يرتبط تناول الكحول بصورة مستمرة بامراض وتأثيرات خطيرة تدمر اعضاء الجسم المهمة. ومنها :
اولاً : ان الكحول يساعد على تحفيز افراز الحوامض المعدية المخصصة لهضم الطعام ، فتمزق هذه الحوامض بطانة المعدة والامعاء ، مما يؤدي الى قرحة شديدة في المعدة او الامعاء. وقد تؤدي الى منع البنكرياس من انتاج الانزيمات الخاصة بهضم المواد الغذائية ، فتكون النتيجة التهاب البنكرياس ايضاً.
ثانياً : ان الكحول ليس مادة غذائية تبني الجسم ؛ بل انها في الواقع مادة تحرم الجسم من المواد الغذائية الاساسية. فالكحول يحتوي على سعرات حرارية لانتاج الطاقة فقط ، فيؤدي تناوله الى نقص كمية الفيتامينات التي ينبغي تناولها في الحالة الطبيعية ؛ ويساهم ايضاً في اضطراب الجهاز الهضمي ، لان الجسم يصبح عاجزاً الى درجة ما في هضم المواد الغذائية المتناولة ، ويساهم ايضاً في الاخلال في التوازن الطبيعي بين الغذاء المتناول والمهضوم بسبب التقيؤ والاسهال وفقدان الشهية.
ثالثاً : ويعتبر الكبد هدفاً رئيسياً لتأثير المادة الكحولية ؛ لان الكبد جهاز خاص مصممّ لطرد السموم من الجسم الانساني ، فاذا تعطل عمل هذا الجهاز بسبب الادمان تحطمت مناعة الجسم الطبيعية وقابلية على طرد السموم. ولذلك فان ( تشمع الكبد ) وهو من الامراض المزمنة يعتبر من اخطر تأثيرات تناول الكحول على ذلك الجهاز ، حيث تتبدل خلايا الكبد الطبيعية بخلايا اخرى متقرّحة. وربما يؤدي تأثير الكحول الى تورم خلايا الكبد والتهابها. وكل هذه الامراض تؤدي في النهاية الى الموت.
رابعاً : تاثير الكحول على القلب والدورة الدموية واضح. ونتيجة لتناوله فانه يسبب امراضاً يصعب الشفاء منها كامراض الشرايين التاجية ، والسكتة القلبية ونحوها.
خامساً : ان هناك تأثيراً للكحول على نظام الغدد الجسمية التي تنظم حالات المزاج والنشاط الجنسي للفرد. فالادمان على الكحول يؤدي الى العنن وهو عدم القدرة على الجماع ، ويقلل من افراز كمية الهورمونات الجنسية في جسم الرجل ، والى تبكير سن اليأس عند المرأة.
سادساً : وللكحول تأثير خطير على الجهاز العصبي المركزي ، وخصوصاً على الذاكرة الشخصية ، وعلى تناسق عمل الحواس الخمس ، وعلى الاستجابة للحوافز الخارجية. ويولد تناوله ايضاً اضطرابات شديدة في الجانب العاطفي للانسان ، مما يؤدي الى الضيق والكآبة النفسية التي ذكرناها سابقاً. بل ان نسبة الانتحار بين المدمنين على الخمر ، اكثر ثلاثين مرة من نسبتها بين الافراد الاصحاء الذين لا يقربون المادة الكحولية اصلاً.
وبالاجماع ، فان تناول قطرة من الكحول يفتح فرصاً واسعة للادمان. واذا ادمن الفرد على تناولها ، فقد اوقع نفسه في وضع تترتب عليه نتائج خطيرة على صعيد العمل الانتاجي ، والحياة العائلية ، والحياة الاجتماعية بشكل عام. فالفرد لا يحتاج الى ان يصبح مدمناً الاّ الى كمية قليلة من الكحول في البداية ، والى ظروف واجواء مناسبة تشجعه على التناول دون رادع قانوني او شرعي. وليس غريبا ان نلاحظ ردع الشريعة القطعي على تناول القليل منه ، لانه يؤدي الى الادمان الذي لاحظنا اثره الروحي والاجتماعي السلبي على الافراد.
