الخلافة الموروثة

بعد أن استشهد أميرالمؤمنين عليه السلام رجع الناس حسب وصيّته إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبايعوه ، وقد تصدّى الإمام عليه السلام للخلافة ونهض بأعباءها إلّا أنّ معاوية السوء لم يجلس مكتوف اليدين وبقي يجيّش
Monday, August 28, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الخلافة الموروثة
الخلافة الموروثة



 

بعد أن استشهد أميرالمؤمنين عليه السلام رجع الناس حسب وصيّته إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبايعوه ، وقد تصدّى الإمام عليه السلام للخلافة ونهض بأعباءها إلّا أنّ معاوية السوء لم يجلس مكتوف اليدين وبقي يجيّش الجيوش ويجنّد الرجال إلى أن خرج بجيش جرّار متّجها نحو العراق لمقاتلته عليه السلام.
وليس ذلك فحسب ، وإنّما أخذ معاوية يدبّر المؤامرات الشيطانية وينفق الأموال الطائلة فاشترى العديد من أنصار من الإمام الحسن عليه السلام وأغرى الكثير منهم حتّى اضطرّ سبط رسول الله عليه السلام أن يصالحه ويتنازل عن حقّه في الخلافة ولكن بشرط أن تعود إليه بعد موت معاوية اللعين (١).
وفي عام ٤٠ ه وبعد أن استولى معاوية على الخلافة جاء إلى العراق وخطب في الناس وكشف لهم مدى خباثته وحماقته فقال : ما قاتلتكم لتصوموا أو تصلّوا وإنّما قاتلتكم لأتولّى عليكم وقد مكّنني الله من ذلك (٢).
وقال أيضاً : كنت قد عاهدت الحسن بن علي بأُمور ، وها أنا ذا أضعها تحت أقدامي (٣).
وفي واقع الأمر أنّ معاوية عبر كلامه هذا كشف للناس أنّ سياسته لا ربط لها بالدين أصلاً ، وأنّه غير حاضر للالتزام بكلّ العهود والمواثيق التي عاهد الإمام الحسن عليه السلام والناس عليها ، ولذلك عكف على تسخير كلّ القوى للمحافظة على حكومته وسلطنته في البلاد. ولا يخفى أنّ هكذا طريقة في الحكم لا يمكن أن تسمّى خلافة وإنّما هي ملكية وفرض للسلطنة ، ولذا فإنّ بعض من ذهبوا لملاقاته كانوا يسلّمون عليه بالملوكية (4)
بل إنّه شخصياً عبّر في بعض مجالسه الخاصّة عن حكومته بالملكية وإن كان يتظاهر أمام الملأ بالخلافة (5).
كما سعى معاوية السوء أن يصير ملكه الذي شيّده على الظلم والطغيان والاستيلاء على رقاب العباد وراثة يتداول بين ذرّيته وجماعته من بني أُميّة.
وبالفعل فقد عيّن معاوية ابنه يزيد كخليفة من بعده رغم تجاهره بالفسق واطلاع الناس على فساده وانحرافه.
من جانب آخر فإنّ معاوية لكي يصل إلى ما أذاع به أمام الناس من نقضه لمعاهدته مع الإمام الحسن عليه السلام وإدلائه بالخلافة لابنه يزيد شارب الخمور دبّر مخطّطاً شيطانياً آخراً للإمام الحسن عليه السلام ودسّ إليه السمّ الفتّاك فاستشهد مسموماً مظلوماً صلوات الله عليه وخلى الجو لابنه يزيد.
ولا يخفى أنّ معاوية بالغائه المعاهدة مع الإمام الحسن عليه السلام صرّح عمليّاً أنّه لن يترك شيعة أهل البيت عليه السلام آمنين يتّصلون بأئمّتهم ويستفيدون من إرشاداتهم القيّمة ومواعظهم المفيدة ، وهذا ما حصل فعلاً.
فقد أعلن أمام الملأ أنّ كلّ من ينقل حديثاً أو منقبة من مناقب أهل البيت عليهم السلام لا حرمة لنفسه وماله وعرضه ، كما أكّد اللعين على نشر الفضائل المبتدعة لبعض من يسمّونهم بالصحابة والخلفاء. وبالمقابل ابتدع معاوية المسألة لعن أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر وبقي ذلك حتّى زمان الخليفة الأموي عمر ابن عبد العزيز.
وبالاضافة إلى ذلك فقد بعث إلى عمّاله في كلّ البلاد وأمرهم بقتل ومطاردة صحابة أمير المؤمنين عليه السلام وخواصّه فضلاً عن الجاء الشيعة عامّة إلى التبرّي من الإمام علي عليه السلام ولعنه علانية ومن يأبي منهم فلا يتردّدون في قتله (6).

