دور العلماء في الأتحاد

إنّ منهجيّة الإنسان في التفكير تحدّد ـ عادة ـ مستقبل حياته ، فمن الأبعاد الأساسية في منهجيّة التفكير هو الفكر اللامسؤول ، والثّقافة اللامسؤولة ، ذلك لأنّ الفكر على نوعين.
Saturday, August 26, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
دور العلماء في الأتحاد
 دور العلماء في الأتحاد



 

إنّ منهجيّة الإنسان في التفكير تحدّد ـ عادة ـ مستقبل حياته ، فمن الأبعاد الأساسية في منهجيّة التفكير هو الفكر اللامسؤول ، والثّقافة اللامسؤولة ، ذلك لأنّ الفكر على نوعين.
نوع يدفعك نحو تحمّل المسؤولية ، ويرفعك إلى مستوى العطاء والتصدّي ، وتحمّل الأمانة.
والنوع الآخر من الفكر هو ذلك الذي يكرّس فيك حالة الخمول ، والتردّد ، والتراجع ، ويزودّك بالتبريرات والأعذار ، ويضع على قلبك الأغلال والقيود.
ومن هذا المنطلق فإنّ على الإنسان وهو يواجه الأفكار المختلفة في حياته أن يتساءل دوماً : هل هذا الفكر هو فكر مسؤول أم لا؟ وهل هو فكر الثورة أم التبرير؟ فكر التصدّي أم فكر الهزيمة؟
إنّنا ـ للأسف الشديد ـ فقدنا إرادتنا أمام المستعمرين ، ولذنا بمنهجيّة التبرير التي كلّفتنا الكثير من الهزائم والنكسات ، والتي هي في حقيقتها منهجيّة إلقاء المسؤولية على الآخرين والتملّص منها فإذا بالمجتمع مسؤول،والحكومة مسؤولة ، والتأريخ مسؤول فكلّ شيء مسؤول ولكنّني أنا الوحيد الذي أعدّ نفسي غير مسؤول.
إنّ هذا النوع من التفكير هو الذي جعلنا نصل إلى هذا المستوى المتردّي ، فلنحاول أن نغيّر من أنفسنا ، وأن نقول منذ اليوم : نحن المسؤولون لا غيرنا ، فنحن مركز هذا العالم ، وإذا ما غيّرنا أنفسنا فإنّ الله جلّ وعلا سيغيّر واقعنا ، وواقع أُمّتنا.
فلنفكّر بهذا الأسلوب ولنرى ماذا سيحدث ، ولنبدأ من هذا الوضع القائم ، ومن أوضاعنا بالذات.
إنّ منهجية أولئك الذين يتملّصون من المسؤولية هي منهجية التفكير الذي يبعث على الخمول ، واللامسؤولية ، وهذه المنهجية هي المسؤولة عن واقعنا ، ونحن إن لم نبادر إلى تغييرها لما كان بإمكاننا أن نفعل شيئاً من هنا هو لابدّ من القول بأنّنا بحاجة إلى الوحدة التي تشبه إلى حدّ كبير الصحّة والعافية في الجسد ؛ إذ العافية لا يمكن أن تصدق على جسم متهاوٍ ، وعين عمياء ، ويد شلاء ، ورجل عرجاء ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الأُمّة الواحدة ؛ حيث لابدّ أن تتوافر لديها عشرات الشروط والعوامل لكي تكون أُمّة واحدة ، ذات هدف واحد ، واستراتيجية واحدة ، وأُفق وتطلّع واحد يسعى بذمتها أدناها ، وتكون كالجسد الواحد.
ونحن كأمّة إسلامية جسمنا يتقطّع من أطرافه ، ولكنّنا لا نتحسّس ، ولا نشعر فترانا منشغلين في التوافه ، والشعارات والأسماء ، والأوهام.
في الوقت الذي يجب علينا أن نعود إلى الوحدة الحقيقية ، التي تعني ذلك الصرح المتكامل ، وتلك العوامل التي تجعل الأُمّة سليمة متعافية ونقيّة ، أُمّة ليس فيها مكان للغشّ ، والاختلاف ، والغيبة ، والنميمة ، أُمّة الفكر المسؤول أساسها وشعارها ومنطلقها.

