الحياة الزوجية السعيدة هي خلاصة وزبدة الحياة الدنيا ، بل وتساعد على الآخرة كما دلت عليها التجربة ونطقت بذلك الأخبار مـن أن سعادة المرء الزوجة الصالحة ، وأن الله إذا أراد أن يجمع للرجـل خير الدنيا والآخرة جعل له زوجة مؤمنة تسره إذا نظر إليها .
وهذه السعادة كلٌ يطلبها ولا تحصل لكل أحد ولا ينالها إلا ذو حظ عظيم.
وفي هذه العجالة نحاول أن نـدرس الأسس الأوليـة للحياة الزوجية السعيدة لكل من الرجل والمرأة :
العدل والإنصاف من الزوجين :
يجب على الزوج والزوجة أن ينظر كـل واحـد منهما للآخر بعين الانصاف والعدل ، وان كل واحد منهما مخلوق لله سبحانه وعبد من عبيده ، وان كل واحـد منهما مكلف مـن قبل الله سبحانه على حد سواء ولا يوجد لاحدهما أفضلية على الآخر إلا بتقوى الله :( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)( 1 ).
فـالمرأة لها كرامتها وعليها واجبـاتها كامرأة كما أنه للرجل أيضاً كرامته وعليه واجبـاته كرجـل ، فلا يجوز للرجل أن يحتقر المرأة ، كما لا يجوز للمرأة أن تحتقر الرجل.
وقـوله تعالى :الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ( 2 ).
من حيث أن خلقة الرجل وعضلاتـه غير خلقة المرأة ، ومن حيث الواجبات والمهمات التي يقوم بها كالجهاد في سبيل الله وإدارة شؤون العائلة ، والإنفاق ، فإنـه وإن كان قيماً على المرأة فليس كل رجل أفضل من كل امرأة.
فقد تكون المرأة صالحـة والزوج غير صالح ، فتكون هي أفضل منه وقد يكون الامر بالعكس وقد يتساويان في ذلك ، فإن الألف واللام للجنس وليس للاستغراق ، فعن الإمـام أمير المؤمنينعليه السلام : ( الامرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح )( 3 ).
فـإذا إلتفت كل واحـد منهما إلى ذلك ، واحتـرم الزوج زوجته كإنسانه وامرأة ، والزوجة احترمت زوجها كإنسان ورجل فلابد لكل واحد منهما أن يتوجـه للآخر بعين الانصاف والعدل ، وأداء حقوقه ، وما يصدر من بعض الرجال في احتقارهـم للنساء خلاف الشرع المبين . بل يجب على كل واحد منهما انصاف الطرف الآخر من نفسه إذا كان هو قد صدر منه الخطأ أو التقصير .
وقد وردت عدة أحاديث حول الانصاف والعدل :
1 – فقد جـاء في صحيح الحلبي عن الإمـام الصادق عليه السلام قال : ( العدل أحلى من الماء يصيبه الظمأن ، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وإن قل )( 4 ).
2 – وعن الإمام الصادق عليه السلام: ( سيد الأعمال ثلاثة : إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشيء إلا رضيت لهم مثله ، ومؤاساتك الأخ في المال ، وذكر الله على كل حال …)( 5 ).
3 – ومـن كلام لإمير المؤمنين عليه السلام: ( … ألا أنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزاً )( 6 ).
4 – وعن الحسن البزاز قـال : قال لي أبوعبدالله ( الصادق ) عليه السلام: ( ألا أخبرك بأشد ما فرض الله على خلقه ، قلت : بلى . قال : إنصاف الناس من نفسك ، ومؤاساتك أخاك ، وذكر الله في كل موطن …)( 7).
المحبة بين الزوجين :
وهذه ركيزة مهمة في الحياة الزوجية السعيـدة فقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عـن هذه الركيزة وأعطاها الأهمية الكبرى قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجـًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً( 8).
فالآية المباركة تـذكر الهدف الأسـاسي مـن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة هو :
السكون والإطمئنان والإرتياح النفسي والسعادة بينهما وهذا الهدف جوهره هو استمرار النوع البشري وتكاثره ، ويريد الإسلام من هذا التكاثروالاستمرارية أنها تقوم على قاعدة صلبة ومتينة ورصينة وهي حالة السكون بين الزوجين والسعادة، والسعادة بين الزوجين لا تتحقق إلا بالمودة والرحمة بينهما ، فنلخص من الآية أنها تتحدث عن سلسلة مترابطة بعضها مع بعض وهي كما يلي :
1 – إن السعادة الزوجية هدف رئيسي في العلاقة الزوجية .
