تأثير النساء في سياسة الدولة

للمرأة تأثير كبير في أعمال الرجل، مهما يكن نوعها وفي أي عصر كان وأية أمة كانت، وإن اختلف مقدار ذلك التأثير باختلاف عادات الأمم وآدابها. فإذا كانت الدولة ملكية مطلقة كان للمرأة شأن كبير في سياستها، حتى في الإسلام
Wednesday, August 16, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
تأثير النساء في سياسة الدولة
 تأثير النساء في سياسة الدولة



 

للمرأة تأثير كبير في أعمال الرجل، مهما يكن نوعها وفي أي عصر كان وأية أمة كانت، وإن اختلف مقدار ذلك التأثير باختلاف عادات الأمم وآدابها. فإذا كانت الدولة ملكية مطلقة كان للمرأة شأن كبير في سياستها، حتى في الإسلام مع شيوع الطعن في آرائهن وقولهم: أن مشاورتهن في الأمور مجلبة للعجز ومدعاة إلى الفساد. وما من عظيم من عظماء الإسلام إلا ونهى عن مشورتهن وإدخالهن في الأمور.

الخدم ونفوذهم في الدولة العباسية

أقدم من سمعنا به من الخدم النابغين في الدولة العباسية مسرور خادم الرشيد، ولم يكن له شأن كبير. وأول من قرب الخدم واستكثر منهم الأمين بن الرشيد، فإنه لما تولى الخلافة طلب الخصيان وابتاعهم وغالى فيم، فصيرهم لخلوته ليله ونهاره وقوام طعامه وشرابه وأمره ونهيه، وعين منهم جماعة سماهم الجرادية وجماعة من الحبشان سماهم الغرابية.
ولم يقرب الأمين الخدم لحمايته أو سياسة دولته، ولكنه فعل ذلك انهماكًا في الترف والقصف. ومن أقوال الشعراء في عصره يصفون انصرافه إلى اللهو بالغلمان ويسمون بعضهم قولهم:
ألا يا أيها المثوى بطوس / عزيبًا ما تفادي بالنفوس
لقد أبقيت للخصيان هقلًا / يحمل منهم شؤم البسوس
فأما نوفل فالشأن فيه / وفي بدر فيا لك من جليس
وما للمعصمي شيء لديه / إذا ذكروا بذي سهم خسيس
وما حسن الصغير أخس حالًا / لديه عند مخترق الكؤوس
لهم من عمره شطر وشطر / يعاقر فيه شرب الخندريس
وما للغانيات لديه حظ / سوى التقطيب والوجه العبوس
إذا كان الرئيس كذا سقيمًا / فكيف صلاحنا بعد الرئيس؟
فلو علم المقيم بدار طوس / لعز على المقيم بدار طوس(1)

وكان لهوه من أعظم أسباب سقوطه.

ولم يكن للخدم شأن في أيام المأمون ولا المعتصم ولا الواثق، فلما استبد الأتراك وعلت كلمتهم في أيام المتوكل فما بعده، وصاروا يولون الخلفاء ويعزلونهم أو يقتلونهم، كان في جملة ما استعانوا به على الاستبداد بهم أن يحجروا عليهم قبل الخلافة، ويحبسوهم في القصور ليزيدوهم ضعفًا. وكان الخلفاء من الجهة الأخرى يميلون إلى حبس أولادهم وأقاربهم(2)
خوفًا من تواطئهم مع بعض الأتراك على خلعهم أو قتلهم. ولا عشير لهم في أثناء الحجر إلا الخدم والخصيان، فألفوا أخلاقهم وتحققوا بالاختبار أن حياتهم تتوقف بالأكثر على أمانة أولئك الخدم لما آنسوه من غيرتهم عليهم، وخصوصًا الخصيان إذ لا عصبية فيهم تمنعهم من التفاني في خدمة أسيادهم ولا مطمع لهم في الملك لأولادهم وأهلهم. فأصبح ولاة العهد إذا أفضت الخلافة إليهم بالغوا في تقريب الخدم بالعطايا والإكرام، التماسًا لحمايتهم إذا أراد الأتراك الفتك بهم. فعمدوا إلى الاستكثار من الخدم، وكانوا يقدمونهم ويكرمونهم ويستشيرونهم في أمورهم، فازداد الخدم نفوذًا وسطوة حتى أصبح الأتراك يخافونهم، وقد ارتقى كثيرون منهم في العصر التركي من الخدمة في المنازل إلى قيادة الجند أو الإمارة على الأقاليم.

