حقيقة الرؤيا وسببها وفوائدها

إنّ من آيات الله جلّ وعلا النوم في الليل والنهار لاستراحة القوى النفسانيّة وقوّة القوى الطبيعيّة ، كما أشار القرآن الكريم بذلك حيث قال : ( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ )
Sunday, July 23, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
حقيقة الرؤيا وسببها وفوائدها
حقيقة الرؤيا وسببها وفوائدها



 

إنّ من آيات الله جلّ وعلا النوم في الليل والنهار لاستراحة القوى النفسانيّة وقوّة القوى الطبيعيّة ، كما أشار القرآن الكريم بذلك حيث قال : ( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) (1)
وكما يظهر من قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ) (2)
وأنّه منّ علينا بأن جعل نومنا ممتدّاً طويلاً ، لما في ذلك لنا من المنفعة والراحة ، فإنّ السبات هو النوم ، أو هو النوم الممتدّ الطويل ، كما قال به بعض (3).
فيخرج الروح من جسم النائم إمّا دائماً فهو الموت ، وإمّا مؤقّتاً فيرجع إلى جسمه بإذن الله. فيسير إمّا إلى ربّ العالمين ، وإمّا أن يكون بين السماء والأرض ، فما رأى في عروجه وسيره يسمّى رؤيا ، فإن كان إلى الله فهو حقّ ، وما كان بين السماء والأرض فهو أضغاث أحلام ، كما أشار بذلك النبيّ وأهل بيته الكرام. وإليك ما روي :
روى الصدوق : بسنده عن عليّ عليه‌السلام ، قال : « سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الرجل ينام فيرى الرؤيا ، فربّما كانت حقّاً وربّما كانت باطلاً.
فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ، ما من عبد ينام إلاّ عرج بروحه إلى ربّ العالمين ، فما رأى عند ربّ العالمين فهو حقّ ، ثمّ إذا أمر الله العزيز الجبّار بردّ روحه إلى جسده ، فصارت الروح بين السماء والأرض ، فما رأته فهو أضغاث أحلام » (4).
وعن المسعودي عن أبي جعفر الجواد أنّه نقل عن آبائه صلوات الله عليهم ، قال : « أقبل أمير المؤمنين ومعه أبو محمّد عليه‌السلام وسلمان الفارسي ، فدخل المسجد وجلس فيه ، فاجتمع الناس حوله ؛ إذا أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين عليه‌السلام وجلس ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّي قصدت أن أسألك عن ثلاث مسائل ، إن أخبرتني بهنّ علمت أنّك وصيّ رسول الله حقّاً ، وإن لم تخبرني بهنّ علمت أنّك وهم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين : سل عمّا بدا لك.
فقال أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه ، وعن الرجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرجل كيف يشبه ولد الأعمام والأخوال ؟
فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمّد فقال : يا أبا محمّد ، أجبه.
فقال أبو محمّد : أمّا الإنسان إذا نام فإنّ روحه متعلّقة بالريح ، والريح متعلّقة بالهواء إلى وقت يتحرّك صاحبها إلى اليقظة ، فإذا أذن الله بردّ الروح جذبت تلك الروح الريح ، وجذبت الريح الهواء ، فرجعت الروح إلى مسكتها في البدن ، وإن لم يأذن الله بردّ الروح إلى صاحبها جذبت الهواء الريح ، وجذبت الريح الروح ، فلم ترجع إلى صاحبها إلى أن يببعثه الله تعالى » (5).
وفي المحاسن : عن أبيه ، عن حمزة بن عبدالله ، وعن جميل بن درّاج ، قال « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم صعّد الله بأرواحهم إليه ، فمن قضى عليه الموت جعله في رياض الجنّة بنور رحمته ، ونور عزّته ، وإن لم يقدّر عليه الموت بعث بها مع اُمنائه من الملائكة إلى الأبدان التي هي فيها » (6).
قال العلاّمة المجلسي : « إنّ الرؤيا تستند إلى اُمور شتّى :
فمنها : أنّ الروح في حالة النوم في حركة إلى السماء ، إمّا بنفسها ـ بناءً على تجسّمها كما هو الظاهر من الأخبار ـ أو بتعلّقها بجسد مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضاً بأن يكون للروح جسدان : أصلي ومثالي ، يشتدّ تعلّقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي ، ويضعف تعلّقها بالآخر .
