
استعان الامويون بطائفة ضخمة من الولاة القساة الفجرة في تصريف شئون المسلمين فكان هؤلاء لا يقلون ـ عن أسيادهم الامويين ـ جفاء لروح الدين وخروجا سافرا على مقوماته وتعاليمه.
وقد اشترك هؤلاء ـ مع الامويين ـ في جميع الموبقات التي ذكرناها بشكل مباشر أحيانا وبشكل غير مباشر أحيانا اخرى.
واشهر هؤلاء الولاة ـ وهم كثيرون ـ عمرو بن العاص وزياد بن سمية والحجاج بن يوسف الثقف وخاصة بسر بن أرطأة .
فعمرو وهو ابن العاص بن وائل السهمي « أحد المستهزئين برسول الله والمكاشفين له بالعداوة والبغضاء والاذى ».
وكان العاص يدعى الابتر وفيه نزل قوله : « إن شانئك هو الابتر ».
قال ابن اسحق : (1)
« وكان خباب بن الارت ـ صاحب رسول الله ـ قينا ، أي حدادا بمكة يعمل السيوف وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له. حتى اذا كان عليه مال فجاء يتقاضاه فقال له : ياخباب أليس يزعم محمد صاحبكم ـ هذا الذي انت على دينه ـ ان في الجنة ما ابتغى اهلها من ذهب او فضة او ثياب او خدم؟
قال خباب بلى. قال انظرني الى يوم القيامة يا خباب حتى ارجع الى تلك الدار فاقضيك هنالك حقك. فو الله : لا تكون انت ـ وصاحبك ـ يا خباب آثر عند الله مني.
فأنزل الله فيه : أفرأيت الذي كفر بآيتنا وقال لأوتين مالا وولدا اطلع الغيب .. الى قوله ونرثه ما يقول ويأتينا فردا. »
اما ام عمرو بن العاص فهي النابغة التي مر بنا ذكر جانب من فجورها وعهرها عندما تحدثنا عن ابي سفيان.
وأما زوج عمرو فقد اتهمت هي الاخرى بالاجتماع على زنى مع عمارة ابن الوليد بن المغيرة ـ اخى خالد بن الوليد.
فقد ذكر ذلك ابن اسحق في كتابه : عن عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص ـ عند خروجها الى الحبشة للايقاع بالمسلمين هناك ـ.
وكان عمارة جميلا وسيما تهواه النساء. وهو صاحب محادثة لهن. فركبا البحر. ومع عمرو بن العاص امرأته. حتى إذا صاروا في البحر أصابا من خمر معما. فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص : قبليني.
فقال لها عمرو قبلي بن عمك : فهويها عمارة وجعل يراودها عن نفسها. » (2)
وأما عمرو نفسه فقد كان اشد خصوم الرسول في بدر واحد.
وكان عمرو أحد الذين تعقبوا زينب بنت النبي حين خرجت مهاجرة ـ من مكة إلى المدينة ـ وقرعوا هودجها بكعوب رماحهم حتى اجهض جنينا ميتا من بعلها ابي العاص بن الربيع قبل إسلامه. وقد روى الواقدي وغيره من الرواة.
إن عمروا هجا رسول الله واتهم بالتعاون مع آخرين امثال : عقبة بن ابي معيط كانوا يؤذون رسول الله بأيديهم ويلقون القاذورات في مصلاه والعوسج على رأسه.
وعمرو هو القائل يوم أحد عندما حارب النبي في صفوف المشركين :
لما رأيت الحرب ينزو / شرها بالرضف نزوا
أيقنت ان الموت حق / والحيــاة تكون لغوا
حملت أثوابي على عتد / يبذ الخيـل رهـوا
فلما يئس عمر ، من الانتصار على النبي في الحرب لجأ إلى الغدر والدس والتواري عن الانظار.
قال عمرو نفسه على ما يذكر ابن هشام (3) : « لما انصرفنا من الاحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأي ويسمعون مني فقلت لهم : إني أرى أمر محمد يعلو الامور علوا منكرا ... فأرى ان نلحق بالنجاشي فنكون عنده. فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي. فإما ان نكون تحت يديه أحب الينا من ان نكون تحت يدي محمد فإن ظهر قومنا فنحن من عرفوا. »
وكان عمرو من أكبر المؤلبين على عثمان بن عفان والمخذلين عن نصرته لانه عزله عن ولاية مصر.
