أسماء بنت عميس بن سعد بن الحارث بن تميم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الخثعمي ، ولذا عرفت أسماء بالخثعمية.
وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث من كنانة.
وقد تزوجت هند مرتين :
الأول : هو الحارث بن حزن بن جبير الهلالي.
والثاني : عميس بن سعد.
وولدت منهما بنات كريمات زوجتهن من رجال كرام ، وقال فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله : هي أكرم عجوز جمعت على الأرض أصهاراً.
فبناتها :
ميمونة زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وأم الفضل زوجة العباس.
وأسماء بنت عميس التي سنتحدث عنها.
وسلمى زوجة حمزة سيد الشهداء.
وسلمة زوجة عبد الله بن كعب الخثعمي.
وقد وعد النبي صلىاللهعليهوآله هؤلاء الأخوات بدخول الجنة كما روى المرحوم الصدوق ـ طاب ثراه ـ في العلل والمرحوم المجلسي في البحار عن أبي بصير عن أبي جعفر الأول عليهالسلام قال : سمعته يقول :
رحم الله الأخوات من أهل الجنة ، فسماهن : أسماء بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليهالسلام ، وسلمى بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت حمزة ، وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث ، وكانت عند النبي صلىاللهعليهوآله ، وأم الفضل عند العباس ، واسمها هند ، والغميصاء (وقيل : القميصان) أم خالد بن الوليد ، وكانت أنصارية لازمت أمير المؤمنين عليهالسلام في صفين ، وغرة ، وكانت في ثقيف عند الحجاج بن غلاظ بن خالد بن حوز بن هلال المكنى بأبي عبد الله ، سكن المدينة وبنا بها مسجداً (١).
وفي الحديث مدح لهؤلاء الأخوات معاً ، يعني أنهن جميعاً من أهل الجنة لا تخرج منهن واحدة.
أسماء عند جعفر :
هاجرت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر إلى الحبشة فراراً من مشركي مكة ، وولدت هناك ثلاثة أولاد : عبد الله وعون ومحمد.
وكان عبد الله أشهر أولادها من جعفر ، وكان من الأجواد الأربعة ، ولد للنجاشي ولد أيام ولادة عبد الله فسماه باسمه تيمناً وتبركاً ، وأمر أن يرضع ولده بلبن عبد الله بن جعفر.
تزوج عبد الله بن جعفر السيدة زينب بنت أمير المؤمنين ، فولدت له ولدين استشهدا يوم الطف بين يدي الحسين الشهيد عليهالسلام.
بقيت أسماء في الحبشة مع جعفر وأبنائه إلى السنة السابعة للهجرة وقدم على النبي صلىاللهعليهوآله في قلاع خيبر مع جماعة ، فلما قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله قال صلىاللهعليهوآله : «ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر» (2).
ثم نظر إلى جعفر وبكى وقال له : «ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟! فقال : بلى يا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فعلّمه الصلاة المعروفة باسم «صلاة جعفر» ، وفضلها معروف ، وهي مذكورة في كتب الأدعية والأخبار».
والعاقبة أنّ جعفر استشهد في البلقاء في أقصى أرض يثرب والحجاز على حدود الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان للهجرة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ، ووجد في جسده تسعون جراحة.
وأخبر جبرئيل النبي في المدينة بمقتل جعفر ، فبكى صلىاللهعليهوآله ودعى لذريته فقال : «اللهم إنّ جعفر قدم اليك فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك» (3).
وبشّر أسماء بنت عميس أنّ الله أعطى جعفراً جناحين يطير بهما في الجنة ، ثم أمر سلمى أن تصنع طعاماً شهياً من الشعير والزيت وتطعم أيتام جعفر ، وكان يصحبهم معه أينما ذهب ثلاثة أيام يدور بهما على نسائه (4).
وكان جعفر أشبه الناس برسول الله صلىاللهعليهوآله خَلقاً وخُلقاً ، وكان يكنى «أبو المساكين» لأنه كان يحبهم ويطعمهم (5).
أسماء عند أبي بكر :
استشهد جعفر فأخلف على أسماء بنت عميس أبو بكر بن أبي قحافة ، فولدت له محمداً ، ومحمد بن أبي بكر يعزّ له النظير في جلالة القدر ورفعة الشان وعلو المقام وصلابة الايمان والثبات والاستقامة على ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام حتى استشهد في مصر بايعاز من معاوية ، فقتل قتلة شنيعة ، فلما سمع أمير المؤمنين خبر شهادته قال : شهادته قصمت ظهري ، ثم تكلّم كلاماً ترتعد له الفرائص وترتجف له القلوب (6).
وكان أبو بكر قد خطب أسماء في الاسلام وعنده حبيبة بنت الحارث الأنصاري ، فلما توفي أبو بكر أوصى إلى أسماء بنت عميس أن تغسله ، كما رواه الطبرسي ، فقبلت أسماء الوصية ـ ولا مناص لها إلّا القبول (7) ـ وتحملت عناء التنفيذ.
وهذه الوصية إنّما تدلّ على طهارة أسماء وتقواها ، وكمال إيمانها وتدينها : لأنه أوصى لها من دون المسلمين ومن دون بقية أزواجه ، وكان له ثلاث زوجات غيرها هن : أسماء بنت عبد العزى ، ولد منها عبد الله ، وأسماء ذات النطاقين ، وأم رومان بنت عامر بن عمير من بني كنانة ، ولد منها عبد الرحمن وعائشة وحبيبة.
