من أنصار الحسين عليهالسلام الضرغامة بن مالك التغلبي
كان كاسمه ضرغاما ، وكان من الشيعة ، وممّن بايع مسلما ، فلمّا خذل ، خرج فيمن خرج مع ابن سعد ، ومال إلى الحسين عليهالسلام فقاتل معه وقتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظهر ، رضياللهعنه.
كنانة بن عتيق التغلبي (١)
كان كنانة بطلا من أبطال الكوفة ، وعابدا من عبّادها ، وقارئا من قرّائها ، جاء إلى الحسين عليهالسلام في الطف ، وقتل بين يديه.
قال السروي : قتل في الحملة الأولى (٢). وقال غيره : قتل مبارزة في ما بين الحملة الأولى والظهر.
قاسط بن زهير بن الحرث التغلبي وأخوه كردوس بن زهير بن الحرث التغلبي
وأخوه مقسط بن زهير بن الحرث التغلبي
كان هؤلاء الثلاثة من أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام ومن المجاهدين بين يديه في حروبه ، صحبوه أوّلا ثمّ صحبوا الحسن عليهالسلام ثمّ بقوا في الكوفة ، ولهم ذكر في الحروب ؛ ولا سيما صفين. ولمّا ورد الحسين عليهالسلام كربلا خرجوا إليه ، فجاءوه ليلا وقتلوا بين يديه. قال السروي : [ قتل ] في الحملة الأولى (3).
الانصار من الجهنيين
من أنصار الحسين عليهالسلام مجمع بن زياد بن عمرو الجهنيكان مجمع بن زياد في منازل جهينة حول المدينة ، فلمّا مرّ الحسين عليهالسلام بهم تبعه فيمن تبعه من الأعراب ، ولمّا انفضّوا من حوله أقام معه وقتل بين يديه في كربلا كما ذكره صاحب الحدائق (4) وغيره.
عبّاد بن المهاجر بن أبي المهاجر الجهني
كان عبّاد أيضا فيمن تبع الحسين عليهالسلام من مياه جهينة. قال صاحب الحدائق الورديّة : وقتل معه في الطف رضياللهعنه (5).
عقبة بن الصلت الجهني
كان عقبة ممّن تبع الحسين عليهالسلام من منازل جهينة ، ولازمه ولم ينفض فيمن انفضّ. قال صاحب الحدائق : وقتل معه في الطف (6).
في التميميين
من أنصار الحسين عليهالسلام الحر بن يزيد الرياحيهو الحرّ بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتّاب [ الردف ] (7) بن هرميّ بن رياح ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، التميمي اليربوعي الرياحي.
كان الحرّ شريفا في قومه جاهليّة وإسلاما ، فإنّ جدّه عتّابا كان رديف النعمان ، وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات ، فردف قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون ، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة ، والحرّ هو ابن عمّ الأخوص الصحابي الشاعر ، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب. وكان الحرّ في الكوفة رئيسا ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين عليهالسلام ، فخرج في ألف فارس.
روى الشيخ ابن نما : أنّ الحر لمّا أخرجه ابن زياد إلى الحسين وخرج من القصر نودي من خلفه أبشر يا حرّ بالجنّة. قال فالتفت فلم ير أحدا ، فقال في نفسه : والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين ، وما كان يحدّث نفسه في الجنّة ، فلمّا صار مع الحسين قصّ عليه الخبر ، فقال له الحسين : « لقد أصبت أجرا وخيرا » (8)
وروى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا : كنا نساير الحسين فنزل شراف ، وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه ، ثمّ ساروا صباحا ، فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ، فكبّر رجل منهم ؛ فقال الحسين : « الله أكبر لم كبّرت »؟ قال : رأيت النخل. قالا : فقلنا : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. قال : « فما تريانه رأى »؟ قلنا : رأى هوادي الخيل. فقال : « وأنا والله أرى ذلك » ؛ ثمّ قال الحسين : « أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد »؟ قلنا : بلى ، هذا ذو حسم عن يسارك تميل إليه ، فإن سبقت القوم فهو كما تريد.
