معالم الشام

الجغرافية : بلاد الشام اليوم هي سوريا البلد الذي تبلغ مساحته (٧٢٠٠٠) مايل بما يعادل (١١٥٢٠٠) كيلومتر مربّع تحدّها من الشمال تركيا ومن الشرق العراق ومن الجنوب الأردن وفلسطين المحتلة ومن الغرب لبنان وبحر
Monday, September 4, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
معالم الشام
 معالم الشام



 

١ ـ الجغرافية : بلاد الشام اليوم هي سوريا البلد الذي تبلغ مساحته (٧٢٠٠٠) مايل بما يعادل (١١٥٢٠٠) كيلومتر مربّع تحدّها من الشمال تركيا ومن الشرق العراق ومن الجنوب الأردن وفلسطين المحتلة ومن الغرب لبنان وبحر مديترانة (١).
وتُعدّ سوريا اليوم من أكثر البلدان العربية جذّابية واسمها الرسمي الجمهورية العربية السورية.
٢ ـ السكّان : يبلغ عدد السكّان في سوريا وفق إحصائية عام ١٩٧٩ م (٨٣٥٠٠٠٠) إنسان وتصنّف في الرتبة (٦٣) عالمياً من الناحية السكّانية ، إلّا أنّ المهتمّين بالشؤون السكّانية من السوريين في وزارة الإرشاد قالوا : إنّ عدد السكّان في سوريا هي (١٢٠٠٠٠٠٠) نسمة ، وهؤلاء يصنّفون إلى :
٨٨% من العرب و ٣ / ٦% من الأكراد ، و ٨ / ٢% من الأرامنة وبقيّتهم من الترك والآشوريين والچركس ، و ٨٨% منهم مسلمون ما بين السنّة والعلويين والدروز و ١٢% منهم نصارى ، وأمّا اللغة الدارجة في سوريا فهي العربية والكردية التي تكتب بالخطّ العربي ، والفرنسية والأرمنية أيضاً.
وتعتبر مدينة دمشق عاصمة سوريا والتي يسكن فيها (١٠٩٧٢٠٥) نسمة ، وأمّا أكثر المدن السورية مأهولة بالسكّان فهي حلب وحمص وحماة واللاذقية وأهمّ الأبنية تقع في مدينة اللاذقية وطرطوس وبانياس المطلّة على بحر مديترانه (2).
٣ ـ التأريخ :
ألف ـ وجه تسمية الشام بـ (الشام) :
يقال أنّه سمّي بذلك لأنّه يقع في جهة الشمال من القبلة ولذا قيل عنه شام الشمال ، كما أُطلق على اليمن اسم (اليمن) باعتباره يقع إلى يمين القبلة الثانية.
وهناك وجه آخر لهذه التسمية وهي أنّ سام بن نوح عليه السلام كانت له سلطة وحكومة في هذه البلاد وهو الذي أمر ببنائها ومن هنا جاءت تسميتها باسمه لأنّ تلفّظ بالسين في اللغة السريانية وتلفّظ بالشين في اللغة العربية والعبرانية.
وقال البعض أنّها من (الشامة) وهي مناطق في الشام كانت أراضيها خضراء وسوداء وبيضاء كأنّها خال وأوّل من بناها سام بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وكان لديه خمسة أولاد لكلّ واحد منهم منطقة وهي : فلسطين ، وحمص ، والأردن ، وإبليا (يعني بيت المقدس) ودمشق.
ب ـ أولاد سام وولايات الشام :
١ ـ فلسطين : وهي أرض النبي`جرجيس عليه السلام ومن بعده بعث النبي عيسى عليه السلام إليهم ، ويقع قبر النبي جرجيس عليه السلام في مدينة الموصل أو الرقّة أو فلسطين التي دفن فيها سبعين نبيّاً.
