إن الإنسان رجلاً كان أو امرأة إذا أراد أن يسافر إلى بلدة ما ومسافة معينة لا ينبغي له أن يسافر بوحده بل ينبغي ان يسافر مـع رفقـة حتى وأن كان السفر لعدة ايام ..
والرفقة الذي يسافر معهم يلزمه أن يحسن صحبتهم ويتخلق معهم بالأخلاق الحسنة وآداب الصحبة ، فقد جاء في وصية لقمان لابنه حـول آداب الصحبـة بقولـه :
( يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في امـرك ( وأمورهم ) وأكثر التبسم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك ( بينهم ) وإذا دعـوك فـاجبهم ، وإذا استعانـوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم ، واجهد رايك (لهم) إذا استشاروك ، ثم لا تعـزم حتى تتثبت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتضع وأنت مستعمل فكرتـك وحكمتك في مشورتك فإن من لم يمحض النصح لمن استشاره ، سلبه الله رأيه ، ونزع منه الأمانة ، وإذا رأيت أصحـابك يمشون فامشي معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإذا تصدقوا أو أعطوا قرضـاً فاعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سناً ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئاً فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنها عيٌ ولؤم )( 1 ).
وقال الباقرعليه السلامبل الصادقعليه السلام:( ما يعبؤ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : خُلُقٌ يُخَالِق به من صحبه ، وحلم يملك به غضبه ، وورع يحجزه عن معاصي الله تعالى ) ( 2 ).
هذه التعاليم والآداب لصحبة تستغرق أياماً أو شهوراً وهذا التأكيد على الالتزام بهذه الآداب فكيف حينئذ بصحبة تستغرق طول حياة الإنسان ؟ أليس من الأجدر لكل من الزوجين أن يحقق أهداف تلك الصحبة .
ولا يفوتنا في هذا النص من التأكيد على التبسم الذي هـو من أهم الأمور في الصحبة عموماً ، وفي الحياة الزوجية خصوصاً .
وصية أم لابنتها ليلة الزفاف :
لما خطب عمرو بن حجر الكندي إلى عوف ابن ملحم الشيباني ابنته أم إياس وأجابه إلى ذلك ، أقبلت عليها أمها ليلة دخولها بها توصيها ؛ فكان مما أوصتها به أن قـالت : أي بنيـة إنكِ مفارقـة بيتك الذي منه خرجتي وعِشّكِ الذي منه درجتي ، إلى رجل لم تعرفيه وقـرين لم تألفيه ، فكوني له أَمَة ليكن لك عبداً ، واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخراً :
فأمـا الأولى والثانيـة : فالرضـا بالقناعة ، وحسـن السمع له والطاعة .
( جميل المعاشرة بالسمع والطاعة ، فمع حسـن الصحبـة راحة القلب ، وفي جميل المعاشرة رضا الرب ).
وأما الثالثة والرابعة : فالتفقد لمواقع عينيه وأنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم أنفه منك إلا أطيب الريح ( واعلمي أن الكحل أحسن الحسن المفقود ، وأن الماء أطيب الطيب الموجود ).
وأما الخامسة والسادسة : فالتفقد لوقت طعامه ومنامه ، فـإن شدة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة .
وأما السابعة والثامنة : فالإحراز لماله والإرعـاء ( 3 ) على حشمه وعياله .
(واعلمي أن أصل الاحتفاظ بالمال : حسن التقدير ، وأصل الإرعاء : حسن التدبير على العيال والحشم ).
وأما التاسعة والعاشرة : وفلا تعصي له امـراً ، ولا تفشي له سراً ؛ فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وأن أفشيت سـره لم تـأمن غدره ، وإياك والفرح بين يديه اذا كان مهتماً ، والكآبة لديه إذا كان فرحاً ( 4 ) .
عن الهيثم بن عدي الطائي عن الشعبي قال ك لقيني شريح ، فقال : يا شعبي عليك بنساء بني تميم ، فإني رأيت لهن عقولاً ، فقلت ومـا رأيت من عقولهن ؟
قال ك اقبلت من جنازة ظهراً ، فمررت بدورهن وإذا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري ، فعدلت إليها ، واستسقيت وما بي عطش .
