اصلاح فكر الوحدة الإسلامية

منذ وقت مبكر نهض السيّد محسن الأمين ١٢٨٤ ـ ١٣٧١ هـ / ١٨٦٥ ـ ١٩٥٢ م بدعوته الإصلاحية متزوّداً بوعيه لمشكلات مجتمعه وانفتاحه لقضايا عصره ، وتحسّسه لمسؤوليته الدينية الإصلاحية فقد كان شاهداً على عصره في
Wednesday, November 1, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
اصلاح فكر الوحدة الإسلامية
اصلاح فكر الوحدة الإسلامية



 

منذ وقت مبكر نهض السيّد محسن الأمين ١٢٨٤ ـ ١٣٧١ هـ / ١٨٦٥ ـ ١٩٥٢ م بدعوته الإصلاحية متزوّداً بوعيه لمشكلات مجتمعه وانفتاحه لقضايا عصره ، وتحسّسه لمسؤوليته الدينية الإصلاحية فقد كان شاهداً على عصره في الوحدة والتآلف بدأت دعوته الإصلاحية في المجتمع الأهلي مذ أن استقرّ في دمشق ، وافداً من لبنان وعن هذه الفترة يقول السيد الأمين في مذكّراته وردنا دمشق في أواخر شعبان من سنة ١٣١٩ هـ في أواخر الخريف ، فوجدنا أمامنا أموراً هي علّة العلل ولابدّ في إصلاح المجتمع من النظر في إصلاحها :
١ ـ الأُميّة والجهل المطبق فقد وجدنا معظم الأطفال يبقون أمّيّين بدون تعليم ، وبعضهم يتعلّمون القراءة والكتابة في بعض الكتاتيب على الطراز القديم.
٢ ـ وجدنا إخواننا في دمشق متشاكسين منقسمين إلى حزبين بل إلى أحزاب وقد أخذت منهم هذه الحزبية مأخذها (١).
ولقد نجح السيّد الأمين في هذا الجانب نجاحاً باهراً فقد كان إماماً في الوحدة لكلّ الطوائف والديانات وهذا ما يعترف به كلّ من عاصره ، وقد قال عنه الشيخ هاشم الخطيب من علماء السنة من دمشق : لقد نهض بأبناء طائفته الجعفرية في سوريا ولبنان وجبل عامل نهضة مباركة وخطا بهم خطوة طيبة حببت إليهم جميع إخوانهم من المسلمين والعرب كما حبّبتهم أيضاً إلى الجميع فكانوا يداً واحدة إخواناً متحابّين على سرر متقابلين تجمعهم وحدة الإسلام وتنظّم أهدافهم وغاياتهم المصلحة العامة (2).
ونقل عنه الدكتور مصطفى السباعي أنّ شخصاً جاء إليه لينتقل من المذهب السنّي إلى المذهب الشيعي ، فعرّفه بأنّه لا فرق بين السنّة والشيعة في العنوان الإسلامي. وعندما أصرّ هذا الرجل قال له السيّد الأمين قل : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله فقالها الرجل ، فقال له : لقد أصبحت شيعياً. لقد أدرك السيّد الأمين أنّ الوحدة الإسلامية هي من الممنوعات الاستعمارية.
وبذلك كان ثورة على الطائفية في الوقت الذي كان لا يمانع من بحث القضايا المذهبية بذهنية علمية موضوعية ، وبروح إسلامية واعية ، لأنّ هناك فرق بين الحوار العلمي ، والاستغلال السياسي ، أو التحرّك الغوغائي لأنّ الحوار يؤدّي إلى التفاهم وينتهي إلى الوحدة ، بينما ينطلق الاستغلال والغوغاء إلى المزيد من البعد والاختلاف (3).
فقد أعطى السيّد الأمين روحاً جديدة لمجتمعه كانت بداية عهد جديد في حياة المجتمع ينتقل منها من النزاع إلى التآلف ومن التفرق إلى الاجتماع ، وهذا التحوّل أسس أرضية حيوية ساهمت في عمليات النهوض التي حصلت آنذاك.