 معالم الشام
 معالم الشام
سهول مرج ابن عامر - فلسطين
وهذه المناطق الخمسة التي تدور عبارات دعاء السمات حولها هي محطّ أنظار اليهود والنصارى والمسلمين وذلك لكونها المسلمين الأُولى ، ومدفناً لكبار الرجال وهكذا هي مقبرة الأنبياء عليهم السلام وآثار مدينتهم السالفة ، وفيها آثار العمالقة عاد ، وثمود والرسّ وأهل البيت عليهم السلام وغيرهم موزّعة في مدينة بعلبك وتل سليمان وغيرها ، ولعلّ أهمّها جميعاً هو بيت المقدس وبيت لحم والخليل وهي الآثار المقدّسة التي مضى عليها ستّة آلاف عام يقصدها المسلمون والنصارى واليهود للزيارة.
وفي عام ١٣٧٠ هـ اقتضت سياسة المستعمر ومن أجل كسب الأصوات أن تقسّم فلسطين إلى قسمين ، فأُعطي القسم الشمالي لليهود والقسم الجنوبي وهو القسم الأكبر من فلسطين للعرب وهي الأردن اليوم وعاصمتها عمّان من أجمل المدن الحديثة في المنطقة ، وتضمّ فلسطين اليهود أُورشليم وهو المعبد الخاصّ لليهود ، بينما تضمّ فلسطين العرب بيت المقدس وبيت لحم ومدينة الخليل وآثار أُخرى.
٢ ـ حِمص : تُنسب هذه المدينة العظيمة إلى حمص بن سام الذي بناها وتقع بين دمشق وحلب ، وفيها إحدى المناطق المقدّسة والمهمّة التي وقف فيها أمير المؤمنين علي عليه السلام وزار قبور الصالحين وأمر أصحابه بزيارتهم وقال لهم إنّ عدداً من الصالحين قد دفن فيها ويُعدّ هذا المكان مزاراً عامّاً في هذه المدينة ، وقال بعضهم : إنّ قبر قنبر مولى الإمام علي عليه السلام فيها ، ولكن الأصحّ أنّ قبره في بغداد وذكر في معجم البلدان أنّ حمص مدينة مشهورة في طرفي دمشق وحلب وسُميّت بإسم حمص بن سام بن نوح عليه السلام ، وفيها قبر خالد بن الوليد وابنه عبد الرحمن ، والعاص بن أعثم ، وبالقرب منها قصر خالد بن الوليد وقبور بعض الصحابة.
 معالم الشام
وحمص هذه غير حمص الواقعة في اشبيلية وغير حمص الواقعة في مصر وخلخال ، وقدورد في كتاب رحلات ناصر خسرو : إنّ من الشام إلى حمص خمسين فرسخاً.
٣ ـ الأردن : وهو اسم أحد أولاد سام بن نوح عليه السلام فسمّيت المنطقة باسمه ، وكانت الطائف تابعة للأردن وقد عرفت بمائها وهوائها ومناظرها الخلّابة ، وقد كان النبي إبراهيم الخليل عليه السلام قد سكن هذه المنطقة حتّى نزل عليه وحي الرسالة فتركها وسكن في الخليل.
 معالم الشام
وأمّا الناصرة فهي القرية التي سكنها النبي عيسى عليه السلام وأتباعه الذين أُطلق عليهم النصارى نسبة للمنطقة ، وقد كانت الناصرة تابعة لدمشق وهي القرية التي دخلها الخضر والنبي موسى عليه السلام في سفرهما ، وقد أشار القرآن الكريم إليها (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (3).
وهذه الآية تحكي قصّة دخول النبي موسى عليه السلام والخضر عليه السلام إلى قرية ثمّ طلبوا من أهلها الطعام فأبوا أن يطعموها فانطلقا إلى جدار ليتيمين في المدينة مشرف على السقوط ، فعمل الخضر على بنائه وإقامته لحفظ الكنز الذي كان تحته وقد ورثاه من أبيهما .. الخ. وهكذا فالأردن تحفل بعدّة قبور مقدّسة للعظماء ، مثل قبر لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم وقد سميّت سورة كاملة باسمه ، ويقع قبره في مدينة طبرية ، ناهيك عن قبور كلّ من حجر بن عدي وأُويس القرني وبلال الحبشي التي تقع في هذه المنطقة بين الأردن والشام.
