل إلى مكّة، ويبقى هناك مستجيراً بحرم الله تعالى حتّى يقضي الله بما هو قاضٍ.
الموقف الثالث: هو أن يلجأ إلى أحد أطراف العالم الإسلامي، يلجأ إلى بلدٍ من بلاد العالم الإسلامي كما اقترح عليه أخوه محمّد بن الحنفيّة، قال له: «اذهب إلى اليمن، أو إلى أيّ ثغرٍ آخر من ثغور المسلمين»(1).
يذهب إلى اليمن مثلاً -أو إلى ثغرٍ آخر من ثغور المسلمين- ويكوّن هناك جماعةً له ومجتمعاً، وينفصل عن المجتمع الأكبر الذي يضمّ سائر بلاد المسلمين، حتّى إذا استطاع أن يُحكِمَ أمره حاول أن يتقدّم ويضمّ بقيّة البلاد إلى بلده.
الموقف الرابع: هو أن يرفض، وأن يتحرّك، وأن يذهب إلى الكوفة مستجيباً للرسائل التي وردته من أهل الكوفة، ثمّ يُقتل ويستشهد بالطريقة التي وقعت.
هذه هي المواقف العمليّة الأربعة التي كان بالإمكان للإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) أن يختار أيَّ واحدٍ منها.

شرائح الاُمّة التي شكّلت مجال عمل الإمام الحسين (عليه السلام):

وكان اختياره للموقف الرابع من هذه المواقف الأربعة قائماً على أساس إدراكه لطبيعة الظرف الذي يعيشه؛ فقد كانت هناك عدّة نقاطٍ دخلت في تكوين موقفه، أي: إنّه كان عليه أن يقف موقفاً يعالج به عدّة أقسامٍ من أفراد الاُمّة الإسلاميّة:
القسم الأوّل: الذين وهبوا قلوبَهم وشهروا سيوفَهم:
القسم الأوّل كان يشكّل جزءاً كبيراً من الاُمّة؛ فإنّ جزءاً كبيراً من الاُمّة كان قد فقد خلال عهد معاوية بن أبي سفيان إرادته وقدرته على مواجهة الوضع القائم وقتئذٍ، وكان قد استشعر الذلّ والاستكانة والتبعيّة في نفس الوقت الذي هو يشعر بأنّ خسارةً كبيرةً -هي خسارة تحويل الخلافة إلى كسرويّة وهرقليّة- تحيق بالاُمّة الإسلاميّة، في نفس هذا الوقت لم يكن يقدر على أن يتحرّك؛ لأنّ يده ولسانه كانا ملك شهواته، ولم يكونا ملك عقله وقلبه وعقيدته.
هذا القسم هو الذي عبّر عنه الفرزدق في كلامه مع الإمام الحسين حينما قال: «سيوفهم عليك وقلوبهم معك»(2)
فهم يؤمنون بأنّ الإسلام يُنتهك على أيدي بني اُميّة، ولكنّهم لا يستطيعون أن يتحرّكوا، فيتحرّكون إلى جانب بني اُميّة، ويحملون السيوف ضدّ الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).
القسم الثاني: الذين عزّت عليهم نفوسهم وهان عليهم الإسلام:
القسم الآخر في الاُمّة الإسلاميّة-والذي كان يمكن أن يشمل عدداً كبيراً أيضاً ممّن شملهم القسم الأوّل- هو ذاك القسم الذي هان عليه الإسلام نفسُه، لا هانت عليه نفسه، بل هان عليه نفس الإسلام والرسالة؛ فلم يعد يهتمّ بالرسالة بقدر اهتمامه بمصالحه الشخصيّة، تضاءلت أمامه الرسالة، وكبر أمامه وجوده ومصلحته واعتباراته ودراهمه.
هذا القسم فرقُه عن القسم الأوّل: أنّ القسم الأوّل كان يشعر بالمصيبة لكن لم يكن يستطيع الحلّ، من قبيل المدخّن الذي يشعر بأنّ الدخان ضرر عليه لكنّه لا يستطيع أن يتركه. وأمّا القسم الثاني فـ--من قبيل المدخّن الذي لا يعرف أنّ الدخان يضرّه.