2 – التكاثر البشري لابد أن يكون نموذجياً في محتواه وهو إذا كان من بيت السعادة .
3 – السعادة بين الطرفين لا تتحقق إلا إذا كانت قائمة على المودة والمحبة والرحمة بينهما ، بل إن استمرارية الحياة الزوجية واستقرارها والقيام بوظيفتها الطبيعية لا يتحقق إلا بالمودة والرحمة بين الطرفين من الزوج والزوجة لذلك أكدت الأحاديث على هذا الجانب وجعلته من الأمور المقدسة التي تنشأ من الإيمان وأخلاق الأنبياء .
أ – فعن الإمام الصادق عليه السلام: ( من أخلاق الأنبياء حب النساء)( 9).
ب – عن الإمام الصادق عليه السلامقال : ( ما اظن رجلاً يزداد في الإيمان خيراً إلا ازداد حباً للنساء )( 10 ).
ج – عن الإمـام الصادق عليه السلام: ( العبد كلما ازداد للنسـاء حباً ازداد في الإيمان فضلاً )( 11 ).
هذا من جانب الرجل في محبته لزوجته .
ومن جانب المرأة فقد تقدم في صحيحة جابر بـن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قالL( إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة…الخ ).
فـإن محبة الزوج لزوجته ومحبة الزوجة لزوجها يحقق الحياة السعيدة لهما ، وينسي العناء الكثير في الحياة ، كما يتحمل كل واحد منهما نواقص وعيوب الآخر وتقصيراته لانه جلّ من لا نقص ولا عيب فيه ، وهذا التحمل والاغماض إنما يكون بالمحبة والمودة بينهما .
والمحبة بين الزوجين : كما تحتـاج إلى غـرس من البداية تحتاج إلى مداراة وسقاية حتى تستمر هذه المحبة إلى النهاية .
والمحبة بين الزوجين : كما تنعكس على استقرار حيـاتهما الزوجية وسعادتهما ، كذلك تنعكس على العائلة بأسرها ، وبالأخص الأولاد والبنات وتربيتهم بل ونجاحهم في الحيـاة في المستقبل ، وبـدوره ينعكس ذلك على المجتمع .
الثقة بين الزوجين :
يجب على الفتى أوالفتاة عندما يختار كل واحد منهما الآخر يختار ما يثق به في جميع المجالات ، ولو حصلت العلاقـة الزوجية فيجب عليهما أن ينميا علاقتهما بالثقة وان يحرص كل واحد منهما أن يزرع في نفسه الصفات الحميدة الحسنة حتى يحصل للطرف الآخر الثقة به .
الزوجة مثلاً : قـد تكون أكثر من الزوج في معرض الشك والتهمة وبالاخص في الجانب الجنسي ، وباعتبار الزوجة لها القسط الوافر في الحياة الزوجية ، واهتزاز حياتها الزوجية يؤدي إلى هدم مستقبلها ، وحياتها السعيدة وقد يكون إلى الأبد.
فيجب عليها من بداية حيـاتها الزوجيـة ، وعندما تسلم نفسها إلى زوجها مع عذارتها وبكارتها وعفتها ، أن تزرع الثقة من بداية حياتها الزوجية وتحافظ على هذه الثقة فقد جاء :
1 – عن الإمام الصادق عليه السلام: ( لا غنى بالزوجـة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن :
أ - صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه ، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عنـد زلة منها .
ب - وإظهار العشق له بالخلابة(الخلابة : الخديعة باللسان أو بالقول الطيب .).
ج - والهيئة الحسنة لها في عينه )( 12).
فهذه الرواية تقرر بعض الأسس للحياة الزوجيـة السعيدة ، فالخصلة الأولى في هذه الرواية تقول: إذا كنتِ أيتها الزوجة تريدين أن تعيشي الحياة السعيدة ، فيجب عليكِ أن تصوني نفسكِ عـن كل دنس ، سواء كان من فعل الفاحشة ، أو مـا يؤدي إلى الشك والتهمة والريبـة : سواء كان من الدخول في بعض المنازل غير المرغوب فيها ، أو مصادقة بعض النساء اللاتي سمعتهن غير حسنة ، أو الحديث مع الأجانب في التلفون أو غير ذلك .