٤ ـ بيت المقدس : مدينة تعرف اليوم بالقدس بنيت على يد إيليا بن سام بن نوح ، وقد ورد ذكرها في الروايات على أنّها أرض المحشر ، كما ورد أنّ فيها قبور العديد من الأنبياء والأولياء والعلماء والأوتاد وعباد الله الصلحاء ، وتُعدّ منطقة الخليل من أشهر مناطقها لوجود قبر خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام وابنه إسحاق ، وكذا قبر النبي زكريا عليه السلام والنبي يحيى عليه السلام.
 معالم الشام
وقد تمّ بناء بيت المقدس الكبير من الحجر قبل أكثر من ستّة آلاف عام ، وبني بطراز خاصّ وكان فيه قبّة وضريح لقبور الأنبياء ، مضافاً إلى الآثار القديمة فيه ثمّ بنيت أطراف المسجد الأُخرى ممّا أضفى جمالاً آخراً لجمال المدينة المحاطة بالطيور والخضراء ، هذا وقد تولّى بناء بيت المقدس نبي الله سليمان عليه السلام.
كما ويُعدّ المسجد الأقصى من المساجد المحترمة والمعظمّة في العالم فهو ـ كما سلف ـ قبلة المسلمين الأُولى ومسجد ليلة المعراج ومن أكبر المعابد التي يقصدها اليهود والنصارى والمسلمين الذي لم يسمع ولم ير مثله قطّ ، فإنّ الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره.
وأمّا قصّة بناء المسجد الأقصى فقد روي أنّ ذرّية إبراهيم الخليل كثرت ببركة الموقف العظيم لولده إسماعيل عليه السلام الذي استمرّ نسله وتكاثروا في فلسطين حتّى انزلق بعضهم عن طريق الهداية ومال إلى الضلال وعصى الربّ سبحانه وتعالى ، فأوحى الله للنبي داود عليه السلام الذي كان آنذاك حجّة الله في الأرض أن يقول للعصاة : إنّ الله تعالى سيبتليهم بثلاثة أنواع من البلاء ، إمّا ثلاث سنين من القحط ، أو ثلاثة أشهر من الحرب ، أو ثلاثة أيّام من الطاعون ، فلمّا أبلغهم بذلك قالوا : لا طاقة لنا بالقحط والحرب ، وأمّا الموت بالطاعون فنحن مستعدّون ، فذهب جماعة من العصاة واغتسلوا غسل التوبة ولبسوا الأكفان وخرجوا مع نسائهم وأطفالهم إلى الصحراء ينتظرون الموت ، بينما بقي القسم الآخر من العصاة في المدينة وهم يستهزؤون بهم فجاءهم الطاعون وقتلهم جميعاً ، بينما كان داود عليه السلام واقفاً على التلّ مع العصاة وقد توجّه إلى الله تعالى بالدعاء والتضرّع أن يغفر لهم حتّى استجاب الله دعائه وصلاته ورفع البلاء عنهم ببركته ثمّ خاطبه أن يبني على هذا التلّ مسجداً بمناسبة هذه الدعوة المستجابة ، «وهو مكان بيت المقدس اليوم ومكان خيمة النبي موسى عليه السلام والصلحاء من بني اسرائيل» فقبل الناس جميعاً بالتعاون لبناء هذا المسجد المقدّس ، إلّا أنّ أحد الصلحاء من بني اسرائيل قال : إنّ المكان ملكي ولا أسمح أن تبنوا عليه مسجداً دون رضاي ، فقالوا له : نعطيك ما تطلب حتّى ترضى ، فأوصلوا الخبر للنبي داود عليه السلام فقال لهم : لابدّ من رضاه ، فقال الرجل : أُريد مئة شاة ومئة بقرة ومئة جمل ، فلمّا كادوا أن يدفعوا له ذلك أبدى عدم رضاه أيضاً وقال : أُريد أن تحوطوا التل بحائط وتقيموا بما يعادله من الفضّة لكي أرضى. ومع ذلك أبدى الناس استعدادهم لارضائه ، فلمّا رأى همّتهم ونيّاتهم صادقة قال : قد رضيت بلا أن تدفعوا لي شيئاً وقد وهبتكم حقّي والأرض لكم وأنا معكم من العاملين ، وبهذا الشكل بدأوا ببناء المسجد الأقصى ، حتّى حمل النبي داود عليه السلام مع الناس الحجارة الكبيرة بنفسه وفي أثناء البناء جاء الخطاب الإلهي لداود عليه السلام : قد انتهى دورك من البناء وما تبقّى يكمله إبنك سليمان فأت بما أُمرت به ، وكان عمر داود عليه السلام آنذاك ـ أي حينما بدأ ببناء المسجد ـ ١٢٧ عاماً ، وتوفّي وعمره ١٤٠ عاماً.
