
اطلق الغزالي في الاحياء في منع اللعن مطلقا فضلا عن لعن شخص معين واسترسل في ذلك حتى قال ان في لعن يزيد فضلا عن أبيه خطرا على اللاعن بل منع ان يقال لعن الله قاتل الحسين بن علي عليهما السلام ثم قال ففي لعن الاشخاص خطر ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره وأستدل بعموم الاحاديث التي مرت بك في معارضة مطلق اللعن وامثالها في المعنى.
والغزالي كما علمت وعلم الكل امام عظيم من علماء المسلمين ومحقق كامل من محققيهم ولابناء السنة والجماعة به القدوة والاسوة الحسنة في سلوك طريقته واتباع ارشاداته غير ان الانسان ـ الا النبيين ـ وان جل شأنه وعظم مقداره ليس بمعصوم من هفوة أو خطاء في اجتهاد ولايجوز لمن عرف حقا بأدلته الواضحة ان يقلد غيره وان جل شأله في خلاف ما عرفه من الحق ولو كان التقليد المحض في كل شئ مجد عند الله تعالى شيئا لكان الامام الغزالي من أولى من تقلده في ذلك وحينئذ نقول ولا استحياء من الحق ولا هواة في الدين أن هذه هفوة منه لا يجوز لنا الاعتماد عليها ولا اتباعه فيها ولو جاز الاستدلال بهفوات العلماء والاكابر لعظم الخطب وانقلب الحق ظهرا لبطن وقد مر بك قريبا ما يخالف مدعاه ممما اوردناه من كلام الله تعالى وأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وافعاله ومن أقوال الاكابر من الصحابة والتابعين وكثير بعدهم فأرجع إليه.
قال الامام الشافعي اجمع الناس على ان من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن له ان يدعها لقول احد وقال صاحب الهداية سئل ابوحنفية إذا قلت : قولا وكتاب الله يخالفه قال أتركوا قولي بكتاب الله قيل إذا كان خبرا لرسول الله صلى الله عليه وآله يخالفه قال : اتركوا قولي بقول الصحابة فضلا عن قول الرسول صلى الله عليه وآله (اتنهي).
اما قول الغزالي ففي لعن الاشخاص خطر فمبنى على جملة نهى النبي عليه وعلى آله الصلوة والسلام عن لعن حمار المحب لله ورسوله علي النهي عن لعن المعين وقد علمت مرجوحية هذا الحمل بل فساده مما قدمناه وأي خطر في لعن من استحق اللعن بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله سواء كان بالشخص أو الوصف إذ الذات الواقع عليها اللعن بكل منهما واحدة.
وأما قوله ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره فمسلم عند الكل لان لعن ابليس وغيره ممن يستحق اللعن لم يكن من الفرائض التي افترضها الله على عباده حتى يكون تركها خطرا لكن تركه مفوت للتأسي بما جاء عن الله ورسوله وملائكته في لعنهم من استحق اللعن والتأسي بهم مشروع وهو نافلة من النوافل ولاخطر في ترك النافلة كما لو ترك الانسان الترضي عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي بل لو ترك الاذان والاقامة وصلاة التراويح مثلا فلا خطر عليه في ذلك اما إذا ترك لعن ابليس شكا في استحقاقه اللعن أو عنادا فهو كافر لرده المنصوص في القرآن و مراغمته ومثله التارك لعن القاتل والشارب مثلا شكا في استحقاقه اما التارك لغير الشك بل للعصبية والهوى فموكول أمره إلى الله تعالى وهذه الجملة لو لم تكن صادرة عن هذا الامام العظيم لقلنا ان قائلها أراد بها المغالطة والمشاغبة ولكنا ننزهه عن ذلك ونجريها على ظاهرها وهذه المقالات من الامام الغزالي جرأت كثيرا من أنصار معاوية على مقالات بشعة شنيعة فقال بعضهم لو ان يزيد باشر قتل الحسين بيده واستحله أيضا لم يجز لعنه وقال : آخر لا أبالي ان اقول لو اطلع مطلع على الغيب فعلم ان معاوية مات على غير الاسلام لما جاز له ان يلعنه وقال ثالث ان اللعن من السفه المذموم مع ان كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلى الله عليه وآله مشحونان بذلك فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
أما قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا تسبوا الاموات فأنهم قد افضوا إلى ما قدموا وقوله : صلى الله عليه وآله لاتسبوا. الاموات فتؤذوا الاحياء فقد قال الحافظ الشوكاني في نيل الاوطار هو مخصوص بما جاء في حديث أنس وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال عند ثنائهم بالخير والشر وجبت اتنم شهداء الله في أرضه ولم ينكر عليهم قال : ولان الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم ولا غيبة لفاسق والسب يكون في حق الكافر والمسلم اما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم واما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك يصير من قبيل الشهادة عليه وقد يجب في بعض المواضع (انتهى)
ثم قال والوجه تبقية الحديث على عمومه الا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر وجرح المجروحين من الرواة احياء وأمواتا لاجماع العلماء على جواز ذلك وذكر مساوي الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم (انتهى) والله الموفق للصواب.