فأنتِ أيتها الزوجـة إذا صنتِ نفسكِ عن ما يؤدي إلى الشك فيكِ فسوف يطمئن قلب زوجك بكِ وتحصل الثقة منه إليك .
فأنتِ عندما تقصرين في خدمته فإنه سوف يغفر لكِ ويكون عاطفاً عليكِ ، وقد تقدم في الصفات الحسنة للعروس أن تكون عفيفة ، متبرجة مع زوجها الحصان على غيره .
وعـن أمير المؤمنين عليه السلام : ( خير نسـائكم الخمس ، قيل يا أمير المؤمنين وما الخمس ؟ قال: الهينة ، اللينة ، المؤاتية ، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى ، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته ، فتلك عامل من عمال الله ، وعامل الله لا يخيب )( 13 ).
فالخمس : أي ذات الصفات الخمس الحسنة .
وقد تعددت الأحاديث حول هذه الخصلة في النساء وانه يجب عليها
ان تبعد نفسها عن الشك والتهمة ليس بالقول وإنما هو بالالتزام .
وكذلك يجب على الزوج أن يجنب نفسه عن مواطن الشك والاتهام
ولان الزوجة إذا رأت من زوجها ما يوجب الشك والريبة فتذهب ثقتها به وهي اعرف به من غيرها لقربه منه وقد يكون الرجل سبباً في فساد عائلته وزوجته .
العشق بين الزوجين :
العشق بين الزوجين من الأمور المهمة في تثبيت العلاقـة الزوجية فإذا حصل من الطرفين فذلك نعمة من الله عليهما ، وإذا لم يحصل فيحاولان إيجاده وبالأخص من جانب الزوجـة حيث أن المرأة طبيعتها اللين والغنج ، فينبغي لها أن تستعمل قُدراتها الطبيعية في توثيق علاقتها الزوجية ، وقد حثت الروايات العديدة للزوجـة على استعمـال مثـل ذلك فقد تقدم في الرواية السابقـة أن الخصلة الثانية : التي لا غنى للمرأة عنها ( إظهار العشـق لـه بالخِلابة … ).
والخِلابة : – بالكسر – هـو الخديعة باللسان أو بالقول الطيب ، بمعنى أن المرأة حتى ولـو لم يكن في داخـل قلبها ذلك العشق التام لزوجها لأسباب خَلقية أو خُلقية ، إلا أنها تظهر له العشق بالكلام اللين المعسول ، كان تفدّيه بنفسها أو أهلها وتخاطبـه بكلمات المحبة والـود ، ويتكرر ذلك منها وتصبح حالة طبيعية ، ويتحـول هـذا التظاهر إلى حقيقة في المستقبل وتنعكس هذه الحقيقة على الحياة الزوجية السعيدة للزوجين .
وكذلك الـزوج يحاول ان يخاطبها بكلمات تؤنسها وتـريح قلبها وتشعر منه العشق حتى ولو لم يكن في الواقع كذلك .
1 - فعن الرسول صلى الله عليه وآله قال :( قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً )( 14).
2 – وفي صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلامقـال : ( إذا أحببت رجلاً فأخبره بذلك ،فإنه أثبت للمودة بينكما )( 15 ).
هذا مع الصديق والأجنبي فمن باب الأُولى بين الزوجين وهما في أمس الحاجة إلى علقة المحبة وتثبيتها ، فينبغي للمرأة دائماً أن تخاطب زوجها بألفاظ المحبة وتخبره بمحبتها له .
وقد حثت الأحاديث المتعددة كل من الـزوج والزوجة على اظهار هذه الحالة لكل منهما للطرف الآخر .
