سنة ١٦٤٦ميلادي: بقيت المحافل الماسونيَّة في اسكوتلندا وفرنسا وألمانيا وغيرهما من الممالك تجتمع حسب عادتها بنجاح مستمر فانتظم في سلكها السراة والأشراف والأغنياءُ والعلماءُ، ومن ذلك الوقت أخذ موضوع الجمعية يتغير عما كان عليهِ وصار أكثر عملها رمزيًّا لا عمليًّا، وقام إلياس أشمول العالم بالآثار.
والذي أسس متحف أُكسفورد ونقح قوانين جمعية الصليب الأحمر التي أُنشئت في لندن وطبقها على تعاليم الجمعية الماسونيَّة العملية، وغيَّر وبدَّل في إشاراتها ورموزها حتى صارت تقرب من رموز البنَّائين وإشاراتهم، إلى غير ذلك مما يطول شرحه، فقبلت تلك الجمعية عمله بالشكر، وصارت تعقد جلساتها في محافل البنَّائين الأحرار.
والتاريخ الماسوني الإنكليزي يمتدح اجتهاد هذا الأخ الفاضل، ويقول إنه خدم الماسونيَّة بكل جهدهِ وجمع كثيرًا من بقاياها فعلم أنها تشبه ما هي عليهِ الآن من جهة أسرارها وإشاراتها وأقسامها وكل أعمالها، وتحقق قدميتها حسبما دوَّناه في هذا الكتاب، ويتضح من كتابات الدكتور نيب من كنيسة المسيح في أُكسفورد أنهم وجدوا مجموعات ثمينة من تاريخ الماسونيَّة نسقها ورتبها ونقحها إلياس أشمول وعليها عوَّل المؤرخون وصدَّقوها لانطباقها على حالة الجمعية في كل زمان ومكان، والتاريخ الفرنسوي يمدح هذا الأخ، ويقول إنه لما رأى نجاحه في العمل خطر في بالهِ أن يحوِّر في الدرجات التي كان يُقبل الطالب بها فنقَّح فيها كثيرًا، ووافقت المحافل البريطانية على كل ما ارتآه حسنًا وعوَّلت عليهِ من ذلك الحين، وتوفي سنة ١٦٤٦ فحزن عليهِ الماسون حزنًا عظيمًا.
تشارلس الأول ملك إنكلترا
أما تشارلس الأول فولد في مدينة دنفرملين في ١٩ نوفمبر سنة ١٦٠٠، وهو الولد الثاني لجمس ستورت، ولما توفي أبوه في ٢٧ مارس سنة ١٦٢٥ جلس تشارلس مكانه وكان محبوبًا عند الأمة يدهش الناس بجمالهِ وظرافتهِ، وكان متوسط الجسم عذب المنطق، بارعًا مهذبًا يميل إلى ركوب الخيل، ويحب الاستبداد، وتزوج البرنسس هنريتا ابنة هنري الرابع ملك فرنسا فأتت معها بقسوس وخدم فرنسويين، فأغروا تشارلس بأمور لم يستحسنها الإنكليز.وكان بينه وبين البرلمان مقاومة وخصومة واستبدَّ في سلوكهِ فنفر الناس منه. وسنة ١٦٤٢ حدثت حرب أهلية بين حزب الملك وحزب المجلس، وانتصر «أوليفر كرومويل» على الملك فقبض عليهِ وأبقاه في قصره.سنة ١٦٤٩ميلادي: وفي ٣٠ نوفمبر سنة ١٦٤٩ أمر «كرومويل» فأُتي بالملك للقتل والعسكر حوله بالسلاح فتقدم نحوهم بثبات وهدوءٍ، وقال:
لقد نزعوا عني تاجي الذي يفنى، ولكني ذاهبٌ لأنال تاجًا لن يفنى، ثم جثا على ركبتيهِ وصلَّى والتفت نحو الشعب وودَّعهم فأثَّر ذلك بهم أشد تأثير، ولا سيما بجماعة الماسون الذي كان منهم، وأمر كرومويل فوضع عنق الملك على خشبة ورفع الجلَّاد فأسه وقطع بها رأسه، فحقد الماسون من تلك الساعة على كرومويل، ولكنهم لم يجسروا على مقاومتهِ، بل أخفوا ابن تشارلس عنه لئلا يودي بهِ كأبيهِ. واستولى كرومويل على زمام المملكة وألقى مهابته في قلوب الناس وجعل إنكلترا جمهورية، وسنة ١٦٥٤ نودي بهِ حاكمًا وبقي أربع سنين ثم مات بالحمى سنة ١٦٥٨ وعمره ٥٩ سنة، وخلفه ابنه رتشرد في ذلك المنصب وبقي أربعة أشهر فقط.
