سياسة بني أمية في الأندلس

مؤسس هذه الدولة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان وكان شديدًا مثل جده عبد الملك، نجا من مذبحة أهله من مجلس السفاح سنة ١٣٢ﻫ وهرب من العراق يطلب بلاد المغرب بمساعدة مولى له اسمه بدر، لم
Saturday, August 26, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
سياسة بني أمية في الأندلس
 سياسة بني أمية في الأندلس



 

مؤسس هذه الدولة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان وكان شديدًا مثل جده عبد الملك، نجا من مذبحة أهله من مجلس السفاح سنة ١٣٢ﻫ وهرب من العراق يطلب بلاد المغرب بمساعدة مولى له اسمه بدر، لم يدخر وسعًا في إنقاذه وحمايته في أثناء ذلك الفرار، والمسافة طويلة وأهل البلاد ناقمون على الأمويين.
فلما وصل به إلى المغرب سعى له في جمع الأحزاب، فقطع مضيق جبل طارق إلى الأندلس، وفيها من موالي بني أمية نحو خمسمائة رجل، فأخبرهم بقدوم مولاه وحرضهم على نصرته لاستبقاء هذه الدولة هناك، فنصروه وجمعوا كلمة المضرية واليمنية - وجمعها صعب في ذلك العهد. فبعد حروب كثيرة مهدوا له الدولة واستقدموه إليهم، فدخل الأندلس وتولى أمورها سنة ١٣٨ﻫ (٧٥٦م)؛ ولذلك سموه الداخل.
وقد حكم عبد الرحمن أولًا باسم الدولة العباسية، وخطب بها للمنصور نحو سنة، ولم يجسر في بادئ الرأي على إنشاء خلافة أخرى مع وجود الخلافة العباسية؛ لأن النبي صلی الله عليه وآله وسلم واحد وخليفته واحد.
وكان لعبد الرحمن ابن عم يقال له: عبد الملك بن عمير بن مروان، شديد العصبية للأمويين واسع الأمل في إرجاع خلافتهم، وكانوا يسمونه شهاب آل مروان لشجاعته وسرعة فتكه، وقد حارب في نصرة ابن عمه حروبًا ثبتت له بها الدولة، فحرضه على قطع الخطبة العباسية، ولما آنس منه ترددًا صاح فيه: «اقطعها وإلا قتلت نفسي!» فقطعها ولكنه لم يجسر أن يسمي نفسه خليفة، فكانوا يسمون أمويي الأندلس في أوائل دولتهم الأمراء، ثم سموهم الخلفاء.
واتفق في أثناء ذلك أن المنصور العباسي أهان ملك بن أنس إمام المدينة، لما علمه من إفتائه بخلع المنصور؛ لأنه كان قد بايع للعلويين، فاغتنم الأمويون نقمة مالك عليه وقربوه منهم وأكرموه، فانتفع كل منهما بصاحبه. فالأمويون رأوا فيه إمامًا كبيرًا ينصر دعوتهم أو يؤيدها من حيث الدين، ويطعن في خلافة بني العباس. ورأى مالك في الأمويين ملجأً كبيرًا وتعزية لما ذاقه من شدة بني العباس. فشاع مذهب مالك في الأندلس من ذلك الحين، وكانوا قبلًا على مذهب الأوزاعي مثل أهل الشام. وقد نقلوا الفتوى إلى رأي مالك في أيام الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل.(1)
وكان عبد الرحمن هذا يقلد سياسة المنصور العباسي في تأييد دولته، وكانا متشابهين من عدة أوجه: منها أن والدة كل منهما بربرية، وكان عبد الرحمن مثل المنصور من حيث الشدة والعزم وضبط الأمور. واتفقا في أن كلًّا منهما قتل ابن أخيه، فقتل المنصور ابن أخيه السفاح، وقتل عبد الرحمن ابن أخيه المغيرة بن الوليد بن معاوية.(2)
وقد اقتدى عبد الرحمن بالمنصور في سياسة الفتك والغدر لتأييد سلطانه بقتل الذين ساعدوه على تأييده، فسخط على بدر مولاه لفرط دلاله عليه، ولم يرع حق خدمته وصدق مناصحته، فأخذ ماله وسلبه نعمته ونفاه سنة ١٥٦ﻫ إلى مكان بقي فيه إلى أن هلك، كما قتل المنصور أبا مسلم الخراساني بعد بلائه في إنشاء دولته.(3)
وقتل عبد الرحمن أيضًا أبا الصباح بن يحيى رئيس العرب اليمانية، وكان قد ساعده على القيام وله فضل عليه.(4)
ففعل به مثل ما فعل بنو العباس بأبي سلمة وابن كثير وغيرهما. وقام اليمانية رجال أبي الصباح يطلبون بثأره، فأوقع عبد الرحمن بهم وأكثر القتل فيهم، واستوحش من العرب قاطبة وعلم أنهم يصحبونه على غل وحقد، فانحرف عنهم إلى اتخاذ المماليك ليتقوى بهم على أعدائه، فبعث إلى كبراء مملكته يبتاع مواليهم، فاقتنى موالي الناس من كل ناحية، واعتضد بالبربر فوجه إليهم في بر العدوة على شواطئ أفريقية واستوفدهم، فجاءه منهم كثيرون فأكرم وفادتهم وأحسن إليهم وقربهم، فرغبوا في خدمته فاستكثر منهم ومن العبيد حتى بلغ جنده من هؤلاء نحو ٤٠٠٠٠ رجل، غلب بهم على أهل الأندلس من العرب، فاستقامت مملكته وتوطدت دعائمها، كما تأيدت الدولة العباسية بالخراسانيين.

