الخلافات في أوساط المؤمنين

إنّ الخلافات والصّراعات في أوساط المؤمنين العاملين تسبّب انخفاضاً وتراجعاً كبيراً في نشاطهم وفعاليتهم في السّاحة وذلك للأسباب التالية :
Tuesday, September 5, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الخلافات في أوساط المؤمنين
 الخلافات في أوساط المؤمنين



 

إنّ الخلافات والصّراعات في أوساط المؤمنين العاملين تسبّب انخفاضاً وتراجعاً كبيراً في نشاطهم وفعاليتهم في السّاحة وذلك للأسباب التالية :
أوّلاً : حينما تتآلف القلوب وتتراصّ الصفوف فإنّ الله تعالى ينزل بركاته وتوفيقه ، أمّا حينما تدبّ الفرقة والنزاع وتسود الخلافات فإنّ الله ينزع بركته ويسلب تأييده وتوفيقه.
ولعلّ ذلك ما يشير إليه الحديث الشريف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يد الله مع الجماعة (1).
ثانياً : حالات الصّراع والخلاف الداخلي تحدث في نفس الإنسان انفعالات وجراحات ومضاعفات جدّ مقيتة ، فيمارس الإنسان العامل دوره في السّاحة ونفسه مثقلة بتلك المضاعفات مما يقلّل من اندفاعه وإنتاجيته وجودة وإتقان عطائه ، وقد تتراكم تلك الانفعالات فتنحرف به عن الطريق ويتراجع عن مواصلة مسيرة الجهاد .
وكم رأينا عناصر عاملة مجاهدة في سبيل الله انسحبت من ميدان العمل وتخلّت عن الجهاد بتأثير هذه المضاعفات النّفسية التي تحدثها الخلافات والصراعات ، وإن كنّا لا نبرّر انسحاب هؤلاء العاملين ولا نقبل أعذارهم في التهرّب من المسؤولية ولكنّا مطالبون بتنقية الأجواء وتهيئة الظروف المساعدة على الاستقامة والصمود في خطّ الجهاد.
وبمراجعة سريعة للتعاليم الدّينية والنّصوص الإسلامية نكتشف بوضوح مدى حرص الإسلام على طهارة ونقاء نفس الإنسان المؤمن ليتمكّن من النهوض بمسؤولياته العظيمة ودوره الخطير في هذه الحياة.
إنّ الصراع الداخلي يستلزم تلوّث النفس بالكراهية والحقد على الآخرين من أبناء المجتمع ، وما أفتك ( الحقد ) بطهارة القلب ، إنّه ورم خبيث وجرثومة مقيتة تجعل النفس مظلمة متآكلة.
لذلك يقول الإمام علي عليه السلام : الحقد ألأم العيوب (2).
وفي حديث آخر : طيّبوا قلوبكم من الحقد فإنّه داء مُؤبّى (3).
ويبارك الإمام علي لمن عافاه الله من مرض الأحقاد بأنّه يعيش راحة في قلبه وتفكّره ، يقول عليه السلام : من أطرح الحقد استراح قلبه ولبّه (4).
ويقول أيضاً : الحقود معذّب النفس متضاعف الهمّ (5).
ولكن ماذا يكون موقف المؤمن إذا رأى من أخيه المؤمن عملاً مؤذياً؟ ألا يحق له أن يتأثّر ويأخذ في نفسه عليه؟
تجيب الأحاديث الشريفة بأنّ ذلك تأثّراً وانفعالاً طبيعياً لا إشكال في حصوله ولكن لا يصحّ أن يبقى ويستمرّ في نفس الإنسان المؤمن على أخيه المؤمن.
وفي حديث آخر : المؤمن يحقد ما دام في مجلسه فإذا قام ذهب عنه الحقد (6).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صفة المؤمن : قليلاً حقده (7).
مساكين هم أولئك الذين يثقلون قلوبهم بالأحقاد على الآخرين لا لشيء إلّا لأنّهم يختلفون معهم في رأي أو موقف.
إنّ البعض من هؤلاء يبدو وكأنّهم يتلذّذون بالخصومة والنزاع مع الآخرين ويحملون في نفوسهم قوائم سوداء يصنّفون النّاس من خلالها فيعادون هذا الشّخص ويحاربون تلك الجهة ويستشكلون على هذه الجماعة أو تلك بأسباب ومبرّرات ، مهما كانت فإنّها لا تجيز للمسلم أن يوقع نفسه في سلوكية الخصام والعداء لأبناء دينه ومجتمعه.
