من فوائد الرؤيا في المنام هو الإهتداء إلى الطريق الصحيح والتشرّف إلى الإسلام ، كما اتّفق هذا الأمر لمجوسي أسلم هو وأهله إثر عمل عمله ، ورأى النبيّ صلىاللهعليهوآله في منامه وأراه منزله في الجنّة.
قال السبط ابن الجوزي : « قرأت على عبد الله بن أحمد المقدسي سنة أربع وستّمائة ، وقال : قرأت في الملتقط ـ والملتقط كتاب جدّي أبو الفرج ـ قال : كان ببلخ رجل من العلويّين نازلاً بها ، وكان له زوجة وبنات ، فتوفّي الرجل.
قالت المرأة : فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفاً من شماتة الأعداء ، واتّفق وصولي في شدّة البرد ، فأدخلت البنات مسجداً ومضيت لأحتال لهم في القوت ، فرأيت الناس مجتمعين على شيخ ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا شيخ البلد ، فتقدّمت إليه وشرحت حالي لي.
فقال : أقيمي عندي البيّنة إنّك علويّة ، ولم يلتفت علَيَّ ، فيئست منه وعدت إلى المسجد. فرأيت في طريقي شيخاً جالساً على دكّة وحوله جماعة ، فقلت :
مَن هذا ؟
فقالوا : ضامن البلد ، وهو مجوسي.
فقلت : عسى أن يكون عنده فرج ، فتقدّمت إليه وحدّثته حديثي ، وما جرى لي مع شيخ البلد ، وأنّ بناتي في المسجد ما لهم شيء يقوتون به ، فصاح بخادم له ، فخرج ، فقال : قل لسيّدتك تلبس ثيابها ، فدخل وخرجت امرأة معها جواري.
فقال إذهبي مع هذا المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار ، فجاءت معي وحملت البنات ، وقد أفرد لنا داراً في دارة ، فلمّا كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كـأنّ القيامة قامت ، واللواء على رأس محمّد صلىاللهعليهوآله ، وإذا قصر من الزمرّد الأخضر ، فقال : لمن هذا القصر ؟
فقيل : لرجل مسلم موحّد.
فتقدّم إليَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله فسلّم عليه ، فأعرض عنه.
قال : يا رسول الله ، تعرض عنّي وأنا رجل مسلم ؟!
فقال له : أقم البيّنة عندي إنّك مسلم ، فتحيّر الرجل.
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : نسيت ما قلت للعلويّة ، وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره.
فانتبه الرجل وهو يلطم ويبكي ، بثّ غلمانه في البلد ، وخرج بنفسه يدور على العلويّة ، فأخبر أنّها في دار المجوسي ، فجاء إليه فقال : أين العلويّة ؟
فقال : عندي.
فقال : اُريدها.
قال : ما إلى هذا سبيل.
قال : هذه ألف دينار وسلّمهنّ إليَّ.
فقال : لا والله ولا بمائة ألف دينار ، فلمّا ألحّ عليه قال له : المنام الذي رأيته ، أنا أيضاً رأيته ، والقصد الذي رأيته لي خلق ، وأنت تدلّ عليّ بإسلامک ، والله ما نمت ولا أحد في داري إلا وقد أسلمنا کلّنا علی يد العلويّة ، وعادت برکاتها علينا ، ورأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال لي : القصر لک ولأهلک بما فعلت مع العلويّة ، وأنتم من أهل الجنّة ، خلقکم الله مؤمنين في القِدم » (1).
انکشاف بعض الاُمور
ومن الاُمور المترتّبة علی هذه المنامات الصادقة من رؤية النبي أو أحد الأئمّة عليهمالسلام هو انكشاف بعض الحقائق والخفيّات ، والإهتداء إلى أمر قد خفي على الآخرين.قال السبّط ابن الجوزي : « قرأت على عبدالله بن أحمد المقدسي بهذا التاريخ ، قال : وجدت في كتاب الجوهري عن ابن أبي الدنيا أنّ رجلاً رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله في منامه وهو يقول : امضِ إلى فلان المجوسي وقل له : قد اُجيبت الدعوة ، فامتنع الرجل من أداء الرسالة لئلاّ يظنّ المجوسي أنّه يتعرّض له ، وكان الرجل في الدنيا في سعة ، فرأى الرجل رسول الله ثانياً ، وثالثاً ، فأصبح فأتى المجوسي وقال له في خلوة من الناس : أنا رسول رسول الله إليك ، وهو يقول لك قد اُجيبت الدعوة.