الصقالبة

ثم عمد الأمويون بعده إلى استخدام الخصيان الصقالبة، وهم غلمان كان النخاسون يحملونهم من شمالي أوروبا يتجرون ببيعهم في أنحاء العالم، وكان الاتجار بهم رائجًا.
والسبب في رواجه أن قبائل السلاف (الروسيين) نزلوا في أوائل أدوارهم شمالي البحر الأسود ونهر الطونة، ثم أخذوا ينزحون غربًا جنوبيًّا نحو أواسط أوروبا، وهم قبائل عديدة عرفت بعدئذ بقبائل السلاف أو (السكلاف) والسرب والبوهيم والدلمات وغيرهم. فاضطروا وهم نازحون أن يحاربوا الشعوب التي في طريقهم، كالسكسون والهون وغيرهم، فتكاثر الأسرى من الجانبين.
وكان من عادات أهل تلك العصور أن يبيعوا أسراهم بيع الرقيق، فتألفت لذلك جماعات كبيرة من التجار يحملون الأسرى، عن طريق فرنسا فأسبانيا إلى أفريقيا ومنها إلى الشام ومصر، فلما وقعت هذه البلاد في أيدي المسلمين راجت تلك التجارة. فكان التجار من الإفرنج وغيرهم يبتاعون الأسرى من السلاف والجرمان، من جهات ألمانيا عند ضفاف الرين والألب وغيرهما إلى ضفاف الدانوب وشواطئ البحر الأسود - ولا يزال أهل جورجيا والجركس إلى اليوم يبيعون أولادهم بيع السلع (إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى) - فإذا عاد التجار من تلك الرحلة ساقوا الأرقاء أمامهم سوق الأغنام، وكلهم بيض البشرة على جانب عظيم من الجمال وفيهم الذكور والإناث، إلى أن يحطوا رحالهم في فرنسا ومنها ينقلونهم إلى أسبانيا (الأندلس)، فكان المسلمون يبتاعون الذكور للخدمة أو الحرب، والإناث للتسري. وغلب على أولئك الأرقاء انتسابهم إلى الجنس الصقلي، وكانت كلمة «سلاف» تلفظ عندهم «سكلاف»، فعربها العرب «صقلب»، ومنها «صقلبي وصقالبة»، وأصبح هذا اللفظ عندهم يستعمل للرقيق الأبيض على الإجمال.
على أن عبد الرحمن الداخل قلما رغب في الصقالبة، وأول من استكثر منهم حفيده الحكم بن هشام (١٨٠–٢٠٦ﻫ) فإنه استكثر من اقتناء المماليك وارتبط الخيول ببابه وتشبه بالجبابرة.
وهو أول من جند الجند المرتزقين بالأندلس، فجعل المماليك من المرتزقة فبلغت عدتهم ٥٠٠٠ مملوك، وكانوا يسمونهم الخرس لعجمة ألسنتهم، ثم تدرج الأمويون في استخدام الصقالبة، حتى تكاثروا في أيام عبد الرحمن الناصر (٣٠٠–٣٥٠ﻫ)، وجعلهم بطانته وجنده كما فعل المعتصم العباسي بالأتراك قبله.
واستقل بنو أمية بمملكتهم هذه في أوروبا عن سائر ممالك الإسلام في آسيا وأفريقيا، ولم يكونوا يطمعون في التغلب على الممالك الأخرى، فقطعوا علاقاتهم معها ومنعوا أهل دولتهم من الحج إلى الحرمين مخافة أن يقع أحد منهم في أيدي العباسيين، فلم يحج سائر أيامهم أحد من أهل دولتهم، وما أبيح لهم الحج إلا بعد فراغ شأن الأموية ورجوع مملكة الأندلس إلى ملوك الطوائف غير العرب. (5)

