الحمد لله الذي أضحك وأبكى وأمات وأحيا، فعرفّنا بلذة الفرح شدة الترح، وصلى الله على خير مبعوث وأكرم وارث وموروث صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا أمزح ولا أقول إلا صدقاً). وروى أبو ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه حسن) (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).
هل يستغني أهل الأدب وأولو الأرب عن معرفة ظريف المضحكات وشريف المفاكهات، إذا لاطفوا ظريفاً أو مازحوا شريفاً؟! لقد قال الأصمعي: بالعلم وصلنا وبالـمُلح نلنا. يقول أبو نواس:
كم من حديثٍ مُعْجبٍ لي عندكا / لو قد نبذت به إليك لسرَّكا
إني أنا الرجل الحكيم بطبعه / ويزيدُ في علمي حكايةُ مَنْ حكى
أتتبّعُ الظرفاء أكتب عنهم / كيما أحُدِّث مَنْ أُحبُ فيضحكا
ولعل من أفضل ألوان الأدب، اللون الباسم، الذي يتضمن أخبار السلف الضاحكة وطرائفهم الممتعة، وملحهم العذبة، ونوادرهم الشائقة.
وهذا اللون من الأدب قسمان: قسم يهدف واضعه إلى الاستمتاع والإضحاك ليس إلاّ، وقسم يجمع إلى لذّة الابتسامة متعة الفائدة في الوقت نفسه.
وإذا كان الإنسان يتجدّد نشاطه بالفكاهة والضحك، وإذا كان الترويح عن النفس أصبح من ضرورات الحياة وخاصة في هذه الأيام المثقلة بالهموم والمشاغل والمتاعب.
وإذا كان المزاح في الكلام كالملح في الطعام، فلا ننسى أنَّ كثرة الملح تفسد الطعام، وكذلك الحال عند الإفراط في المزاح، حين يصبح نوعاً من المجون والاستهتار.
ومن هنا دعا بعضهم إلى الاقتصاد فيه كي لا يصبح في أبواب العبث اللاهي الذي يُفسد الفتيان والمتأدبين.
فهذا الخطيب البغدادي يضع للضحك قواعد وللمزاح أحكاماً، حيث يقول: (وللضحك موضع وله مقدار، وللمزاح موضع ولـه مقدار، متى جاوزهما أحد وقصّر منهما أحد، صار الفاضل خطلاً والتقصير نقصاً، فالناس لم يعيبوا الضحك إلا بقدر ولم يعيبوا المزح إلا بقدر، ومتى أُريد بالمزح النفع وبالضحك الشيء الذي جُعل له الضحك صار المزحُ جداً والضحك وقاراً.
ومهما قيل في هذا المجال، فإن هذه الحكايات والنوادر واللطائف لا يجوز أن تؤخذ على محمل الأخبار الصادقة.
جاء في عدة مصادر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أفكه الناس. وكان قليل الضحك وإذا ضحك وضع يده على فيه. وإذا تكلم تبسم. وإذا مزح غض بصره وكان فيه صلى الله عليه وسلم دعابة.
يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا أمزح ولا أقول إلا صدقاً). وروى أبو ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه حسن) (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).
وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مزح فصار المزح سُنة. وكان يمزح فلا يقول إلا حقاً.
وورد عن علي بن أبي طالب عليه السلام قوله: روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان.
وعن الأصمعي قال: سمعت الرشيد يقول: النوادر تشحذ الأذهان وتفتق الآذان.
وقال ابن الجوزي: (وما زال العلماء والأفاضل يعجبهم الملح ويهشون لها، لأنها تحجم النفس وتريح القلب من كد الفكر.
يقول الغزالي رحمه الله: وأما المزاح فمطايبة وفيه انبساط، وطيب قلب، فلم ينه عنه. فاعلم أن المنهي عنه الإفراط والمداومة. ولذا قيل: إن كثرة الضحك تميت القلب.
ثم يقول رحمه الله: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقاً ولا تؤذي قلباً ولا تفرط فيه، فلا حرج عليك فيه.
أفد طبعك المكدود بالهم راحة *** قليلاً وعلّله بشيء من المزحِ
مفاهيم أســاسية
الفكاهة هي المفهوم العام والأبرز، أما الضحك أو الابتسامة والنكتة والنادرة والطرفة والكوميديا والحماقة.. إلخ فهي مظاهر دالة عليها.
وهنا نستعرض بعضاً من المفاهيم الأساسية.
الفكاهـــــــة
جاء في لسان العرب: فكه القوم بالفاكهة: أتاهم بها. والفاكهة أيضاً: الحلواء على التشبيه. وفكَّههم بمُلح الكلام: أطرفهم والاسم الفكاهة. وفاكهت القوم مفاكهة بمُلح الكلام: المزاح، والمفاكهة: الممازحة. والفكه: الطيب النفس.
