
حفصة بنت عمر بن الخطّاب :
زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن هذه المكانة التي تتمنّاها كلّ أنثىٰ لم تمنع حفصة من ارتكاب الأهوال ومخالفة الله تعالىٰ ورسوله ، ولا عجب فحفصة أنزل الله فيها وفي عائشة سورة كاملة ـ وهي سورة التحريم ـ فيها من التهديد والوعيد من الله بالطلاق والإبدال بزوجات خير منهما وبعذاب النار ما لا يخفىٰ علىٰ أيّ شخص يفهم لغة العرب ، وقد تقدّمت في باب « الصحابة في القرآن » هذه السورة.
وقد ورد في ترجمة حفصة من كتاب أسد الغابة ما يلي :
« ... وتزوّجها بعد عائشة ، وطلّقها تطليقة واحدة ثمّ ارتجعها ، أمره جبريل بذلك وقال : إنّها صوّامة قوّامة ، وإنّها زوجتك في الجنّة... » (١).
وأورد كذلك : « طلّق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حفصة تطليقة ، فبلغ ذلك عمر ، فحثا التراب علىٰ رأسه وقال : ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها ، فنزل جبريل عليهالسلام وقال : إنّ الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر ، رحمة لعمر » (٢).
وكما ترىٰ فالحديثان مُختلفان ، ولذلك لا يعتدّ بهما ، لكن نقول : لو كانت حفصة صوّامة قوّامة فلماذا طلّقها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟! هل كان رسول الله يريد من النساء أكثر من ذلك وهو الذي يوصينا بذات الدين ؟! ثمّ أليس الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى ؟! فما بال الرسول يطلق دونما سبب ؟! وإذا كان هناك سبب فلماذا لا يذكره لنا أصحاب السير والتواريخ ؟!
أمّا كون حفصة زوجة الرسول في الجنّة فهو أعجب من الأوّل ، فمع وجود سورة التحريم الّتي تُتلى إلى يوم القيامة فإنّا نشكّ في ذلك.
وعلى الحديث الثاني فيكون سبب إرجاع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لحفصة ليس منزلتها عند الرسول ، بل لمنزلة عمر كما يزعم الراوي.
وحفصة هذه ممّن آذت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذبت عليه في قصّة المغافير ( الثوم ) المشهورة والتي يرويها الصّحاح ، كما آذت وحسدت زوجات رسول الله الأخر كصفيّة بنت حي اليهودي التي تزوّجها الرسول بعد خيبر بعد أن أعتقها من الأسر ، وفي ترجمة هذه المرأة الصالحة من كتاب أسد الغابة تقرأ على لسانها : « ... دخل عليَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام ، فذكرتُ ذلك لرسول الله رحمهماالله فقال : ألا قلتِ : وكيف تكونان خيرا منّي وزوجي محمّد وأبي هارون وعمّي موسى ؟! ... » (3).
وبهذا الكلام من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على لسان صفيّة تعلم كذب الحديث المرويّ في الصحاح والمسانيد حول فضل عائشة حيث فيه : « وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على باقي الطّعام ؟! » (4).
وحسبنا قول الله في سورة التحريم حيث هدّد عائشة وحفصة بالطلاق وبأن يبدلهنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بزوجات أفضل منهنّ في صفات عديدة ذكرتها السورة ، فلو كانت عائشة أفضل نساء العالمين فضلاً عن زوجات الرسول فكيف يهدّدها الله تعالى بنساء أفضل منها في كلّ شيء ؟!
ولكي تتيقّن أنّ حفصة وعائشة هما المقصودتان من تهديد الله تعالى في سورة التحريم اقرأ هذا الخبر :
« عن ابن عبّاس قال : أردت أن أسأل عمر فما رأيتُ موضعاً ، فمكثت سنتين ، فلمّا كنّا بمر الظهران وذهب ليقضي حاجته فجاء وقد قضى حاجته فذهبتُ أصبّ عليه من الماء ، قلت : يا أميرالمؤمنين مَن المرأتان اللّتان تظاهرتا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟! قال : عائشة وحفصة » (5)
فاطمة بنت عتبة :
هي أخت هند بنت عتبة ، وفي رواية هي التي قالت لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّه ما كان على ظهر الأرض ... » الحديث.
