انّ خلق الإنسان من أعظم بدائع الله وصنائعه ، حيث أثنى على نفسه بذلك وقال في كتابه العزيز : ( فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (1) ، فلم يبارك نفسه إلاّ لما كان يرى في هذا الموجود العجيب من الدرر المكنونة ، والمعارف المخزونة ، والأسرار الإلهيّة.
ووصف الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام الإنسان في مقطوعة شعريّة قائلاً :
دواؤك فيك وما تشعر / وداؤك منك وما تنظر
وتحسب أنّك جرم صغير/ وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي / بأحرفه يظهر المضمر (2)
فهو الكتاب المبين الذي وجوده سرّ من أسرار الله ونعمة من نعمه ، فمن جملة هذه النعم والآلاء التى أنعم الله بها على الإنسان نعمة الرؤيا في المنام ، الذي تحيّرت العقول في الإهتداء إليه ، ومعرفة معناه ؛ لأنّه كما نقرأ في القرآن الكريم أنّ علم التأويل علّمه الله عبده يوسف الصدّيق ، حيث قال ( وَكَذلِكَ يَحْتَبيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِن تَأوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) (3).
إذاً فلا عجب إن لم نهتدي إلى حقيقة الرؤيا وما يراه الإنسان في النوم ، فإنّنا لا ندري ما يحدث للإنسان حينما ينام ، فهل تخرج روحه حين النوم أم لا ؟
وهل تتعلّق الروح ببدن آخر يشبه بدنه موقّتاً ويفارقه إذا استيقظ ، فإلى أين يذهب ، وأي شيء يرى ؟
فهل تصعد الروح مع البدن إلى السماء أم ينتشر في الأرض ، أو بين السماء والأرض ـ كما عليه بعض الروايات ـ وكيف يرى الأشياء ، ممّن يتلقّى ذلك ، ولماذا تكون الرؤيا في بعض الأحيان صادقة واُخرى كاذبة ، ولماذا تظهر نتائج بعض المنامات عاجلة واُخرى آجلة ، وثالثة غير ذلك ؟
فهل لهذه المنامات تفسير صحيح أو شيء يرجع إلى ذوق المعبّر والمفسّر ، وهل التفسير يقع كما يفسّره المفسّرون أم لا يضرّ ذلك بالرائي مهما فسّروا رؤياه ؟
وهل يمكن أن نتّخذ من القرآن والروايات والأحاديث الإسلاميّة ضوابط للتفسير والتعبير للمنامات أم أنّ تأويل الرؤيا ممّا اختصّ به النبيّ والإمام ولا سبيل لغيرهم إلى ذلك ؟
فهذه مباحث مهمّة على ضوء القرآن والسنّة نشير إليها حسب الجهد ، حيث أشار الله سبحانه وتعالى في آيات عديدة وفي سور متعدّدة إلى هذه الحالة النفسانيّة في الإنسان ضمن بيان قصّة إبراهيم ويوسف ، وما رآه نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووردت روايات كثيرة في ذيل هذه الآيات تشرح وتفسّر ما ورد في القرآن ، وتزيح الستار عن بعض أسرار الرؤيا والمنامات.
أشار القرآن الكريم في بعض السور إلى آيات كثيرة ، وبألفاظ مختلفة إلى هذه الحالة في الإنسان ، وأرى الله جلّ وعلا أنبياءه أيضاً بعض المنامات في حياتهم ، وصدّق رؤياهم في بعض الآيات المباركات ما يلي :
1 ـ ما ورد من الآيات في سورة الصافّاتمنها :
قوله تعالى في قصّة إبراهيم : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى في الْمَنَامِ أنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاَذا تَرَى قَالَ يَا أبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (4)ومعنى « رأى » ـ كما قال به الطبرسي في مجمع البيان ـ على خمسة أوجه :
« ... والخامس بمعنى الرأي ، نحو : رأيت هذا الرأي ، وإمّا رأيت في المنام ، فمن رؤيت البصر ، فمعنى الآية إنّ إبراهيم قال لابنه : إنّي أبصرت في المنام رؤيا تأويلها الأمر بذبحك ، فانظر ماذا تراه ، أو أي شيء ترى من الرأي » (5).
ومنها : قوله تعالى : ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (6)
وتقديره : ناديناه بأن : يا إبراهيم ، فعلت ما اُمرت به في الرؤيا.
