الجماعة والاختلاف

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الاُمّة إلىٰ قيمها السليمة ومبادئها الأصلية ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها
Saturday, July 29, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الجماعة والاختلاف
الجماعة والاختلاف



 

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الاُمّة إلىٰ قيمها السليمة ومبادئها الأصلية ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقىٰ وسائل التقنية الحديثة.
إنّ الاختلاف ليس شيئاً بدعاً وكما أنه ليس رحمة ، وقلّما وجدت جماعة أو فرقة أو شعب أو حضارة لم يدبّ إليها الاختلاف فيقطع أوصالها ويفرّق جمعها ، بل لا نعلم جماعة اتسقت أُمورها وانتظمت وحدتها واستمرّ حالها علىٰ ذلك ، وقد ورد في أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من آله النّهي عن الاختلاف والفرقة (١)
إذ ما اختلفت جماعة إلاّ وكان بعضها متّبعاً للهوىٰ ، فالهوىٰ هو السبب الرئيسي إن لم نقل الوحيد للاختلاف ، وهكذا كان شأن هذه الأُمة الإسلامية التي تعبد ربّاً واحداً وتؤمن بكتاب واحد وبنبي واحد ، حيث دبّ الاختلاف فيها فتقطعت طرائق قدداً وأحزاباً شتىٰ وتقطعت تلكم الأحزاب إلىٰ أُخرىٰ وهكذا حتّىٰ اختلط الحابل بالنابل وكلّ يدّعي أنه علىٰ الصراط السويّ ، والأتعس من ذلك من يدّعي أنّ غيره علىٰ باطل محض.
ولسنا الآن بصدد البحث في هذه الاختلافات وأسبابها ومن يقف وراءها.
أقول وبالله التوفيق : أنا المدعو الهاشمي بن علي التونسي ، نشأت وترعرعت في مدينتي قابس مدينة البحر والواحة وعشت سنيّ طفولتي وشبابي في أحضان عائلة محافظة متوسطة الحال.
وكنت منذ سنيّ طفولتي متعلّقاً بالدين ، حيث ما زلت أذكر تلك الأيام الجميلة التي كنت أرافق فيها والدي لصلاة الجمعة في الجامع الكبير بالحيّ القديم من مدينتي ، وقد رزقني الله سبحانه حافظة عجيبة فكنت أرجع إلىٰ البيت وأحكي لأهلي ما قاله الإمام في خطبة الجمعة وما جاء فيها من وعد ووعيد.
وكانت لا تفوتني من الصلوات الخمس إلاّ صلاة الصبح ، حيث كان يتعذر عليّ حضورها لأنّ أهلي ما كانوا ليسمحوا لطفل صغير بالذهاب في ذلك الوقت المبكّر لأداء الصلاة ، وكانت تقام في ذلك المسجد دروس في تاريخ الأنبياء وتاريخ الصحابة وسيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما كان يفوتني منها حرف واحد.
وكنت أحفظ قصائد في مدح خير البريّة ، حيث كنت أواظب علىٰ الحضور في المناسبات الإسلامية وخاصّة في المولد النبوي الشريف ، وكان ممّا يرغبني في حضور تلك المناسبات ما يقدّم فيها من الحلويّات والمشروبات وما كان فيها من الزينة والجمال.
وقلّما مرّت فرصة يزورنا فيها أو أزور فيها بعض الأهل والأصدقاء إلاّ وطفقت أحدثهم عمّا امتلأت به ذاكرتي ، فتارة أُحدثهم عن النبي يوسف عليه‌السلام ، وأُخرىٰ عن تقوىٰ الصحابة وإيثارهم ، وثالثة عن القيامة ، ورابعة عن الجحيم وأهوالها ، وأُخرىٰ عن الجنة ونعيمها ، وكان البعض يتعجّب ممّا أقول فلم يكن سمع بذلك طول عمره ولا واتته الفرصة أن يسمع.
وهكذا استمر بي الحال حتّىٰ دخلت إلىٰ مرحلة التعليم الثانوي ، حيث بدأنا ندرس فيها التاريخ الإسلامي منذ عصر ما قبل الإسلام إلىٰ الفتنة الكبرىٰ كما يقولون.
الصدمة :
كنت أدرس في الصف مادة التاريخ ، وكان عندنا أُستاذ يتبنّىٰ الفكر القومي ، ولمّا مررنا علىٰ معركة صفّين ابتسم الأُستاذ وقال :
« فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتّىٰ يخدعوا جيش عليّ وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم ».
صعقني جدّاً هذا الكلام ، فقلت في نفسي أعمرو بن العاص يفعل هذا ؟
هذا الصحابي الجليل ـ الذي عرفناه من أقطاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر ؟!
إذاً أين تقوىٰ الصحابة وإخلاصهم الّذي يتحدث عنه شيوخنا ؟!
شعرت حينها بتمزّق نفسيّ شديد بين ثقافتي الإسلامية التي تقدّم كل الصحابة وترفعهم إلىٰ صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقّة ؟!
رجعت إلىٰ البيت مغموماً وسألت أخي عن المسألة فقال لي : إنّ هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهم ـ أي الصحابة ـ أدرىٰ بزمانهم و....
لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كلّ معنىٰ ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر ؟! فكيف بالصحابة ؟!