التقوى وأثرها في الحياة الزوجية :
جاء إلى القناة يملأ قربته ماءٌ فرأى تفاحـة تجري على الماء ، فلقفها وأكلها ، ولكنه وقف فجأة يفكر : كيف أكل التفاحة ولم يعرف صاحبها ليستأذن منه ، أخذ يعاتب ضميره على هذا التصرف الذي لا ينبغي صدوره من متديّن ورع يحاسب نفسه كيلا يتورط في غمط حقوق الناس قدرأنمله. لذا فكّر أن يمشي باتجاه معاكس لجريـان الماء لعله يصل إلى صاحب التفاحة فيسترضيه على أكله لها . مشى مسافة حتى وصل إلى مزرعة التفاح ، فلقي صاحب المزرعـة وكان عليه سيماء الصالحين ، فقال له : ان تفاحة كانت تجري على الماء في القناة فلقفتها وأكلتها ، أرجوك أن ترضى عنّي! .
أجابه الرجل : كلا ، لن أرضى عنك!.
قال : أعطيك ثمنها .
قال : لا أقبل.
وبعد الإصرار والإلحاح الشديدين وافق صاحب المزرعة أن يرضى عنه بشرط واحد!.
قال الشاب : فما هو الشرط .
أجـاب الرجـل : عندي ابنة عميـاء ، صمّاء ، خرساء ، مشلولة الأرجل ، إذا وافقت أن تتزوجها أرضى عنك وإلا فلا!.
فلما رأى الشاب أنـه لا سبيل إلى جلب رضاه إلا بموافقته على هذا الشرط الصعب دعاه ورعه وإيمانه إلى الموافقة ، ولعله حين رضوخـه تلافي قلبه الآية : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)( 16)!. وأخيراً قرأوا خطبة العقد فدخـل الشاب الورع غرفة الزفاف ولكنه فوجئ بعروس ذات قامـة ممشوقـة وهي في غاية الجمال ، انها مواصفات نقيضة للمواصفات التي ذكرها له أبوها ( صاحب المزرعة )!.
فخرج مسرعاً ( خشية حدوث خطأ في الـزواج فيتورط في مشكلة شرعية كبيرة ) وإذا بالـرجل ينتظره مبتسماً . قال : خيراً إلى أين ؟ قال الشاب : إن البنت التي ذكرت لي وصفها ليست هذه العروس؟!.
أجابه الرجل : انها هي لأني حينما وجدتك جادّاً في جلب رضاي
لأكلك تفاحة خرجت عن حيازتي وسقطت على الماء جارية نحو مسافة ، فعلمت انك الشاب الذي كنت أنتظره منذ أمد لأزوجه ابنتي الصالحة هذه . ولقد قلت لك : انها عمياء خرساء فلأنها لم تنظر ولم تُكلّم رجلاً أجنبياً قطّ ! وقلت : انها مشلولة فلأنها لم تخرج مـن المنزل وتدور في الطرق . وإنها صمّاء فلأنها لا تسمع إلى غيبة أو غناء ، أليست هذه الفتاة المؤمنة يستحقها شاب مثلك يبحث عن حلال خالص وهو مستعد من أجل الحلال أن يقبل بشرط صعب جدّاً في الزواج.
نعم وكـانت مـن ثمار هذا الزواج المبارك ولادة إنسان اشتُهر في ورعه وتقواه وقربه إلى الله وحبه للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومودّته العميقة لأهل البيت عليهم السلام حيث عرف عنـه لقاؤه مع الإمام الحجة مراراً وتكراراً ، إنه المقدّس الجليل الشيخ أحمد الأردبيلي ( أعلى الله مقامه ).
هكذا تصنع لقمة الحلال في الإنسان وتوفّقه للزواج الموفّق . وفيما بعد لما سُئلتْ أم الشيخ : كيف أصبح ولدك بهذا المقام الرفيع ؟ اجابت : إني لم آكل في حياتي لقمة مشبوهة ، وقبـل ارضـاع طفلي كنت دائماً اسبغ الوضـوء ، ولم أنظر إلى رجـل أجنبي قط ، وسعيت في تربية طفلي إلى أن أراعي النظافة والطهارة وأن يصحب الأولاد والصالحين )( 17).
تزين الزوجين :
إن الأحاديث المتقدمة لهي كفيلة بحث الزوجة على المبالغة في إبراز
زينتها لزوجها :
أ – فعن الإمام الباقرعليه السلام: ( لا ينبغي للمرأة أن تعطل نفسها ولو أن تعلق في عنقها قـلادة ، ولا ينبغي أن تـدع يدها من الخضاب ولو أن تمسحها مسحا بالحناء وإن كانت مُسنّة )( 18).