روى العيّاشي : بإسناده عن بريدة بن معاوية العجلي ، قال : « قلت لأبي عبدالله ، كم كان بين بشارة إبراهيم عليهالسلام بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق ؟ قال : « كان بين البشارتين خمس سنين. قال الله سبحانه : ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) (7)
يعني إسماعيل ، وهي أوّل بشارة بشّر الله بها إبراهيم في الولد ، ولمّا ولد لإبراهيم إسحاق من سارة ، وبلغ إسحاق ثلاث سنين أقبل إسماعيل عليهالسلام إلى إسحاق وهو في حجر إبراهيم ، فنحّاه وجلس في مجلسه ، فبصرت به سارة ، فقالت : يا إبراهيم ، ينحّي ابن هاجر ابني من حجرك ويجلس هو في مكانه ، لا والله ، لا تجاورني هاجر وابنها في بلاد أبداً ، فنحّهما عنّي ، وكان إبراهيم مكرماً لسارة ، يعزّها ويعرف حقّها ، وذلك لأنّها كانت من ولد الأنبياء وبنت خالته ، فشقّ ذلك على إبراهيم واغتمّ لفراق إسماعيل عليهالسلام.
فلمّا كان في الليل أتى إبراهيم آت من ربّه ، فأراه الرؤيا في ذبح إسماعيل بموسم مكّة ، فأصبح إبراهيم حزيناً للرؤيا التي رآها ، فلمّا حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم هاجر وإسماعيل في ذي الحجّة من أرض الشام ، فانطلق بهما إلى مكّة ليذبحه في الموسم ، فبدأ بقواعد البيت الحرام ، فلمّا رفع قواعده خرج إلى منى حاجّاً ، وقضى نسكه بمعنى ، ورجع إلى مكّة فطافا بالبيت الحرام إسبوعاً ، ثمّ انطلقا إلى السعي ، فلمّا صارا في المسعى ، قال إبراهيم عليهالسلام لإسماعيل : يا بنيّ ، إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك في موسم عامي هذا ، فماذا ترى ؟
قال : يا أبت ، افعل ما تؤمر ، فلمّا فرغا من سعيهما إنطلق به إبراهيم إلى منى وذلك يوم النحر ، فلمّا انتهى به إلى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه الأيسر ، وأخذ الشفرة ليذبحه نودي : أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا .. » (8).
ما ورد من الآيات في سورة يوسف
قصّ الله لنا في كتابه العزيز ضمن آيات عديدة قصّة يوسف مع إخوته ، حيث بدأت هذه القصّة من رؤيا رآها يوسف الصدّيق عليهالسلام ، وإليك الآيات التي فيها ذكرالرؤيا والتأويل :
فمنها : قوله تعالى : ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) (9).
ومنها : قوله تعالى : ( قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) (10).
ومنها : قوله تعالى : ( وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (11).
ومنها : قوله تعالى : ( قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِالله وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) (12).
ومنها : قوله تعالى : ( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) (13).
ومنها : قوله تعالى : ( قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ) (14).
ومنها : قوله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ) (15).
ومنها : قوله تعالى : ( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ) (16).
ومنها : قوله تعالى : ( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) (17).
ومنها : قوله تعالى : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (18).
ومنها : قوله تعالى : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )
أمّا الآيات التي مرّت علينا في سورة يوسف فهي ترشد إلى اُمور منها :
1 ـ إثبات الرؤيا ، ليوسف الصدّيق عليهالسلام في منامه ، وقد كرّر ذلك ثلاث مرّات بقوله : ( رَأَيْتُ ) ، ( رَأَيْتُهُمْ ) ، ( رُؤيَاي ) ، وهذا بخلاف قول المتكلّمين ، حيث أبطلوا الرؤيا وقالوا : « إنّ الرؤيا خيال باطل ».
2 ـ معرفة سيّدنا يعقوب عليهالسلام بتعبير الرؤيا ، ولذلك نهى ولده أن يقصّ رؤياه على إخوته ، وهذا ممّا أشار إليه العلاّمة الطباطبائي بقوله « فعبّرها أبوه له ، ونهاه أن يقصّها على إخوته ».
3 ـ إخبار القرآن الكريم عن لسان يعقوب بأنّ الله سوف يعلّمه من تأويل الأحاديث. فالمراد من ( تَأْوِيلِ ) : هو ما تنتهي إليه الرؤيا من الأمر الذي تتعقّبه ، وهي الحقيقة التي تتمثّل لصاحب الرؤيا في رؤيا بصورة من الصور المناسبة لمداركه ومشاعره ، كما تمثّلت سجدةُ أبوي يوسف وإخوته الأحد عشر في صورة أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ، وخرورهم أمامه ساجدين.