القسم الثالث: البسطاء الذين تنطلي عليهم المخطَّطات الاُمويّة:
القسم الثالث هو قسمٌ من الاُمّة، من الأفراد المغفّلين الذين كان بالإمكان أن تنطلي عليهم حيلة بني اُميّة لو سكت صحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأجمعوا على السكوت عن تحويل الخلافة إلى كسرويّة وقيصريّة.
الخلافة منذ توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انحرفت عن خطّها المستقيم، لكن بقي مفهوم الخلافة هو مفهوم الخلافة، غاية الأمر اغتصب هذا المفهوم أبوبكر واغتصبه عمر واغتصبه عثمان، إلّا أنّ مفهوم الخلافة لم يطرأ عليه تغيير أساسي.
بينما في عهد معاوية بن أبي سفيان طرأ على نفس المفهوم -بقطع النظر عن الشخص الذي يتقمّص هذا الثوب، وأنّه محقّ أو معتدٍ- تغيّر أساسي، ولم تعد الخلافة حكماً للاُمّة، وإنّما هي كسرويّة وقيصريّة بلغة صحابة الرسول (صلّى الله عليه وآله) حينما كانوا يقولون: إنّ معاوية حوّل الخلافة إلى حكم كسرى وقيصر
هذا التحويل -أي: التحويل في المفهوم بهذه الدرجة الخطيرة، والذي كان يمارسه معاوية، وكان يحاول أن يلبسه الثوب الشرعي- لو أنّه تمّ دون مجابهةٍ من قبل الصحابة ومع سكوتٍ من قبلهم، لأمكن أن تنطلي حيلة معاوية على كثيرٍ من السذّج والبسطاء وأنصاف البسطاء، الذين يقولون بأنّ هذا التحويل شرعي بدليل إمضاء الصحابة لذلك.
القسم الرابع: البعيدون عن حيثيّات الأحداث في قلب الدولة الإسلاميّة:
وهناك قسمٌ رابع -أو بالإمكان أن نفترض قسماً رابعاً- يرتبط بمسألة تنازل الإمام الحسن (عليه السلام)؛ فإنّ تنازل الإمام الحسن عن المعركة مع معاوية وإعلانه الهدنة مع معاوية لم يكن -في أكبر الظنّ- مكشوفاً بالدرجة الكافية الواضحة إلّا داخل دائرة الجماهير الكبرى في العالم الإسلامي التي كانت تعيش المأساة عن قربٍ، من قبيل الكوفة، ومن قبيل العراق بشكلٍ عام، والتي كانت بيدها خيوط الحكم في العالم الإسلامي.
وأمّا ذاك الإنسان الواقع في آخر حدود العالم الإسلامي -في أقاصي خراسان مثلاً- ولم يكن يعيش المحنة يوماً بعد يوم، ولم يكن يكتوي بالنار التي اكتوى بها الإمام الحسن (عليه السلام) في الكوفة من قواعده وشيعته وطائفته وأعدائه، وإنّما تجيئه الأخبار عبر المسافة ما بين الكوفة وأطراف خراسان مثلاً، ذاك الإنسان لم يعرف بشكلٍ واضحٍ شيئاً محدّداً عن هذا التنازل: أَهو اعترافٌ بشرعيّة الاُطروحة الاُمويّة؟ أو هو تصرّف اقتضته الضرورة والظروف الموضوعيّة التي كان يعيشها الإمام الحسن (عليه السلام)؟
مبرّرات الإمام الحسين (عليه السلام) في اختيار الموقف الرابع:
فكان لا بدّ للإمام الحسين (عليه السلام) أن يختار موقفاً يعالج فيه هذه الأقسام الأربعة من الاُمّة الإسلاميّة، أو هذه النقاط الأربعة:
1 - كان لا بدّ وأن يختار الموقف الذي يستطيع به أن يُرجع للقسم الأوّل من الناس‏ إرادتهم التي فقدوها بالتمييع الاُموي.
2 - وأن يختار الموقف الذي يحاول به أن يرجع إلى القسم الثاني من الناس‏ إيمانهم بالرسالة وشعورهم بأهمّية الإسلام.