وينعكس الأمر في حال النوم أو بتوجّهها وإقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف تعلّقها بالجسد بنفسها من غير جسد مثالي ، وعلى تقدير التجسّم أيضاً يحتمل ذلك كما يومئ إليه بعض الأخبار ، بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذا الجسد وإقبالها إلى عالم آخر ، وتوجّهها إلى نشأة اُخرى ، وبعد حركتها ـ بأي معنى كانت ـ ترى أشياء في الملكوت الأعلى ، وتطالع بعض الألواح التي اُثبتت فيها التقديرات ، فإن كان لها صفاء ولعينها ضياء يرى الأشياء كما اُثبتت ، فلا تحتاج رؤيا إلى تعبير .
وإن اُسدلت على عين قلبه أغطية أرماد التعلّقات الجسمانيّة والشهوات النفسانيّة فيرى الأشياء بصورة شبيهة لها ، كما أنّ ضعيف البصر ومؤف العين يرى الأشياء على غير ما هي عليه ، والمعارف بعلّته يعرف أنّ هذه الصورة المشتبهة التي اشتبهت عليه صورة لأيّ شيء. فهذا شأن المعبّر العارف بداء كلّ شخص وعلّته ، ويمكن أيضاً أن يظهر الله عليه الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة ، كما أنّ الإنسان قد يرى المال في نوم بصورة حيّة ، وقد يرى الدراهم بصورة عذرة ، ليعرف أنّهما يضرّان ، وهما مستقذران واقعاً ، فينبغي أن يتحرّز عنهما ويجتنبهما.
وقد ترى في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها ، ويحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ما أنسى به من الاُمور المألوفة والشهوات والخيالات الباطلة ، وقد مضى ما يدلّ على هذين النوعين في رواية محمّد بن القاسم ، ورواية معاوية بن عمّار ، وغيرهما.
ومنها : ما هو بسبب إفاضة الله تعالى عليه في منامه ، إمّا بتوسّط الملائكة أو بدونه ، كما يومئ إليه خبر أبي بصير وسعد بن أبي خلف.
ومنها : ما هو بسبب وسواس الشيطان ، واستيلائه عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة ، أو الطاعات التي تركها فيها ، أو الكثافات والنجاسات الظاهريّة والباطنيّة التي لوّث نفسه بها.
ومنها : ما هو بسبب ما بقي في ذهنه من الخيالات الواهية ، والاُمور الباطلة ، ويومئ إليه خبر ابن أبي خلف وغيره » (7).
فوائد الرؤيا والمنامات
لا ريب أنّ للرؤيا فوائد كثيرة لا نهتدي إلى كثير منها ؛ لأنّ فيها إشارات غيبيّة قد لا يصل إلى هذه الإشارات أي معبّر ومفسّر ، إلاّ النبيّ والإمام عليه‌السلام. وقد أشار إلى بعض الفوائد العلّامة الكبير الشيخ حسين النوري في دار السلام ، فقال رحمه‌الله :
1 ـ إنّ من تلك الفوائد أنّها طريق إلى الاعتراف الخالص عن شوب الشكّ والريب ، والتصديق الوجداني عن صميم الغيب بمقدّس وجوده جلّ ذكره بما يمكّنه في قلبه ويوجده فيه في المنام ، ويشرح صدره بآرائه آيات عظام يعرفه من سلك فيه ذللاً ، وأدرك منه جملاً ، وهو طريق قويم ، وصراط مستقيم ، لا يحتاج صاحبه إلى ترتيب المقدّمات والنظر في الدلالات.
2 ـ ومنها أنّها تدلّ على صدق الرسل المستلزم لثبوت مرسلها ، وعلى صدق ما أخبروا به من أحوال ما بعد الموت ، وأحواله المستلزم لثبوت رسالتهم.
3 ـ ومنها أنّها طريق لإثبات إمكان الإطّلاع على الغيوب الماضية والغابرة ، ورفع الإستبعاد عن معرفة أولياء الله بها ، وإخبارهم عنها ، ودفع توهّم اختصاص علم ذلك بذاته المقدّسة جلّ وعلا ، وإن كان ذلك بوجه آخر.
4 ـ ومنها أنّها طريق واضح إلى التصديق بنبوّة الأنبياء ، ووصاية الأوصياء ، بما تحدّوا به ، وممّا أخبروا به بأنّ القوم يرونه في المنام فكان كما قالوا.