« فكان يؤلب الناس عليه ويحرضهم ما وسعه ذلك سرا. على أنه لم يتردد ان قال لعثمان جهرة في المسجد : إنك ركبت بالناس أمورا وركبناها معك فتب إلى الله نتب.
وتلقى عثمان ذلك اسوأ لقاء. فلما اشتدت وعرف أنها منتهية إلى غايتها أثر ان يعتزلها في طورها ذاك. فخرج إلى أرض كان يملكها بفلسطين فأقام فيها يتنسم الاخبار.
وكان عمرو وابناه على ما هم عليه بفلسطين حتى جاءهم النبا بقتل عثمان. فقال عمرو لابنه عبد الله أنا ابوك ما حككت قرحة إلا أدميتها ـ يريد أنه مهد للفتنة والثورة بعثمان فأحكم التمهيد وانتهى الامر إلى غايته (4). » ويحدثنا عمرو نفسه عن بعض ما فعله من التأليب على عثمان وهو في طريقه إلى فلسطين فيقول على ما يذكر البلاذري (5) :
« والله أني كنت لالقى الراعي فأحرضه على عثمان. » أما موقفه الدنيء في التحكيم فلا يحتاج إلى شرح.
فقد أغفل ابا موسى الاشعري ـ ابتداء ـ وألقى في روعه أن موضوع التحكيم ينحصر في تعيين خليفة للمسلمين ـ كأن خلع علي من الخلافة قد بات أمراً مفروغا.
ولما اطمأن عمرو إلى ثبوت ذلك في ذهن ابي موسى جعل موضوع البحث ينحصر في الاتفاق على مرشح جديد.
ولما ظهر أنهما لم يتفقا على شخص معين طلب عمرو من أبي موسى ان يوجد حلا للخروج من ذلك المأزق الحرج الذي يتوقف عليه مصير المسلمين آنذاك.
فتقدم ابو موسى باقتراح جديد ظنه كسبا له واندحارا لابن العاص. فقد خيل اليه انه سينتصر إذا ما وافق عمرو على « خلع » معاوية بعد أن بات على خلع « علي » أمرا متفقا عليه. فوافق عمرو ـ في الظاهر ـ على الفكرة وأغرى صاحبه أن يعلنها للناس. ثم عاد فغدر به. فبرز عمرو ـ في ذلك كله ـ بأبشع ما يبرز فيه الرجل من الخداع والدس والتدني عن مستويات الاخلاق الرفيعة.
ومن طريف ما يروي عن عمرو قوله لعائشة. « كنت أود أنك قتلت يوم الجمل.
قالت : ولم لا أبا لك !! قال كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكبر التشنيع على علي بن أبي طالب. »
و « روى ابن مزاحم قال : حدثني يحيى بن يعلى قال حدثني صباح المزني عن الحرث بن حصن عن زيد بن أبي رجاء عن أسماء بن حكيم الفزاري قال : كنا بصفين مع علي تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى وقد استظللنا برداء أحمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى الينا وقال :
أيكم عمار بن ياسر؟ فقال عمار : أنا عمار. قال ابو اليقظان؟ قال نعم ـ
قال إن لي اليك حاجة. قال : أفأنطق بها سرا او علانية؟ قال اختر لنفسك ايهما شئت. قال. لا بل علانية. قال : فانطق بها. قال إني خرجت من اهلي مستبصرا حتى ليلتي هذه. فإني رأيت في منامي مناديا تقدم فأذن وشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ونادى بالصلاة ونادى مناديهم مثل ذلك. ثم اجتمعت الصلاة فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا ودعونا دعوة واحدة.
فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلهما الا الله حتى اصحبت فاتيت امير المؤمنين فذكرت ذلك له. فقال : هل لقيت عمار بن ياسر؟ قلت لا ..
قال : فألقه فانظر ماذا يقول لك عمار فاتبعه. فجئتك لذلك.
قال عمار : تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي؟ فإنها راية عمرو بن العاص قاتلها مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة. فما هي بخيرهن ولا أبرهن بل شرهن وأفجرهن.