ملوك الطوائف بالأندلس

وبلغت الأندلس إبان مجدها في أيام عبد الرحمن الناصر المتوفى سنة ٣٥٠ﻫ، وكان عاقلًا كريمًا توفرت الثروة في خلافته، وكانت أيامه مثل أيام هرون الرشيد في بغداد من حيث الرغد والرخاء.
وخلفه ابنه الحكم المستنصر، وكان محبًّا للعلم والعلماء مثل المأمون بن الرشيد، وبلغت مملكة الأندلس في أيام هذين الخليفتين إلى أوج مجدها سطوة وأبهة وثروة، وأخذ شأن الخلافة بعدهما في الاضمحلال، فاستبد أهل الدولة وجندها بالأحكام، وهم موالي الأمويين من البربر والصقالبة، كما استبد الفرس والأتراك في الدولة العباسية.
وكان العرب في مقدمة رجال الدولة وأهل العصبية، ولهم المقام الرفيع والكلمة النافذة؛ لأن الأمويين أهل عصبية للعرب كما تقدم، فلما استبد الصقالبة والبربر بالمناصب والأعمال أخذت شوكة العرب في الضعف تدريجيًّا، حتى غلب ابن أبي عامر وزير الحكم بن الناصر على أمور الدولة في أيام هشام بن الحكم في أواخر القرن الرابع للهجرة، ومكر بأهل الدولة وضرب بين رجالها وقتل بعضًا ببعض، ومنع الوزراء من الوصول إلى الخليفة، وهو عربي الأصل من اليمنية، فأصبح يخاف الجند على نفسه، فعمل على تفريق جموعهم فبدأ بالصقالبة الخدم بالقصر فنكبهم بدسيسة وأخرجهم من القصر، ثم فتك بالجند الصقالبة وآخر رجال العرب وأسقطهم عن مراتبهم، واستقدم إليه رجالًا من برابرة أفريقية وزناتة وقدمهم واستعان بهم. فانكسرت شوكة العرب في الأندلس من ذلك الحين.
وما زالت الدولة هناك آخذة في الانحلال حتى اقتسمها الولاة البربر وغيرهم، بأسرع مما حدث في الدولة العباسية، لضعف اعتقاد المسلمين بصحة خلافة بني أمية؛ ولأن العباسيين أرسخ قدمًا في الخلافة لقرابتهم من النبي صلی الله عليه وآله وسلم، فانقسمت مملكة الأندلس في أوائل القرن الخامس للهجرة إلى إمارات تولاها أصحاب الأطراف والرؤساء، وفيهم العرب والبربر والموالي، فتغلب كل إنسان على ما في يده، فصاروا دولًا صغيرة متفرقة؛ ولذلك سموا ملوك الطوائف. وهاك أشهرهم مع أسماء إماراتهم:
بنو حمود / مالقة والجزيرة / ٤٠٧–٤٤٩ﻫ
بنو عباد / إشبيلية / ٤١٤–٤٨٤ﻫ
بنو زيري / غرناطة / ٤٠٣–٤٨٣ﻫ
بنو جهور / قرطبة / ٤٢٢–٤٦١ﻫ /
بنو ذي النون / طليطلة / ٤٢٧–٤٧٨ﻫ
العامريون / بلنسية / ٤١٢–٤٧٨ﻫ
بنو هود التجيبيون / سرقسطة / ٤١٠–٥٣٦ﻫ
ولم تطل سيادة هذه الدول كما رأيت، فغلبت عليهم دولة المرابطين ثم الموحدين، وظل الانقسام متتابعًا بين تلك الممالك، والخصام متواليًا والإفرنج يغتنمون ضعفهم وانقسامهم، ويسترجعون إماراتهم واحدة بعد واحدة وبلدًا بعد بلد، حتى غلبوا على المسلمين وأخرجوهم من الأندلس. وآخر مدينة افتتحها الإفرنج من تلك المملكة غرناطة، وكانت في حوزة بني نصر نسبة إلى يوسف بن نصر من سنة ٦٢٩ﻫ، توالى عليها منهم بضعة وعشرون ملكًا، آخرهم أبو عبد الله محمد بن علي، فاستخرجها الإفرنج من يده سنة ٨٩٧ﻫ، وفر أبو عبد الله، وكان ذلك آخر عهد المسلمين بالأندلس.
المصادر :
1- نفح الطيب ٧٩٩ ج٨.
2- نفح الطيب ٧١٥ ج٢.
3- ابن الأثير ٥ ج٦.
4- نفح الطيب ٧٠٦ ج٢.
5- ابن خلدون ٢٣٨ ج١.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.