إنّ المؤمن ليدعو الله من أعماق قلبه أن يطهّر نفسه من مرض الأحقاد والعداء للمؤمنين : (رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (8).
أما كيف يُبتلى الإنسان بمرض الخصومة مع الآخرين؟
يحدّد الإمام الصادق عليه السلام سببين لهذا المرض السيّئ فيقول : لا يخاصم إلّا رجل ليس له ورع أو رجل شاك (9).
فحينما يفقد الإنسان ( الورع ) ويعيش حالة اللاهتمام اتجّاه المعاصي والذنوب فإنّه يتجّرأ على مخاصمة الآخرين والنزاع معهم.
وحينما يُبتلى بسوء الظّنّ والتشكيك في نوايا الآخرين وأعمالهم ومواقفهم فإنّه يندفع للخصام والعداوة.
إنّ الخصومات تضعف دين الإنسان وتقلّل انتاجيته وفعاليته وتكرّس في نفسه الشّكوك واللاثقة بالآخرين.
يقول الإمام محمّد الباقر عليه السلام : الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشّك (10).
وإذا كانت المصالح الدنيوية الضيّقة توقع الإنسان في الخصومات والأحقاد فإنّ رحابة الدين وسماحته لا تسمح للمتديّنين بأن يخاصموا في دينهم هؤلاء الذين يجعلون اعتقادهم بفكرة دينية أو اقتناعهم بعمل ديني سبباً لمخاصمة الآخرين وعداوتهم بدلاً من السعي للحوار معهم ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، هؤلاء بعيدون عن روح الدين ومخالفون لأخلاقه الكريمة.
ثالثاً : تستهلك الخلافات والصّراعات الداخلية قسطاً لا بأس به من اهتمام وجهود العاملين في الوقت الذي تشتدّ فيه الحاجة إلى كلّ ذرّة من الجهد والاهتمام لمواجهة الأخطار المحدقة بالأُمّة والأعداء الرئيسيين على الإسلام.
إنّ كلّ جهة تضطرّ إلى صرف شيء من الوقت والتفكّر في مواجهة الجهات الأخرى ، كما تبذل الكثير من الجهد لتحصين أفرادها وأتباعها من تشكيك الآخرين وإثارتهم ، وقد تخصّص نسبة من إعلامها للردّ على الفئات المخالفة لها داخل السّاحة الإسلامية.
ويلعب التخريب من كلّ جهة على أعمال ومشاريع الجهة الأخرى دوراً بشعاً في استنزاف الطّاقات الإسلامية عند الخلافات والصّراعات.
فإذا ما قامت جهة بمشروع اجتماعي فإن الجهات المناوئة لها ستسعى إلى إفشال ذلك المشروع وإضعافه.
وإذا ما أصدرت جهة مطبوعة إعلامية أو ثقافية فإنّ الجهات المعادية ستبثّ الدعايات والإشاعات التي تمنع الناس من التفاعل مع تلك المطبوعة.
وإذا ما عملت جهة على استقطاب أفراد أو جماعة إلى جانبها فإنّ الجهات الأُخرى ستحاول تشكيكهم وإبعادهم عن تلك الجهة.
وحينما نسأل : على من تقع الخسارة في مثل هذه الحالات؟
فإنّ الجواب الذي لا شكّ فيه : أنّها على حساب الإسلام والهدف المقدّس الذي يسعى إليه الجميع ، أليس كذلك؟
وتؤثّر تلك الخلافات والصراعات بين العاملين في سبيل الله على مدى تفاعل الناس وتجاوبهم مع خطّ الجهاد والتحرّك ، حيث تضعف ثقة الناس بالمتنازعين ويشكّكون في سلامة نواياهم وصحّة مسيراتهم حيث يتوقّع الناس من المتصدّين لقيادة الأُمّة والداعين إلى الإسلام أن يكونوا نموذجاً رفيعاً لأخلاق الإسلام وقيمه وتعاليمه ، فإذا ما رأوهم يتنازعون ويتسابقون في إبداء عيوب بعضهم البعض وكشف نقاط ضعفهم فإنّ ذلك سيضعف احترامهم في أعين الناس وتقلّل نسبة التجاوب مع أطروحاتهم ومشاريعهم.
كما سيكون ذلك فرصة مناسبة لدعايات العدو المشترك وإشاعاته ضد الإسلام والعاملين من أجله.