أشهدت بدراُ واحداً ويوم حنين او شهدها اب لك فيخبرك عنها؟ قال لا. قال : فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم احد ويوم حنين ، وإن رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب.
فهل ترى هذا المعسكر ومن فيه؟
والله لوددت ان جميع من فيه ممن مع معاوية يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته. والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور.
أفتراني بينت لك !! قال قد بينت لي. قال : فاختر أنى ذلك احببت. فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال : اما إنهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما أظهروا علينا. والله ما هم من الحق على ما يقذي عين دباب. لو ضربونا باسيافهم حتى يبلغونا سعفان هجر لعلمنا انا على حق وانهم على باطل (6). »
لقد ضرب عمار ـ في ذلك أروع مثال في التضحية في سبيل الاسلام وجهاد الخارجين عليه. وقد مر بنا ذكر صور أخرى من ذلك في مقدمة الكتاب.
أما زياد بن سمية والحجاج بن يوسف فلم يدركا النبي ليساهما في إيذائه. ولكنهما نالا من تعاليمه ودينه بقدر ما نال ابن العاص من شخصه الكريم.
فقد عاث هذان الاميران الفاجران في الارض فسادا وعبثا بأرواح المسلمين وممتلكاتهم وعقائدهم.
فقتلا من قتلا وحبسا ونفيا وعذبا من المسلمين عددا كبيرا.
وقد مر بنا ذكر جانب من تصرفات ابن سمية وطرفا من سلوك امه التي كانت من ذوات الرايات.
ذكر الطبري : أن زياد بن أبيه حينما كان واليا على البصرة « كان يؤخر صلاة العشاء .. ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج. ولا يرى إنسانا إلا قتله. قال : فلقى ليلة إعرابيا فأتى به زياداً فقال : هل سمعت النداء؟ قال لا والله. قدمت بحلوبة لي وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع. فأقمت لأصبح ولا علم لي بما كان من الامر. قال : اضنك ـ والله ـ صادقا ولكن في قتلك صلاح هذه الامة. ثم أمر به فضربت عنقه.
كان زياد اول من شد امر السلطان وأكد الملك لمعاونه والزم الناس لطاعته وتقدم في العقوبة وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة (7).
والغريب في الامر إن ابسط العقوبات الشائعة في العهد الاموي هي القتل. وكان ينبغي ان تكون تلك العقوبة آخر العقوبات حسب تعاليم الدين والعرف السياسي الشائع. وأغرب من ذلك ان القتل كان يجري على التهمة ودون محاكمة او سماع لوجهة نظر المتهم.
ونود في ختام هذا الجانب من جوانب الدراسة ان نعرض على القارئ طرفا من تصرفات الحجاج الذي ملأ اسمه أسماع الناس مقرونا بالظلم والبغي والخروج على تعاليم الاسلام.
هذا إلى ان الحجاج قد ساهم في جميع الموبقات الاموية التي ذكرناها ، وأسرف في قتل النفس التي حرم الله.
« وكان الحجاج يخبر عن نفسه ان اكثر لذاته سفك الدماء وارتكاب امور لا يقدم عليها غيره ولا سبق إليها سواه (ومن الطريف ان نذكر هنا ان ظلم الرعية من اسهل الامور التي يستطيع ان يقوم بها الحاكم إذا توافرت لديه عناصر القوة في جهازه الحكومي. وأن غالبية الناس ـ في العادة ـ يتحملون الذل ويألفون الانقياد تفاديا التعذيب او القتل. وإذا رأينا بعض الحكام لا يميلون الى الشدة ـ رغم توافر الامكانيات المادية لاستعمالها ـ فان مرد ذلك على ما نرى. ليس هو الخوف من الرعية و من انتفاضها بقدر ما هو الخوف من وخز الضمير وعقاب النفس)(8).
وقد سأل الحجاج يوما بعض كتابه عن رأي الناس فيه فاستعفاه الكاتب فلم يعفه. « فقال : يقولون إنك علوم ، غشوم ؛ قتال ، عسوف ، كذاب (9).
وقد سأل يوما عبد الملك بن مروان ان يصف نفسه على حقيقتها.