فأخذ ذات اليسار ؛ فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل ؛ فتبيّناها فعدلنا عنهم ، فعدلوا معنا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب ، وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فسبقناهم إلى ذي حسم ، فضربت أبنية الحسين عليهالسلام ، وجاء القوم فإذا الحرّ في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلّدون أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : « اسقوا القوم ورشّفوا الخيل » فلمّا سقوهم ورشّفوا خيولهم ، حضرت الصلاة ، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وكان معه ، أن يؤذّن ، فأذّن ، وحضرت الإقامة فخرج الحسين في إزار ورداء ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « أيّها الناس إنّها معذرة إلى الله وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم » إلى آخر ما قال ، فسكتوا عنه ، فقال للمؤذّن : « أقم » فأقام ، فقال الحسين للحرّ : « أتريد أن تصلّي بأصحابك »؟ قال : لا بل بصلاتك ، فصلّى بهم الحسين ، ثمّ دخل مضربه واجتمع إليه أصحابه ودخل الحرّ خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثمّ عادوا إلى مصافّهم فأخذ كلّ بعنان دابّته وجلس في ظلّها ، فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين بالتهيؤ للرحيل ، ونادى بالعصر ، فصلّى بالقوم ثمّ انفتل من صلاته وأقبل بوجهه على القوم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : « أيّها الناس إنّكم إن تتقوا » إلى آخر ما قال.
فقال الحرّ : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين : « يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ » ، فأخرج خرجين مملوين صحفا فنشرها بين أيديهم ، فقال الحر : فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدمك على عبيد الله ، فقال [ له ] الحسين : « الموت أدنى إليك من ذلك » ، ثمّ قال لأصحابه : « اركبوا » ، فركبوا وانتظروا حتّى ركبت النساء ، فقال : « انصرفوا » ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين للحرّ : « ثكلتك أمّك! ما تريد »؟ قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل أن أقوله كائنا من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يقدر عليه ، فقال الحسين : « فما تريد »؟
قال : أريد أن أنطلق بك إلى عبيد الله ، فقال : « إذن لا أتّبعك » ، قال الحرّ : إذن لا أدعك ، فترادّا القول ثلاث مرّات ، ثمّ قال الحر : إنّي لم أؤمر بقتالك ، وإنّما أمرت ألاّ أفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإن أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ، ولا تردّك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتّى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب إلى يزيد إن شئت أو إلى ابن زياد إن شئت ، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك ، قال : فتياسر عن طريق العذيب والقادسية ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، وسار والحر يسايره ، حتّى إذا كان بالبيضة خطب أصحابه بما تقدّم فأجابوه بما ذكر في تراجمهم ، ثمّ ركب فسايره الحرّ وقال له : اذكّرك الله يا أبا عبد الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى ، فقال له الحسين : « أفبالموت تخوّفني!؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني!؟ ما أدري ما أقول لك! ولكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له أين تذهب؟ فإنّك مقتول ؛ فقال :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مثبورا وباعد مجرما
فإن عشت لم أندم وإن متّ لم ألم
كفى بك عارا أن تلام وتندما
فلمّا سمع ذلك الحر تنحّى عنه ، حتّى انتهوا إلى عذيب الهجانات (9)
فإذا هم بأربعة نفر يجنبون فرسا لنافع بن هلال ويدلّهم الطرماح بن عدي ، فأتوا إلى الحسين وسلّموا عليه ، فأقبل الحرّ وقال : إنّ هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم. فقال الحسين : « لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني ألاّ تعرض لي بشيء حتّى يأتيك جواب عبيد الله » ، فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك ، قال : « هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تمّمت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك » ، قال : فكفّ عنهم الحرّ (10)
ثمّ ارتحل الحسين من قصر بني مقاتل فأخذ يتياسر والحرّ يردّه فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة ، فوقفوا ينتظرونه جميعا ؛ فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر (11)
البدي من كندة ، فدفع إلى الحرّ كتابا من عبيد الله فإذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسين عليهالسلام حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.
فلمّا قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ومعه الرسول ، فقال : هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره. وأخذهم بالنزول في ذلك المكان ، فقال له : « دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه » يعني نينوى والغاضريّة وشفية. فقال : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا الرجل بعث إليّ عينا ، فنزلوا هناك (12).
قال أبو مخنف : لمّا اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد ، وعلى الميمنة عمرو بن الحجّاج ، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة بن قيس ، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي ، وأعطى الراية مولاه دريدا (13).
فشهد هؤلاء كلّهم قتال الحسين إلاّ الحرّ فإنّه عدل إليه وقتل معه.