وتقدمت الرواية التي تحدثت عن ثلاث خصال لا غنى للزوجة عنهن ومنها : ( والهيئة الحسنة لها في عينـه ) ؛ فإن خروج المرأة لزوجها في هيئة حسنة تدخل السرور على قلبه وتوثق عرى الحياة الزوجية بينهما .
وقد ذكر المناوي في ( فيض القدير ) أن أحد حكماء الرجال قال : ( تزين المرأة وتطيبها لزوجها من أقوى أسبـاب المحبة والألفة بينهما وعدم الكراهـة والنفـرة ؛ لان العين – ومثـلها الأنف – رائـد القلب ، فإذا استحسنت منظراً أوصلته إلى القلب ، فحصلت المحبة .
وإذا نظرت منظراً بشعاً أو مـالا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب ، فتحصل الكراهية والنفرة )( 19 ).
ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن :
( إياكِ أن تقع عين زوجكِ على شيء يستقبحه ).
وقالت الأم لابنتها في ليلة زفافها : ( فلا تقع عينه منكِ على قبيح ).
وكذلك من حق المرأة على زوجها أن يتزين لها زوجها .
ب – فقد جاء عن الحسن بن الجهم قـال : رأيت أبـا الحسن ( الرضا ) عليه السلام : ( اختضب ، فقلت جعلت فـداك اختضبت ؟ فقال : نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء ، ولقد تـرك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة ، ثم قال : ايسرك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة ؟ قلت : لا ، قال : فهو ذاك … )( 20 ).
ج – وعن الإمـام الصادق عليه السلام: ( لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته … واستمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها … )( 21).
الموافقة بين الزوجين :
مـن الأمـور المهمة في تحقيق الحياة الزوجية السعيدة هو الانسجام الفكري والعقائدي والثقافي والمذهبي بين الزوجين ، بل الانسجام الاجتماعي ، وهذه أمور مهمة في الحياة الزوجية قد يكون الاختـلاف فيها يؤدي إلى الاختلاف العائلي .
فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام:( لا غنى بالزوج عن ثلاثة اشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، حسـن خلقه معها ، واستعمالـه استمالـة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها )( 22 ).
التوسعة على العيال :
التوسعـة على العيـال بعد سد حوائجهم مما يقضي على كثير من المشاكل العائلية التي تحصل من الفقر أو البخل على العيال .
وقد تقدم في الرواية السابقة احدى الخصال الثلاث التي لا غنى للزوج عنها.
أ – وجاء في الصحيح عن جابر بن عبدالله عن الرسول صلى الله عليه وآله : ( إن من خير رجالكم التقي النقي السمـح الكفين ، السليم الطرفين ، البر بوالديه ، ولا يجليء عياله إلى غيره )( 23 ).
ب – عن الإمام زين العابدين عليه السلام: ( إن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله )( 24).
ج – عن الإمام الصادقعليه السلام : ( إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وان لم يكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة ، وسعة بتقدير ، وغيرة بتحصن )( 25).
حُسْنُ الخُلُق من الزوجين :
إن أحسنَ الحسن هـو الخُلُق الحَسَن ، وهـو أهم شيء في حياة الانسان فهو أكمل الايمان ونصف الدين ، وأكثر مـا يدخـل الناس الجنة بحسن الخلق ، والأخلاق الحسنة تبلغ بصاحبها درجة الصائم القائم ، ويمحو السيئات ويجلب الحسنات ، وأفضل شيء بعد أداء الفرائض هو حسن الخلق ، وهو خير قريـن . وكل النـاس بمختلف طبقاتهم يحتاجون إلى الأخلاق الحسنة ، وأحوج هؤلاء هما الزوجان : الرجل والمرأة لانه لاغنى لكل واحد منهما عن حسن الخلق ، بـل هو ركيزة أساسية في الحياة الزوجية والعيش السعيد بينهما .
1 –فقد جاء في الصحيح عن عبدالله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( الِبّر وحسن الخلق يعمران الدّيار ويزيدان في الأعمار )( 26 ).