فرق الخدم وطبقاتهم

ولما تكاثر الخدم في دور الخلفاء جعلوهم طبقات وفرقًا تعرف بأسماء خاصة، وفيهم الرومي والتركي والحبشي والأرمني والسندي والبربري والصقلبي، في فرق أشبه بفرق الجند ولهم الرواتب والجواري.
والمراد في الأصل بالخدم الغلمان أو العبيد أو المماليك الذين يقيمون في دور الخلفاء أو الأمراء للخدمة فيما يحتاجون إليه من مهام المنازل. فكانوا يبتاعون الغلمان وفيهم الحائك والسائس والحجام والخباز وغيرهم. ثم صاروا يستكثرون منهم للاستعانة بهم في حماية تلك المنازل أيام الشدة، على قدر ما يستطيعون بذله من المال في ابتياعهم. وأثمانهم تتفاوت من مئة دينار إلى ألف دينار أو أقل أو أكثر. وربما بلغ عدد الخدم عند بعض الأمراء إلى خمسمائة غلام أو ألف أو أكثر. فغلمان بغا الشرابي أحد قواد الأتراك بلغ عددهم ٥٠٠، وزاد عدد غلمان يعقوب بن كلس وزير الفاطميين بمصر على ٤٠٠٠.
أما في دور الخلفاء فكان الغلمان فرقًا تعرف بأسماء خاصة، كفرق الغلمان الأصاغر، والغلمان الحجرية، والرجال المصافية والركابية وغيرها. والفرق بين فرق الجند التركي وفرق الغلمان، أن الأجناد عساكر الدولة ينتظمون في خدمة المملكة، ويتقاضون رواتبهم من بيت المال، وفيهم المبتاع والمأجور، وأما الغلمان فهم مختصون بالأمير أو الخليفة لخدمته الشخصية أو حماية داره، وهم ملكه وينفق عليهم من ماله الخاص. وقد تتحول فرق الغلمان إلى فرق من الجند، أو يعملون معًا في خدمة الدولة على ما تقتضيه الأحوال. وقد يبتاع الخليفة العبيد؛ ليتقوى بهم على أعدائه مما لا ضابط له. وكثيرًا ما تستبد بعض فرق الخدم بالخليفة أو الأمير حتى تغلبه على أمره، وتفعل ما تشاؤه فيضطر الخلفاء أحيانًا إلى الفتك بهم غيلة بمساعدة فرق أخرى.(3)
وكان في دور الخلفاء صنف من الخدم الخصيان يغلب استخدامهم في دور النساء، وكانوا يستكثرون منهم أيضًا وأكثرهم من الطواشية السود. وكان أهل بغداد يسخرون بهم ويهزأون بأشكالهم ويتعرضون لهم في الطرق وينادونهم بعبارات التهكم كقولهم: «يا عقيق صب ماء واطرح دقيق … يا عاق يا طويل الساق»، وهم يشكونهم إلى الخلفاء، وأصاب الناس في أيام المعتضد شدة بسبب ذلك، فإن بعض أهل بغداد تعرضوا لبعض الطواشية السود سنة ٢٨٤ﻫ فاجتمعوا وكلموا المعتضد بما يلحقهم من ذلك، فأمر المعتضد بجماعة من العامة ضربوا بالسياط على أن الخصيان كثيرًا ما كانوا يرتقون في الدولة إلى مصاف الأمراء. (4)