ولذلك ، كان لتحريم الاسلام للخمر بالاضافة الى جانبه التعبدي ، ابعاده الاجتماعية الخطيرة تجاه استقرار النظام الاجتماعي على الاصعدة الشخصية والعائلية والاقتصاية والاخلاقية.
الحيوانات المحرم اكلها بالواسطة :
وهي الحيوانات التي كانت حلالاً بالاصل ولكن طرأ عليها طارئحرّم اكلها. ومنها الحيوان الجلاّل ، وهو الذي يتغذى على عذرة الانسان خاصة دون أن يشرك معهما غيرها من العلف لفترة كافية حتى ينبت عليها لحمه. وقد ورد تحريم اكلها. ويُزال الجلل بالاستبراء وذلك بمنع الحيوان عن اكل النجاسة واعلافه علفاً طاهراً لفترة حتى ينبت اللحم الطاهر. ومنها : وطء انسان منحرف دابة. والحكم في هذه الحالة ، جلد الفاعل دون الحد ، وتغريمه قيمتها لصاحبها ، لانه افسدها عليه ، وتذبح الدابة وتحرق. ومنها : شرب الحيوان من لبن الخنزيرة ، حتى نبت لحمه وقوى عظمه ، فيحرم هنا اكل لحم الحيوان الشارب ولحم نسله.
والمدار في كل هذه الحالات ان النجس بالاصل والنجس بالواسطة ( المتنجس ) حرام اكله وهو من القطعيات بالاجماع ، ان لم يكن من الضرورات.
الحيوانات المحرم اكلها بالذات المحلل اكلها بالواسطة :
وهو اكل الميتة وقت الاضطرار ، لقاعدة ان الضرورات تبيح المحظورات. فقد اعلن الاسلام ان الاصل في احكام الشريعة ، اليسر والسعة وعدم الضرر ونفي الحرج ، لقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١).
وقوله : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ) (٢).
وقوله : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌرَحِيمٌ ) (3).
والمروي عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) (4).
وما ورد في رواية علي بن مهزيار عن الامام ابي الحسن العسكري (عليه السلام) : ( ... وكلما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر ) (5).
والمضطر ، حسب تعبير الفقهاء هو « الذي يخاف التلف على نفسه لو لم يتناول المحرم او يخشى حدوث المرض او زيادته ، او انه يؤدي الى الضعف والانهيار ، او يخاف الضرر والاذى على نفس اخرى محترمة ، كالحامل تخاف على حملها ، والمرضعة على رضيعها ، او اكرهه قوي على أكل او شرب المحرم ، بحيث اذا لم يفعل آذاه في نفسه ، او في ماله ، او في عرضه وشرفه » (6).
وقد اشتهر بين الفقهاء بان « الضرورة تقدر بقدرها » ويدل عليه قوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (7). وورد ايضاً في خبر المفضل عنه (عليه السلام) بان الله اباح للمضطر من الحرام في الوقت الذي لا يقوم بدنه الاّ به ، ( فأمره ان ينال منه بقدر البلغة لا غير ) (8).
وعلى صعيد آخر ، فان المضطر يستطيع التناول من مال غيره لدفع الهلاك ، لان الاضطرار يسقط الخطاب التكليفي لا الخطاب الوضعي. و « لو اضطر الى طعام الغير وليس له الثمن ، وجب على صاحبه الحاضر غير المضطر اليه بذله ، لان في الامتناع اعانة على قتل المسلم ، وقد قال (عليه السلام) : ( من اعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينه آيس من رحمة الله ) ولانه يجب عليه حفظ النفس المحترمة ولو لغيره » (9).