3 - وأن يختار الموقف الذي يحاول فيه أن لا يجعل هناك دليلاً لمعاوية على شرعيّة تحويل الخلافة إلى كسرويّة وقيصريّة، وذلك عن طريق معارضة الصحابة -المتمثّلة فيه، وفي البقيّة الباقية من الصحابة والتابعين- لعمليّة التحويل هذه.
4 - وكان لا بدّ وأن يختار الموقف الذي يشرح فيه -حتّى لمن كان بعيداً عن الأحداث- أنّ تنازل الإمام الحسن لم يكن معناه أنّ أهل البيت أمضوا عمليّة التحويل وأنّهم باركوا اُمويّة معاوية وحكم معاوية واُطروحة أبي‏سفيان، وإنّما كان موقفاً تحكمه الظروف الموضوعيّة وقتئذٍ.
كان لا بدّ له أن يختار الموقف الذي يشرح فيه كلّ هذا، ويردّ فيه على كلّ هذا، ويعالج هذه الأقسام الأربعة من الاُمّة الإسلاميّة، ولم يكن بإمكان أيّ‏ موقفٍ أن يحقّق كلّ هذا إلّا الموقف الأخير.
الموقف الأوّل: مبايعة يزيد بن معاوية:
الموقف الأوّل هو أن يبايع يزيد بن معاوية كما بايع أمير المؤمنين أبا بكر وعمر وعثمان مع أنّهم لا يستحقّون الخلافة.
هذا لم يكن بالإمكان أن يحقّق أيّ مكسبٍ على مستوى هذه الأقسام الأربعة. ولم تكن قصّة يزيد قصّة أبي بكر وعمر وعثمان؛ لأنّ التحويل هنا كان تحويلاً على مستوى المفهوم، كان المفهوم يتحوّل، لا أنّ مجرّد الشخص يتحوّل.
وهذه العمليّة -عمليّة التحويل المفهومي، التي أصبحت هي الأساس بعد هذا لتاريخ المسلمين- لم يكن بالإمكان أن تمضي دون أن يقف الصحابة -الممثّلون لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)- وأهل البيت (عليهم السلام) -الذين هم القادة الحقيقيّون للصحابة- الموقفَ الدينيَّ الواضح المحدّد من عمليّة التحويل‏ هذه.
الموقف الثاني: رفض المبايعة مع البقاء في المدينة أو مكّة:
الموقف الثاني هو أن يظلّ الإمام الحسين (عليه السلام) في المدينة أو في مكّة ويرفض البيعة. حينما يرفض البيعة يبيّن بذلك شجبه لعمليّة التحويل، ولكنّه يظلّ باقياً في مكّة أو المدينة حتّى يقضي الله بما هو قاضٍ.
والإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) نفسه كان يؤكّد -والظروف الموضوعيّة كلّها كانت تشهد على طبق تأكيده، بقطع النظر عن إمامته وعصمته- أنّه لو بقي في المدينة أو في مكّة لقتل من قبل بني اُميّة.. إنّ بني اُميّة لا يدعونه حتّى يقتلوه ويغتالوه، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة.
وهذا القتل الضائع لم يكن يحقّق ذلك المكسب الذي يريده على مستوى هذه الأقسام الأربعة.
صحيحٌ أنّه يقتل في سبيل امتناعه عن مبايعة يزيد بن معاوية، لكن أين هذا من ذاك القتل الذي استطاع أن يحرّك البقيّة الباقية من عواطف المسلمين تجاه نبيّهم ورسالتهم وقرآنهم؟!
الناس حينما يفتقدون إيمانهم بالدين أو إيمانهم بأيّ عقيدة، تبقى عندهم مجموعةٌ من العواطف بعد انطفاء العقيدة. ولكي يمكن إرجاعهم إلى تلك العقيدة لا بدّ من تحريك هذه العواطف.
