
إذا كانت هناك أسباب وعوامل أدّت إلى تعدُّد المذاهب والفِرَق في الأُمّة الإسلامية فإنّ هناك ضمانات مطمئنّة لحفظ وحدة الأُمّة وتماسك صفوفها ولمعالجة مضاعفات حالة الاختلاف والتعدّد ، لتكون التعدّدية في الرّأي والخلاف في الموقف عاملاً إيجابياً يستثير العقول ويحرّك القوى ويدفع نحو التنافس الشريف والوصول للرأي الأفضل والموقف الأصوب.
ومن أهمّ تلك الضّمانات وأبرزها :
١ ـ الوعي والتوجيهات الأخلاقية : حيث يؤكّد الإسلام على ضرورة الاهتمام بالمصلحة العامة ومواجهة العدو الرئيسي ، ويربّي أبناءه على الأخلاق الفاضلة للتعامل فيما بينهم وخاصّة عند الاختلاف والنزاع.
٢ ـ الأُسس والأصول المشتركة : فرغم تعدّد المذاهب والفرق الإسلامية ، ورغم أنّ الخلاف بينها أخذ منحى سلبياً في بعض الفترات ، ووصل إلى حدّ التنازع والتقاتل ، إلّا أنّ من نعم الله تعالى على هذه الأُمّة اتفاقها على أُسس الدين وأصوله ، وعلى أكثر قضاياه وأحكامه ، فالاختلاف بين المذاهب الإسلامية حاصل في جزئيات العقائد ، وتفاصيل القضايا وتطبيقاتها وفي الفروع والأحكام الجانبية.
وهذا الاتفاق على الأُسس والأصول يشكّل ضمانة كبيرة لحفظ وحدة الأُمّة وتماسك كيانها ، كما يشكّل أرضية مناسبة لمعالجة نقاط الاختلاف وموارد الافتراق.
لكن ذلك مشروط بتوجه الأُمّة وتركيزها على هذا الاتفاق والاشتراك في الأصول والأُسس ، والانطلاق منه للتعامل مع مسائل الاختلاف بروح وحدوية إيجابية ، أمّا حين تتغافل الأُمّة وتتناسى موضوع الاتفاق الأهم في الأصول ، وتتوجّه لتضخيم قضايا الاختلاف على الفروع والجزئيات فإنّ ذلك يهدّد وحدة الأُمّة بالتزلزل والاهتزاز.
ونستعرض هنا أهم الأُسس والأصول التي تجمع الأُمّة وتتفق عليها بشكل إجمالي مع وجود اختلاف بين المذاهب في جزئيات وتفاصيل تلك الأُسس.
أولاً : أصول العقيدة :
حيث يتفق المسلمون على أنّها ثلاثة لا يتحقّق الإسلام بدونها ولا يضرّ الاختلاف فيما عداها ، وهي الإيمان بالله وبالنبوّة وبالمعاد يوم القيامة ، فليس مسلماً من أنكر وجود الله ووحدانيته ، ولا من جهل نبوّة النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا من شكّك في البعث والمعاد بعد الموت في القيامة ، أمّا تفاصيل كلّ أصل من هذه الأُصول الثلاثة ، كصفات الله الثبوتية والسلبية ، وخصائص الرسول وجوانب حياته ، وجزئيّات قضايا الآخرة والمعاد ، فهي ساحة واسعة للبحث والنقاش واختلاف الرأي بين المذاهب بل بين اتباع المذهب الواحد في كثير من الأحيان.ذلك أنّ القضايا العقيدية في الأصول تعتمد على عقل الإنسان وإدراكه ولا مجال فيها للاتباع والتقليد دون برهان ودليل.