5 ـ ومنها أنّها طريق إلى معرفة النفس المغايرة للبدن ، المستغنية في كثير من أفعالها عنه ، ومعرفة النفس المغايرة للبدن المستغنية في كثير من أفعالها عنه ، ومعرفة جسد آخر لها يشابه الجسد المحسوس في جميع الجوارح والأعضاء ، وبها يرفع استبعاد بعض منكري الصانع عزّ وجلّ ، وجود غائب منزّه عن جميع العوارض من جهة إنحصار الموجود عندهم فيما يدرك بالحواسّ الظاهرة.
6 ـ ومنها أنّها طريق لتلقّي التكاليف الكليّة ، والنواميس الإلهيّة ، التي بها تنتظم اُمور العباد ممّا يتعلّق بالمعاش والمعاد ، وهو مختصّ بزمرة إصطفاهم الله تعالى للإنباء ، وجعلهم وسائط فيضه ، وأوعية ما ينزل من السماء.
7 ـ ومنها أنّها طريقة إلى معرفة وجود عالم كبير واسع ، مشتمل على نظير جميع ما يوجد في هذا العالم بوجود أصفى وأتمّ وأوفى وأعمّ ، لا يغادر فيه منه شيء حتّى المآكل والمشارب ، والحدائق والكواعب ، والشدائد والمصائب ، وأمثالها من اللذّة والألم ، والمحن والنِعم ، يجدها كلّ أحد بالوجدان ، وربّما يبقى أثرها معه في عالم العيان ، كما حصل لجملة من الأعيان.
8 ـ ومنها أنّها طريق إلى رفع الاستبعاد عمّا ورد في تنعّم أصحاب القبور وتعذيبهم ، ولا يرى في أجسادهم أثر من ذلك ، وربّما يجتمع في مكان واحد من ينعّم أو يعذّب ، ولا يرى نفع أو ضرر من أحدهما إلى الآخر ، وغير ذلك من الشبهات التي ألقاها أبالسة الإنس والجنّ في قلوب الباطلين والضعفاء.
9 ـ ومنها أنّها طريق إلى التصديق الوجداني ، والإيمان بالغيب ، الذي أخبر به النبيّ الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا يجري على ابن آدم بعد حضور أجله من مرارة الموت وغصصه ، والأهوال التي اُعدّت له بعده من المسألة والعذاب والثواب والبعث والحشر والحساب والميزان والصراط والجنّة والنار ، غير ذلك.
10 ـ ومنها أنّها طريق إلى الإطّلاع على حال الأموات الذين انقطعت أخبارهم ، وعميت آثارهم ، وما هم فيه من نضرة النعيم أو مرارة الجحيم ، وفيه فوائد عظيمة أجلّها استدراك ما فات منهم من الطاعات ، وجبران ما عليهم من التبعات ، ممّا حرمه عن نيل المكارم ، وأدخله في مصافّ أهل الجرائم ، وكثيراً ما يخبرون في المنام عن سبب ما هم فيه من الآلام ، وهذه من سعة رحمة الكريم العلاّم.
11 ـ ومنها أنّها طريق إلى معرفة حال نفسه من السعادة والشقاء ، ومقامه عند ربّه في السخط والرضا ، وتصديق جزاء الأعمال الحسنة والقبيحة على طبق ما ورد في الشريعة القويمة ، فتكون حينئذٍ إمّا مبشّرة وجدانيّة ، وداعية ربّانيّة ، أو منذره روحانيّة ، ورادعة إلهيّة.
12 ـ ومنها أنّه مثال للحدث والإنتباه بعده مثال للبعث والنشور ، ودليل على إمكانهما ، مذكّر لهما في كلّ يوم وليلة ، ومنبّه للإنسان من نوم الغفلة.
13 ـ ومنها أنّ به يعرف زوال الدنيا ، وسرعة انقاضائها ، وكثرة تقلّباتها ، وعدم بقاء لذيذها وآلامها.
14 ـ ومنها التهيّؤ والإستعداد لاستقبال الأحداث التي ثبت تعبيرها على الوقوع ، ومحاولة دفع المكروه منها بالعمل المأثور الذي ورد عنه الرؤية المكروهة عملاً بالنصّ المعصومي المصرّح على أنّ الدعاء يردّ القضاء بعدما اُبرم إبراماً » (8).
المصادر :
1- الروم 30 : 23.
2- النبأ 78 : 9.
3- بحار الأنوار : 58 / 156 و 157.
4- بحار الأنوار : 58 / 158.
5- إثبات الوصيّة : 157.
6- المجالس : 178 ، بحار الأنوار : 58 / 165.
7- بحار الأنوار : 58 / 218.
8- بلغة الشيعة الكرام : 11 ، نقلاً عن دار السلام.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.