وهذه العواطف لم يكن بالإمكان تحريكها في قتلٍ عابرٍ سهلٍ من هذا القبيل، وإنّما كان لا بدّ لكي تتحرّك هذه العواطف من أن تحشد كلُّ المثيرات وكلّ المحرّكات وكلّ المنبّهات لهذه العواطف، إلى درجة أنّ عمر بن سعد بنفسه يبكي ويُصدر الأوامر بالسلب‏ والنهب في بقيّة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)
الموقف الثالث: اللواذ بثغرٍ من ثغور المسلمين:
الموقف الثالث هو أن يذهب إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين، يذهب إلى اليمن مثلاً -وله شيعة في اليمن على ما شهد أخوه محمّد بن الحنفيّة- ويبقى هناك.
ولعلّ هذا كان أنفع أو أسلم على الخطّ القصير؛ لأنّه يمكِنُه في اليمن أن يعتصم من يزيد بن معاوية إلى برهةٍ من الزمن. ولكنّه سوف لن يحقّق بذلك المكسب المقصود؛ لأنّه بهذا سوف ينعزل ويتقوقع ويحيط نفسه بإطارٍ منغلق، بينما مسرح الأحداث وقتئذٍ كان هو الشام والعراق والمدينة ومكّة في كلّ العالم الإسلامي.
كان لا بدّ أن يباشر عمليّته على مسرح الأحداث حتّى يمكن لهذه العمليّة أن تنعكس على كلّ العالم الإسلامي، ويمكن لهذه العمليّة أن تؤثّر تربويّاً وروحيّاً وأخلاقيّاً ودينيّاً في كلّ العالم الإسلامي.
ولماذا يذهب إلى زاويةٍ من الزوايا فيعيش هناك؟ لأجل أن يُنشئ مجتمعاً إسلاميّاً؟!
هذا هو الشي‏ء الذي لم يكن بالإمكان على عهد أبيه (عليه الصلاة والسلام) في الكوفة، التي كان فيها عددٌ كبير من البقيّة الصالحة من الصحابة والتابعين، كانت الظروف الموضوعيّة لا تسمح بذلك في الكوفة لعليٍّ، فكيف تسمح بذلك للحسين في اليمن؟!
أو يذهب لليمن لكي يمدّد عمره برهة أطول؟!
مثل هذا لا يتّفق مع مقصوده (عليه الصلاة والسلام). هو يريد أن يعيش على مسرح الأحداث لكي يستطيع بذلك أن يساهم في التغيير الذهني والروحي والنفسي للاُمّة الإسلاميّة.
الموقف الرابع: رفض المبايعة وهزّ ضمير الاُمّة بحيثيّات الخروج:
ولهذا كان لا بدّ له (عليه السلام) أن يختار الموقف الرابع الذي استطاع به:
1 - أن يهزّ ضمير الاُمّة من ناحية.
2 - وأن يشعر الاُمّة -من ناحيةٍ اُخرى- بأهمّية الإسلام وكرامته، هذا الدين الذي ضحّى هو (صلوات الله عليه) بنفسه وبالصفوة من أولاده وأهله وكلّ كراماته واعتباراته في سبيله.
3 - واستطاع -من ناحيةٍ ثالثةٍ- أن يدفع عمليّة التحويل -تحويل الخلافة إلى كسرويّة وقيصريّة- بدليلٍ على البطلان لا يمكن أن ينطفئ إلى يوم القيامة.
4 - ومن ناحيةٍ رابعةٍ أوضح لكلّ المسلمين مفهوم التنازل عند الإمام الحسن (عليه السلام)، وأنّ تنازل الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن إمضاء، وإنّما كان اُسلوباً تمهيديّاً لموقف الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).

المصادر :
1- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 342 :5؛ الفتوح 20 :5. الأخبار الطوال: 244؛ تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 383 :5؛ الفتوح 66 :5؛ الكامل في التاريخ 39 :4.
2- الأخبار الطوال: 245؛ مقاتل الطالبيّين: 111؛ دلائل الإمامة: 74؛ تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 386 :5. وقد نسب إلى بشر بن غالب الأسدي (الفتوح 70 :5) ومجمع بن عبدالله العائذي (أنساب الأشراف 172 :3؛ تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 405 :5؛ تجارب الاُمم 65 :2؛ الكامل في التاريخ 49 :4).
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.