و ( الْأَحَاديثِ ) جمع حديث ، وربّما اُريد به ارؤى ؛ لأنّها من حديث النفس ، فإنّ نفس الإنسان تصوّر له الاُمور في المنام ، كما يصوّر الحدث لسامعه من اُمور عند اليقظة ، فالرؤيا من الحديث
4 ـ يفهم من قوله تعالى : ( إنّي أَرَاني أَعْصِرُ خَمْراً ... ) الآية ، أنّه عليهالسلام عرّف صنعته حين دخل السجن بأنّه يعلم تأويل الرؤيا ، وإلاّ كيف علما أنّه يعلم ذلك.روي العلاّمة الطباطبائي عن القمّي في تفسيره : « أنّه وكّل بيوسف رجلين
يحفظانه ، فلمّا دخل السجن قالوا له : ما صناعتك ؟ قال : اُعبّر الرؤيا »(18).
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّه لمّا أمرالملك بحبس يوسف عليهالسلام في السجن ألهمه الله تأويل الرؤيا ، فكان يعبّر لأهل السجن رؤياهم »
5 ـ أظهر عليهالسلام علمه بتعبير الرؤيا وقال : ( ذلِكُمَا مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي ) ، ونسب هذا العلم إلى الله جلّ وعلا.
6 ـ وفسّر رؤيا الملك بعد أن عجزوا عن تفسيرها ، وقالوا له : ( أَضْغَاثُ أَحْلَامِ ).
7 ـ ولمّا جمع الله شملهم قال لأبيه : ( هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ) وفي النهاية قدّم الشكر والثناء لله عزّوجلّ لما علّمه
من تأويل الأحاديث.
3 ـ ما ورد في القرآن في سورة الإسراءومنها : قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ).
قيل : هي الرؤيا المذكورة من الإسراء إلى بيت المقدس ، والمعراج ، والفتنة ، والإمتحان ، وشدّة التكليف ، وليتعرض المصدق بذلك لجزيل الثواب ، والمكذّب لأليم العقاب.
وقيل : هي الرؤيا التي رآها بالمدينة حين صدّه المشركون ، وإنّما كانت فتنة لِما دخل على المسلمين من الشبهة والشكّ لمّا تراخي الدخول إلى مكّة حتّى العام القابل.
4 ـ ما ورد من القرآن في سورة الفتح
ومنها : قوله تعالى : ( لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ).
قال الطبرسي : « روي عن ابن عبّاس : أنّها رؤية نوم رآها أنّه سيدخل مكّة وهو بالمدينة ، فقصدها ، فصدّه المشركون في الحديبية عن دخولها ، حتّى شكّ قوم ودخلت عليهم الشبهة ، فقالوا : يا رسول الله ، أليس قد أخبرتنا أنّا ندخل المسجد الحرام آمنين ؟!
فقال : أوَقلت لكم أنّكم تدخلونها العام ؟
قالوا : لا.
فقال : لندخلنّها إن شاء الله ، ورجع ثمّ دخل مكّة في العام القابل ، فنزل : ( لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ) ».
وقيل : رأى صلىاللهعليهوآله في منامه أنّ قروداً تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك ، واغتمّ به ، فلم يُرَ بعد ذلك ضاحكاً حتّى توفّي.
روى الكليني في الكافي : بسنده عن علّي بن عيسى القمّاط ، عن عمّه ، قال :
«سمعت أبا عبدالله يقول : هبط جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله ورسول الله كئيب حزين.
فقال : يا رسول الله ، ما لي أراك كئيباً حزيناً ؟
فقال : إنّي رأيت الليلة رؤيا.
قال : وما الذي رأيت ؟
قال : رأيت بني أميّة يصعدون المنابر وينزلون منها.
قال : والذي بعثك بالحق نبيّاً ، ما علمت بشيء من هذا ، وصعد جبرئيل إلى
السماء ، ثمّ أهبطه الله جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها ، قوله : ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (19) ، وأنزل الله جلّ ذكره : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (20)
5 ـ ما ورد من القرآن في سورة الأنفال
وأشار القرآن أيضاً في سورة الأنفال إلى الرؤيا التي رآها النبيّ صلىاللهعليهوآله قبل
التلاحم مع المشركين في غزوة بدر ، فقال جلّ وعلا : ( إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي
مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ
الله سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (21).
قال العلاّمة الطباطبائي : « والآية تدلّ على أنّ الله سبحانه أرى نبيّه صلىاللهعليهوآله رؤيا مبشّرة رأى فيها ما وعده الله من إحدى الطائفتين أنّها لهم ، وقد أراهم قليلاً لا يعبأ بشأنهم ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ذكر ما رآه للمؤمنين ، ووعدهم وعد تبشير ،
فعزموا على لقائهم .. ».