التدخين والمخدّرات
وندرسها على الصعيدين الشرعي والتجريبي.اولا ـ التدخين والمخدرات : الناحية الشرعية :
ولا يوجد في النص دليل على تحريم التدخين بوجه عام ، ولكن القواعد تبين بان كل ما كان ساما فهو حرام لمكان الضرر ، وما عداه يندرج تحت القاعدة الفقهية التي تقول « كل شيء لك حلال حتى تعلم حرمته ». والمعتد به عند العقلاء ان التدخين الشديد بكل انواعه مضر بالجسم ، وعليه فان الحرمة مرتبطة بالضرر.
اما المخدرات فان العلوم الحديثة قد قطعت باضرارها على عقل وجسم الانسان ، بل لا يستبعد درجها علمياً تحت عنوان السموم. ولا شك ان تحريمها واضح لمكان الضرر الحتمي على الفرد جسمياً وعقلياً. وقد بينا سابقاً ان قول الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم): ( لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) (10)
يعتبر دليلاً قاطعاً على حرمة تناول اي شيء يضر بالانسان ، ويعضد ذلك قول الامام الصادق (عليه السلام) : ( كل شيء يكون فيه المضرة على الانسان في بدنه وقوته فحرام اكله الاّ في حال الضرورة ) (11).
وبطبيعة الحال ، فان قوله تعالى : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (12)
هو الفصل في تحريم تناول كل ما يسبب ضرراً معتداً به على جسم الانسان. فالاصل اذن ، ان كل ما يعد فعله ضرراً وتهلكة في نظر العرف فهو حرام ، حتى لو كان الضرر محتملا ًعند العقلاء.
التدخين : الناحية التجريبية :
ولا يشك احد ان التدخين عادة غربية جاءت من اوروبا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي كجزء مهم من العادات الغربية التي حاولت الرأسمالية نشرها في العالم. فمع بداية التصنيع الحديث الذي انتشر في اوروبا في القرن التاسع عشر ، اصبحت صناعة السجائر من الصناعات الرئيسية التي تدر ارباحاً هائلة على المؤسسات الرأسمالية.ففي بداية القرن العشرين كان التدخين منحصراً بالطبقة المتوسطة من رجال النظام الاجتماعي ، ثم انتشر في العشرينات من نفس القرن بين المثقفين ورجال الاعمال ، واصبح التدخين في الاربعينيات جزاءًا مهماً من الشخصية الحضارية الغربية ؛ بمعنى ان شركات التدخين نجحت في خلق انطباع عام لدى الافراد يعكس فكرة تقول بان الذي يشعل سيجارة بيديه ويدخنها يعتبر فرداً متحضراً ، مثقفاً ، ومن طبقة معتبرة في النظام الاجتماعي.
ومن اجل استدرار اكبر كمية من المال ، بدأت الشركات الصناعية التي تنتج وتصنّع التبوغ باضفاء صورة لامعة وبراقة على التدخين ، فاصبحت الصحافة ووسائل الاعلام المطية التي تنفذ اهداف هذه الشركات الرأسمالية في تسويق التبوغ والسجائر. فاصبح المدخّن الرجل المثالي او المرأة المثالية في النظام الاجتماعي ، كقائد الطائرة ، والطبيب ، والممرضة ذات الوجه الحسن ، وسائق الدبابة ، ورجل الفن ونحوهم. وامام هذا التشويق الاعلامي نحو التدخين جنح اكثر من نصف افراد النظام الرأسمالي في منتصف الستينيات من القرن العشرين نحو ممارسة التدخين. ولكن بسبب الامراض الخطيرة التي احدثتها هذه العادة الخطيرة ، وتأثير ذلك على الطاقة الانتاجية للافراد ، بدأت الحكومات الرأسمالية بالتلويح بمخاطر هذه العادة السيئة فاعتبرتها من اكثر الاسباب المؤدية الى الموت في المجتمع الصناعي.
