
عمار بن ياسر
عمّار بن ياسر أبو اليقظان وهو صحابي جليل وقد استشهد أبواه ياسر وسميّة ـ أوّل شهيدة في الإسلام ـ بعد أن عُذِّبا وعمّار عذاباً شديداً من مشركي قريش.وعمّار هو الذي نزل فيه قوله تعالىٰ :
( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (١)
بعدما نال من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذكر آلهة المشركين علىٰ رواية لشدة ما ناله من العذاب ، وقد قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« عمّار تقتله الفئة الباغية » (٢)
وفعلاً استشهد عمّار يوم حرب صفّين بين علي بن أبي طالب عليهالسلام ورئيس الفرقة الباغية معاوية بن هند.
وقبل أن يقتل « الصحابي » معاوية عمّاراً كما قتل غيره ، تعرّض عمّار للضرب والشتم من عثمان ووزيره مروان بن الحكم ، وإليك القصة كما أوردها ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) :
« ... ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ، وكان ممّن حضرهذا مع أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « من أبغض عمّارا أبغضه الله ». (3)
فما بالك إذن بمن قتله واجترأ عليه ؟
الكتاب عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلىٰ عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمّار حتّىٰ بقي وحده ، فمضىٰ حتّىٰ جاء دار عثمان ، فاستأذن عليه ، فأذن له في يوم شاتٍ فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أُميّة ، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب ؟
قال نعم ، قال : ومن كان معك ؟ قال كان معي نفر تفرّقوا فَرقاً منك ،
قال : من هم ؟ قال : لا أُخبرك بهم ،
قال : فلم اجترأت عليّ من بينهم ؟
فقال مروان : يا أمير المؤمنين إنّ هذا العبد الأسود ( يعني عمار ) قد جَرّأ عليك الناس ، وإنّك إن قتلته نكّلت به من وراءه ، قال عثمان : اضربوه ، فضربوه وضربه عثمان معهم حتّىٰ فتقوا بطنه ، فغشي عليه ، فجرّوه حتّىٰ طرحوه علىٰ باب الدار ، فأمرت به أُم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فأدخل منزلها ... » (4).
]
أبو ذرّ الغفاري :
هو جندب بن جنادة من قبيلة غفار ، وكان رابع من أسلم أو خامسهم بعد خديجة وعلىٰ وزيد بن حارثة ، وقد قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علىٰ ذي لهجة أصدق من أبي ذر » (5).وأبو ذرّ هذا نفاه عثمان بن عفّان إلىٰ الشام ، لكن معاوية خاف منه ومن صرامته في الحق فأرسل لعثمان كتاباً قال له فيه : انقذني من أبي ذرّ ، فأرجعه عثمان وشتمه ونفاه إلىٰ صحراء الربذة حتّىٰ مات هناك ، فصدق فيه قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « تمشي وحدك وتموت وحدك وتُبعث وحدك » (6).
بل إنّ هذا الصحابي الجليل القدر لم يجد حين حضرته الوفاة كفناً يُكفّنُ فيه ، في حين كان مروان بن الحكم وغيره من بني أُميّة المجرمين يتنعّمون ويبذّرون مال الله علىٰ شهواتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
سهل بن سعد الساعدي :
صحابي من الصحابة ، وقد قال ابن الأثير في ترجمته « ... وعاش وطال عمره ، حتّىٰ أدرك الحجّاج بن يوسف وامتُحن معه ، أرسل الحجّاج سنة أربع وسبعين إلىٰ سهل بن سعد رضياللهعنه وقال له : ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان ؟!قال : قد فعلته. قال : كذبت ، ثم أمر به فَخُتم في عُنُقه ، وخَتم أيضاً في عنق أنس بن مالك رضياللهعنه ، حتّىٰ ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان فيه ، وختم في يد جابر بن عبدالله ، يريد ( أي الحجّاج ) إذلالهم بذلك ، وأن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم » (7).
وكما ترىٰ فإنّ الحجّاج ومن قبله معاوية ويزيد لم يدعوا حرمة للصحابة بل ختموا علىٰ رقابهم وأيديهم كالأغنام ، وقد ختم يزيد علىٰ رقاب أهل المدينة بعد أن غزاها وكان فيها من الصحابة والتابعين الكثير وشرط عليهم أن يختم عليهم وأن يشهدوا علىٰ أنهم عبيد ليزيد.
ولاحظ حقد الحجّاج علىٰ من لم ينصر عثمان ، فما بالك بمن حارب عثمان ودعىٰ لقتله ، وقد فعل هذا كثير من الصحابة كعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وغيرهم كثير ، وبهذا تعرف لماذا صارت لعثمان فضائل كثيرة مزعومة ومثالب وشتائم لمن عارضه أو قتله أو رضي بذلك ، فافهم !!
نكتفي بهذا القدر ، ولو أردنا التوسع فيما لقيه الصحابة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من التنكيل والتبعيد والقتل والسب والشتم لاحتاج كلّ ذلك إلىٰ كتاب علىٰ أقل تقدير ، ثم يقال بعد هذا إنّ سبّ الصحابي كفر وزندقة ؟!