ولنذكر هنا نبذة من بوائق معاوية العظيمة المدخلة في زمرة من استحق لعنة الله والملائكة والناس اجمعين.
جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله تعالى والملتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي اخرجه الترمذي عن عائشة وابن عساكر عن ابن عمر قال : الحسن البصري رحمه الله. اربع خصال في معاوية لو لم تكن فيه الا واحدة منها لكانت موبقة : اتنزاؤه على هذه الامة بالسيف حتى اخذ الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة واستخلافه من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زيادا وقد قال : رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجرا واصحاب حجر ويا ويلا. له من حجر واصحاب حجر (انتهى بحروفه) من الكامل.
ولنقدم منها أم موبقاته واعظمها شرا على المسلمين في الدنيا واكثرها وبالا عليه وعلى أشياعه في الآخرة وهي بغيه على الامام الحق ومناصبة العداوة والبغضاء لمن عداوته لله ولرسوله وبغضه نفاق كما دلت عليه الاحاديث الصحيحة المتعددة التي لم يبق معها ريبة للمنصف في سوء حال معاوية وفسادنيته واستخفافه بالدين وجرأته على الله وعلى رسوله ثم نتبعها بما ثبت بالتواتر والنقل الصحيح من موبقاته العظيمة وفظالعه الجسيمة جازاه الله بما هو أهله. والبغي كما في القاموس وغيره هو التعدي والظلم والعدول عن الحق والاستطالة الكذب وقال الابي : البغي عرفا الخروج عن طاعة الامام مغالبة له (انتهي).
وقد بايع المسلمون عليا عليه السلام بعد مقتل عثمان رضى الله عنه وفيهم أهل الحل والعقد من المهاجرين الاولين والانصار وذوي السوابق وتأخر معاوية بأهل الشام وحبس عنده رسول علي كرم الله وجهه إليه مدة حتى انتهت وقعة الجمل ثم تستر عن بغيه بالطلب بدم عثمان وغر أهل الشام واستغواهم وكذب عليهم فأخبرهم ان عليا قتل عثمان وأقام لهم شهود الزور بذلك ونشر قميص عثمان على المنبر مخضبا بالدم حتى خرج علي عليه السلام إليه في أهل العراق وخرج هو بأهل الشام إلى ان التقيا بصفين وكان من أمر وقائعها ما هو مشروح في كتب السير والتواريخ وقتل في تلك الوقائع من المسلمين سبعون الفا خمسون الفا من أهل الشام وعشرون الفا من أهل العراق قال : العلامة الزرقايي في نهج المسالك اتى علي عليه السلام في اهل العراق في سبعين الفا فيهم تسعون بدريا وسبعمائة من أهل بيعة الرضوان واربعمائة من سائر المهاجرين والانصار وخرج معاوية في أهل الشام في خمسة وثمانين الفا ليس فيهم من الانصار الا النعمان ابن بشير ومسلمة بن مخلد انتهى.