فقال اعفني يا اميرالمؤمنين : قال لتفعلن.
قال : أنا لجوج ، حقود ، حسود.
قال عبد الملك ما في الشيطان شر مما ذكرت (10).
لقد مر بنا القول ان اسم الحجاج مقرون في العادة ـ عند كثير من الناس ـ بالشدة والقسوة المتناهيتين. حتى اصبح اسمه يضرب فيه المثل في اخذ الرعية بسياسة الشدة بإبشع صورها.
وقد يخيل لبعض الناس ان هذه الشدة تدل على الرجولة والشجاعة. غير اني ارى انها تدل على الجبن والتخاذل. لان الشجاعة إنما تظهر عند الرجل في مواقفه مع من هم في منزلته « من الحياء والسطوة والنفوذ او القوة الجسمية » أو مع من هم فوقه في ذلك.
أما ان يستعمل المرء ضروب القسوة والشدة مع من هم دونه ، في السطوة والنفوذ ، او مع العزل من الناس فأمر ان دل على شيء فإنما يدل على الخسة والجبن وضعة النفس ، خاصة إذا ما كانت مواقف ذلك الشخص ـ مع من هم أعلى منه ـ تنطوي على الجبن والتهافت.
وإلى القارئ موقف الحجاج مع عبد الملك بن مروان في قضيتين هامتين :
عندما اسرف الحجاج في قتل اسارى دير الجماجم وعلم بذلك عبد الملك بن مروان كتب اليه يزجره وذيل كتابه بالابيات التهديدية التالية :
إذا أنت لم تطلب امورا كرهتهـا / وتطلب رضائي بالذي انت طالبه
وتخشـى الذي يخشاه مثلي هاربا / إلـى الله منـه ضيع الدير حالبه
فإن ترمنـي غفلــة قرشيــة / فيـا ربما قد غص بالماء شاربه
وإن ترمنــي وثبــة امويـة / فهذا وهــذا كـل ذا أنا صاحبه
فال لا تلمني والحوادث جمــة / فإنك مجـزي بمــا أنت كاسبه
ولا تعد ما يأتيك مني وإن تعـد / يقوم بها يوما عليك نوادبه (11)
والحجاج إنما اسرف في القتل خدمة للعرش الاموي لا شك في ذلك عنده او عند عبد الملك او عند الاخرين.
فلما قرأ الحجاج كتاب عبد الملك أجابه متخاذلا متراجعا ذليلامتهافتا ، طفحت وضاعة نفسه على لسانه ، وذيل كتابه بالابيات التالية :
إذا أنا لـم اتبـع رضـاك واتــق / أذاك فيومـي لا تــزول كواكبـه
ومـا لا مرئ ـ بعد الخليفة ـ جنة / تقيـه من الامر الذي هو كاسبــه
أسالـم من سالمت من ذي قرابــة / ومن لم تسالمــه فأنـي محاربـه
إذا قارف الحجاج منـك خطيئــة / فقـامت عليه في الصيــاح نوادبه
إذا أنا لـم أدن الشفيــق لنصحـه / واقص الذي تسرى إلى عقاربــه
فمن ذا الذي يرجو نوالي ويتقــي / مصاولتــي والدهــر جم نوائبه
فقف بي على حد الرضا لا اجـوزه / مدى الدهر ـ حتى يرجع الدر حالبه
هناك ـ على ما يبدو ـ حجاجان. حجاج القسوة والشدة مع العزل والضعفاء والابرياء. والحجاج التخاذل والجبن مع القساة الفجرة من الحكام والامراء.
حجاج « يرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها : يعصب الناس عصب السلمة حتى يذلوا ويضربهم ضرب غرائب الابل حتى يذروا العصيان وينقادوا »
وحجاج آخر جبان متخاذل إذا لم يبع رضا الخليفة ويتق إذاه فليله لا تزول كواكبه. حجاج يقوله :
وما لامرئ ـ بعد الخليفة ـ جنة / تقيه من الامر الذي هو كاسبه
حجاج يخاطب الخليفة متضرعا :
فقف بي على حد الرضـا لا أجـوزه / ـ مدى الدهر ـ حتى يرجع الدر حالبه
أما المثال الثاني ـ الذي يتخاذل الحجاج فيه امام سيده عبد الملك « بعد أن
تعالى وتجبر على فرد أعزل من رعاياه » فقد ذكره ابن الاثير (12) حين قال : فحين دخل على الحجاج أنس بن مالك قال له الحجاج : لا مرحبا ولا اهلا بك يا ابن الخبيثة ، شيخ ضلالة ، جوال في الفتن .. أما والله لا جردنك جرد القضيب ، ولاعصبنك عصب السلمة ، ولأقلعنك قلعة الصمغة.