ثمّ جاء سليمان عليه السلام وله من العمر ١٣ عاماً وجلس في مجلس أبيه وبدأ العمل في إكمال المسجد المقدّس إلّا أنّه إمتاز بكادر عمّالي عجيب وغريب وفريد من نوعه فقد عمل معه الجنّ والإنس سواء ، فكانوا يجلبون له الحجر الأبيض والأخضر والمعادن والأحجار الكبيرة والعريضة حتّى أكمل بناء المسجد وأكمل مدينة القدس التي قسّمها إلى اثنتي عشر قسماً على عدد أسباط بني اسرائيل.
وقد استغرق إنجاز هذا المشروع العملاق أربعين عاماً متواصلة من العمل الدؤوب ، فكان عرمه عليه السلام آنذاك ٥٣ عاماً ، وفي مكان ما كانوا قد صنعوا لسليمان عليه السلام غرفة من الزجاج وكان عليه السلام قد أمر بعدم الدخول عليه إلّا مع أخذ الرخصة والإذن منه ، فوقف يوماً وهو ملكاً على عصاه في هذه الغرفة وفجأة دخل عليه أحدهم فتعجّب سليمان عليه السلام من ذلك وقال له : من أنت؟
فقال : أنا الذي لا أقبل الرشاء ولا أهاب من الملوك ، أنا ملك الموت فقبض روحه وعلى هيئته التي كان عليها.
وتُعدّ اليوم منطقة بيت المقدس والمسجد الأقصى من المناطق الجذّابة في العالم بآثارها وطبيعتها الخلّابة وأشجار الفواكه الشهيرة فيها.
٥ ـ دمشق : وهي اليوم دولة سوريا ومركزها الشام يطلق عليها ـ أي على العاصمة ـ دمشق ، لقد بنيت هذه المنطقة العامرة على يد أحد أولاد سام بن نوح عليه السلام على رأي بعض المؤرخين ، بينما ذهب البعض الآخر أنّ نسبتها إلى غلام إبراهيم الخليل عليه السلام ، وذهب آخرون أنّها لغلام النمرود بن كنعان .
 معالم الشام
الجامع الاموي - دمشق
وعلى أي حال فإنّ دمشق تمتاز بهوائها الطيّب ومائها وفواكهها اللذيذة كالزيتون بأنواعه والموز ، إلّا أنّ أهلها عرفوا بالجفاء لآل الله عليهم السلام آل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه واله عندما جاءوا بهم أُسارى من كربلاء. وقد بكى لمصيبة الإمام الحسين عليه السلام كلّ شيء إلّا هؤلاء الجفاة ومن كان على شاكلتهم في الكوفة والبصرة.