التشديد على الشيعة

من أشدّ الأزمنة التي مرّت على الشيعة في تاريخهم الطويل هو زمان معاوية بن أبي سفيان الذي حكم عشرين عاماً وأذاقهم فيها أشدّ المعاناة والمحن ، علماً أنّ إمامين من أئمّة الهدى ـ الحسن والحسين عليهما السلام ـ كانا في ذلك العهد يشاهدان ويعايشان الأحداث المأساوية التي تمرّ على شيعتهم ومحبّيهم إلّا أنّهما لا يستطيعان دفع هذه المآسي عنهم.
وحتّى سيّد الشهداء عليه السلام الذي ثار ضدّ يزيد الطاغية خلال الستّة أشهر الأُولى من حكومته واستشهد هو وأنصاره الخلّص لم يستطيع أن يصنع شيئاً أيّام معاوية.
الملفت للانتباه أنّ أكثر أهل السنّة يوجّهون قتل من يسمّونهم بالصحابة للشيعة المظلومين وتنكيلهم بهم ـ خاصّة معاوية الذي أخذ الكثير من علماء السنّة يوجّهون أفعاله ويحملونها على المحامل الحسنة كأن يقولوا :
هؤلاء من صحابة الرسول صلى الله عليه واله وقد ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه واله أنّ الصحابة مجتهدون ومعذورون ، وأنّ الله تعالى راضٍ عنهم وأنّ كلّ ما يفعلونه من جرائم وجنايات سيغفرها الله لهم. مقابل توجيهات السنّة البعيدة عن الإنصاف رفض الشيعة مثل هذه الإعذار والتوجيهات وذلك لـ :
١ ـ ليس من المعقول أنّ مثل الرسول صلى الله عليه واله الذي بعث لإحياء الحقّ وتطبيق العدالة ونشر الحرّية بعد أن ضحّى التضحيات العظيمة وعانى هو وأتباعه أمرّ الويلات والمصائب يترك الأُمّة سدى دون راعي أو قائد يقودها من بعده.
٢ ـ إنّ الروايات المجعولة الدالّة على عدالة مطلق الصحابة مهما كانوا إنّما وردتنا من نفس الصحابة الذين وضعوا مثل هذه الروايات ليغطّوا بها فضائحهم وزلّاتهم.
وممّا يشهد على ذلك أنّ نفس الصحابة لم يعملوا بمثل هذه الروايات وكانوا ينالون من بعضهم البعض ويتهجّمون على غيرهم حتّى قتل بعضهم بعضاً ولعن كلّ منهم البقيّة.
وعليه فإنّ نفس عمل الصحابة يكذب مثل هذه الروايات الموضوعة ، وإذا سلّمنا بصحّتها فلابدّ من حملها على معنى آخر غير المعنى الخاطئ الذي يفسّره البعض من تقديس البعض ممّن يسمّونهم بالصحابة.
وعلى فرض أنّ الله تعالى دعا إلى تقديس الصحابة واحترامهم فإنّ ذلك مقتصراً على المواضع الخاصّة التي مدحهم الله تعالى ولا تبقى هذه القداسة لهم على مرّ الزمان حتّى لو سوّدوا بأفعالهم صفحات التاريخ.