فقال أنس : من يعني الامير؟ قال إياك أعني أصم الله صداك. فرجع أنس فكتب إلى عبد الملك كتابا يشكو فيه الحجاج ...
فكتب عبدالملك الى الحجاج : إنك عبد طمت بك الامور فعلوت حتى عدوت طورك ، وجاوزت قدرك. يا ابن المستضرمة بعجم الزبيب لأغمزنك غمزت كبعض غمزات الليوث والثعالب ، ولأخبطنك خبطة تود لها أنك رجعت في مخرجك من بطن أمك.
أما تذكر حال آبائك في الطائف حيث كانوا ينقلون الحجارة على ظهورهم ويحتفرون الابار بأيديهم في أوديتهم ومياههم؟ !
أنسيت حال آبائك في اللؤم والدناءة ، في المروءة والخلق؟ وقد بلغ امير المؤمنين الذي كان منك إلى انس بن مالك ...
فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين ، أصك الرجلين ، ممسوح الجاعرتين ...
أكرم أنسا واهل بيته ، واعرف حقه ولا تقصر في شيء من حوائجه.
وبعث بالكتاب مع اسماعيل بن عبد الله « مولى بني مخزوم ، فأتى اسماعيل بكتاب امير المؤمنين فقرأه. وأتى الحجاج بالكتاب إليه فجعل يقرؤه ووجهه يتغير وجبينه يرشح عرقا ويقول : يغفر الله لأمير المؤمنين. ثم اجتمع بأنس. فرحب الحجاج به واعتذر اليه. »
ونود أن نختم هذا البحث بعرض آراء طائفة من أجلة المسلمين في « تزكية » الحجاج. قال ابن عبد ربه : « حدثنا هشام بن يحيى عن أبيه قال : حدثنا عمر بن عبد العزيز قال : لو جاءت كل أمة بمناقبها وجئنا بالحجاج لفضلناهم. »
وذكر ميمون بن مهران عن الاجلح « قال : قلت للشعبي يزعم الناس ان الحجاج مؤمن !! قال مؤمن !! بالجبت والطاغوت كافر بالله.
وقال علي بن عبد العزيز عن اسحق بن يحيى عن الاعمش قال :
اختلفوا في فقالوا بمن ترضون؟ قالوا بمجاهد. فأتوه فقالوا إنا اختلفنا في الحجاج.
فقال أجئتم تسألونني عن الشيخ الكافر !
وقال محمد بن كثير عن الاوزاعي قال : سمعت القاسم بن محمد يقول :
كان الحجاج بن يوسف ينقض عرى الاسلام عروة عروة. » انتهى.
المصادر :
1- ابن هشام « سيرة النبي محمد » ١ / ٣٨٠.
2- ابن ابي الحديد ، « شرح نهج البلاغة » ٢ / ١٠٧ الطبعة الاولى بمصر.
3- سيرة النبي محمد ٣ / ٣١٧.
4- الدكتور طه حسين : « الفتنة الكبرى » : علي وبنوه ص ٦٧ ـ ٦٨.
5- أنساب الاشراف : ٥ / ٧٤.
6- ابن ابي الحديد : « شرح نهج البلاغة » ١ / ٥٠٦.
7- « تاريخ الامم والملوك ٧ / ٢١٧.
8- المسعودي : « مروج الذهب » ٣ / ٦٧..
9- الجهشياري : « الكتاب والوزراء » ص ٤٢.
10- ابن قتيبة : « عيون الاخبار » مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة. الطبعة الاولى.
11- المسعودي : « مروج الذهب ومعادن الجوهر » ٣ / ٧٤ ـ ٧٦.
12- الكامل في التاريخ ٤ / ٣٩.