القواد والوزراء من الخدم

وأول من استكثر من الخدم وقربهم ورفع منزلتهم المقتدر بالله، فقد تولى سنة ٢٩٥ﻫ وعنده من الخدم والخصيان ١١٠٠٠ خادم من الروم والسودان(5)
وكثير من المال والجوهر، فتمكن من الحكم ٢٥ سنة رد فيها رسوم الخلافة إلى ما كانت عليه. وكان يقدم الخدم ويستعين بهم، وقد ولاهم قيادة الجند وغيرها. وفي أيام نبغ مؤنس الخادم، فقدمه وكان يستشيره في أموره، فتصرف مؤنس في مصالح الدولة كما يشاء، وتولى رياسة الجيش وإمارة الأمراء وبيوت الأموال، واستبد بكل شيء، لكنه على الإجمال خدم الخليفة المقتدر خدمات ذات بال فلقبه الخليفة بمؤنس المظفر، ثم كانت بينهما وحشة تكررت حتى أدت إلى حروب انتهت بقتل المقتدر، وحملوا رأسه إلى مؤنس فلما رأى رأس مولاه بكى ولطم وجهه.
فالخلفاء إنما لجأوا إلى تحكيم الخدم والخصيان استبقاءً لحياتهم أو إحياءً لنفوذهم، ودفع استبداد جند الأتراك. ولم يكن ذلك خاصًّا بالدولة العباسية، بل شمل معظم الدولة الإسلامية المعاصرة. ولا هو من مخترعات الإسلام؛ لأنه كان شائعًا في معظم الدول القديمة، فاسطفان المعتق (المولى) استبد بشؤون الدولة الرومانية من قتل وتنصيب وعزل، وكذلك سليمان الخصي وغيرهما.
أما في الإسلام فاشتهر من الخدم في مناصب الدولة جماعة كبيرة، تولوا القيادة أو الإمارة أو بيت المال أو غير ذلك من المناصب الكبرى. فبدر غلام المعتضد تولى قيادة الجند ونقش اسمه على التروس والأعلام، وأبلى في خدمة مولاه بلاءً حسنًا حتى قتل في سبيل نصرته سنة ٢٨٩ﻫ(6)
وبجكم أصله من الغلمان، وارتقى حتى صار أمير الأمراء وهي أعلى رتب الدولة العباسية في عصرها الثاني(7)
وجوهر قائد جند الفاطميين الذي فتح لهم مصر وبنى القاهرة في أواسط القرن الرابع للهجرة كان مملوكًا روميًّا، وبلغ من تعظيمهم أمره وإكرامه أنه لما أقلع عن المغرب قادمًا إلى مصر لفتحها ترجل أولاد الخليفة المعز وأهله، ومشوا بين يديه،(8)
وكان قبله كافور الأخشيدي، وهو خصي أسود ارتقى بمصر حتى استقل بأحكامها سنة ٣٥٥ﻫ، ويانس الصقلي الخصي أصله خادم مؤنس الخادم تقدم مع ذلك في أعمال الدولة، وعظمت منزلته حتى ولي الولايات وتداخل في السياسة. وبرجوان الستاذ كان خصيًّا أبيض ارتقى في الدولة الفاطمية إلى رتبة الوزارة، ووزر للعزيز بالله والحاكم وتلقب بأمين الدولة، وهو أول من لقب بذلك في الدولة الفاطمية(9)
وقراقوش الطوشي وزير صلاح الدين الأيوبي بلغ أرقى مناصب الحكومة في الدولة الأيوبية. وعميد الملك أحد كبار القواد الأتراك كان من الخصيان، وكذلك شقير الخادم صاحب البريد في مصر والشام أيام بني طولون. ومؤتمن الخلافة في الدولة الفاطمية كان خادمًا خصيًّا، وقس على ذلك تقدم الصقالبة في دولة بني أمية بالأندلس، وتقدم الخصيان في دولة السلاجقة وبني بويه وسائر دول الإسلام في تلك العصور.

تأثير النساء في سياسة الدولة

للمرأة تأثير كبير في أعمال الرجل، مهما يكن نوعها وفي أي عصر كان وأية أمة كانت، وإن اختلف مقدار ذلك التأثير باختلاف عادات الأمم وآدابها. فإذا كانت الدولة ملكية مطلقة كان للمرأة شأن كبير في سياستها، حتى في الإسلام مع شيوع الطعن في آرائهن وقولهم: أن مشاورتهن في الأمور مجلبة للعجز ومدعاة إلى الفساد. وما من عظيم من عظماء الإسلام إلا ونهى عن مشورتهن وإدخالهن في الأمور. قال المنصور في وصيته لابنه المهدي: «إياك أن تدخل النساء في أمرك»، وقال النخعي: «من اقتراب الساعة طاعة النساء»، وقال أبو بكر: «ذل من أسند أمره إلى امرأة»، ولعلي أقوال كثيرة في النهي عن مشورة النساء، ومع ذلك فقد أثرت المرأة في سياسة الدولة تأثيرًا عظيمًا.