وقال أمين الإسلام الطبرسي ـ في ذيل هذه الآية المباركة ـ : « معناه يركهم الله في مومك قليلاً لتخبر المؤمنين بذلك ، فيجترئ المؤمنون على قتالهم ، وهذا قول أكثر المفسّرين »
وقال في ردّ الحسن ، حيث نقل عن البلخي بأنّ معنى قوله : ( في مَنَامِكَ ) في موضع نومك ، أي في عينك التي تنام بها ، وليس من الرؤيا في القوم ، وهذا بعيد لأنّه خلاف الظاهر
ثمّ قسّم الرؤيا إلى أقسام وقال : « والرؤيا على أربعة أقسام : رؤيا من الله عزّ وجلّ لها تأويل ، ورؤيا من وساوس الشيطان ، ورؤيا من غلبة الأخلاط ، ورؤيا من الأفكار ، وكلّها أضغاث أحلام ، إلاّ الرؤيا من قِبل الله تعالى التي هي إلهام في المنام ورؤيا النبيّ صلىاللهعليهوآله هذه كانت بشارة له وللمؤمنين بالغلبة »
ما ورد في القرآن في سورة يونس
قوله تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
قال الطريحي : « فسّرت البشرى في الحياة الدنيا بالرؤيا الصالحة في الدنيا
يراها الرجل الصالح فيستبشرها ، أو يرى له ما بشّر الله به المتّقين في غير موضع من كتابه ، وفي الآخرة الجنّة ، أو يبشّر بها عند الموت »
وقال الطبرسي في تفسير هذه الآية : «قيل : فيه أقوال :
أحدها أنّ البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشّرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة.
وثانيها أنّ البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة للمؤمنين عند موتهم بأن لا تخالفوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون.
وثالثها أنّها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو تُرى له ، وفي الآخرة بالجنّة ، وهي ما تبشّرهم الملائكة عند خروجهم من القبور وفي القيامة إلى أن يدخلوا الجنّة ، يبشّرونهم بها حالاً بعد حال »
وعن الرضا عليهالسلام « إنّ النبيّ كان يفسّر المبشّرات بالرؤيا » ، كما عن الكافي بسنده عن معمّر بن خلاّد عن الرضا عليهالسلام ، قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا أصبح قال لأصحابه : هل من مبشّرات ؟ يعني به الرؤيا »
وممّا يؤيّد أنّ البشرى هي الرؤيا في الدنيا يراها المؤمن ما فسّره النبيّ صلىاللهعليهوآله ،
قال « أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله رجل من أهل البادية له جسم وجمال ، فقال : يا رسول
الله ، أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )
فقال : أمّا قول الله عزّ وجلّ : ( وَفي الآخِرَةِ ) فأنّها بشارة المؤمن عند الموت ، يبشّر بها عند موته أنّ الله قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك » (22).
وعن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « قال رجل لرسول الله صلىاللهعليهوآله في قول الله عزّ وجلّ : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا ) ، قال : هي الرؤيا الحسنة ، يرى المؤمن فيبشّر بها في دنياه » (23).
روى عبادة بن الصامت عنه صلىاللهعليهوآله في قوله تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا ) ، قال : « هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو تُرى له ، وهو كلام يكلّم به ربّك عبده في المنام » (24).
المصادر :
1- المؤمنون 23 : 14.
2- ديوان الإمام عليّ عليهالسلام : 179.
3- يوسف 12 : 6.
4- الصافّات 37 : 102.
5- مجمع البيان 8 / 709.
6- الصافّات 37 : 104 و 105.
7- الصافّات 37 : 101
8- مجمع البيان : 8 / 710 ، نقلاً عن العيّاشي.
9- يوسف 12 : 4.
10- يوسف 12 : 5.
11- يوسف 12 : 36.
12- يوسف 12 : 37.
13- يوسف 12 : 43.
14- يوسف 12 : 44.
15- يوسف 12 : 45
16- يوسف 12 : 46
17- يوسف 12 : 47 ـ 49.
18- الميزان في تفسير القرآن : 12 / 182.
19- الشعراء 26 : 205 ـ 207.
20- القدر 97 : 1 ـ 3./الكافي : 8 / 222.
21- الأنفال 8 : 43.
22- من لا يحضره الفقيه : 1 / 133.
23- الكافي : 8 / 90 تفسير الصافي : 1 / 757.
24- الدرّ المنثور : 3 / 311.