وفي السنوات الأخيرة وجد بعض علماء النفس أن الفكاهة تشتمل على الجوانب التالية:
1 ) الجوانب المعرفية من خلال الإبداع والفهم والتذوق للفكاهة.
2 ) الجوانب الانفعالية من خلال المشاعر الخاصة بالتسلية والمرح.
3 ) الجوانب السلوكية من خلال الضحك بأصواته ونغماته.
4 ) الجوانب الاجتماعية من خلال التفاعل والاتصال الاجتماعي.
5 ) الجوانب السيكوفسيولوجية من خلال تأثير مواقف الفكاهة على موجات الـمخ.
6 ) الجوانب المتعلقة بإبداع الفكاهة وأنـماط معينة منها.
الضــحـــــك
جاء في فقه اللغة وسر العربية للثعالبي تحت عنوان في مراتب الضحك: أن التبسم أولى مراتب الضحك ثم الإهلاس، وهو إخفاؤه، ثم الانكلال وهو الضحك الحسن ثم الكتكتة ثم القهقهة ثم الكركرة ثم الطخطخة ثم الزهزقة وهي أن يذهب الضحك به كل مذهب.
يقول أحد الباحثين المعاصرين متحدثاً عن أنواع الضحك: هناك ضحك السرور والفرح، وهناك ضحك السخرية والازدراء، وهناك ضحك المزاح والطرب، وهناك ضحك العجب والإعجاب، وهناك ضحك العطف والمودة، وهناك ضحك الشماتة والعداوة، وهناك ضحك المفاجأة والدهشة، وهناك ضحك السذاجة والبلاهة.
الابتسامـــة
الابتسامة مشروع ضحكة، أو ضوء يخفت ويشي بنهاية الضحك. الابتسامة مرحلة مبكرة من الضحك قد تتصاعد فتتحول إلى ضحكة.
وقد أشار بعض الباحثين إلى الابتسامة بأنها ضحكة ضعيفة، مقدمة للضحك أحياناً وخاتمة له أيضاً خاصة عندما يبدأ الشخص في الاسترخاء والـهدوء أحياناً أخرى.
ويمكن تحديد أبرز الأنواع الخاصة بالابتسامة:
1) ابتسامة البهجة وتظهر في حالات الفرح والاستبشار والتفاؤل.
2) ابتسامة مصطنعة وأشهرها ابتسامة الموناليزا.
3) الابتسامة البائسة التي تشعر بالتعاسة.
4) ابتسامة الخضوع أو الرضا.
5) الابتسامة المرتبكة وتأتي في شكل ابتسامة مبتسرة.
فــــوائـــد ووظائــف فوائد الفكاهــة
ويمكن تلخيصها في الآتي:
أولاً : تنشط الفكاهة العقل والخيال والإبداع.
ثانياً : يقوي الضحك التعاون الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين.
ثالثــاً : الفكاهة أداة خاصة للبراعة واللباقة الاجتماعية.
رابعــاً : تقاوم الفكاهة الاكتئاب والقلق والغضب.
خامساً : تعمل الفكاهة على زيادة النشاط في المخ والجهاز العصبي.
سادساً : يعمل الضحك على حدوث زيادة في ضغط الدم.
سابعاً : الفكاهة والضحك تعمل على تعزيز الجهاز المناعي.
ثامناً : ينشط الضحك عضلات الوجه والحلق والفك.
تاسعاً: تستخدم الفكاهة لتعزيز التماسك الاجتماعي.
عاشراً : تعمل الفكاهة على حدوث حالة من التطهير الجماعي للانفعالات السلبية.
وظائف الفكاهــة
ويمكن اختصارها في خمس وظائف أساسية هي:
الأولى : التخفيف من وطأة القيود الاجتماعية: فالفكاهة صمام أمان للتعبير عن الأخطار المرتبطة بالسلوكيات الغريزية أو العدوانية.
الثانية : النقد الاجتماعي: من خلال السخرية والنكتة والفكاهة تُنقد بعض المؤسسات والأشكال الاجتماعية؛ بهدف خفض التوتر وتصحيح بعض الأوضاع الخاطئة.
الثالثة : ترسيخ عضوية الفرد في الجماعة: فالابتسامة هي أول أشكال السلوك الضاحك وهي أول دليل إيجابي على رغبة الطفل في التواصل مع والديه. ويرتبط الابتسام والضحك بالاستمتاع مع الآخرين.
الرابعة : أسلوب لمواجهة الخوف والقلق : فالضحك يجعلنا نعلو على المواقف المربكة وعلى المخاوف القلقة وعلى الصراعات المهلكة. الضحك يعني أننا نسيطر على المواقف، ونعلو عليها ونتجاوزها.
الخامسة : اللعب العقلي : فقد تكون الفكاهة نوعاً من اللعب العقلي أو المباراة المعرفية، فالفكاهة تمنحنا نوعاً من التحرر المؤقت من سيطرة القوالب النمطية والطرائق المنطقية الجامدة من التفكير.
المصادر:
راسخون 2017