أمهات الخلفاء

وتأثير النساء في الدولة من قبيل تأثير الأم في الأبناء، وقد بينا ذلك في باب الأمومة، ويعظم أثره على الخصوص في تأثير أمهات الخلفاء على أولادهن، ولا سيما في أواسط الدولة عند احتجاب الخلفاء واستسلامهم إلى الخدم.
على أن العباسيين حتى في صدر الدولة كانوا يصغون إلى النساء، فأحرزت المرأة نفوذًا كبيرًا وخصوصًا أمهات الخلفاء، وأول من استبد منهن الخيزران أم الهادي والرشيد، وهي قرشية وكانت ذات نفوذ وقوة يخافها أولادها، ومن خالفها منهم أو اعترضها قتلته. وكانت في أيام زوجها المهدي صاحبة الأمر والنهي وهو يطاوعها، فلما تولى ابنها الهادي أرادت الاستبداد بالأمور دونه، وأن تسلك به مسلك أبيه، فلم يمض أربعة أشهر حتى انثال الناس إليها، وكانت المواكب تغدو وتروح إلى بابها فساءه ذلك، وكلمته يومًا في أمر فلم يجد إلى إجابتها فيه سبيلًا فقالت:
«لا بد من إجابتي إليه فإني قد ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك» فغضب الهادي
وقال: «ويلي على ابن الفاعلة! قد علمت أنه صاحبها، والله لا أقضيها لك»، قالت: «إذن والله لا أسألك حاجة»، قال: «لا أبالي»، وقامت مغضبة فصاح بها: «مكانك … والله إنا نفي من قرابتي من رسول الله، لئن بلغني أنه وقف بباك أحد من قوادي أو خاصتي لأضربن عنقه ولأقبضن ماله. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك؟ أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك؟ إياك وإياك لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمي!»، فانصرفت وهي لا تعقل، ولم تنطق عنده بعدها. ثم إنه قال لأصحابه: «أيما خير: أنا أم أنتم، وأمي أم أمهاتكم؟»، قالوا: «بل أنت وأمك خير»
قال: «فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخير أمه فيقال: فعلت أم فلان وصنعت؟» قالوا: «لا نحب ذلك»، قال: «فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون بحديثها؟»، فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها فحقدتها عليه، حتى إذا علمت أنه يريد خلع أخيه الرشيد والبيعة لابنه جعفر أمرت بعض جواريها بقتله بالغم والجلوس على وجهه فقتلنه. (10)
فلما كانت أيام الرشيد استبدت الخيزران بالأحكام، واحتشدت الأموال فبلغت غلتها في العام ١٦٠ مليون درهم، أي: نحو نصف خراج المملكة العباسية في ذلك العهد، ولما ماتت توسع الرشيد بأموالها. وقس على ذلك ثروة سائر أمهات الخلفاء.(11)
أما من حيث النفوذ فقد كان للسيدة أم المقتدر — وهي تركية — سطوة غريبة على رجال الدولة في خلافة ابنها، وكانت تتصرف في الأحكام دونه بالاشتراك مع الحجاب والخدم، وكان الوزراء يهابونها ويرتعدون خوفًا من ذكرها.(12)
ويقال نحو ذلك في أم المستعين بالله المتوفى سنة ٢٥١ﻫ، وكانت صقلية الأصل، فأطلق المستعين في أمور الدولة يدها ويد اثنين من قواد الأتراك هما أتامش وشاهك الخادم، فكانت الأموال التي ترد إلى بيت المال من النواحي يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة.(13)
على أن تسلط النساء في الدولة العباسية كان على معظمه في أيام المقتدر، لتسلط الخدم والحجاب، وقد اشتهر من النساء في ذلك العهد السيدة أم المقتدر والخالة وأم موسى الهاشمية القهرمانة، فهؤلاء كن يرتشين بالاشتراك مع موسى الخادم ونصر الحاجب والكتاب ونحوهم، ويمشين الأمور كما يردن ويريد هؤلاء، وكان لأم موسى المذكور دهاء ونفوذ، حتى تكفلت مرة بالخلافة لأحد العباسيين من أصهارها، وأخذت تبذل الأموال للقواد وغيرهم، فوشى بعضهم إلى المقتدر فقبض عليها وأخذ منها أموالًا عظيمة، وقس على ذلك نفوذ نساء القصور في الدولة العباسية، وهو من قبيل نفوذ الموالي في هذه الدولة؛ لأن أكثر أولئك النساء من غير العرب.
المصادر :
1- ابن الأثير ١٢٠ ج٦.
2- الفخري ٢٩٧.
3- ابن الأثير ١٢٦ ج٨.
4- المسعودي ٣٤٠ ج٢.
5- الفخري ٢٣٤ يريد البيزنطية.
6- ابن الأثير ٢٠٥ ج٧.
7- ابن الأثير ١٣٣ ج٨.
8- المقريزي ٣٧٧ ج١.
9- ابن الأثير ٩٤ ج٩.
10- ابن الأثير ٤١ ج٦.
11- الجزء الثاني من هذا الكتاب.
12- تاريخ الوزراء ٦٧.
13- ابن الأثير ٤٧ ج٧.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.