ثانياً : القرآن الكريم :
فهو الكتاب الإلهي الوحيد الذي بقي مصاناً محفوظاً من أن تمسه يد التحريف والتغيير ، كما حدث للكتب السماوية السابقة ـ التوراة والإنجيل وغيرهم ـ وإذا كان اليهود يختلفون فيما بينهم على أسفار كتابهم المقدّس المعروف بالعهد القديم ، فبعض أحبار اليهود يضيفون أسفاراً لا يقبلها أحبار آخرون ... وإذا كان النصارى يختلفون في أسفار إنجيلهم المعروف بالعهد الجديد ويلغون بعضها حسب قرارات مجمع نيقية سنة ٣٢٥ م ثمّ يتفقون على أربعة أناجيل ( إنجيل متى ـ إنجيل مرقس ـ إنجيل لوقا ـ إنجيل يوحنا ) بالإضافة إلى مجموعة رسائل ، ولا تتّحد هذه الأناجيل نصّاً ومضموناً. إذا كان هذا حال اليهود والنصارى مع كتبهم المقدّسة ، فليس الأمر كذلك عند المسلمين والحمد لله ، فهم يؤمنون جميعاً بالقرآن الكريم ، على اختلاف مذاهبهم وفرقهم ، وهو هذا القرآن المتداول عندهم دون تشكيك في أيّ سورة أو آية أو حرف منه زائداً أو ناقصاً لأنّ الله تعالى يقول : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١).أمّا بعض الروايات الواردة في كتب الأحاديث كصحيح البخاري والكافي وغيرهما (٢) ، والتي تشير إلى حدوث تحريف وتغيير في القرآن الحكيم فهي مرفوضة عند جميع المسلمين.
نعم هناك اختلاف في تفسير بعض آيات القرآن وتحديد مقاصدها ليس بين المذاهب فقط وإنّما بين العلماء والمفسّرين حتّى المنتمين منهم لمذهب واحد.
ثالثاً : معالم الشريعة :
فالفرائض والعبادات الإسلامية هناك اتفاق على أصولها وهيكليتها العامة وإن كان هناك اختلاف في بعض الجزئيات والتفاصيل ، فالصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان ، والحجّ ، والزكاة ، والخمس ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كلّها متفق على إجمالها وكذلك أصول المعاملات والعقود كالزواج والطلاق والإرث والقضاء وسائر مجالات الشريعة غالباً ما يتّفق المسلمون على معالمها وكلّياتها وقد يختلف الفقهاء حتّى من اتباع المذهب الواحد في الجزئيات والتفاصيل.ولو قمنا بدراسة تفصيلية لتحديد مساحات الاتفاق والافتراق بين المذاهب الإسلامية عقيدياً وفقهياً ، لوجدنا أنّ الاختلاف هو الأضيق مساحة والأقلّ شأناً ، بينما يشمل الاتفاق أغلب المسائل وأهمّها ، ولكن مشكلة المسلمين تكمن في وجود من يثير ويضخم مسائل الاختلاف لأهداف مغرضة مشبوهة.
وتأكيداً لهذه الحقيقة المهمّة نستعرض آراء وكلمات بعض العلماء والمفكّرين المخلصين الذين انبروا للدفاع عن وحدة الأُمّة ، والتأكيد على الجوامع والقواسم المشتركة بين فرقها ومذاهبها.
كتب الإمام الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء (4)،في مجلّة رسالة الإسلام ما يلي :
إنّ المسلمين جميعاً مهما اختلفوا في أشياء من الأصول والفروع فإنّهم قد اتفقوا على مضمون الأحاديث المقطوع عندهم بصحتّها من أنّ من شهد الشهادتين ، واتخذ الإسلام ديناً له ، فقد حرم دمه وماله وعرضه ، والمسلم أخو المسلم ، وأنّ من صلّى إلى قبلتنا ، وأكل من ذبيحتنا ، ولم يتديّن بغير ديننا فهو منّا ، له مالنا وعليه ما علينا ...
وكفى بالقرآن جامعاً لهم مهما بلغ الخلاف بينهم في غيره ، فإنّ رابطة القرآن تجمعهم في كثير من الأصول والفروع ، تجمعهم في أشدّ الروابط من التوحيد والنبوّة والقبلة وأمثالها من الأركان والدعائم واختلاف الرأي فيما يستنبط أو يفهم من القرآن في بعض النواحي اختلاف اجتهادي لا يوجب التباغض والتعادي (5).
وكتب العلامة الشيخ محمّد جواد مغنية يقول :
المسلم من صدق مقتنعاً بكل ما اعتبره الإسلام من الأصول والفروع ، والأصول ثلاثة : التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد ، فمن شكّ في أصل منها أو ذهل عنه قاصراً فليس بمسلم ، ومن آمن بها جميعاً جازماً فهو مسلم ...
ويكفي من التوحيد الإيمان بوحدة الله تعالى ، وقدرته وعلمه وحكمته ، ولا تجب معرفة صفاته الثبوتية والسلبية بالتفصيل ، ولا أنّها عين ذاته أو غيرها.
ويكفي من النبوّة الإيمان بأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم رسول من الله صادق فيما أخبر به ، معصوم في تبليغ الأحكام ...