رأي التابعين في الصحابة :
في الواقع إنّ الباحث الفطن يكتشف أن مسألة عدالة الصحابة أجمعين أو فقل : إنّ لُغز عدالة الصحابة جميعاً هي مسألة محبوكة وموضوعة لكي تقف حجر عثرة أمام الوصول إلىٰ الحقيقة ، ولا يوجد أدنىٰ شكّ في أنّها خطة أُمويّة أسّسها معاوية بن أبي سفيان حتّىٰ لا يفتضح هو وأمثاله من أرثّاء وأخسّاء الصحابة وحتّىٰ لا تصل الأُمة بعد ذلك إلىٰ فهم القرآن الكريم وآياته ـ والتي تتضمّن طعناً بكثير من الصحابة كما أشرنا ـ وبالتالي عدم فهم السنّة الشريفة ، وبعبارة أُخرىٰ فقل : أراد معاوية الذي أسلم يوم فتح مكة ثم صار فيما بعد أميراً للمؤمنين ، أراد أن لا يستغرب أحد من الأُمة هذه القفزة النوعيّة ولا تُثار الشكوك حولها ، وبعبارة أدقّ قام معاوية بعمليّة خلط الأوراق حتّىٰ لا يميّز المسلم يمينه من يساره ولا ناقته من جمله.وبعد هذا الاستعراض القصير جدّاً لما شجر بين الصحابة من السب والتنابز ، نأتي إلىٰ طبقة التابعين لنرىٰ رأي بعضهم في الصحابة.
لو كان كلّ الصحابة عدولاً كما يقال ، فما كان هذا الأمر ليخفىٰ علىٰ أحد مشاهير وأعلام التابعين ، وهو الحسن البصري الفقيه البصري المعروف والذي أبدىٰ رأيه في معاوية ـ الصحابي ـ صراحة حيث يقول :
« أربع خصال كُنّ في معاوية ولو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة :
انتزاؤه علىٰ هذه الاُمة بالسفهاء حتّىٰ أبتزّوها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة.
استخلافه ابنه ـ يقصد يزيد الشر ـ بعده سكّيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير.
ادعاؤه زيادًا وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر.
قتله حجر وأصحابه ـ يقصد حجر بن عدي الصحابي الجليل ـ ويل له من حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه » (8).
فهذا التابعي يشنّع علىٰ معاوية ـ الصحابي ـ أمورا منها أنه انتزىٰ علىٰ حكم المسلمين بالقوّة والباطل رغم وجود بقية باقية من خيار الصحابة ، ولم يكتف معاوية بهذا بل جعل أناساً مجرمين ولاة علىٰ الإمارات الإسلامية كتوليته زياد بن أبيه ( الذي جعله أخاً له ) وتولية بسر بن أرطأة السفاح وكتولية المغيرة بن شعبة والضحاك بن قيس الفهري علىٰ الكوفة وغيرهم.
كذلك يشنّع الحسن البصري علىٰ معاوية توليتهُ يزيداً ابنه خليفة ـ ملكاً علىٰ الأصح ـ علىٰ المسلمين مع ما اشتهر عنه من فسق وفجُور ، حتّىٰ قال فيه الحسين بن علي عليهالسلام قولته الشهيرة عندما رفض مبايعة يزيد :
« وعلىٰ الإسلام السلام إذ بُليت الاُمة براعٍ مثل يزيد ».
ولا ينسىٰ الحسن البصري حادثة قتل معاوية لحجر بن عدي الصحابي الجليل الذي دفنه حيّاً في مرج عذراء قرب دمشق مع ثلّة من أصحابه. وَسجِلّ معاوية مليء بالاغتيالات والتصفيات التي طالت حتّىٰ كبارالصحابة فضلاً عن غيرهم. فقد سمّ الإمام الحسن بن علي عليهالسلام ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيّد شباب أهل الجنة ، وقتل محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية » ، وعلىٰ هذا يكون معاوية رئيس الفرقة الباغية ، ثمّ يأتي من يقول بعد ذلك إنّ جميع الصحابة ـ بمن فيهم معاوية ـ عدول ، ثقات ، مغفور لهم ، مشهود لهم بالجنة وأنّ منهم من اجتهد فأصاب ومنهم من اجتهد فأخطأ كمعاوية ولهذا فله أجر واحد فقط ؟!
اللّهم احفظ لنا عقولنا فإنّك ما كرّمت بني آدم علىٰ الدواب إلاّ بها.
المصادر :
1- سورة النحل : ١٠٦.
2- صحيح البخاري ٤ : ٢٥.
3- أنظر مسند أحمد ٤ : ٨٩
4- الإمامة والساسية١ : ٥٠ ـ ٥١.
5- طبقات ابن سعد ج ٤ ، ترجمة أبي ذر الغفاري.
6- الحديث عن عبدالله بن مسعود وقد قاله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي ذرّ في غزوة تبوك ، الطبقات الكبرى لأبن سعد ٤ : ١٧٣.
7- أُسد الغابة ٢ : ٤٧٢ ، ترجمة سهل بن سعد الساعدي.
8- تاريخ الطبري ٥ : ٢٧٩.