والعجيب أنّه في مدة خلافته القليلة ـ سنتين وثلاثة أشهر وأيام ـ كانت أسماء في بيته تغذي ابنها محمد محبة أمير المؤمنين وولايته على مرأى ومسمع من أبي بكر ، فخرّجت من بيته من جُبلوا على محبة أمير المؤمنين عليهالسلام ، فكأن أسماء كانت هي أشرف الأبوين لمحمد بن أبي بكر حيث ما فتأت توصيه دائماً بولاية آل طه وأهل بيت النبوة ، فشبّ على ذلك ، ولم يحد عنه بل بقي ثابتاً راسخاً.
ومن غرائب الوقائع وعجائب الدهر التي تكشف عن شهامة هذه المخدرة المكرمة وشدّة ولائها وصلابة إيمانها وشجاعتها أنها كانت في حبائل أبي بكر إلّا أنّها شهدت عليه ، وردّت قوله في قصة فدك ، ووقفت لتعلن على رؤوس الأشهاد كذب زوجها وتدليسه وغصبه لحق آل البيت عليهمالسلام ، فشهدت خلافاً لهوى زوجها وهوى الآخرين ، ولم تفزع من تهديداتهم ، ولم تستسلم لقهرهم ، وقالت لهم بشجاعة العارف بالله وبأهل بيته : «إنّكم ظلمة جائرون غصبتم حقّ من له الحق فأعيدوه إلى نصابه».
ولما أرادوا قتل أمير المؤمنين عليهالسلام وأمروا خالد بن الوليد بتنفيذ ذلك في الصلاة بعثت جاريتها إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وقالت له : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (8).
فقال أمير المؤمنين للجارية : قولي لها : «إنّ الله يحول بينهم وبين ما يريدون».
أو أنّه قال : «فمن يقتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وإنّ الله بالغ أمره»؟!
فهدأ روعها وسكن قلبها وسلّمت لما قاله أمير المؤمنين عليهالسلام ، وبالفعل فقد ندم أبو بكر ـ وهو في الصلاة ـ على ما اتفق عليه مع خالد ، وخاف من سيوف بني هاشم المسلولة ونفوسهم الأبية ، وحال الله بينه وبين ما يريد ، فقال قبل تسليم الصلاة : «أي خالد لا تفعل ما أمرتك» ثم سلم ... إلى آخر الخبر (9).
أسماء عند أمير المؤمنين عليهالسلام :
فلمّا توفي أبو بكر انتقلت أسماء بكامل الخلوص والوفاء والصفاء الى حجرة سيد الأولياء ، وسعدت بشرف الدخول في عداد زوجات سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليهالسلام ، فأولدها يحيى وعون (10).
ويكفي أسماء بنت عميس من الفضل أمور :
منها : أنّ النبي شهد لها بأنها من أهل الجنة.
منها : أدعية النبي صلىاللهعليهوآله لها ولذريتها.
ومنها : أنّها كانت ممن شهد لفاطمة الزهراء عليهاالسلام في قصة فدك (بالرغم من ظروفها الخاصة) فصارت في ذلك قرينة لأم أيمن ، وصارت ممن لازم الحق في تلك الفتنة العمياء في قصة شهادتها لفاطمة عليهاالسلام.
ومنها : ما قاله عمر من محبتها لآل أبي طالب وأنها تشهد لبني هاشم (11).
ومنها : الأخبار المروية في حقها عن الحضرة النبوية والعلوية والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
ومنها : أنّها شهدت وفاة فاطمة عليهاالسلام ، وشاركت أمير المؤمنين عليهالسلام في غسلها ، ويا لها من مفخرة عظيمة.
ومنها : أنّها ممدوحة في كتب الشيعة والسنة ، فقد مدحها العدو بالرغم من شدّة عناده ، بل وثقوا ذريتها الكريمة وأثنوا عليهم وقالوا : «إنّهم خيار عباد الله» (12).
ومنها : أنّها ولدت عبد الله بن جعفر زوج زينب الكبرى ، وقد استشهد أولاده بين يدي الحسين عليهالسلام ، فقدمت بذلك أسماء فداءً للحسين عليهالسلام ، وولدت محمد بن أبي بكر ، وكان كما قال أمير المؤمنين «محمد ابني من صلب أبي بكر» ، وراح شهيداً في سبيل الله دفاعاً عن ولاية أمير المؤمنين ، وولدت عوناً من أمير المؤمنين وقد استشهد بين يدي الحسين عليهالسلام في طف كربلاء.
فهنيئاً لها ، والسلام عليها وعلى زوجها أمير المؤمنين وعلى أولادها المستشهدين.
المصادر :
1- البحار ٢٢ / ١٩٥ ح ٨ باب ٢.
2- البحار ٢١ / ٢٥ ح ٢٢ باب ٢٢.
3- البحار ٢١ / ٥٦ ح ٨.
4- البحار ٢١ / ٥٥ ح ٨ باب ٢٤.
5- البحار ٢٢ / ٢٧٥ ح ٥.
6- : البحار ٣٣ / ٥٦٢ ح ٧٢٢ باب ٣٠.
7- تاريخ الطبرسي ٣ / ٤٢١ أحداث سنة (١٣) قال : إنّ أسماء بنت عميس قالت : قال لي أبو بكر : غسليني قلت : لا أطيق ذلك قال : يعينك عبد الرحمن بن أبي بكر يصب الماء.
8- سورة القصص : ٢٠.
9- : البحار ٢٨ / ٣٠٥ ح ٤٨ باب ٤.
10- : تذكرة الخواص : ٥٧ الباب الثالث في ذكر أولاده عليهالسلام.
11- العوالم ١١ / ٦٣٥ ح ٢٧ باب ٣.
12- الخصائص الفاطمية للكجوري ترجمة سيد علي أشرف ٢ / ١٦٢ وما بعدها.