فقد روي أنّه ما رفع حجر إلّا وخرج من تحته دم عبيط دلالة على البكاء الكوني والحزن العام في العالم. إلّا هذه المدن الثلاث فقد كانت الكوفة والبصرة تحت سلطة ابن زياد والشام تحت سلطة السكّير يزيد ولهذا فلم تظهر علامات الحزن في هذه المدن بل أُتّخذ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور وبركة في بعضها (4).
ج ـ الشام في العهد القديم :
الشام في عصرنا الحاضر يشمل دولة سوريا ولبنان وأقسام من الأردن وفلسطين ، فكانت هذه الدول تشمل منطقة الشام قديماً وأمّا هذا التجزّأ بين هذه الدول فهو نتيجة السياسة الاستعمارية الفرنسية والبريطانية بعد الحرب العالمية الأُولى.
 معالم الشام
ففي عام ٦٣ م احتلّ امبراطور الروم سوريا ومنذ ذلك التأريخ دخلت تحت السلطة الرومانية إلى عام ٣٩٥ م التي انقسمت فيها الامبراطورية الرومية إلى قسمين الروم الشرقية والروم الغربية ، فكانت سوريا ضمن الروم الشرقية التي حكمها الملك (بيزانس) الذي ضعفت سلطته بالتدريج على سوريا حتّى تحرّرت من قبضته في القرن السابع على يد المسلمين (5).
د ـ الشام في التاريخ الإسلامي :
١ ـ سفر النبي صلى الله عليه واله إلى الشام :
تُعدّ الشام من المناطق التي يرتبط بها العرب ارتباطاً وثيقاً وقديماً وذلك قبل تحريرها من الاستعمار الروماني ، فقد كان العرب يقصدونها للتجارة ، وقد سافر إليها النبي صلى الله عليه واله قبل بعثته برفقة عمّه في قصّة مفصّلة مفادها كالتالي :
فقد جرت العادة أن يسافر تجّار قريش إلى الشام كلّ سنة مرّة واحدة ، فعزم أبو طالب أن يشارك في رحلة قريش السنوية هذه ذات مرّة وقرّر أن يترك ابن أخيه محمّداً صلى الله عليه واله في مكّة في حراسة جماعة من الرجال ولكنّه وجد في ساعة الرحيل من ابن أخيه العزيز ما جعله يغيّر قراره المذكور واصطحب محمّداً صلى الله عليه واله معه وكان عمره الشريف آنذاك (١٢ ـ ١٣) عاماً ، ولمّا وصلت القافلة إلى منطقة (بُصرى) وهي إحدى نواحي الشام توقّفت عند راهب مسيحي وكانت القوافل التجارية إذا مرّت على صومعته توقّفت عنده بعض الوقت.
وعندما انتهوا عنده من الطعام كان الراهب ينظر إلى محمّد صلى الله عليه واله ويتأمّله جيّداً بنظرات فاحصة ثمّ قال : أيّكم وليّه؟ فقالوا : هذا وليّه وقد أشاروا إلى أبي طالب فقال الراهب لأبي طالب : إنّه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا هذا سيّد العالمين ، هذا رسول ربّ العالمين يبعثه رحمة للعالمين ، إحذر عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله ....
ومنذ ذلك الحين صمّم أبو طالب على الرجوع مصطحباً معه ابن أخيه العزيز على قلبه فكرّا راجعين إلى مكّة بعدما رتّب أُمور التجارية مع بقيّة أصحابه في القافلة (6).