ومن الواضح من هذه الصحيحـة أن حسن الخلق مع البِر للوالدين والزوجة والأهل يعمران الديار ، لان الانسان إذا حسن خلقه مع زوجته والزوجـة حسّنت خلقها مع زوجها ، فدارهما تعمر وتستقر ويعيشان في انسجام حتى آخر حياتهما ، ونتيجـة ذلك هـو طول عمرهما وهذه نتيجة طبيعية.
2 – وفي الصحيح عن حبيب الخثعمي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( قال رسـول الله صلى الله عليه وآله : افاضلكم أحسنكم أخلاقـاً الموطؤون أكنافـاً الذين يـألفون ويُؤلفون وتوطأ رحالهم )( 27 ).
الأكناف : الجانب والناحيـة ، وهـذا مثل يضرب ، وحقيقته من التوطئة وهي التمهيد والتذلل ، وفراش وطيء لا يؤذي جنب النائم .
والأكناف : الجوانب ، أراد الذيـن جوانبهم وطيئة يتمكن منها من يصاحبهم ولا يتأذى .
وبالأخص الزوجة مع زوجها والزوج مـع زوجتـه لابد من تذلل كل واحد منهما للآخر ويكون ليناً ويألف كل واحد الآخر.
3 – وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( لا عيش أهنا من حسن الخلق )( 28 )
4 – وعن الإمـام أمير المؤمنين عليه السلام قـال : ( من حسنت خليقته طابت عشرته)( 29).
5 – وعن أمير المؤمنين عليه السلام قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وآله :( أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خُلقاً وخيركم لأهله )( 30 ).
6 – وعن أمير المؤمنين عليه السلام قـال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :(أحسن الناس إيماناً أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله ، وأنا ألطفكم بأهلي)(31).
بـل يكره للرجـل أن يزوج أبنته مـن رجل سيء الخلق لأن ذلك ينعكس على حياتها الزوجية .
7 – فقد جاء عن الحسين بن بشار الواسطي قـال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: (إن لي قرابة قـد خطب إليّ وفي خلقه سوء. قال : لا تزوجه إن كان سّيء الخلق )( 32 ).
ولا عجب حينئذ إذا عـد حسن الخلق من الايمان بل لا يكمل إيمان المؤمن إلا مع حسن الخلق ، وأن حسن الأخلاق من العبادة .
8 – فقد جاء في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر ( الباقر )عليه السلام قال : ( إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً )( 33).
9 – وعن الرسول صلى الله عليه وآله : ( الخلق الحسن نصف الدين )( 34).
10 – وفي الصحيح عـن عبدالله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام: ( إن حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم )( 35 ).
والنتيجة الحاصلة من الاخلاق الحسنة هو :
11 – عـن الرسول صلى الله عليه وآله : ( إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيـا والآخرة )( 36).
وتفسير حسن الخلق ما جاء في الخبر :
12 – عن بعض أصحاب الإمام الصادقعليه السلامعن الإمام الصادقعليه السلامقال
: ( قلت له : ماحد حسن الخُلق ؟ قال : تلين جناحك ، وتطيب كلامك ، وتلقى أخاك ببشر حسن )( 37 ).
وهذه من أسباب سعادة الحياة الزوجية للزوج والزوجة .
الزوجة المواسية لزوجها :
إن المرأة الصالحة التي تعين زوجها على حل مشاكل الحياة وتساعد زوجها على الدنيا والآخرة وتكون هي والزوج على الدهر ولا تكون هي والدهر عليه ، وتكشف همّ زوجها وغمه ، وتسره إذا نظر إليها وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها فتكون هـذه المرأة خير من الدنيا بل هي سعادة الدنيا .
فمثل هذه المرأة تكون عاملاً مؤثراً في استقرار الحياة الزوجية السعيدة لنفسها وزوجها .
1 – فقد جـاء رجل إلى رسـول الله صلى الله عليه وآله فقال : ( إن لي زوجة إذا دخلتُ تلقتني ، وإذا خرجتُ شيعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت لي : ما يهمّك ، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل لك به غيرك ، وإن كنت تهتم لأمر آخرتك فزادك الله هماً .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن لله عمالاً وهذه من عماله لها نصف أجر الشهيد )( 38).