إنماء التعليم من منطلق الوحدة :

ومن ملامح الحركة الإصلاحية للسيّد الأمين إنماء التعليم وبعث النهضة التعليمية في مجتمع الشام ، وقد أسّس حركته العلمية على قاعدة الوحدة والتقارب والتآلف.
إلى جانب ذلك أنشأ جمعية للاهتمام بتعليم الفقراء والأيتام وكانت مسؤوليتها تقوم على حصر أسماء الناشئة ، وتهيئة الأسباب المادية لضمان متابعتهم الدراسة لأن معظم الأهل بسبب فقرهم يفضلون إرسال أبنائهم إلى بعض المراكز الحرفية لتعليمهم صنعة وهم بحالة الأُميّة وذلك لحاجتهم الملحّة لدخل هؤلاء الأولاد لتأمين الضرورات المعيشية.
ولما لاحظ العلّامة الأمين ان الأطفال والشباب بحاجة لرعاية خارج نطاق المدرسة أنشأ جمعية الرابطة الأدبية الاجتماعية لتملأ هذا الفراغ وترفدهم بالنشاط الأدبي والرياضي فكانت هذه الجمعيات تعمل مؤازرة للمدرسة المحسنية والمدرسة اليوسفية تحت إشرافه المباشر وتوجيهه الدائم (4).
وعن نهجه الوحدوي في التعليم يقول الأستاذ عبد اللطيف الخشن : ـ وهو من الذين تعلّموا وتربوا في مدارس السيّد الأمين ـ لم يكن السيّد
محسن الأمين في معاملاته لغير أبناء الطائفة الشيعية أقلّ من معاملته الحسنة لأبناء طائفته ، ولم أجد في حياتي كلّها مؤسّس مدرسة في الدنيا لا يبالغ بحبّ أبناء طائفته أولاً وإيثارهم على غيرهم ، وجعلهم مقدّمين في الوظائف على غيرهم باستثناء مولانا الراحل الذي كان يفتّش عن معلّمين للمدرسة يحسنون التدريس ، دون النظر إلى الطائفة التي ينتمون إليها إذ كان يفتّش عن الإنتاج الفكري ، والنضوج العقلي ، والوعي في الأستاذ دون أن يسأل عن طائفته ، وعن نحلته ، وهذا بشهادة جميع الذين لمسوا من الراحل الكريم هذا التسامح وهذه العدالة ...
لقد كان أساتذة المدرسة من جميع رجال الطوائف ، وإنّي لأذكر على سبيل الاستشهاد والمثال أنّ معلّمي الدروس الصرفية والنحوية كانوا من السنّة والشيعة ، وكان المدرّس للّغة الفرنسية مسيحياً ، وكان مدرس اللغة التركية سنّياً.
ونظراً للشهرة التي نالتها المدرسة يومئذ أقدم الكثيرون على إرسال أولادهم إلى المدرسة وهم من مختلف الطوائف ، ولم يكن في برامج التعليم أية صفة خاصة ، أو ميزة لفريق دون آخر من التلامذة (5).
ويصف هذه المدرسة الشيخ هاشم الخطيب بقوله : ( إنّ مدرسته المحسنية بجميع فروعها التي أسّسها على حبّ التسامح والإخاء قد أثمرت ولله الحمد ثمرتها المنتظرة ونرجو لها دوام التقدّم والازدهار بهمّة من يسيرون على نهج مؤسّسها المخلص الوفي (6).