٢ ـ السفرة الثانية :
وقد سافر النبي الأكرم إلى الشام مرّة أُخرى وذلك حينما كان عمره الشريف ٢٥ عاماً إلّا أنّه كان لا يزال في كنف عمّه أبي طالب الذي كان يفكّر في عمل لابن أخيه وكان سبب سفره إلى الشام أنّ السيّدة الجليلة خديجة بنت خويلد التي كانت امرأة تاجرة ذات
شرف عظيم ومال كثير تبحث عن رجل أمين تستأجره في مالها أو تضاربها إيّاه بشيء تجعله له منه فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه واله ، بعدما امتنع صلى الله عليه واله من أن يتقدّم هو بطلب العمل معها بسبب إبائه وعلو طبعه ، وحينما حضر عندها النبي صلى الله عليه واله قالت له : إنّي دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أُعطي رجلاً من قومك .. فوافق النبي صلى الله عليه واله على هذا العرض وانطلق بالقافلة متوجّهاً إلى الشام للتجارة وقد رافقه غلامين لخديجة أحدهما ميسرة فوصلوا إلى الشام وباعوا ما عندهم وربحوا ربحاً كثيراً ثمّ عادوا إلى مكّة وقد اشترى النبي صلى الله عليه واله من سوق «تهامة» متاعاً أتى به إلى مكّة أيضاً (7).
٣ ـ رسالة الإسلام في الشام :
لقد طرح النبي الأكرم صلى الله عليه واله نفسه منذ اليوم الأوّل لبعثته على أنّه رسول للعالمين كما أشار القرآن الكريم لذلك إذ جاء فيه : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (8)
وقد عمل بجهده لاقتناص الفرص بل لصناعة الفرص ليعرّف الناس رسالته ونبوّته وأنّه مبعوث للعالم كلّه إلّا أنّ أعداء الإسلام كانوا دائماً في طريق انطلاقته وإعاقته ، ولكن وبعد أن دخل النبي صلى الله عليه واله في معاهدة الصلح التي جرت في الحديبية مع المشركين اطمأنّ من جانبهم قليلاً وأخذ يفكّر في الاتّصال بكبار ملوك الأرض ويعرّفهم نفسه ويلقي عليهم الحجّة وعلى أُممهم عبر الرسائل التي يدعوهم فيها إلى الإسلام ، وبذلك يكون قد خرج من الدائرة الصغيرة التي كان يتحرّك فيها إلى مساحة عالمية كبيرة فانتخب صلى الله عليه واله ستّة أشخاص من أبرز ما يكونوا ودفع لكلّ واحد منهم رسالة دوّن فيها نبوّته التي ألزم الله سبحانه بها العباد ، ودعاهم إلى دين الله الجديد فانطلق أُلئك الأبطال لكلٍ وجهة هومنطلق إليها : ايران ، الروم ، الحبشة ، مصر ، اليمامة ، البحرين ، والحيرة (9).
ووقتها كان قيصر ملك الروم الشرقية قد عاهد الله تعالى أنّه إذا نصره في صراعه المرير مع ايران فإنّه يقصد زيارة بيت المقدس مشياً على الأقدام من مقرّ حكومته في القسطنطينية إلى فلسطين ، وفعلاً قام بتحقيق عهده عندما نال الظفر والانتصار ، فقصد بيت المقدس. وكان الشخص المؤهّل لحمل رسالة رسول الله صلى الله عليه واله إلى قيصر الروم هو دحية الكلبي وذلك لعدّة اعتبارات توفّرت فيه منها :
ألف ـ لأنّه كان قد سافر إلى عدّة مناطق من الشام سابقاً فهو عارف بها.
ب ـ كونه صاحب طلعة بهيّة ووجه جميل وسيرة حسنة تؤهّله للقاء قيصر الروم. وقبل أن ينطق دحية الكلبي إلى القسطنطينية عرف أنّ قيصر الروم عزم إلى بيت المقدس وكان ـ دحية ـ حينها في بُصرى (10) وهي إحدى نواحي الشام ، فالتقى دحية مع والي بُصرى الحارث بن أبي شمر وأخبره بمهمّته ثمّ دفع إليه رسالة النبي صلى الله عليه واله ، لأنّ الواقدي (11) روى أنّ النبي صلى الله عليه واله كان قد أمر دحية بدفع الرسالة إلى والي بُصرى والأخير يرفعها إلى قيصر الروم.