وقد أسلمت أسوة بذلك البيت الخبيث الذي أسلم بأفواهه ولم يسلم حقيقة يوم فتح مكّة ، فهي من جملة الطلقاء الذين لا فضل لهم ولا فضيلة ، تزوّجها في خبر عقيل بن أبي طالب فماذا كانت قصّته معها ؟! تقرأ في كتاب الإصابة ما يأتي :
« عن ابن أبي مليكة قال : تزوّج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ، فكانت تقول له إذا دخل : أين عتبة بن ربيعة ( والدها وأحد رؤوس الكفر وقد هلك يوم بدر غير مأسوف عليه ) ؟ فقال لها يوماً وقد أضجرته : عن يسارك إذا دخلتِ النار ، فقالت : لا يجمع رأسي ورأسك بيت ، وأتت عثمان ... » (6).
ولا ندري ماذا تريد هذه الصحابيّة بقولها هذا الملىء بالأسف على أبيها المشرك ؟! ولماذا تخاطب عقيلاً زوجها بذلك وقد أجمع المسلمون أنّه كان في صفوف المشركين يوم بدر ولم يقتل أباها عتبة ولا أخاها الوليد ، لكن هي الرواسب الجاهليّة والأحقاد البدريّة والتي صبّها بالفعل بنو أميّة فيما بعد على رسول الله من خلال حربهم لعليّ بن أبي طالب أخو رسول الله وصنوه ، ومن خلال سمّ معاوية للإمام الحسن ريحانة رسول الله وسيّد شباب أهل الجنّة ومن خلال قتل يزيد للامام الحسين بن علي وسبي بنات الرسالة بنات فاطمة الزهراء.
وكيف لا ترى بعد ذلك وصول أحاديث تتّهم الرسول بكثرة الجماع ، وباستماع الغناء ، وبأنّه يسبّ ويشتم بل ويضرب من لا يستحق ، وبأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكر آلهة قريش ( حديث الغرانيق ) ، وأنّه يخطأ ويصيب ، وأنّه بشّر أصحابه كلّهم بمن فيهم معاوية بالجنّة ...؟!
وكيف لا يكون جميع من حارب الإمام عليّا بدءًا بمعاوية وعائشة ومروراً بطلحة والزبير وغيرهم أصحاب فضائل ومناقب ؟! إنّ معاوية لم يغتصب الخلافة لذاتها فقط بل ليحرّف ويبدّل ويغيّر كما يحلو له ومن يعارض فالويل له أو الدّراهم.
إنّ فاطمة بنت عتبة تعلم أنّ عقيلاً من بني هاشم قبيلة رسول الله وعلي وحمزة وهم الذين ضربوا بسيوفهم ـ في حين فرّ الآخرون ـ حتّىٰ قالت هند ومُعاوية وغيرهم من العرب لا إله إلاّ الله ، فحقد فاطمة بنت عتبة على بني هاشم واضح من كلامها.
هند بنت عتبة :
هي زوجة حربة الكفر ورئيس الأحزاب أبي سفيان ، وكانت قد استسلمت لجيش رسول الله كما فعل بقية الطلقاء ، وهي التي لاكت كبد حمزة سيّدالشهداء يوم أُحد بعد أن أمرت وحشيّا بأن يطعنه من الخلف ، وإذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ذلك ـ بعد الفتح ـ كلّما رأى وحشيّاً يقول له : « غيّب وجهك عنّي » فكيف به صلىاللهعليهوآلهوسلم عندما كان يرى من لاكت كبد عمّه ومثّلت بجسده ؟!
لكن القوم جعلوها مؤمنة مسلمة ، بل حسن إسلامها ، بل لها فضائل ومناقب يُصرف عليها الحِبر والكتابة.
والكيّس يدرك أنّ ما ورد فيها وفي زوجها أبي سفيان وفي معاوية ابنهما من الفضائل لا تعدو أن تكون زخرفاً من القول وكذباً ، وذلك أنّ معاوية ابنهما لمّا ملك رقاب المسلمين طمس تلك المثالب وأظهر لهم مناقب لم يقلها الرسول ولم يسمع بها الصحابة.
وهل تريدون من معاوية ( أميرالمؤمنين ) أن يترك أهله ونفسه للفضيحة ؟! وهل تريدون منه وهو يصعد منبر رسول الله أن ينبزه الصحابة ومن يأتي من بعدهم ؟! هيهات.