والسبب في ذلك ، ان التبغ يحتوي على مادة سامة تدعى النيكوتين. فعندما يبتلع المدخن دخان سيجارته ، ينتقل النيكوتين خلال الاغشية الرقيقة للرئة الى مجرى الدم. وبواسطة جريان الدم في شرايين الجسم ، تنتقل حوالي ربع كمية النيكوتين الموجودة في الدم الى الدماغ ، فتتحفز خلاياه للاستجابة لهذه الكمية الواردة من النيكوتين. وعندها يفرز الدماغ مواداً كيميائية جديدة تساهم في ازدياد دقات القلب وزيادة ضغط الدم. وتذهب بقية المادة النيكوتينية الى بقية خلايا الجسم ، ومنها الجهاز الهضمي والامعاء والغدة الادرينالية ، مسببة افراز مواد كيميائية اُخرى مضرة بالخلايا الجسمية.
ويرجع سبب الادمان على التدخين ، الى ان خلايا الدماغ تتعود على استلام كمية النيكوتين المخصصة في عملية التدخين. فاذا توقف الفرد عن ممارستها ، انخفضت نسبة الكيميائيات المحفزة في الدماغ ، وهذا يحفر الدافع الذاتي للفرد للتدخين مرة اُخرى حتى يستطيع الدماغ رفع كمية المادة الكيميائية الى مستواها الجديد مرة اُخرى.
ولا شك ان الاصل في ضرر التبغ هو المواد السامة فيه ، والتي تدخل جسم الانسان عن طريق الاغشية الموصلة الى جهاز الدورة الدموية ، كما ذكرنا ذلك سابقاً. واهم هذه المواد السامة بعد النيكوتين هو غاز ( اول اوكسيد الكاربون ) الذى يزاحم الكريات الدموية ، عند ابتلاع الدخان ، على حمل الاوكسجين ، مما يسبب ضرراً على الدورة الدموية وما فيها من قلب وشرايين. وقيل ايضاً ان ( اول اوكسيد الكاربون ) يساعد على احتمال تعرض الفرد للسكتة القلبية والشلل في الدماغ. والمادة السامة الاخيرة هي المادة الصلبة التي تحوي على كمية قليلة من مادة القطران والبينزبرين وهي المسؤولة عن تسبيب سرطان الرئة.
ويمكن تلخيص ضرر التدخين الشديد على الفرد بعبارة تقول ان التدخين يربط الانسان بالموت. فهو احد اهم المسببات العشرة للموت الذي جلبته الحضارة الصناعية الحديثة. فهو يؤثر على المرأة الحامل وعلى جنينها في الاسقاط وفي تشويه خلقة الجنين ؛ ذلك ان ( اول اوكسيد الكاربون ) يقلل من فرص وصول الاوكسجين الى الجنين ، وبالتالي يقلل من حجم ووزن ذلك الكائن الصغير مما يسبب تأثيراً فيزيائياً على النمو العقلي والسلوكي للطفل لاحقاً.
ومع ان ضرر التدخين واستخدام السجائر واضح طبياً خصوصاً منذ اختراع ماكنة تصنيع التبغ سنة ١٨٨١م ، ومع ان الحملة الاعلامية ضد التدخين في الانظمة الاجتماعية الرأسمالية اصبحت اكثر شراسة ، الا ان شركات التبغ العملاقة لاتزال تنتج ٦٠٠ بليون سيجارة في السنة ، اكثرها يصدر الى دول العالم الثالث ؛ لان النظام الرأسمالي ، عن طريق تشجيع التدخين بين دول العالم الاسلامي ، يحاول جاهداً قطف ثلاث ثمار لصالحه. : الاولى : ان الاموال الواردة من بيع هذه الكمية الضخمة من التبوغ المصنّعة تدخل جيب الطبقة الرأسمالية الغربية.