الوحدة منطلق الوحدة :

إنّ الوحدة تبدأ من إيجاد التكتّلات الإيمانية التي تعني أنّ الإنسان المؤمن لا يعيش إلّا ضمن وحدة وتجمّع كما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : والزمو السواد الأعظم فإنّ يد الله على الجماعة ، وإياكم والفرقة! فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب (١).
إنّ الوحدة لا يمكن أن تتحقّق برفع شعاراتها ، وإنشاء الأشعار ، وإلقاء الخطب بشأنها ، فالوحدة هي حقيقة لابدّ من أن نوحدها في أنفسنا أوّلاً ، فهي بذرة تنبت في قلب المؤمن ثمّ تنمو شيئاً فشيئاً حتّى تصبح دورة وارفة الظّلال عظيمة الثّمار ، فهي تبدأ من حسن الظّن بإخواننا المؤمنين ، فالّذي يُسيء الظن بإخوته لا يمكنه أن يتحدّ معهم ، لأنّ الوحدة تعني أن تُحبّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك.
والوحدة تعني أيضاً أن نقول الكلمة الطّيبة كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ).
والوحدة تعني بالإضافة إلى ذلك التعاون ، كما يؤكّد على ذلك سبحانه في قوله : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (٢)
أمّا عندما تكفّ يد التعاون عن إخوانك ، وتنطوي على نفسك في زاوية ، وتريد أن تعمل لوحدك ، فهل هذه الظاهرة تخدم الوحدة ، وهل من الصحيح أن نتعوّد على الفردية والانطواء والابتعاد عن السّاحة ، وهل مثل هذا المنحى يُنمّى فينا الوحدة؟!
إنّ من ضمن المعاني الأخرى للوحدة أن نصبر على أذى إخواننا ، وأن نفكّر أن يبادر الآخرون إلى إعطائنا من أنفسهم ، فمثل هذا التفكير لا يمكن أن يقودنا إلى الاتحاد معهم ذلك ، لأنّ الوحدة تعني من ضمن ما تعنيه أنّ يدنا هي العليا في العطاء.
والوحدة تقتضي أيضاً أن نجعل هدفنا واضحاً ، وأن نحدّد هذا الهدف منذ البدء ، فهل هدفنا هو أن نتخاصم ونتنافس من أجل أن يكون أحدنا أبرز من الآخر في تظاهرة ما ، ومن أجل أن تكون أسماؤنا قبل أسماء الآخرين في احتفال ما؟!
ليس ثمّة شك إذا كانت أهدافنا غير واضحة ، فإنّ الشيطان سيخلط علينا الأمور ، وسيدفعنا إلى طرح الناوين والأسماء المثيرة للحزازات والاختلافات.
فلنتنافس على العمل لا على الشعارات الخاوية ، ولنتنافس بمقدار الإنجاز لا بإسلوبه ، كما يقول تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إلى الله مَرْجِعُكُمْ) (3).
وعلى هذا فإنّ الوحدة ليست كلمات ولا شعارات ، بل هي عمل وتضحية وسعي ، وخضوع لبرامج الله ، وتحلّ بالأخلاق الحميدة التي أمر الله بها ، فالوحدة يجب أن تتمخّض عن تطبيق القرآن الكريم ، والقرآن يقول : ( وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (4) ، فهو يأمرنا بالتعاون ، وحسن الظّن ، وقول الكلمة الطيبة. وهذه الصّفات كلّها هي أسباب الوحدة.
وإنّ الإنسان ـ بطبعه ـ لا يميل إلى الوحدة ، فلو تٌرِكَ لشأنه لاختار الفرقة ذلك لأنّ طبائع النّاس وآراءهم وأذواقهم متفرّقة ومتفاوتة ، فلكلّ واحد منهم مصلحة وفكرة وطريقة ، ثمّ إنّ الأهواء هي مختلفة بذاتها أمّا العامل الأساسي الذي يوحّد فهو الدين والرسالة ، والرسالة التي توحّد النّاس لا توحّدهم من خلال الكلمات والشعارات ، بل عبر الأشخاص وبالذات علماء الدين لأنّهم المراكز التي تتجلّى فيها بركة الله سبحانه وتعالى ، ورسالته الإلهية.
إنّ عالِمَ الدّين يكون في المجتمع محوراً للوحدة ، وحبلاً للاعتصام يتمسّك به الجميع ، لأنّه متصل بحبل الله الذي يقول عنه ربّنا جلّ وعلا : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (5)
فإذا كان عالم الدين وسيلة للتفرقة ، وسبباً للخلاف ، ومثاراً للفتن ، فإنّ ذلك يعني وجود خلل فيه لا في الدين ، ونقص في ثقافته الرساليّة التي لم تترسّخ في نفسه بعد بشكل كامل.