ويحتمل أنّ النبي صلى الله عليه واله أمره بذلك لأنّه كان يعلم أنّ قيصراً قد غادر قسطنطينية ، أو لأنّ الدحية لا يمكنه الوصول إليها وعلى كلّ حال فقد أمر الحارث أحد الرجال وهو عدي بن حاتم أن ينطلق مع دحية إلى بيت المقدس ليقدّمه إلى قيصر.
وفعلاً فقد وصل دحية بركب الامبراطور في مدينة حمص ولكن قبل اللقاء به أو عز إليه حاشية السلطان بأن يسجد أمامه معبّراً عن التعظيم والاحترام وإلّا فإنّ الامبراطور لا يعتني بك ولا يستقبل رسالتك ، فقال دحية بما معناه : إنّي ما قطعت كلّ هذه المسافات إلّا لأقضى على هذه التقاليد المنحرفة ، ثمّ إنّي لم أُمر بهذا بل أُمرت أن أوصل رسالة النبي محمّد صلى الله عليه واله إلى قيصر يدعوه فيها إلى ترك عبادة البشر ، وأنّه لا معبود إلّا الله تعالى ولا يُسأل الناس إلّا عن عبادته ، بهذا أعتقد وبه أُمرت فكيف تطلبون منّي أن أسجد لغير الله تعالى؟
فأخذ هذا القول الرصين موقعه من قلوب حاشية الملك ونظروا إليه بنظرة الإعجاب والإكبار ، لأنّه يدلّ على استقامته وصلابته في الاعتقاد ثمّ تقدّم إليه أحد الصلحاء من حاشية الملك قائلاً : تستطيع أن تضع كتابك على طاولة الملك هذه لأنّ رسائل الملك لا يطلّع عليها إلّا هو ، وعندما يقرأها سوف يبعث خلفك فامتثل دحية لذلك وشكره على نصيحته وتركه. وعندما جاء قيصر تناول الرسالة وقرأها وكان فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمّد بن عبدالله إلى هرقيل عظيم الروم ، سلام على من اتّبع الهدى.
أمّا بعد : فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فإن تولّيت فإنّما عليك إثم (الاريسين) ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإنّ تولّوا فقولوا بأنّا مسلمون. محمّد رسول الله (12).
٤ ـ نفوذ الإسلام في الشام :
في العام ١٤ ه الموافق للنصف الأوّل من القرن السابع الميلادي التحقت الشام بالبلاد الإسلامية وذلك حينما زحفت الجيوش الإسلامية ـ إبان خلافة أبي بكر ـ نحو الشام لتخوض حرباً مع هرقل «هراكليوس» امبراطور الروم الشرقية ، في الأردن وفلسطين وقد انتصر المسلمون في حروبهم هذه وهزم هرقل ورجع القهقرى إلى دمشق ، ولكن مع ذلك فقد حاصره المسلمون الذين جاءهم خبر موت أبي بكر في (٢٢ جمادى الثانية عام ١٣ هـ) ذلك الوقت ، فعيّن عمر بن الخطّاب مكانه واستمرّت المواجهة حتّى سقطت دمشق في رجب من عام ١٤ هـ على يد المسلمين الذين قادهم خالد بن الوليد حينها وأبو عبيدة فقد طال على صاحب دمشق الأمر ـ أي الحصار ـ فأرسل إلى أبي عبيدة فصالحه وفتح له باب الجابية وألحّ خالد على باب الشرقي لمّا بلغه أنّ أبا عبيدة عزم على أن يصالح القوم ففتحه عنوة وروي أنّ خالد بن الوليد صالحهم أيضاً فأجاز أبو عبيدة ذلك (13).
يقول المؤرخ اليعقوبي في هذا الصدد : تُعدّ مدينة دمشق من المدن الجميلة والقديمة وكانت مركزاً لجميع مدن الشام في الجاهلية والإسلام وفيها عمران وأنهار وأعظمها نهر «بردا» الذي يمكن القول عنه أنّه لا نظير له ، وقد فتحت هذه المدينة في خلافة عمر بن الخطّاب عام ١٤ هـ بعد أن حاصرها أبو عبيدة بن الجرّاح عاماً كاملاً ، ثمّ صالح أهلها من طرف باب الجابية ودخلها فاتحاً بينما قاتلهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي ودخلها بدون صلح ، وكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر وأنقذه (14).