استقرار سلطنة بني أُميّة

بعد أن توفّي معاوية بن أبي سفيان عام ٦٠ ه تولّى ابنه يزيد الطاغية زمام الحكومة الإسلامية وذلك طبق البيعة التي أخذها له والده زوراً من الناس.
وكما قلنا سابقاً فإنّ يزيد بشهادة التاريخ لم يكن متديّناً أصلاً ، بل كان شاباً لا أُبالياً حتّى في زمان والده المشؤوم لم يكن يعتني بالقوانين الإسلامية ولم يكن له همّ سوى اللهو والفساد.
وقد ارتكب يزيد خلال السنين التي حكم فيها المسلمين مخازي وفجائع لم يسمع بها التاريخ من قبله. ومن يعد يزيد استلم بنو مروان الخلافة ووصلت إلى أيديهم ، وكما ينقل المؤرخون أنّ الحكومة الإسلامية بقيت بيد بني مروان ما يقارب سبعين عاماً ولم يمرّ على الإسلام والمسلمين مثل هذه السنين العجاف حتّى بلغ الأمر أنّ أحدهم ممّن يسمّونهم بخلفاء الرسول وحماة الدين صمّم أن يتّخذ لنفسه غرفة فوق الكعبة المقدّسة يقضي فيها أوقات اللهو وساعات المجون أيّام الحجّ (7).
كما أنّ أحدهم تفأّل بالقرآن الكريم وإذا به يقرأ قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (8)
فوضع القرآن ورماه بسهامه وقال :
تهدّدني بجبّار عنيد / فها آنذا جبّار عنيد
فإذا ما جئنا يوم حشر / فقل يا ربّ مزّقني الوليد (9)
بالطبع فإنّ الشيعة لهم اختلاف أساسي مع السنّة في مسألتين وهما : الخلافة والمرجعية الدينية.
وحيث إنّ الحكومات الجائرة على مرّ التاريخ كانت تطارد الشيعة وتضيّق عليهم الخناق في معتقداتهم فإنّ الكثير منهم حرم من نعمة جوار الأئمّة عليهم السلام ونزلوا البلاد النائية.
وبالرغم أنّ المضايقات الشديدة التي لاقاها الشيعة الموالون لا تكاد تعدّ أو تحصى إلّا أنّهم كانوا يوماً بعد الآخر يزدادون اعتقاداً بأئمّتهم خاصّة سيّد الشهداء عليه السلام الذي قتل جوراً بيد الطاغية يزيد وأعوانه الطغاة.
ولعلّ خير شاهد على هذا الكلام أنّ الشيعة لمّا أحسّوا بالفرج أيّام الإمام الباقر عليه السلام حيث كانت الحكومة الأموية مشغولة بنفسها أخذوا يتقاطرون عليه من كلّ حدب وصوب وبقوا ينهلون ويستفيدون من علومه المباركة.
وقد بلغت هذه الحالة حدّاً بحيث إنّ القرن الأوّل للهجرة لم ينته إلّا والشيعة قد نزلوا قم وعمّروها (10).
ومع أنّ الشيعة كانوا يعملون بالتقيّة كما أوصاهم الأئمّة الأطهار عليهم السلام إلّا أنّ الكثير من العلويين ثاروا ضدّ الحكومات الفاسدة آنذاك لشدّة المضايقات المفروضة عليهم وعادة ما كان هؤلاء العلويين يحوزون على الشهادة.
وكانت الحكومات الجائرة تتفنّن في التمثيل بمثل هؤلاء السادة والشواهد على ذلك كثيرة منها ما صنعوه بزيد بن الإمام السجّاد عليه السلام حيث أخرجوا جسده من قبره وصلبوه ثلاث سنين ثمّ أنزلوه وحرقوه وذروا رماد جسده في الهواء (11).
المصادر :
1- نفس المصدر ص ٤٣.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٦٠ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ١٢٤ ، تاريخ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٠٣.
3- نفس المصدر.
4- راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٩٣.
5- راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٢.
6- النصائح الكافية ص ٥٨ ، ٦٤ ، ٧٧ ، ٧٨.
7- تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٧٣.
8- سورة إبراهيم : ١٥.
9- مروج الذهب ج ٣ ص ٢٢٨.
10- معجم البلدان مادّة قم.
11- مروج الذهب ج ٣ ص ٢١٧ ـ ٢١٩ ، تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٦٦.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.