ويكفي من المعاد الاعتقاد بأنّ كلّ مكلف يحاسب بعد الموت على ما اكتسبه في حياته وأنّه ملاق جزاء عمله ، إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرٌّ ، أمّا أنّه كيف يحاسب العبد؟ وعلى أيّة صورة بالتحديد يكون ثواب المحسن وبأيّ لون يعاقب المسيء؟ فلا يجب التديّن بشيء من ذلك ، فالتوحيد والنبوّة والمعاد ، دعائم ضرورية لدين الإسلام ، فمن أنكر واحداً منها ، أو جهله فلا يعدّ مسلماً شيعياً ولا سنياً.
أمّا الفروع التي هي من ضرورات الدين ، فهي كلّ حكم اتفقت عليه المذاهب الإسلامية كافّة من غير فرق بين مذهب ومذهب ، كوجوب الصلاة والصوم ، والحجّ والزكاة ، وحرمة الزواج من الأُمّ والأُخت وما إلى ذلك مما لا يختلف فيه رجلان من المسلمين فضلاً عن طائفتين منهم ، فإنكار حكم من هذه الأحكام إنكار للنبوّة وتكذيب لما ثبت في دين الإسلام بالضرورة ...
فالتديّن بالأصول أمر لابدّ منه للمسلم ، ولا يعذر فيها الجاهل ، أمّا إنكار الأحكام الفرعية الضرورية فضلاً عن الجهل بها ، فلا يضرّ بإسلام المسلم إلّا مع العلم بأنّها من الدين ، فالإمامة ليست أصلاً من أصول دين الإسلام وإنّما هي أصل لمذهب التشيّع ، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوّة والمعاد ولكنّه ليس شيعياً (6).
وقد أصدر الإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر فتواه التاريخية بالمساواة بين المذاهب الإسلامية وجواز التعبّد بأيّ منها وقال في جزء منها :
إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الاثنى عشرية مذهب يجوز التعبدّ به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلّصوا من العصبيّة بغير حقّ لمذاهب معيّنة فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابع لمذهب معين أو مقصورة على مذهب فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى (7).
ويقول الشيخ محمّد خليل الزين : مهما تعدّدت الفرق الإسلامية وتباينت في العقائد فإنّ مرجع تلك العقائد واحد فجميع الفرق تعتقد أنّ الإسلام أفضل الأديان وأكملها وأتمّها وأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الرسل وسيّدهم وخاتم الأنبياء وأنّ القرآن هو كلام الله المنزل على نبيه بواسطة جبرائيل آية للعالمين.
فالفِرَق بأسرها متفقة على أصول العقائد الإسلامية وكلّها ترمز نحو حقيقة وهدف واحد واختلاف في التطبيق والاتّجاه لا يخرجها عن كونها مسلمة تتمسّك بالأصول الإسلامية واختلاف الفرق في فهم أصول العقائد ليس بحديث بل يرجع تاريخه إلى عصر الخلفاء الراشدين (8).
وكتب العالم الكبير الشيخ محمّد الغزالي يقول : ولم تنج العقائد من عقبى الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم ؛ ذلك أنّ شهوات الاستعلاء والاستئثار أقحمت فيها ما ليس منها فإذا المسلمون قسمان كبيران شيعة وسنّة مع أنّ الفريقين يؤمنان بالله وحده وبرسالة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يزد أحدهما على الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي يصلح لها الدين وتلتمس النجاة ... فإنّ الفريقين يقيمان صلاتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنّة رسوله ويتفقان اتفاقاً مطلقاً على الأصول الجامعة في هذا الدين فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية فإنّ مذاهب المسلمين كلّها سواء في أنّ للمجتهد أجره أخطأ أم أصاب ...
وعندما ندخل مجال الفقه المقارن ونعيش الشقة التي يحدثها الخلاف الفقهي بين رأي ورأي أو بين تصحيح حديث وتضعيفه نجد أنّ المدى بين الشيعة والسنّة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي (9).
وقد كتب الأستاذ عميد زنجاني بحثاً جميلاً حول وفاق المذاهب الإسلامية على الصعيد الفقهي نقتبس من بحثه القيّم المقاطع التالية :
الأحكام الفقهية على قسمين :
الأوّل : وهو الحجر الأساس للفقه الإسلامي وهو أصول العبادات ، وأصول المعاملات وساير الأُسس المتفق عليها في شتّى أبواب الفقه من القضاء والحدود والديات ، وهذه دعائم الفقه ومحكماته التي لم يختلف فيها أساطين الفقه وفقهاء المذاهب الإسلامية.