حرّية العقيدة :

إنّ الإسلام هو الدّين الحقّ وهو العقيدة الصّائبة التي ينبغي أن يؤمن بها الإنسان ليرضي خالقه ويسعد حياته في الدّارين ، ولكنّ الله تعالى يريد للإنسان أن يعتنق الحقّ ويلتزم الصّواب بمليء حرّيته واختياره ، عن طريق استخدام عقله ، والتأمّل فيما حوله ، لا أن يُجبر على الإيمان ، أو يُفرض عليه الدّين قهراً ، فذلك يتنافى مع إنسانية الإنسان ، وصفاته التي ميّزه الله بها.
ولو أراد الله تعالى قسر الإنسان على الإيمان في هذه الحياة الخلقه على هيئة الملائكة ولسلب منه حرّيّة الإرادة والاختيار ، ولكنّه شاءت حكمته أن يكون الإنسان حرّاً مختاراً ، يستخدم عقله ، ويمارس إرادته ، وينتخب طريقه. أمّا الأنبياء فيقتصر دورهم على التذكير والتوجيه ، وليست لهم صلاحية الإكراه والجبر وهذا ما تؤكّد عليه آيات عديدة في القرآن الحكيم يقول تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) (11).
(وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (12).
( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) (13).
(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (14).
وقد روي أنّ سبب نزول هذه الآية (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) هو النهي والتحذير لأحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو رجل من الأنصار من بني سالم ابن عوف يقال له الحصين وكان له ابنان نصرانيان فأراد ان يجبرهما على اعتناق الإسلام ، فانزل الله تعالى هذه الآية ، دفاعاً عن حرّية العقيدة ، ومنعاً للإرهاب والقمع الفكري. (15)

حرّية الفكر :

والعقيدة الإسلامية إطار واسع يمنح الإنسان حرّية الفكر والتأمّل والاستنباط ، فإذا آمن الإنسان بأصول العقيدة فهو مسلم ، له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، أمّا التفاصيل وقضايا العلم وشؤون الحياة ، فللإنسان أن يعتمد على فكره وعقله على هدى تلك الأصول العقيدية وبشكل لا يتناقض معها.
فالقرآن الحكيم لا يفرض على الإنسان حتميّات ومسلّمات علميّة في شؤون الحياة بل يوجّه الإنسان للتأمّل والتفكير والنظر راسماً له منهجيّة التفكير السليم ، والنّظرة العلمية الموضوعية حتّى لا يقع فكر الإنسان تحت تأثير
الضّغوط والشّهوات ، وقد كان بعض المعاصرين لنزول القرآن الحكيم يتوقّعون منه الإجابة على تساؤلاتهم العلمية والحياتية لكن الخالق سبحانه كان يريد منهم إعمال عقولهم واستخدام أفكارهم دون الاعتماد على إجابات جاهزة تأتيهم من السّماء لذلك نلاحظ إعراض الوحي عن الإجابة على العديد من التساؤلات ، كسؤالهم عن الرّوح يقول تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (16)
وكامتناع الوحي عن البت في مسألة عدد أهل الكهف وهي مسألة ترتبط بالتاريخ وعلم الآثار يقول تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا) (17).
والملفت للنظر أنّ فهم آيات القرآن وتفسيرها هي وظيفة عقل الإنسان وفكره ، حيث لم يفرض الإسلام إلى جانب القرآن تفسيراً منصوصاً محدّدا يلزم به كلّ مسلم ، بل دعا الناس إلى إعمال عقولهم في تفهّم القرآن وتدبّر آياته : يقول تعالى :
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (18).
(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (19).
(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) (20).
ويشير الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى أنّ كلّ جيل ومجتمع يمكنه أن يستفيد فهماً جديداً من القرآن الكريم فيقول حينما سأله رجل : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلّا غضاضة؟
أجاب عليه السلام : لأنّ الله تعالى لم ينزله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس فهو في كلّ زمان جديد ، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة (21).
أمّا إذا أشكل على الإنسان شيء في فهمه لآية من القرآن الحكيم أو تشابهت عليه معاني الآيات ، فعليه أن يرجع إلى الراسخين في العلم ويسأل أهل الذّكر : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (22).
ونتيجة لهذه الحريّة الفكرية التي أرساها الإسلام في مجتمعه تعدّدت المدارس العقيدية والمذاهب الفقهية ونبغ علماء الطبيعة والمخترعون والمكتشفون فإعمال الفكر مطلوب في الإسلام ينال صاحبه عليه الثواب حتّى وإن لم يوفّق للصواب شرط صحّة المنهج المتبّع.
المصادر:
1- كنز العمال ٧ : ٥٥٨ الحديث ٢٠٢٤١.
2- غرر الحكم : ٣٣٤٩.
3- المصدر السابق : ٤٩٢٤.
4- المصدر السابق : ٨٧٠٨.
5- المصدر السابق : ٣٣٥٨.
6- تحف العقول : ٣١٠.
7- كتاب التمحيص : ٧٥.
8- الحشر : ١٠.
9- التوحيد للشيخ الصدوق : ٤٥٨ ، الحديث٢٣
10- المصدر السابق : الحديث٢١.
11- الغاشية : ٢١ ـ ٢٢.
12- ق: ٤٥.
13- يونس: ٩٩.
14- البقرة : ٢٥٦.
15- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٣ : ٢٢.
16- الإسراء: ٨٥.
17- الكهف : ٢٢.
18- محمّد : ٢٤.
19- ص : ٢٩.
20- النساء : ٨٢.
21- عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٩٣.
22- النحل : ٤٣ والأنبياء : ٧.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.