فقال له : أتعرفني ؟
قال : نعم.
قال : فإنّي أنكر دين الإسلام ونبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله.
فقال : أنا أعرف هذا ، وهو الذي أرسلني إليك مرّة ومرّة ومرّة.
فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، ودعى أهله وأصحابه
فقا لهم : كنت على ضلال ، ورجعت إلى الحقّ فأسلموا ، فمن أسلم فما في يده
فهو له ، ومن أبي فلينزع مالي عنده.
قال : فأسلم القوم وأهله ، وكانت له ابنة مزوّجة من ابن ابنه ، ثمّ قال لي :
أتدري ما الدعوة ؟
قلت : لا ، وأنا اُريد أن أسألك الساعة.
فقال : لمّا زوجّت إبنتي صنعت طعاماً ودعوت الناس إليه ، فأجابوا وكان إلى جانبنا قوم أشراف فقراء لا مال لهم ، فأمرت غلماني أن يبسطوا لي حصيراً في وسط الدار ، قال : فسمعت صبيّة تقول لاُمّها : يا اُمّاه ، قد آذانا المجوسي برائحة طعامه ، قال : فأرسلت إليهنّ بطعام كثير وكسوة ودراهم للجميع ، فلمّا نظروا إلى ذلك قال الصبيّة للباقيّات : والله ما نأكل حتّى ندعو له ، فرفعن أيديهنّ وقلن :
حشرك الله مع جدّنا رسول الله ، وأمّن بعضهم ، فتلك الدعوة التي اُجيبت » (2).
الإخبار بقبول العمل
ومن هذه الفوائد أيضاً كما ورد في تاريخ الإمام الهادي عليهالسلام تفسير النبيّ صلىاللهعليهوآله من عمل بغا التركي الذي قدّمه لرضى الله ورسوله.قال المسعودي : « وفي سنّة ثمان وأربعين ومائتين كانت وفاة بغا الكبير التركي ، وقد نيّف على التسعين سنة ، وقد كان باشر من الحروب ما لم يباشره أحد ، فما أصابته جراحة قطّ .. وكان بغا ديّناً من بين الأتراك ، وكان من غلمان المعتصم ، يشهد الحروب العظام ، ويباشرها بنفسه ، فيخرج منها سالماً ويقول :
الأجل جوشن ، ولم يكن يلبس على بدنه شيئاً من الحديد ، فعذّل في ذلك ،
فقال : رأيت في نومي النبيّ صلىاللهعليهوآله ومعه جماعة من أصحابه فقال لي : يا بغا ،
أحسنت إلى رجل من اُمّتي ، فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك.
قال : فقلت : يا رسول الله ، ومن ذلك الرجل ؟
قال : الذي خلّصته من السباع.
فقلت : يا رسول الله ، سل ربّك أن يطيل عمري ، فرفع يديه نحو السماء ،
وقال : اللّهمّ أطل عمره ، وأتمّ أجله.
فقلت : يا رسول الله ، خمس وتسعون سنة ، فقال رجل كان بين يديه : ويوقى من الآفات.
فقلت للرجل ، مَن أنت ؟
قال : أنا عليّ بن أبي طالب ، فاستيقظت من نومي وأنا أقول عليّ بن أبي طالب.
وكان بغا كثير التعطّف والبرّ للطالبيّين ، فقيل له : مَن كان ذلك الرجل الذي خلّصته من السباع ؟
قال : كان اُتي المعتصم برجل قد رمي ببدعة ، فجرت بينهم في الليل مخاطبة في خلوة ، فقال لي المعتصم : خذه فألقه إلى السباع.
فأتيت بالرجل إلى السباع لألقيه إليها وأنا مغتاظ عليه ، فسمعته يقول : اللّهمّ إنّك تعلم ما تكلّمت إلّا فيك ، ولم أرد بذلك غيرك ، وتقريباً إليك بطاعتك ، وإقامة الحقّ على من خالفك ، أفتسلمني ؟
قال : فارتعدت وداخلتني له رقّة ، وملئ قلبي له رعباً ، فجذبته عن طرق بركة السباع ، وقد كدت أن أزجّ به فيها ، وأتيت به حجرتي فأخفيته فيها ، وأتيت المعتصم فقال : هيه.
قلت : ألقيته.