إنظر إلى مـدى احترام هذه الزوجة لزوجها وتقديرها إليه ، وكيف تعين زوجها على حل مشاكل الحيـاة ورفع الهم والغم عنه ، بل وتفتح له باب العمل للآخرة وتعينه حتى على آخرته ، وهذا له دور كبير في صلاح الرجل وقـد يتبدل ويهتدي إلى الأعمال الصالحة بسبب زوجته وتكون نعم المرأة .
2 – فقد جـاء في خبر ابراهيم الكرخي المتقدم : ( … فامرأة بكر ولود ودود تعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته ولا تعين الدهر عليه … )( 39 ).
3 – وفي الصحيح عـن جميل بن دراج عن ابي عبدالله ( الصادق ) عليه السلام: ( خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت : لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني )( 40).
أي لا أنام ولا تغمض عيني بنوم حتى ترضى عني فهي لا تصبر على عدم رضا زوجها .
4 – عن الإمام الصادق عليه السلام: ( ثلاث للمؤمن فيها راحة :
أ - دار واسعة تواري عورته وسوء حاله من الناس.
ب - وامرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة .
ج - وابنـة يخرجها إما بموت أو بتزويج )( 41 ).
5 – وفي صحيـح الحلبي عـن ابي عبدالله ( الصادق )عليه السلام قال : ( ثلاثة أشياء لا يحاسب عليهن المؤمن : طعام يأكله ، وثوب يلبسه ، وزوجة صالحة تعاونه ويحصن بها فرجه )( 42 ).
1- سورة الحجرات آية : 13 .
2- سورة النساء آية : 34 .
3- الوسائل كتاب النكاح باب 89 من مقدمات النكاح ح2 .
4- الكافي ج2 ص 144 .
5- الكافي ج2 ص 144 .
6- الكافي ج2 ص 145.
7- الكافي ج2 ص 146.
8- سورة الروم آية : 21 .
9- الوسائل كتاب النكاح باب 3 من مقدمات النكاح ح 2.
10- الوسائل كتاب النكاح باب 3 من مقدمات النكاح ح 1.
11- الوسائل كتاب النكاح باب 3 من مقدمات النكاح ح 10.
12- ميزان الحكمة ج4 ص284 عن البحار .
13- الكافي ج5 ص325 . وقريب منه في : المعجم الأوسط للطبراني ح1764
14- الوسائل كتاب النكاح باب 3 من مقدمات النكاح ح9 .
15- الكافي ج2 ص644 .
16- سورة البقرة آية : 156 .
17- قصص وخواطر . ص 490 – 491 .
18- الوسائل كتاب النكاح باب 85 من مقدمات النكاح ح1 .
19- المرأة المثالية في أعين الرجال ص 98 .
20- الوسائل كتاب النكاح باب 141 من مقدمات النكاح ح1 .
21- ميزان الحكمة ج4 ص 285 .
22- ميزان الحكمة ج4 ص 285 .
23- الوسائل كتاب النكاح باب 7 من مقدمات النكاح ح2 . وقريب منه في : كنز العمال ح44953.
24- ميزان الحكمة ج4 ص 290 .
25- ميزان الحكمة ج4 ص 285 .
26- الكافي ج2 ص100 كتاب الإيمان والكفر باب حسن الخلق ح8 .
27- الكافي ج2 ص100 كتاب الإيمان والكفر باب حسن الخلق ح16 .
28- البحار ج68 ص389 عن علل الشرائع .
29- ميزان الحكمة ج3 ص139 عن غرر الحكم .
30- البحار ج68 ص387 .
31- البحار ج68 ص387 .
32- الوسائل كتاب الحج باب 30 من مقدمات النكاح ح1 .
33- الكافي ج2 ص99 كتاب الإيمان والكفر باب حسن الخلق ح1 .
34- البحار ج68 ص385 .
35- البحار ج68 ص384 .
36- البحار ج68 ص384 .
37- الكافي ج2 ص103 .
38- الوسائل كتاب النكاح باب6 من مقدمات النكاح ح14 . وكنز العمال ح45150 .
39- الوسائل كتاب النكاح باب6 من مقدمات النكاح ح2 .
40- الوسائل كتاب النكاح باب9 من مقدمات النكاح ح3 . وقريب منه في : المعجم الأوسط للطبراني ح1764 .
41- الوسائل كتاب النكاح باب9 من مقدمات النكاح ح13 .
42- الوسائل كتاب النكاح باب9 من مقدمات النكاح ح1 .