وفي العقد الفريد عن أبي الحسن قال لم يبايع اهل الشام معاوية بالخلافة حين خرج وانما بايعوا على الطلب بدم عثمان فلما كان من أمر الحكمين ما كان بايعوه بالخلافة فكتب إلى سعد بن أبي وقاص يدعوه إلى القيام معه في دم عثمان سلام عليك اما بعد فأن احق الناس بنصرة عثمان اهل الشورى من قريش الذين اثبتوا حقه واختاروه على غيره ونصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الامر ونظيراك في الاسلام وخفت لذلك ام المؤمنين فلا تكره ما رضوا ولا ترد ما قالوا وانما تريد ان نردها شورى بين المسلمين والسلام. فأجابه سعد أما بعد فان عمر لم يدخل في الشورى الا من تحل له الخلافة فلم أجد أحدا اولى بها من صاحبه الا بأجتماعنا عليه غير ان عليا كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه ولو لم يطلبها ولزم بيته لطلبته العرب ولو بأقصى اليمن وهذا الامر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لهما والله يغفر لام المؤمنين ما أتت. وهكذا أخرجه المحدث ابن قتيبة في كتاب الامامة.
وكتب معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة أما بعد فأنما أنت يهودي ابن يهودي ان ظفر احب الفريقين اليك عزلك واستبدل بك وان ظفر ابغض الفريقين اليك قتلك ونكل بك وقد كان ابوك اوتر قوسه ورمى غرضه فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وادركه يومه ثم مات طريدا بحوران. فأجابه قيس : أما بعد فأنت وثني ابن وثني دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك ونحن انصار الدين الذى خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه والسلام (انتهى).
وفي ربيع الابرار للزمخشري دعا معاوية قيس بن سعد بن عبادة إلى مفارقة علي بن أبي طالب حين تفرقت الناس عنه فكتب إلى معاوية يا وثني ابن وثني تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك وتخوفني بتفرق اصحابه عنه وانثيال الناس عليك واجفالهم اليك فوالذي لا اله غيره لا سالمتك أبدا وانت حربه ولا دخلت في طاعتك وانت عدوه ولا أخترت عدوالله على وليه ولا حزب الشيطان على حزبه (انتهى).
وأخرج الامام محمد بن اسمعيل البخاري في صحيحه عن عكرمة قال : قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فأسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حانط يصلحه فأخذ رداءه فأحتبى ثم انشأ يحدثنا حتى اتى على ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. وأخرجه أيضا مسلم والطبراني والترمذي والحاكم والامام احمد في مسنده وغيرهم وعده الحفاظ جلال الدين السيوطي في الاخبار المتواترة وعزاه للشيخين عن أبي سعيد ولمسلم عن أبي قتادة وام سلمة وابي يعلي ولاحمد عن عمار وابنه وعمر بن حزم وخزيمة ذي الشهادتين وللطبراني عن عثمان وانس وابي هريرة وللحاكم عن حذيفة وابن مسعود وللرفاعي عن أبي رافع ولابن عساكر عن جابر بن عبدالله وجابر بن سمرة وابن عباس ومعاوية وزيد بن اوفى الاسلمي وأبي اليسر كعب بن عمرو وزياد وكعب بن مالك وأبي امامة وعائشة ولابن ابي شيبة عن عمرو بن العاص وابنه عبدالله بن عمرو قال : فهؤلاء سبعة وعشرون صحابيا فيهم خزيمة كصحابيين (انتهى).
وقال حافظ المغرب ابن عبد البر تواترت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : تقتل عمار الفئة الباغية وهذا من اخباره بالغيب واعلام نبوته وهومن أصح الاحاديث (انتهى).
وقال ابن دحية لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية وأنكره. وقال الحافظ ابن حجر رواه جمع من الصحابة فذكرهم وقال : وفيه علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار رضى الله عنهما.