ومن عوامل انتصار الإسلام هو أنّ أهالي تلك المناطق رغبوا في الإٍسلام قبل كلّ شيء لأنّهم كانوا على علم بتقاليد العرب والمسلمين وآدابهم وأطباعهم وتواضع جيش الإسلام ، وانعدام الضرائب الثقيلة في الاسلام التي أرهقتهم بها الحكومات السابقة ، ومللهم من الآراء المختلفة بين المسيحيين حول الدين المسيحي وتعدّد المدارس الفكرية التي لا طائل منها سوى الاختلاف والضجر والملل من الحكومة الرومانية والدين المسيحي (15).
وعلى أي حال فقد عرفت منطقة الشام على أنّها جزءاً من البلاد الإسلامية ، ومنذ عام ٤٠ ه إلى عام ١٣٢ ه ، أي ما بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام كانت دمشق عاصمة الدولة الأموية التي بدأ حكمها معاوية ، والتي تعرّضت طيلة هذه الفترة لثورات العبّاسيين الذين وجدوا مناصرة حقيقيّة من قبل الشيعة والايرانيين حتّى سقطت تلك الدولة الظالمة وحلّت محلّها الدولة العبّاسية التي اتّخذت من بغداد عاصمة لها ، ومنذ ذلك اليوم فقدت الشام أهميتها (16).
وبعد سقوط دولة بين أُميّة مرّت الشام بأدوار مختلفة يحتاج شرحها إلى كتاب مستقلّ.
المصادر :
1- مراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام ص ٧ آية الله الحاج السيّد أحمد الفهري الزنجاني إمام جمعة الحرم الزينبي في الشام.
2- شام أرض الذكريات (فارسي) ص ٢٢ للعالم المعاصر والكاتب القدير مهدي پيشوائي
3- سورة الكهف : ٧٧.
4- راجع كتاب حضرة زينب كبرى عليها السلام فارسي ص ٢٥٧ للكاتب عماد زاده.
5- گيتا شناسي كشورها (فارسي) ص ١٨٥ طبع عام ١٣٦٥ ش.
6- تاريخ الإسلام تأليف المحقّق الكبير آية الله الحاج الشيخ جعفر السبحاني ص ٢٧ (فارسي) ، وانظر السيرة النبوية ج ١ ص ١٨٢.
7- فروغ ابديت للسبحاني ج ١ ص ١٥٦ ومعناه «شمس الأبدية أو الشعاع والنور الأبدي» وانظر البحار ج ١٦ ص ٢٢.
8- سورة الأعراف : ١٥٨.
9- راجع البحار ج ٢٠ ص ٣٨٢ ح ٨ / المترجم.
10- بُصرى : مركز حوران وهي إحدى المستعمرات الرومانية وكان الحارث بن أبي شمر وغيره من ملوك الغساسنة يُنصبون من قبل قيصر وهم يمثّلونه في هذه المناطق.
11- الطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٥٩.
12- انظر البحار ج ٢٠ ص ٣٨٦ /
13- فتوح البلدان ، لأبي الحسن البلاذري ص ١٢٨ ـ ١٣٠ لقد كان خالد بن الوليد في العراق والكن لمّا وصلت الأخبار لأبي بكر بكثرة جيوش الروم بعث خلف خالد وألزمه مهمّة فتح دمشق انظر المصدر أعلاه ص ١١٧.
14- البلدان لأحمد بن أبي اليعقوبي (فارسي) ص ١٠٥.
15- التأريخ التحليلي للإسلام د. سيد جعفر شهيدي ص ١٠٨ / فارسي.
16- الشام أرض الذكريات ص ١٩ / فارسي.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.