الثانية : تقليل انتاجية افراد العالم الثالث عموماً ، وافراد العالم الاسلامي بالخصوص عن طريق نشر الامراض الناتجة عن التدخين ، كامراض السرطان ونحوها. الثالثة : تخريب المستوى الصحي العام فيها حتى تكون تلك المجتمعات مسرحاً لاستيراد الادوية المصنعة في الدول الرأسمالية الغربية نفسها.
السواك وتطهير الفم
والسواك من المستحبات الاكيدة التي امر بها الشرع ولكن لم يوجبها خشية ان يشق على الاُمة. وقد وردت فيه احاديث كثيرة تحبيباً لتلك العملية وتشجيعاً على ممارستها مراراً في اليوم والليلة. وكيفية ان يستاك بخشب الاراك او غيره من قضبان الاشجار مما يخشن ، ووقته عند كل صلاة وعند كل وضوء وعند تغير نكهة الفم بالنوم ، او أكل ما يكره رائحته. ومن الاحاديث الواردة فيه ، حديث رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( ان افواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك ) (13)و ( لولا ان اشق على اُمتي لامرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة ) (14)
و ( مالي اراكم تدخلون علي قلّحاً استاكوا ) (15) ،
والقلح صفرة تعلو الاسنان. وقوله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( لكل شيء طهور وطهور الفم السواك ) (16)
ومن طرق اهل السنة : « ان السواك سنة مؤكدة لمواظبته (صلی الله عليه وآله وسلم)عليه ليلاً ونهاراً وقام الاجماع على كونه مندوباً حتى قال الاوزاعي هو شطر الوضوء. وقد جاءت احاديث كثيرة تدل على مواظبته (صلی الله عليه وآله وسلم)عليه ولكن اكثرها فيه كلام ، واقوى ما يدل على المواظبة وأصحّه محافظة (صلی الله عليه وآله وسلم)له حتى عند وفاته » (17).
وفي الرواية عن ابن عباس « قال : ( بت عند النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)فاستن ). وقوله فاستنّ من الاستنان وهو الاستياك وهو دلك الاسنان وحكها بما يجلوها مأخوذة من السن وهو امرار الشيء الذي فيه خشونة على شيء آخر ومنه المسن الذي يشحذ به الحديد ونحوه » (18).
وبطبيعة الحال ، فان الهدف من السواك واضح ، وهو تطهير الفم عموماً ، والاسنان بالخصوص. ولا ريب ان تأكيد العلم الحديث على تنظيف الاسنان بالفرشاة مأخوذ بالاصل من التعليمات الاسلامية. ولكن الطريقة الحديثة في تنظيف الاسنان باستخدام الفرشاة تعجز عن مواكبة نظام المسواك الاسلامي الطبية لسببين. الاول : ان مادة الفرشاة غالباً ما تصنع من المواد البلاستيكية وهي مادة صناعية تخدش طلاء الاسنان وتضر بخلايا اللثة المتصلة بها. والثاني : ان معاجين السنان الحديثة لا تستطيع قتل البكتريا المرضية المتراكمة على الاسنان ، بل ان هذه المعاجين لا تستطيع في احيان كثيرة تبديل لون الاسنان من القلح او الصفرة نحو البياض.
ولكن من المؤكد انها تعطي الفم رائحة عطرة وطعماً محبباً للنفس. على الجانب الآخر ، فان اخشاب السواك مادة طبيعية تتعامل معها خلايا الجسم الانساني تعاملاً رقيقاً كما تتعامل مع الاغذية الطبيعية في الهضم والامتصاص. اما من الناحية العملية فهي اقدر على تبييض الاسنان وتطهير الفم تطهيراً طبيعياً ، فتجنب الفرد المشاكل الصحية التي يبتلى بها لاحقاً في حياته العملية.
ولو كانت الفرشاة الحديثة قادرة على قتل الجراثيم كلياً في الفم ، لما خصص العلم الحديث جهوداً جبارة لتطوير علم طب الاسنان الذي يتعامل بالدرجة الاولى مع الاسنان من خلال التنظيف واملاء الفجوات والتجاويف التي يتركها تناول الطعام والبقايا التي تعلق بالاسنان ، ويقوم ايضاً بقلع الاسنان المنخورة وعمل الجسور الصناعية.
