ما ذا يمكن لأهل الثناء والتعظيم أن يقولوا في حقّ أنصار الإمام الحسين عليهالسلام؟ وفي وصف منزلتهم وسمو شأنهم؟
وهل لغير معصوم ، قاصر ، أن يؤدّي في المدح والثناء والوصف حقّهم كما هم أهل له!؟
إنني أعترف بقصوري وعجزي ، ولا أجد مفرّا في لا بدّيّة الحديث عن رفعة مقامهم من أن ألجأ إلى نقل بعض ما ورد عن أهل بيت العصمة عليهمالسلام في وصفهم والتعريف بمنزلتهم :
إنّهم على صعيد الصحبة أوفى وخير أصحاب منذ أن كانت الدنيا وإلى أن تنقضي ، هذه الحقيقة شعّ بها ثناء الإمام الحسين عليهالسلام عليهم حين خطب فيهم قائلا :
« أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء ، اللهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، فاجعلنا لك من الشاكرين.
أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا عنّي خيرا ... » (١).
وأمّا على صعيد الشهادة ، فلا شهداء كشهداء عاشوراء من الأوّلين والآخرين!! هذا ما ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام في وصف رتبتهم ، فقد ورد عن الباقر عليهالسلام أنّه قال :
« خرج عليّ يسير بالناس ، حتّى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل ، تقدّم بين أيديهم حتّى طاف بمكان يقال له المقدفان ، فقال : قتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء ، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم » (٢).
وإن كانت بعض الروايات قد ألحقت شهداء بدر بشهداء كربلاء في رتبتهم ، كما روى الطبراني بسنده المتصل إلى شيبان بن مخرم ـ وكان عثمانيا ـ قال : إنّي لمع علي رضياللهعنه إذ أتى كربلاء ، فقال :
« يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلاّ شهداء بدر » (٣).
لكنّ ابن نما في ( مثير الأحزان ) قد أورد عن ميمون بن شيبان بن مخرم ، وكان عثمانيا قال : إنّا لنسير مع علي عليهالسلام إذ أتى كربلاء ، فقعد على تلّ ، فقال :
« يقتل في هذا الموضع شهداء الأشهداء » (٤).
ويكفي للقطع بأنّ شهداء الطفّ ليس كمثلهم شهداء مطلقا ما ورد في قول الإمام الحسين عليهالسلام من إطلاق في مدحهم حيث قال :
« ... لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ... » لشمول تفضيلهم فيه على من سبقهم ومن يأتي بعدهم.
ولسموّ منزلتهم ورد في الأثر أنّ أمّ سلمة ( رضي الله عنها ) رأت في المنام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرها أنّه قد فرغ لتوّه من حفر قبور للحسين عليهالسلام وأصحابه.
فقد روى الشيخ الطوسي قدسسره بسنده إلى غياث بن إبراهيم ، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « أصبحت يوما أمّ سلمة تبكي ، فقيل لها : ممّ بكاؤك؟ قالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة ، وذلك أنني ما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ مضى إلاّ الليلة ، فرأيته شاحبا كئيبا ، فقالت :
قلت : مالي أراك يا رسول الله شاحبا كئيبا!؟
قال : ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه! » (5).
فكفاهم عزّا وفخرا ومجدا أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحفر قبورهم بيديه المقدّستين.
ولسموّ منزلتهم وعلوّ شأنهم وتفرّد مقامهم وردت أخبار الملاحم وأنباء الغيب بأسمائهم وأسماء آبائهم! فقد ورد في الأثر أنّ ابن عبّاس لمّا عنّف على تركه الحسين عليهالسلام قال :
« إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم!! » (6).
وقال محمّد بن الحنفيّة :
« وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم!! » (7).
وما أحسن ما وصفهم به المؤرّخ السيّد محمّد بن أبي طالب الموسوي حيث يقول :
« رجال صدقت عهودهم ، ووفت وعودهم ، وخلص يقينهم ، وصفا معينهم ، لم يلبسوا الظلم إيمانهم ، ولم يشوبوا بشكّ إنفاقهم ، بذلوا الأجساد في طاعتهم ، وجادوا بالأرواح في نصرتهم ، فأثبتهم سبحانه في ديوان خواصّه ، وشرّفهم بتشريفه واختصاصه ، وألحقهم بدرجة ساداتهم ، ورقى بهم إلى منزل قادتهم ، لمّا بذلوا الأرواح والأجساد في جهاد الأعداء طاعة لربّهم ، وتلقّوا الصفاح والصعاد من أكفّ الأشقياء في حربهم ، وقويت بامتثال عزائم الله منهم العزائم ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، جعلهم أشرف أهل الجنّة بعد الأنبياء والمرسلين ، وسادة الشهداء من الأوّلين والآخرين ... » (8).
وأمّا عن عددهم فقد تفاوتت المصادر التأريخية في هذا الصدد ، لكنّ أعلا عدد ذكره التأريخ لهم أنّهم تجاوزوا المائة بقليل ( لمن حضر كربلاء مع الحسين عليهالسلام ) ، وكذلك فقد تفاوتت المصادر التأريخيّة في عدد الشهداء ، غير أنّ المشهور ـ كما عن المفيد رحمهالله ـ أنّهم كانوا اثنين وسبعين شخصا (9).
وكان فيهم من غير بني هاشم خمسة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأربعة وعشرون من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام عدا أولئك الخمسة من الصحابة .
يقول صاحب كتاب ( الحسين سماته وسيرته ) :
« ... أصحاب الحسين عليهالسلام ـ على قلّة العدد ـ ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء والفداء ، وكانوا أكبر من جيش الكوفة في الشجاعة والبطولة والإقدام ، وقد مجّد الإمام الحسين عليهالسلام بموقفهم العظيم في كلماته وخطبه في « يوم عاشوراء » ... أمّا هم ، فكانوا يقفون ذلك الموقف عن بصائر نافذة وعن خبرة وعلم اليقين بالمصير ...»
المصادر :
1- الكامل في التأريخ : ٤ / ٥٧ وتأريخ الطبري : ٣ / ٣١٥.
2- بحار الأنوار : ٤١ / ٢٩٥ ، باب ١١٤ ، حديث رقم ١٨.
3- المعجم الكبير : ٣ / ١١١.
4- مثير الأحزان : ٧٩.
5- أمالي الطوسي : ٩٠ المجلس ٣ وأمالي المفيد : ٣١٩ ، المجلس ٣٨ ، ح ٦.
6- مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٣.
7- مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٣.
8- تسلية المجالس : ٢ / ٣٤٦.
9- الإرشاد : ٢ / ١١٣ ، الأخبار الطوال : ٢٥٩ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٦.