قال أبو مخنف : ثمّ إنّ الحرّ ـ لما زحف عمر بن سعد بالجيوش ـ قال له : أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ فقال : إي والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي. قال : أفما لك (14)
في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا؟ فقال : أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفا ، ومعه قرّة بن قيس الرياحي ، فقال : يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت : أنا منطلق فساقيه. قال فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فو الله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه ، قال فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس الرياحي : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟
فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا ابن يزيد ، إنّ أمرك لمريب ، وما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك! قال : إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلمّا دنا منهم قلب ترسه ، فقالوا مستأمن ، حتّى إذا عرفوه سلّم على الحسين وقال : جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أن أصانع (15) القوم في بعض أمرهم ، ولا يظنون (16) أني خرجت من طاعتهم. وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، وو الله إنّي لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك تائبا ممّا كان منّي إلى ربي ، ومواسيا لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى لي توبة؟ قال : « نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، فانزل » قال : أنا لك فارسا خير منّي راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري. قال : « فاصنع ما بدا لك » ، فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال : أيّها القوم ألا تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه؟ قالوا : فكلّم الأمير عمر ، فكلّمه بما قال له قبل ، وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت ، فالتفت الحرّ إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر دعوتم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب ، لتمنعوه (17) التوجّه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرّا ، حلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا في ذريّته! لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجال ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (18).
وروى أبو مخنف أن يزيد بن أبي سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم قال : أما والله لو رأيت الحرّ حين خرج لأتبعته السنان ، قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثّل قول عنترة :
ما زلت أرميهم بثغرة نحره / ولبانه حتّى تسربل بالدّم
وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه ، وإنّ دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان : هذا الحرّ الذي كنت تتمنّى. قال : نعم. وخرج إليه فقال له : هل لك يا حرّ في المبارزة؟ قال : نعم ، قد شئت ، فبرز له ، قال الحصين : وكنت أنظر إليه ، فو الله لكأنّ نفسه كانت في يد الحر ، خرج إليه. فما لبث أن قتله (19).
وروى أبو مخنف عن أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول : جال الحرّ على فرسه فرميته بسهم فحشأته فرسه فلما لبث إذ أرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده وهو يقول :
إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ
أشجع من ذي لبد هزبر
قال : فما رأيت أحد قطّ يفري فريه (20).
قال أبو مخنف : ولمّا قتل حبيب أخذ الحرّ يقاتل راجلا وهو يقول :
آليت لا أقتل حتّى أقتلا
ولن أصاب اليوم إلاّ مقبلا
أضربهم بالسيف ضربا مفصلا
لا ناكلا عنهم ولا مهللا
ويضرب فيهم ويقول :
إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف
أضرب في أعراضكم بالسيف
عن خير من حلّ بأرض الخيف (21)
ثمّ أخذ يقاتل هو وزهير قتالا شديدا ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شد الآخر حتّى يخلّصه ، ففعلا ذلك ساعة. ثمّ شدّت جماعة على الحرّ فقتلوه.
فلمّا صرع وقف عليه الحسين عليهالسلام وقال له : « أنت كما سمّتك أمّك الحرّ حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة ».
وفيه يقول عبيد الله بن عمرو الكندي البدي :
أضرب في أعراضهم بالسيف
عن خير من كلّ منّى والخيف
سعيد بن عبد الله لا تنسينه
ولا الحرّ إذ آسى زهيرا على قسر
( رسموا ) : ساروا الرسيم وهو نوع من السير معروف.
( البيضة ) : قال أبو محمّد الأعرابي الأسود : البيضة بكسر الباء ما بين واقصة إلى العذيب (22).
( العرواء ) : بالعين المهملة المضمومة والراء المهملة المفتوحة قوة الحمى ورعدتها ، وفي رواية الأفكل : وهو بفتح الهمزة كأحمد الرعدة.
( قلب ترسه ) : هو علامة لعدم الحرب ، وذلك لأن المقبل إلى القوم وهو متترس شاهر سيفه ، محارب لهم فإذا قلب الترس وأغمد السيف ؛ فهو غير محارب أمّا مستأمن أو رسول.
( الهبل ) : كجبل. ( والعبر ) : كصبر وتضم العين هما بمعنى الثكل ، ويمضى على بعض الألسنة العير بالياء المثنّاة تحت وهو غلط.
( كظمه ) : كظم الوادي بفتح الكاف وسكون الظاء المعجمة مضيقه ، فإذا أخذه الإنسان فقد منع الداخل فيه والخارج ، فهو كناية عن المنع ، كما يقال أخذ بزمامه.
( ثغرة النحر ) : نقرته بين الترقوتين وهي بضم الثاء المثلثة.
( اللبان ) : كسحاب الصدر من الفرس.
( حشأته ) : أصبت أحشائه.
( يفرى فريه ) : يفعل فعله في الضرب والمجالدة.