فقالت لي : أي الشراب أحب إليك ؟ قلت ما تيسر قالت : ويحك يا جارية أئتيـه بلبن ، فـإني أظن الرجل غريباً ، فقلت للعجوز ومن تكون هذه الجارية منك ؟
قالت : هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة . قلت : هي فارغة أم مشغولـة ؟ قالت : بل فارغة . قلت أتزوجينيها ؟ قالت : كنت كفأ ( ولم تقـل كفوا ) ، وهي بلغة بني تميم ، فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيـه ، فامتنعت مني القائلة ، فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والأسـود والمسيب ، ومضيت أريد عمها ، فاستقبلنا وقال : ما شأنك أبا أمية ؟
قلت : زينب ابنة أخيك . قال : ما بها عنك رغبة ، فزوجنيها ، فلما صارت في حبالي ندمت وقـلت أي شيء صنعت بنسـاء بني تميم ، وذكرت غلظ قلوبهم ، فقلت أطلقها ، ثم قلت : لا ، ولكن أدخل بها ، فـإن رأيت مـا أحب وإلا كان ذلك . فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤهـا بهدينها حتى أدخلت علي. فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين.
ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها . فتوضأت . فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي ، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسني ملحفة قد صبغت بالزعفران فلما خلا البيت دنوت منها ، فممدت يدي إلى ناصيتها ، فقالت على رسلك أبا أمية .
ثم قالت : الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأصلي على محمد وآله ، أمـا بعد ، فإني امرأة غريبة لا علم لي بـأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه ، وما تكره فأجتنبه ، فإنه قد كان لك منكح في قومـك ولي في قومي مثل ذلك ، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولا ، وقد ملكت ، فـاصنع ما أمرك الله تعالى به ، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، أقـول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين . قال : فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع ، فقلت : الحمد لله أحمد وأستعينه ، وأصلي على محمد وآلة أما بعد ، فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظاً لي ، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، أحب كذا وأكره كذا ، وما رأيت من حسنة فابثثيها وما رايت من سيئة فاستريها .
فقالت : كيف محبتك لزيارة الأهل ؟ قلت : مـا أحب أن يملني اصهاري . قالت : فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له ، ومن تكرهه أكرهه ، قلت : بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم سوء . قـال : فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة ، ومكثت معي حولاً لا أرى منها إلا مـا أحب ، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء ، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى .
قلت : من هذه ؟ قـالوا فلانـة أم حليلتك ، قلت : مرحباً وأهلاً وسهلاً . فلما جلست أقبلت العجوز ، فقالت : السلام عليك يـا أبا أمية ، فقلت وعليك السلام ومرحباً بـك وأهلاً . قـالت : كيف رأيت زوجتك قلت ك خير زوجة وأوفق قرينـة لقد ادبت فـأحسنت الأدب ، وريضت فأحسنت الرياضة ، فجزاك الله خيراً .
فقالت : أبـا أميـة إن المرأة لا يرى أسوأ حالاً منها في حالتين ، قلت : وما هما : قـالت : إن ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها ، فإن رابك مريب فعليك بـالسوط ، فوالله مـا حاز الرجـال في بيوتهم أشر مـن الروعـاء المدللة ، فقلت : والله لقد ادبت ، فأحسنت الأدب ، وريضت فأحسنت الرياضـة ، قـالت : كيف تحب أن يـزورك اصهارك ؟
قلت : مـا شاءوا ، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية ، فمكثت معي يـا شعبي عشرين سنة لم أعب عليها شيئاً . وكان لي جار من كندة يفزع امرأته ويضربها ، فقلت في ذلك :
فشلّت يميني يوم تضرب زينب
فما العدل مني ضرب من ليس يذنب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
رأيت رجالاً يضربوننساءهم
أأضربها من غير ذنب أتت به
فزينب شمس والنساءكواكب (5)
المصادر :
1- هداية الناسكين ص 37 – 38 .
2- هداية الناسكين ص 37 – 38 .
3- الأرعاء : من الرعاية وهي المراعاة والملاحظة والنظر في أمورهم .
4- المستطرف في كل فن مستظرف ص 515 .
5- المستطرف في كل فن مستظرف ص516 .