ولم يتوقف الاسلام في الحث على تنظيف الاسنان على السواك ، بل حبب التخلل ايضاً. فقد وردت احاديث عديدة في التخلل بعد تناول الطعام والتخلل غير السواك. فعن طريق التخلل يزيل الفرد بقايا الطعام العالقة بين الاسنان. فقد جاء في الحديث عنه (صلی الله عليه وآله وسلم): ( تخللوا على اثر الطعام فانه مصحة للفم والنواجذ ) (19)
والنواجذ هي آخر الاضراس. ولعل ثمرة هذا الحديث تظهر عمليا باجتناب الفرد امراض اللثة وتنخر الاسنان. ولا شك ان انتباه العلم الحديث للتخلل جاء متأخراً ، حيث نشط الحث الطبي على استعمال الخيوط المشمعة لتنظيف الاسنان في النصف الاخير من القرن العشرين.
والخلاصة ان استعمال السواك والتخلل من الناحية الوقائية يوفر على النظام الصحي جهوداً جبارة في اجتناب امراض الفم عند الافراد. فلو تم تدريب الاطفال على استعمال المسواك والتخليل منذ الصغر لجنب ذلك ، العلم الطبي ، العديد من الامراض المذكورة التي لا يعالجها استعمال الفرشاة البلاستيكية والمعاجين الكيميائية. ولكن النظام الصحي المعمول به اليوم ، خصوصاً فيما يتعلق بصحة الاسنان ، يدر على المؤسسة الصناعية الكثير من الثروات لان تجارة طب الاسنان مع ما فيها من اطباء وادوية ومعاجين كيميائية تعد من انجح الصناعات في النظام الصناعي الحديث.
وخير خاتمة نختم بها الحديث حول المسواك ، ما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله : ( ان المسواك نبات لطيف نظيف وغصن شجر عذب مبارك ، والاسنان خلق الله تعالى في الفم ، آلة للاكل واداة للمضغ وسبباً لاشتهاء الطعام واصلاح المعدة ، وهي جوهرة صافية تتلوث بصحبة تمضيغ الطعام وتتغير بها رائحة الفم ويتولد منها الفساد في الدماغ ، فاذا استاك المؤمن الفطن بالنبات اللطيف ومسحها على الجوهرة الصافية ازال عنها الفساد والتغير وعادت الى اصلها ) (20)
ولابد من التأكيد مرة اخرى على ان الدولة الاسلامية مكلًّفة بان تقدم للعالم نموذجا رائعا من نماذج الطب الوقائي الاسلامي الخاص بالاسنان وتحاول تطويره بشتى الوسائل الحديثة.
المصادر:
1- الحج : ٧٨.
2- البقرة : ١٨٥.
3- المائدة : ٣.
4- من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٢٤٣.
5- من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ١٢٠.
6- المسالك ـ باب الاطعمة والاشربة.
7- البقرة : ١٧٣.
8- الوسائل ـ باب ١ من ابواب الاطعمة المحرمة حديث ١.
9- الجواهر : ج ٣٦ ص ٤٣٣.
10- من لا يحضر الفقيه : ج ٤ ص ٢٤٣.
11- تحف العقول : ص ٣٣٧.
12- البقرة : ١٩٥.
13- المحاسن للبرقي : ص ٥٥٨.
14- الكافي : ج ٣ ص ٢٢.
15- الكافي : ج ٦ ص ٤٩٦.
16- علل الشرائع للصدوق : ج ١ ص ٢٢٧.
17- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني الحنفي : ج ١ ص ٩٥٤.
18- عمدة القاري : ج ١ ص ٩٥٣.
19- مكارم الاخلاق : ص ١٧٥.
20- مصباح الشريعة ـ الباب الثامن والخمسين ص ١٢٣.