قانون الطوائف في عهد الانتداب الفرنسي :

يقول السيّد الأمين : أصدر الفرنسيون قانون الطوائف بما لا يوافق مصلحة المسلمين ويخالف نصّ الشرع الإسلامي فعارض في ذلك جملة من علماء دمشق وبالغوا في المعارضة فأوقف القانون وأصدر الفرنسيون بلاغاً بأنّ وقفه يشمل السنّيين من المسلمين فقط. فقدّمت بذلك احتجاجاً للمفوضية الفرنسية باللغتين العربية والفرنسية قام الفرنسيون له وقعدوا ونشرته الصحف (7).
وهذا نصّه :
إلى فخامة المفوّض السامي في بيروت.
بواسطة المندوب العام في الجمهورية السورية.
لقد سمعتم الاحتجاجات الصاخبة التي قام بها المسلمون عموماً في مشارق الأرض ومغاربها على القرار ذي الرقم ٦٠ المسمّى بقانون الطوائف وعلى تعديله ذي الرقم١٦٤ الصادرين عن المفوّضية العليا لأنّهما مناقضان مناقضة صريحة لتعاليم دينهم وأحكام شرعيتهم التي نصّ على احترامها حتّى صك الانتداب والذي سبّب هذه الثورة الفكرية في البلاد.
ولم نكن نحن المسلمين الشيعة بأقل استنكاراً لهذا القرار الذي يسيء إلى حرمة الأديان السماوية كافة لأنّنا من أشدّ ابناء الشريعة المحمّديّة تمسّكاً بتقاليدها وحرصاً على تعاليمها ، ولذلك استغربنا أشدّ الاستغراب ما جاء في خطاب فخامتكم في الراديو من تفريقكم بين طوائف المسلمين هذا التفريق الذي ينكره المسلمون أجمع ، ونستغرب قصركم توقيف مفعول القرار على الطائفة السنّية وحدها واستثناؤكم بقية المسلمين من ذلك. فأنا بوصفي الرئيس الروحي للطائفة الإسلامية الشيعية في سوريا ولبنان أرجو من فخامتكم أن تحاطوا علماً باستنكار المسلمين الشيعيين عامّة لهذا القرار ولهذا التفرقة المصطنعة بين المسلمين (8)
وكان لهذه المواقف من السيّد الأمين الأثر البالغ على معنويات المجاهدين في سوريا ولبنان وعن ذلك يقول لطفي الحفار من رجال الكتلة الوطنية في سوريا وإنّي لأذكر أنّ الفرنسيين حاولوا كثيراً استمالته إليهم بشتّى الوسائل المغرية ، وعرضوا عليه داراً فخمة يقيم بها ، وراتباً ضخماً يتقاضاه منهم ، فردّهم ردّاً عنيفاً وأعرض عنهم ولم يبال بهم وبقوّتهم ، وكان لهذا كلّه أعظم تأثير لدى الذين يتّصلون به ويعرفون مناقبه وفضائله ويستمعون إلى أحاديثه النافعة ونصائحه الغالية مع ما يتخلّلها من الأبحاث العلمية النافعة والمواضيع الدينية الثمينة فقد كنت كما يعلم الله استشعر راحة ولذّة لا تعدّ لها لذّة حينما أرى هذا الوجه النيّر والتواضع الجمّ والحديث الممتع والنصائح الغالية والأبحاث الدينية والعلمية الواسعة (9).
ومن أقواله المشهور في هذا المجال لم نزل نتخاصم على شرعية الخليفة حتّى صار المندوب السامي الفرنسي هو خليفتنا؟!

في عهد الاستقلال :

يقول السيّد الأمين في مذكّراته : أصدرت الحكومة السورية في عهد الاستقلال قراراً في الانتخابات النيابية بأنّ للمسلمين السنّيين كذا من المقاعد في المجلس النيابي ، ولسائر الطوائف كذا ، وللأقلّيات كذا ، بموجب ذلك دخلت الشيعة في الأقليّات فقدّمت للحكومة كتاباً بأنّ الشيعة تعتبر المسلمين طائفة واحدة ولا تريد الافتراق عن إخوانها السنيين. فكان لذلك الوقع الحسن عند الوطنيين ، وقرّرت الحكومة بأنّ المسلمين طائفة واحدة لا فرق بين سنّيهم وشيعيهم ، وإنّ هذه المقاعد المعيّنة للمسلمين في جميع أنحاء الدولة السورية هي للسنّيين وللشيعيين على السواء (10).
وبهذا السلوك الحسن استطاع العلّامة الأمين أن ينفذ إلى قلوب الإخوة من أهل السنّة ويتّخذ له موقعاً خاصاً في تلك القلوب (11).
أيّة روحية هذه التي يتصف بها هذا الرجل المصلح ، وأين أمثال هؤلاء الرجال في عصرنا؟ لقد كان يشخص الأمور بعقل لا بانفعال ، وبعقل المستقبل لا بعقل الماضي ، ويقدّر المصلحة العامة فوق كلّ شيء ، ويقدّمها على كلّ شيء.