الثاني : الفروع التي لا يضرّ الاختلاف فيها سواء أكانت في الشؤون العملية أم في المسائل النظرية.
من الضروري أن نعرف أنّه هل الوفاقيات هي العمدة في الأهمّيّة والقيمة أم الخلافات بعد تسليط الضوء على المسائل الفقهية نرى وفاق جميع فقهاء السنّة والشيعة في الصلوات الواجبة وعددها ، وأصول أوقاتها ، وأركانها ، وأجزائها الرئيسية ، وعمدة الشرائط المعتبرة فيها ، وأمّا الخلاف فقد وقع في مثل التكتّف هل هو راجح أو جائز أم لا؟
وأنّ المأكول والملبوس هل يجوز السجود عليهما أم لا؟
ونرى في صيام شهر رمضان كذلك أنّ وجوبه والمحرّمات الرئيسية والمبطلات الأصلية مشتركة بين الفقهاء ، وموقع الخلاف في فروع : مثل بقايا الغذاء المتخلّفة بين الأسنان إن ابتلعها عامداً نهاراً.
ومن العبادات الهامة الحجّ فأعمال العمرة من الإحرام والطواف وصلاة الطواف والسعي والتقصير وكذا أعمال الحجّ من الإحرام والوقوف بعرفة والمزدلفة وأعمال منى وغيرها ممّا اتّفق الكلّ عليه وكذا كثير من محرّمات الإحرام وإن اختلفوا في أنّ المحرم هل يجوز له خطبة النساء في حال الإحرام أم لا؟
كما أنّ الأقوال الفقهية المتفق عليها بين جميع المذاهب الفقهية من مذاهب السنّة والشيعة تبلغ حدّاً موفوراً بحمد الله ، كذلك حين نقارن فتاوى الشيعة من مذاهب السنّة نجد أكثرها موافقة لأحد الأقوال من فقهاء أحد المذاهب الأربعة. وقد نرى من تلك الوفاقيات حتّى في أصول الأدلّة الفقهية ، مثلاً الشيعة لا تستند على القياس عند اليأس من العثور على النصّ في الكتاب والسنّة ، بل تنتقل رأساً إلى الإباحة في الشبهات البدوية وإلى الاحتياط في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ونرى ابن حزم يوافق الشيعة وصنف كتاباً
في أبطال القياس والرأي والاستحسان.
يرى فقهاء الإمامية اشتراط الاجتهاد في القاضي وقد وافق عليه الإمام الشافعي ، وقال الشيعة بجواز شهادة الصبيان إذا بلغوا عشر سنين في الجراح والشجاج بشرط عدم تفرّقهم وبشرط اجتماعهم على المباح وقد وافق الإمام مالك على هذا الرأي.
من الجدير بالذكر أنّا نجد في التاريخ شخصيات عديدة من فقهاء الشيعة قد تصدّوا كرسي التدريس والإفتاء على المذاهب الأربعة وغيرها ، وكان منهم شيخ الفقهاء أبو جعفر الطوسي وقد تصدى لكرسي التدريس بدعوة من الخليفة العباسي القائم بأمر الله المتوفّي٤٦٧ هـ.
وكتابه الخلاف في الأحكام لنموذج من عمله الوافر وإحاطته بالأقوال والمذاهب الفقهية تتلمذ عليه٣٠٠ من مجتهدي عصره من السنّة والشيعة.
اتفق جمهور فقهاء الإسلام في قواعد تبتني عليها شتّى الأحكام الشرعية ويستقي كثير من الآراء الفقهية من ينابيعها :
منها : القاعدة المتّخذة عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه (10).
ومنها : قاعدة الرفع المأخوذة عن حديث الرفع (11).
ومنها : قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (12).
ومنها : قاعدة نفي العسر والحرج (13).
المتخذة من قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (14).
ومنها : قاعدة اليد المأخوذة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : على اليد ما أخذت حتّى تؤدي (15).
ومنها : قاعدة من ملك شيئاً ملك الإقرار به (16).