الحجّاج بن بدر التميمي السعدي
كان الحجّاج بصريّا من بني سعد بن تميم جاء بكتاب مسعود بن عمرو إلى الحسين فبقي معه وقتل بين يديه.
قال السيّد الداودي : إنّ الحسين عليهالسلام كتب إلى المنذر بن الجارود العبدي وإلى يزيد بن مسعود النهشلي وإلى الأحنف بن قيس وغيرهم من رؤساء الأخماس والأشراف ، فأمّا الأحنف فكتب إلى الحسين يصبّره ويرجّيه ، وأمّا المنذر فأخذ الرسول إلى ابن زياد فقتله ، وأمّا مسعود (23) فجمع قومه بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وبني عامر ، وخطبهم فقال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ قالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدّمت فيه فرطا. قال : فإنّي قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه. فقالوا له : إنّا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي ، فقل حتّى نسمع. فقال : إنّ معاوية قد مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظنّ أنّه قد أحكمه وهيهات الذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ويتأمّر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم وقلّة علم لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، هو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم وجبت لله به الحجّة ، وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحقّ ولا تسكعوا فيّ وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس يعني الأحنف انخزل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصرته ، والله لا يقصر أحد عن نصرته إلاّ أورثه الله الذل في ولده والقلّة في عشيرته ، وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ، وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب. فقالت بنو حنظلة : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض غمرة إلاّ خضناها ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت. وقالت بنو أسد : أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا ما أمرنا به وبقى عزّنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا! وقالت : بنو عامر : نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ولا نوطن إن ضعنت ، فادعنا نجبك وأمرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت. فالتفت إلى بني سعد وقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ، ولا زال فيكم سيفكم ، ثمّ كتب إلى الحسين ـ قال بعض أهل المقاتل مع الحجّاج بن بدر السعدي ـ أمّا بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإنّ الله لم يخل الأرض من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجّة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها ، وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك بني سعد ، وغسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها فلمع. ثمّ أرسل الكتاب مع الحجّاج ، وكان متهيّأ للمسير إلى الحسين بعد ما سار إليه جماعة من العبديين ، فجاءوا إليه عليهالسلام بالطف ، فلمّا قرأ الكتاب قال : « مالك! آمنك الله من الخوف ، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر ». وبقي الحجّاج معه حتّى قتل بين يديه.
قال صاحب الحدائق : قتل مبارزة بعد الظهر (24). وقال غيره : قتل في الحملة الأولى قبل الظهر.
أقول : إنّ الذي ذكره أهل السير أنّ الحسين عليهالسلام كتب إلى مسعود بن عمرو الأزدي ، وهذا الخبر يقتضي أنّه كتب إلى يزيد بن مسعود التميمي النهشلي ، ولم أعرفه فلعلّه كان من أشراف تميم بعد الأحنف ، وقد تقدّم القول في هذا.
( الأثيل ) : العظيم. ( تسكّع ) : تحيّر.
( الدرن ) : الوسخ يكون في الثوب وغيره.
( استهلّ ) : المطر : اشتدّ انصبابه ، يقال هل السحاب وانهل واستهل.
المصادر :
1- عدّه الشيخ في أصحاب الحسين عليهالسلام. راجع رجال الشيخ : ١٠٤ ، الرقم ١٠٣١.
2- المناقب : ٤ / ١١٣.
3- المناقب : ٤ / ٢٦٧.
4- الحدائق الورديّة : ١٢٢.
5- الحدائق الورديّة : ١٢٢.
6- الحدائق الورديّة : ١٢٢.
7- في جمهرة أنساب العرب ٢٢٧ : عتّاب الردف ، وأورده ابن الكلبي في جمهرة النسب : ١ / ٣٠٧.
8- مثير الأحزان : ٥٩ ـ ٦٠ بتفاوت.
9- موضع في العراق قرب القادسيّة. راجع معجم البلدان : ٢ / ٩٢.
10- راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٧ ، والإرشاد : ٢ / ٨٠.
11- في تاريخ الطبري : النسير.
12- راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٩.
13- تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٧ ، وفيه : ذويدا.
14- في المصدر : أفما لكم.
15- في المصدر : أطيع.
16- في المصدر : ولا يرون.
17- في المصدر : فمنعتموه.
18- تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٠ بتفاوت.
19- تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.
20- تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.
21- تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٧ ،
22- راجع معجم البلدان : ١ / ٥٣٢.
23- هكذا في الأصل ، والصحيح : ابن مسعود.
24- الحدائق الورديّة : ١٢٢.