واقرأ معي هذه المنقبة المزعومة :
« لمّا كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة ونساء معها وأتين رسول الله وهو بالأبطح فبايعنه ، فتكلّمت هند فقالت : يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رَحِمُك ، يا محمّد ( لم يتعوّد لسانها على مخاطبته بالرسول ) إنّي امرأة مؤمنة بالله مصدّقة برسوله ، ثم كشفت عن نقابها وقالت : أنا هند بنت عتبة ، فقال رسول الله : مرحبا بك ، فقالت : والله ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلّوا من خبائك ، ولقد أصبحت وما على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يعزّوا من خبائك ... » (7).
سبحان مغيّر الأحوال ، ولكن لتتيقّن من كذب هذه الفضيلة الواهية اقرأ الصفحة التالية من نفس هذا الكتاب ( طبقات ابن سعد ) لترى كيف أنّ هذه المرأة التي صار رسول الله أحبّ الناس إليها وأعزّهم لديها تسيء الأدب معه :
« عن الشعبي يذكر : أنّ النساء جئن يبايعن فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ، فقالت هند : إنّا لقائلوها ( تقصد كلمة الشهادة ) ، قال : فلا تسرقن ، فقالت هند : كنت أصيب من مال أبي سفيان قال أبو سفيان : فما أصبت من مالي فهو حلال لك ، قال : ولا تزنين ، فقالت هند : وهل تزني الحرّة ؟ قال : ولا تقتلن أولادكنّ ، قالت هند : أنتَ قتلتَهم » (8).
تقصد هند بقولها : أنتَ قتلتهم ، هلاك ابنها فيمن هلك يوم بدر كأبيها وعمّها وأخيها.
نعم هذه حقيقة هند ، خسّة ونذالة وأحقاد جاهلية رغم عفو وسماحة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معهم يوم الفتح ، ولو كان مكانه صلىاللهعليهوآلهوسلم أيّ قائد دنيوي آخر لذبح رؤوس رجالهم وبقر بطون أطفالهم ولسبى نساءهم جواريا ، فهم الطلقاء لا فضل لهم ولا فضيلة ولا هجرة ولا منقبة ولا غزوة ولا... بل ولا كلمة طيّبة. وسيفضحهم الله يوم القيامة بما كان يكذبون في إسلامهم ، وهم أبطنوا الكفر.
هذه هي هند وأمثال هند ، هذه التي يصبح ابنها معاوية الأفعى خليفة للمسلمين ( وكفى بها مصيبة ) بلا سابقة ولا جهاد ، وهي جدّة يزيد الخمور الذي ارتضع من أسلافه الحقد على الرسول فقتل ذرّية رسول الله في كربلاء وهجم على مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم (9) لأنّها موطىء الانصار الذين ساعدوا رسول الله بأموالهم وأسيافهم ، فكانوا بنظر يزيد شركاء للنبي في قتل أجداده ببدر.
وإنّي أقولها صريحة : إنّ من يقرأ تاريخ هؤلاء الخبثاء ويطّلع على فعالهم قبل إسلامهم وبعد استسلامهم ثمّ يعتقد لهم بفضيلة بل ويعتقد بأنّهم أسلموا ، اقول : هكذا شخص بليد الذهن عديم الفطنة.
ويقول : « من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » (10)
المصادر :
1- أسد الغابة ٧ : ٦٦ ترجمة حفصة بنت عمر.
2- المصدر السابق.
3- أسد الغابة ٧ : ١٧٠ ترجمة صفية بنت حي بن أخطب.
4- مسند أحمد ٣ : ٢٦٤ و ٦ : ١٥٩.
5- مسند أحمد بن حنبل ١ : ٤٨.
6- الإصابة ٨ : ٦٨ ترجمة فاطمة بنت عتبة.
7- طبقات ابن سعد ٨ : ٢٣٦ ترجمة هند بنت عتبة.
8- طبقات ابن سعد ٨ : ٢٣٧.
9- مع أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول في حديث له : « من أبغض الأنصار أبغضه الله » مسند أحمد ٢ : ٥٠١ ـ ٥٢٧.
10- مسند أحمد ٤ : ٥٥.