هنا مساحة كبيرة من الاتّفاق في مجال الحديث والعلوم النقلي المأثور :
إنّ المطالع لكتب الحديث المتداولة والموثوق بها لدى كلّ من أهل السنّة والشيعة يجد أن الأحاديث التي تتفق في اللفظ أو المعنى أكثر من الأحاديث التي ينفرد بها مذهب خاص. هذا الاتفاق لا يختصّ بموضوع دون آخر بل يتّسع وينسحب إلى شتّى الموضوعات والمجالات. فنرى طائفة كبيرة من الروايات المشتركة في الفقه ، كما نجد قسماً عظيماً منها في العقائد والأخلاقيات والآداب وغيرها من الموضوعات الإسلامية ، وقد ثبت أن أئمة الحديث والفقه من أهل السنّة كانوا يروون عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ومحدّثي الشيعة وكبار علمائهم ، روى أصحاب الصحاح الستة عن رجال من الشيعة كأبان بن تغلب وجابر الجعفي ومحمّد بن حازم وعبيد الله بن موسى وغيرهم ، وكان المقياس في العمل بالحديث ورواية الراوي هو الثقة بصدق الراوي وأمانته في النقل ـ سنياً كان أو شيعياً ـ كالحكمة التي يأخذها المؤمن متى وأنى وجدها.
وهذا هو نفس المقياس الذي يعتمد عليه عند الشيعة الإمامية. وكان محدّثوا الشيعة كثيراً ما يروون الأحاديث النبوية بطرق غير أئمّة الشيعة كثيراً ما يروون الأحاديث النبوية بطرق غير أئمّة أهل البيت وأصحابهم ، وفقهاء الشيعة يستندون في الأحكام الشرعية إلى الأحاديث المروية ممن خالفهم في المذهب إذا توفّرت شرائط الحديث واسموا أخبارهم بالموثّقات (17).
المصادر:
1- الحجر (٥) : ٩.
2- ( آية الرجم عن عمر ) : صحيح البخاري ٨ : ٢٦ ، صحيح مسلم ٥ : ١١٦.
3- ( رضاع الكبير عشراً عن عائشة ) : سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٥ ، ح١٩٤٤.( سقوط آيتين من المصحف ) : الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٦٨ ، ح٤١٢٨.( روايات التحريف عن طرق الشيعة ) :( ... ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه ) : الكافي ٨ : ١٢٥ ، ح٩٥.( وان كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا «في علي» فأتوا بسورة من مثله ) الكافي ١ : ٤١٧ ، ح٢٦.
4- من أشهر مراجع الشيعة المصلحين ، ولد سنة ١٢٩٤ هـ وتوفّي ١٣٧٣ هـ في النجف الأشرف ، وله العديد من الكتب العلمية والأدبية والمواقف السياسية الشجاعة.
5- مجلة رسالة الإسلام ، السنة الثانية ، العدد الثالث تحت عنوان : ( بيان للمسلمين ).
6- الشيعة في الميزان : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.
7- السنّة والشيعة حجّة مفتعلة : ١٩ ـ ٢٠.
8- تاريخ الفرق الإسلامية : ٧.
9- السنة والشيعة حجّة مفتعلة : ٢٠ نقلاً عن كتاب كيف نفهم الإسلام للشيخ محمّد الغزالي : ١٤٢ ـ ١٤٥.
10- الكافي ٥ : ٣١٣ ، باب النوادر ، ح٤٠.
11- التوحيد : ٣٥٣ ، باب الاستطاعة ، ح٢٤ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ ، ح١٠٣٠٧.
12- الكافي ٥ : ٢٨٠ ، باب الشفعة ، ح٤ بدون قيد «الإسلام» ومع قيد «في الإسلام» في معاني الأخبار : ٢٨١ ، وفي المستدرك للحاكم النيسابوري ٢ : ٥٨ بدون قيد في الإسلام وفي مجمع الزوائد للهيثمي ٤ : ١١٠ مع قيد «في الإسلام».
13- الكافي ٣ : ٤.
14- الحج : ٧٨ ، واستدل على قاعدة نفي العسر والحرج أيضاً :بقوله تعالى : (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) المائدة : ٦.وبقوله تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة : ٢٨٦
15- عوالي اللئالي ١ : ٢٢٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٣ لكن نصه : (على اليد ما أخذتْ حتّى تؤديه).
16- لا توجد روايات تدل بالصراحة عليها بل تمسّك الفقهاء بها كالشيخ الطوسي ( في المبسوط٣ : ١٩ ) وابن إدريس الحلّي ( في السرائر ٢ : ٥٧ ) والعلامة الحلّي ( في تذكرة الفقهاء ١٤ : ١٦٩ ) وغيرهم.
17- ـ مجلة التوحيد ، العدد٧ ، السنة الثانية : ٥٠ ـ ٥٥.