الوحدة الإسلامية والعوامل المضادّة :

كلّما كانت الأفكار أعمق وأسمى ، وكلّما ارتبطت بصميم مشاكل الأُمّة وقضاياها ، كلّما كانت لغة الحديث قائمة على أساس الإشارات والتلميحات ، حيث تزدحم على الموضوع مواقف مختلفة ، وعقبات عديدة تحول دون الإفصاح ، وحتّى كتابنا المقدّس ( القرآن الكريم ) فإنّه يستخدم ( الإشارات والرموز ) كلغة بينه وبين أوليائه ، لأنّ النّاس ليسوا جميعاً في مستوى تلقّي المعارف القرآنية السّامية ، وحديثنا ـ نحن أيضاً ـ سيكون مستنداً إلى هذه اللغة في جزء منه.
فهم السّنن منفعة للحاضر وهدى للمستقبل :
ونبدأ هذا الحديث بالقول أنّ فهم السنن التي يشير إليها البارئ وعجل الله تعالى فرجه في قوله : (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (6)
يشكّل منفعة لحاضرنا وهدى لمستقبلنا ، فما تراجعت أُمّة عرفت سنن الله تعالى ، وتعاملت معها تعاملاً حسناً ، وما تقدّمت أُمّة تولّت عن هذه السّنن وجهلتها أو تجاهلتها.
والعوامل التي تسبّبت اليوم في بثّ الفرقة بين المسلمين هي ذاتها التي كانت وراء اختلافاتهم في الماضي ، والدواعي التي تفرّق بين أمّة وأخرى ، وبين أشياع مذهب وآخر ، هي نفسها التي تُفرّق بيننا كأفراد وجماعات وأحزاب وخطوط.
والمهم أن نبحث في التأريخ لنلتقط تلك السّنن العامة التي تعيننا على معرفة التأريخ ، وبالتالي تنفعنا في طريق التخطيط للمستقبل.
وفي الواقع فإنّ أعظم نقمة ينزلها الخالق على البشر هي سلبهم هداه ، وعلى سبيل المثال فإنّ سورة الحمد التي هي أعظم سورة في القرآن نجد أنّ آياتها السبع تتمحور حول أعظم وأهم آية وهي قوله سبحانه وتعالى : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) (7)
أي أنّها تتمحور حول مسألة ( الهدى ) التي لو كانت هناك نعمة أفضل منها لبحث الإنسان عنها ، بل ولأمر الله بالبحث عنها.
المصادر :
1- نهج البلاغة ٢ : ٨ ، الخطبة : ١٢٧.
2- المائدة : ٢.
3- المائدة : ٤٨.
4- آل عمران : ١٥٩.
5- آل عمران : ١٠٣.
6- فاطر : ٤٣.
7- الفاتحة : ٦.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.