قال : فما سمعته يقول ؟
قلت : أنا عجمي ، وهو يتكلّم بكلام عربي ، ما أدري ما يقول ، وكان الرجل أغلظ ، فلمّا كان في وقت السحر قلت للرجل : قد فتحت الأبواب ، وأنا مخرجك مع رجال الحرس ، وقد آثرتك على نفسي ، ووقيتك بروحي ، فأجهد ألاّ تظهر في أيّام المعتصم.
قال : نعم.
قلت : فما خبرك ؟
قال : هجم رجل من عمّاله في بلدنا على ارتكاب المكاره والفجور ، وإماتة الحقّ ونصر الباطل ، فسرى ذلك إلى فساد الشريعة ، وهدم التوحيد ، فلم أجد عليه ناصراً ، فوثبت عليه في ليلة فقتلته ؛ لأنّ جرمه كان يستحقّ به في الشريعة أن يفعل به ذلك » (3).
تهديد الجبابرة والطواغيت
روى الصدوق : بسنده عن إبراهيم بن عبيدالله بن العلا ، قال : « حدّثتني فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم بن الحسين ، قالت : لمّا قتل أبو الدوانيق عبد الله بن الحسن بن الحسين بعد قتل إبنيه : محمّد وإبراهيم ، حمل إبني داود بن الحسين من المدينة مكبّلاً بالحديد مع بني عمّه الحسنيّين إلى العراق ، فغاب عنّي حيناً ، وكان هناك مسجوناً ، فانقطع خبره ، وأعمى أثره ، وكنت أدعو الله وأتضرّع إليه وأسأله خلاصه ، وأستعين بإخواني من الزهّاد والعبّاد وأهل الجدّ والإجتهاد ، وأسألهم أن يدعوا الله لي أن يجمع بيني وبين ولدي قبل موتي ، فكانوا يفعلون ولا يقصّرون في ذلك ، وكان يصل إليَّ أنّه قد قُتل ، ويقول قوم : لا ، قد بني عليه اسطوانة مع بني عمّه ، فتعظم مصيبتي ، واشتدّ حزني ، ولا أرى لدعائي إجابة ولا لمسألتي نجحاً ، فضاق بذلك ذرعي ، وكبر سنّي ، ورقّ عظمي ، وصرت إلى حدّ اليأس من ولدي لضعفي وانقضاء عمري.قالت : ثمّ إنّي دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهالسلام ، وكان عليلاً ، فلمّا سألته عن حاله ودعوت له وهممت الإنصراف ، قال لي : يا اُمّ داود ، ما الذي بلغك عن داود ؟وكنت قد أرضعت جعفر بن محمّد بلبنه ، فلمّا ذكره لي بكيت وقلت : جعلت فداك ، أين داود ؟
داود محتبس في العراق ، وقد انقطع عنّي خبره ، ويئست من الإجتماع معه ، وإنّي لشديدة الشوق إليه ، والتلهّف عليه ، وأنا أسألك الدعاء له ، فإنّه أخوك من الرضاعة.
قالت : فقال لي أبو عبد الله : يا اُمّ داود ، فأين أنت من دعاء الإستفتاح والإجابة والنجاح ؟ وهو الدعاء الذي يفتح الله عزّ وجلّ له أبواب السماء ، وتتلقّى الملائكة ، وتبشّر بالإجابة ، وهو الدعاء المستجاب الذي لا يحجب عن الله عزّ وجلّ ، ولا لصاحبه عند الله تبارك وتعالى ثواب دون الجنّة.