منهاج جديد في الماسونيَّة
سنة ١٦٥٠ميلادي: وكانت الماسونيَّة من سنة ١٦٥٠، أي بعد مقتل «تشارلس الأول» قد نهجت منهجًا جديدًا بخلاف عادتها؛ لأنها لم تعد تحتمل الظلم — قال صاحب «التاريخ الماسوني الفرنسوي»:إن ماسون إنكلترا عمومًا وماسون اسكوتلندا خصوصًا استاءوا من ظلم كرومويل المغتصب وابتدءوا يشتغلون سرًّا وجهرًا ليلًا ونهارًا ليردُّوا إلى سرير الملك الوريث الشرعي لتشارلس الأول، ويخلعوا «كرومويل» فاستخدموا لذلك الإشارات والرموز المستعملة عند الماسون للتعارف ليتمكنوا من الاجتماع والمداولة فيما ينبغي عمله، ولما كان بينهم مبتدئون وأشخاص ضعفاءُ أدبيًّا لا يمكنهم أن يطلعوهم على هذا السر العظيم شكلوا درجات عالية لقبول من يروا فيهِ اللياقة للعمل وقبلوه في سلكهم فرحين، وفي خلال هذه المدة أدخلوا تشارلس الثاني ابن تشارلس الأول في محافلهم الماسونية وأطلعوه على ما ينوون.
سنة ١٦٦٠ميلادي: وسنة ١٦٦٠ كان الجنرال «جورج منك» الماسوني الشهير الذي كان صاحب سطوة وهيبة في العسكرية قد دعا بكر تشارلس الأول الذي كان مختفيًا ليعود إلى لندن، ويستلم زمام الملك فأتاها، وفي ٨ مايو سنة ١٦٦٠ سُمي ملكًا على إنكلترا باسم تشارلس الثاني.
وخلع «كرومويل» وقتئذٍ فقدر «تشارلس» ذلك للماسون حق قدرهم واندفع من ذلك الوقت أشد الاندفاع لخدمة هذه الجمعية، وكان يسميها الصناعة الملوكية، ويجتمع مع الإخوان في المحافل فَنَمَتْ وزَهَتْ في أيامهِ بعدما كانت قد تأخرت في أيام «كرومويل» المغتصب وترقى الجنرال مِنك وغيره وعوقب قتلة أبيهِ.
سنة ١٦٦٣ميلادي: وفي ٢٧ ديسمبر سنة ١٦٦٣ اجتمعت الماسونيَّة الإنكليزية اجتماعًا عموميًّا في مدينة يورك برئاسة «تشارلس الثاني»، فانتخبوا «هنري جرمين أرل أوف سانت ألبانو» أستاذًا أعظم وهو اختار «يوحنا دنهام» نائبًا له والسر «خريستوفر ورن» ١٤ الذي منحه «تشارلس الثاني» رتبة الباث منبهًا أول، و«يوحنا وب» منبهًا ثانيًا، وفي تلك الجلسة عمَّ الاتحاد المحافل كلها وتقرر اتباع المواد الآتية في سائر المحافل، وهي:
1- لا يُقبل أحد في الماسونيَّة مهما كان مقامه إلا في محفل قانوني مؤلَّف من رئيس سابق أو حالي ومنبهين وموظفين أصوليين.
2- لا يُقبل في الماسونيَّة إلا أقوياءُ الجسم المعروف لهم والدان شرعيان (أبناء حسب ونسب)، وينبغي أن يكون صيتهم حسنًا وسريرتهم طاهرة ويحافظون على شرائع المملكة.
3- لا يَقبل محفل ماسوني إلحاق أخ فيهِ من محفل آخر ما لم يكن معه شهادة من محفلهِ الأصلي موضح فيهِ اسم المحفل وتاريخ القبول، وقبل قبولهِ يكتب الرئيس اسمه ويعرضه في كل اجتماع، ومتى قُبِل يُكتب اسمه بين الأسماء الملحقة ويُحفظ في سجل المحفل.
4- على كل ماسوني يرغب زيارة أي محفل غير محفلهِ أن يجلب معه شهادة من محفلهِ لكي يُقبل كأخٍ في المحافل التي يزورها.
5- يتعين أستاذ أعظم للمحافل ويحكم عليها بنظام من الآن فصاعدًا، وفي الاجتماع السنوي لكل محفل ينتخب له الموظفون للسنة كلها.