وتمضي السنوات وتبقىٰ في نفسي أشياء وأشياء ، لكني لمّا لم أصل إلىٰ الجواب قفلت عليها في صدري وألقيت حبلها علىٰ غاربها ومضيت...
وتشاء الأقدار أن تجمعني بصديق قديم وزميل دراسة كنّا تفارقنا مدة من الزمن وإذا بي أسمع أنه شيعيّ ؟!
لقد كنت أعتقد أنّ المذهب السنّي هو المذهب الصافي وخاصة أتباع الإمام مالك إمام دار الهجرة حيث أنّ أكثر إفريقيا مالكيّون ، وكنت أعتقد أنّ بقية المذاهب الثلاثة وإن كانت علىٰ الحق لكن المذهب المالكي أصفاها وأحقّها ، نعم كانت أحياناً تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الأربعة وكنت لا أرىٰ مبرّراً لاختلافها ، نعم لقد تعلّمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة وأنهم كلهم من رسول الله ملتمس ، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان ، لكني قنعت بحجّة شيوخنا أو ربمّا أقنعت بها نفسي.
وكنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة وأنهم متطرفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكاءهم علىٰ الحسين وسبّهم للصحابة فيزداد عجبي ، وكنت أتمنّىٰ أن ألتقي بواحدٍ منهم لاُقنعه أو علىٰ الأقل لأعرف لماذا هم هكذا.
كان أوّل ماناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشّرين بالجنة (2)
وقال لي : هل يُعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي في الجنة وقد قتل بعضهم بعضاً وشتم بعضهم بعضاً ؟! وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار ؟!
فكان ممّا أجابني به أنّ الصحابة علىٰ ثلاثة أقسام : قسم الثابتين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقسم المرتدّين ( فعلاً لا قولاً ) ، وقسم المنافقين ، وعليه لايمكن أن يكونوا كلهم عدولاً.
ومّما واجهني به صديقي هذا من الحجج حديث الثقلين الذي يقول فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض » (3)
وقد كفانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤونة إمامة الأُمّة السياسيّة والعلمية بالائمة من أهل بيته.
وخضنا نقاشات عديدة حول تنزيه الله تعالىٰ عن الرؤية والحركة والانتقال وتنزيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذنوب والكبائر والخطأ والنسيان.
وهكذا رأيت أنّ عائشة وحفصة نزلت فيهما سورة كاملة تهددهما بالطلاق وبعذاب النار... ورأيت أنّ كل بناء السنة العقائدي متهاوٍ بل هو من صنع وبناء حكّام بني أُمية أعداء الله ورسوله وبني العباس ومن بعدهم من الظالمين إلىٰ اليوم.
ورأيت أنّ الشيعة مذهب صافٍ عقلاني مليء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنّة المحمدية ولا مجال للخرافات والتحريفات والأكاذيب فيه ، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلىٰ الشيعة كلّ قبيح ، استفقت علىٰ أنّ مذهبهم حقّ ، ولهذا كثرت حوله الأباطيل والدعايات الباطلة التي لم يُرم بها حتّىٰ دين اليهود والمجوس.
وعرفت حينها معنىٰ قوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة ... ) (4).
وعرفت الحديث القائل : « الناس أعداء ما جهلوا ».(5)
وأنا من موقعي هذا أدعُ كل إنسان حرّ أن يطّلع علىٰ كتب الشيعة وعلىٰ آرائهم دون واسطة ، كما عرفت أنا كتب السنّة كالبخاري والموّطأ دون واسطة.
وقارنوا بين المذاهب ، فلسنا أقلّ من معاوية الذي قتل النفوس وأحدث الفتن ثم يقال عنه : إنّه اجتهد فأخطأ ، فنحن إن وصلنا إلىٰ الحقّ ـ إلىٰ دين الله ورسوله ـ فلنا أجران ، وإن لم نتوصّل إلىٰ ذلك فلعلّ الله يكتب لنا أجراً واحداً ، وذلك لصدق نيّاتنا وصفاء سرائرنا.
وجرّبوا أن تطالعوا عن التشيّع والشيعة الإثني عشريّة ، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سمّ كما يدّعي بعض العلماء المتحجّرين ، بل إنّ أحدنا يفاخر بأنّه قرأ مجموعة آثار فيكتور هيجو مثلاً أو اطّلع علىٰ مسرحيّات شكسبير وتجده جاهلاً بما يقوله إخوانه وبما يعتقدونه جهلاً مطبقاً. أقول قولي هذا واستغفر الله العلىّ العظيم
المصادر :
1- أنظر قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في نهج البلاغة: « الخِلافُ يَهْدمُ الرَّأْيَ » ص٦٤٦ .
2- سنن ابن ماجة ١ : ٤٨ ، باب فضائل العشرة.
3- سنن الترمذي : ج ٥ فضائل أميرالمؤمنين.
4- سورة الحجرات : ٦.
5- نهج البلاغة : ١٧٢ الكلمات القصار.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.