قالت : وكيف لي يابن الأطهار الصادقين ؟
قال : يا اُمّ داود ، فقد دنى هذا الشهر الحرام ـ يريد عليهالسلام شهر رجب ـ وهو شهر مبارك عظيم الحرمة : مسموع الدعاء فيه ، فصومي منه ثلاثة أيّام : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، وهي الأيّام البيض ، ثمّ اغتسلي في يوم النصف منه عند زوال الشمس ، وصلّي الزوال ثمان ركات ترسلين فيهنّ وتحسنين ركوعهنّ وسجودهنّ وقنوتهنّ ، تقرأ في الركعة الاُولى بفاتحة الكتاب ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، وفي الثانية ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ ) ، وفي الستّ البواقي من السور القصار ما أحببت ، ثمّ تصلّين الظهر ، ثمّ تركعين بعد الظهر ثمان ركعات تحسنين ركوعهنّ وسجودهنّ وقنوتهنّ ، ولتكن صلاتك في أطهر أثوابك في بيت نظيف ، على حصير نظيف ، واستعملي الطيب ، فإنّه تحيّة الملائكة ، واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يكلّمك أو يشغلك ، فإذا فرغت من الدعاء فاسجدي على الأرض ، وعفّري خدّيك على الأرض ، وقولي : لك سجدت ، وبك آمنت ، فارحم ذلّي وفاقتي وكبوتي لوجهي ، واجهدي أن تسبيح عيناك ، ولو مقدار رأس الذباب دموعاً ، فإنّه آية إجابة هذا الدعاء حرقة القلب ، وانسكاب العَبرة ، فاحفظي ما علّمتك ثمّ احذري أن يخرج عن يديك إلى يد غيرك ، ممّن يدعو به لغير حقّ ، فإنّه دعاء شريف ، وفيه اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وأعطى ، ولو أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً ، والبحار بأجمعها من دونها ، وكان ذلك كلّه بينك وبينه وبين حاجتك يسهّل الله عزّ وجلّ الوصول إلى ما تريدن ، وأعطاك طلبتك ، وقضى لك حاجتك ، وبلغك آمالك ، ولكن من دعا بهذا الدعاء الإجابة من الله تعالى ، ذكراً أو اُنثى ، ولو أنّ الجنّ والإنس أعداء لولدك لكفاك الله مؤنتهم وأخرس عنك ألسنتهم ، وذلّل لك رقابهم إن شاء الله.
قالت اُمّ داود : فكتب لي هذا الدعاء وانصرفت منزلي ، ودخل شهر رجب فتوخيّت الأيّام وصمتها ، ودعوت كما أمرني ، وصلّيت المغرب والعشاء الآخرة ، وأفطرت ثمّ صلّيت من الليل ما سنح لي مرتب في ليلي ، ورأيت في نومي كما صلّيت عليه من الملائكة والأنبياء والشهداء والعباد ، ورأيت النبيّ صلىاللهعليهوآله فإذا هو يقول لي : يا بنيّة ، يا اُمّ داود ، أبشري ، فكلّ ماترين أعوانك وإخوانك وشفعائك ، وكلّ من ترين يستغفرون لك ، ويبشّرونك ينجح حاجتك ، فابشري بمغفرة الله ورضوانه ، فجزيت خيراً عن نفسك ، وأبشري بحفظ الله لولدك ، وردّه عليك إن شاء الله.
قالت اُمّ داود : فانتبهت عن نومي ، فوالله ما مكثت بعد ذلك إلاّ مقدار مسافة الطريق من العراق للراكب المجدّ المسرع حتّى قدم عليّ داود.
فقال : يا اُمّاه ، إنّي لمحتبس بالعراق في أضيق المحابس ، وعلَيَّ ثقل الحديد ، وأنا في حال اليأس من الخلاص ؛ إذ نمت في ليلة النصف من رجب فرأيت الدنيا قد خفضت لي حتّى رأيتك في حصير في صلاتك وحولك رجال رؤسهم في السماء ، وأرجلهم في الأرض ، عليهم ثياب خضر يسبّحون من حولك ، وقال قائل جميع الوجه حلية النبيّ صلىاللهعليهوآله ، نظيف الثوب ، طيّب الريح ، حسن الكلام ، فقال : يابن العجوز الصالحة ، أبشر فقد أجاب الله عزّ وجلّ دعاء اُمّك ، فانتبهت فإذا أنا برسول الله أبي الدوانيق ، فادخلت عليه من الليل فأمر بفكّ حديدي ، والإحسان إليَّ ، وأمر لي بعشرة آلاف درهم وأن اُحمل على نجيب ، واستسعى بأشدّ السير ، فأسرعت حتّى دخلت إلى المدينة.
قالت اُمّ داود : فمضيت به إلى أبي عبدالله عليهالسلام فسلّم عليه وحدّثه بحديثه.
فقال له الصادق عليهالسلام : إنّ أبا الدوانيق رأى في النوم عليّاً عليهالسلام يقول له : أطلق ولدي وإلاّ لألقيتك في النار ، ورأى كأنّ تحت قدميه النيران ، فاستيقظ وقد سقط في يده ، فأطلقك » (4).
المصادر :
1- تذکرة الخواصّ : 330.
2- تذكره الخواص : 331.
3- مسند الإمام الهادي عليهالسلام : 164 ، عن مروج الذهب : 4 / 160.
4- فضائل الأشهر الثلاثة : 33.