6- لا يُقبل أحد في الماسونيَّة قبل بلوغهِ الحادية والعشرين من العمر.
سنة ١٦٦٦ميلادي: وفي شهر يونيو سنة ١٦٦٦ خلف أرل أوف سانت ألبانو ثوماس سافاج أرل أوف ريفرس، وانتخب السر خريستوفور وَرِن نائبًا له أيضًا، وأظهر خريستوفور وَرِن أهليةً ولياقةً في الماسونيَّة دلَّت على أنه أهل لكل اعتبار، ونجحت المحافل التي كانت تجتمع في ذلك الوقت باهتمامه، خصوصًا محفل مار بولس ومحفل أنتكوتي الذي رأسه أكثر من ثمانية عشر عامًا، وبرهن في كل أعمالهِ على ثقة الماسونيَّة بهِ، وظهر من مراجعة سجلات محفل أنتكوتي أنه كان يحضر كل اجتماعاتهِ القانونية وأهدى إليهِ ثلاثة شمعدانات من خشب الماهوكونو لا تزال محفوظة تذكار شرف وكنزًا ثمينًا يردد الرحمة عليهِ لأجلها كل ماسوني يقرأُ عنه في كتابات الأحرار.
تشارلس الثاني ملك إنكلترا
سنة ١٦٦٦ميلادي: ولد تشارلس الثاني بكر تشارلس الأول في مدينة دنفرملين في ٢٩ مايو سنة ١٦٣٠ وعندما قُتل أبوه في ٣٠ نوفمبر سنة ١٦٤٦ طلبه كرومويل ليلحقه بأبيهِ؛ لأنه خاف من هياج العساكر وبكاء الشعب عندما قطع رأس تشارلس الأول، وكان جماعة الماسون قد أبعدوه وحدثت حروب وفتن أثناء ذلك الوقت لا محل لذكرها في هذا الكتاب.وجاء تشارلس إلى اسكوتلندا فأدخلوه الماسونيَّة وتوجوه ملكًا عليها، وحارب إنكلترا سنة ١٦٥١ بالجيش الاسكوتلندي الذي كان عنده لعله يعود إلى ما كان عليهِ والده فغُلِب وهرب إلى فرنسا، ودوَّخ كرومويل اسكوتلندا، وبقي تشارلس في فرنسا وهولندا وغيرهما إلى أن تغيَّرت الأحوال وجاء الجنرال منك بسبعة آلاف فارس في ٣ فبراير سنة ١٦٦٠ من اسكوتلندا ودخل لندن، حيث حادث البرلمان بعودة الملك تشارلس الثاني وجلوسهِ على عرش الملك فقرر البرلمان ذلك.
وفي ٨ مايو سنة ١٦٦٠ أُعلن تشارلس الثاني ملكًا لإنكلترا واسكوتلندا فأحضره الجنرال منك من هولندا إلى إنكلترا في ٢٩ مايو الذي هو يوم عيد ولادتهِ فدخل لندن باحتفال عظيم وسط تهليل الأمة، وكان حَسَنَ الخصال حميد السلوك، ولكنه لم يُحسن التصرف بالملك كما ينبغي وأمر فنبشوا قبر كرومويل وغيرهِ من الذين قتلوا أبيهِ تشارلس الأول وصلبهم وعاقب الأحياءَ منهم.
وفي بداية ملكهِ على إنكلترا تأسست فيها الجمعية الملكية سنة ١٦٦٠، فكانت سببًا لتقدم العلوم والمعارف في تلك البلاد.
وتزوَّج كاترينا براغنزه ابنة ملك البورتغال سنة ١٦٦٢ فجلبت صداقها خمسمائة ألف ليرة ومستعمرتي طنجة في أفريقيا وبمباي في الهند فترك تشارلس طنجة لعدم انتفاعهِ منها وأعطى بومباي للشركة الشرقية الهندية.
وسنة ١٦٦٣ كان أول ضرب الجنيه الإنكليزي، وسمِّيت «جنيه» بسبب جلب الذهب من غينيا بمعرفة أرباب الشركة التجارية الأفريقية. ونشط الجمعية الماسونيَّة أي تنشيط، وكان رئيسًا عليها مدة حياتهِ.
وجرت حروب وقلاقل في مدة ملكهِ وأمور عظيمة جدًّا، وتوفي بداء السكتة في ٦ فبراير سنة ١٦٨٥ (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في تراجم مشاهير الماسون»).
المصدر : راسخون 2017