منهجيته في الوحدة والتآلف :

ولأهمّية دوره الوحدوي رأينا من الضروري أن نورد بعضاً من منهجيّته في الوحدة والتآلف :
أولاً : أنّ الوحدة كانت هدفه الكبير وعن ذلك يقول : إنّ توحيد المسلمين هدفي منذ أربعين سنة ، منذ إقامتي في هذه الديار (12).
وعنده إنّ أفضل عمل يجهد في سبيله ، هو السعي لتأليف القلوب ، وإزالة الأضغان بين أهل المذاهب أو تخفيفها ، إذ هي مبنية على أمور لا حقيقة لها ، وإنّما هي من تسويل شياطين الجن والإنس ، مما يمجّه العقل السليم ، وينهى عنه القرآن العظيم ، والشرع الكريم (13).
ثانياً : لقد كان داعياً للوحدة بكافة السبل ، وكان جريئاً وشجاعاً في دعوته للوحدة لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولم يركن للعقبات والحساسيات والعراقيل. طوال مسيرته وحياته المباركة.
ثالثاً : لقد كان إماماً للوحدة والتآلف ليس للشيعة فحسب بل إماماً حتّى للسنّة ، وإماماً لكلّ الوطنيين في عصره.
رابعاً : لقد كان السيّد الأمين العالم الذي واجه ظروف المرحلة الحرجة والصعبة التي عاش بها بكلّ مسؤولية ، فلم تكن حركته متواضعة ضعيفة خاضعة للتحديات التي تفرضها أوضاع التعقيدات السياسية والاجتماعية القاسية ، بل كانت حركته في حجم تلك التحدّيات ، وفي مستوى تلك الظروف ، وفي الموقع الإسلامي المتحرّك الذي تفرضه مسؤوليته في مواجهة الظلم والانحراف ، ولذلك نجد في ملامح شخصيته ، ملامح العالم المصلح ، كما نجد فيها ملامح الفقيه الثائر (14).
خامساً : لقد أرسى دعائم الوحدة على مختلف الصعد ، على الصعيد السياسي في عهد الانتداب وحكومة الاستقلال ، وعلى الصعيد الاجتماعي في داخل المجتمع وعلى الصعيد التعليمي والتربوي.
وهو الذي انقذ المجتمع والدولة من مشكلات الطائفية ومآزقها الحادّة في عهد الانتداب مع قانون الطوائف وفي عهد الاستقلال مع قانون الأقلّيّات في المجلس النيابي ، وهكذا في داخل المجتمع الأهلي.
المصادر:
1- أعيان الشيعة ١٠ : ٣٦١.
2- أعيان الشيعة ١٠ : ٤١٣.
3- المصلح الإسلامي السيّد محسن الأمين ورقة السيد محمّد حسين فضل الله : ٩٠.
4- المصلح الإسلامي السيّد محسن الأمين : ١٥٢.
5- لاحظ أعيان الشيعة ١٠ : ٤١١.
6- المصدر السابق : ٤١٣.
7- المصدر السابق : ٣٧٠.
8- أعيان الشيعة ١٠ : ٣٧٠.
9- المصدر السابق : ٣٨٤.
10- أعيان الشيعة ١٠ : ٣٧٠.
11- المصلح الإسلامي السيّد محسن الأمين ، ورقة الشيخ المهاجري : ٧٧.
12- المصدر السابق
13- الإسلام بين السنّة والشيعة ١ : ١٣١.
14- المصلح الإسلامي السيّد محسن الأمين ورقة السيّد محمّد حسين فضل الله : ٨٦.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.