قلت لا يختلف اثنان في ان عمارا قتل بصفين وهوفي حزب الامام علي عليه السلام وان قتلته هم فئة معاوية صب بهذا ان معاوية باغ داع إلى النار كما ذكر في الحديث والدعي إلى النار مستحق اللعن في الدنيا والخذلان والقبح يوم القيامة كما جاء في كتاب الله عزوجل قال تعالى : «وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين» والمقبوح هو الذي نحي عن الخير. وقد حاول معاوية التملص من هذا الحديث بالاحتيال لكيلا ينتقض عليه أحد من اصحابه حيث لم يقدر على انكاره فقال انما قتله من أخرجه. فأجابه الامام علي عليه السلام بأن رسول الله صلى الله عليه وآله يكون قاتل حمزة حيث أخرجه لقتال المشركين وهذا من الالزام الذي لاجواب عنه ثم رجع معاوية وتأوله بالطلب وقال نحن الفئة الباغية اي الطالبة لدم عثمان. من البغاء ـ بضم الباء الموحدة والمد ـ وهو الطلب ولا يخفى سقوط التأويلين وخطؤهما أما الاول فظاهر واما الثاني فان قول الرسول صلى الله عليه وآله دعوهم إلى الجنة ويدوعونه إلى النار كالنص الصريح في ان الباغية من البغي المذموم المنهي عنه كما في قوله تعالى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لامن البغاء الذي هو الطلب.
وعندي ان معاوية أحذق من أن يقول ذلك عن اعتقاد فأنه أمر ظاهر الفساد للخاص والعام والذكي والبليد وكان الواجب عليه ان يرجع عن غيه وبغيه ويرفض المخالفة ولكن غلبت عليه شقوته واضله الله على علم فأحتال بهذه التأويلات الفاسدة حرصا على الدنيا وتعزيزا لاشياعه واتباعه وتسترا في الظاهر وفرارا عن الاقرار بحقيقة أمره وتربعه في كرسي امامة الدعاء إلى النار ومحاربة العزيز الجبار فأنه لم تبق بعد قتل عمار أدنى شبهة لعاقل ولا قول لقائل. الا ترى ان ابن عمر ندم اشد الندم على عدم قتاله معاوية واصحابه فقد روى أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال ما آسى على شئ الا أن اكون قاتلت الفئة الباغية وعلى صوم الهواجر وقال ابن عبدالبريروي من وجوه عن حبيب عن ابن عمر انه قال : حين حضرته الوفاة ما اجدني آسى على شئ فاتني من الدنيا الا اني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية ورواها الحاكم بسند صحيح فالبيهقي عنه قال ما وجدت في نفسي من شئ ما وجدت من هذه الآية اني اقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله يعني قوله تعالى : فان بغت أحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله. قال الحاكم هذا باب كبير قد رواه عن ابن عمر جماعة من كبار التابعين وكان خزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين رضي الله عنه كانا سلاحه حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه وذكر حديث عمار ثم قاتل عسكر معاوية حتى قتل وقد نقل ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابراهيم النخعي ان مسروق بن الاجدع لم يمت حتى تاب من تخلفه عن علي كرم الله وجهه.
ومن كتاب من الامام علي كرم الله وجهه إلى معاوية كما في نهج البلاغة قال : فسبحان الله ما أشد لزومك للاهواء المبتدعة والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق وأطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة فاما اكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فانك انما نصرت عثمان حين كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له (انتهى).
يشير كرم الله وجهه إلى ان معاوية انما زعم نصرة عثمان بعد موته حيث كانت المصلحة عائدة إليه بالولاية التي يطلبها وخذله في حياته حيث كانت المصلحة عائدة على عثمان فقد ذكر اهل السير ـ واللفظ للبلاذري ـ ان معاية لما استصرخه عثمان تثاقل عنه وهو في ذلك يعده حتى إذا أشتد به الحصار بعث إليه يزيد بن اسد القشيري وقال له : إذا أتيت ذا خشب فاقم بها ولا تقل الشاهديرى ما لا يرى الغائب فأنا الشاهد وانت الغائب قالوا فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان فأستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان معه فكان في الظاهر نصرة لعثمان ببعث الجيش وهو في الحقيقة خذلان له لحبسه الجيش كي يقتل عثمان فيدعو إلى نفسه كما وقع بالفعل.
وأخرج ابن عساكر عن الفضل بن سويد قال وفد جارية بن قدامة على معاوية فقال له معاوية أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شيعتك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم. قال جارية يا معاوية دع عنك عليا فما ابغضنا عليا منذ احببناه ولا غششناه منذ نصحناه. قال ويحك يا جارية ما كان اهونك على أهلك إذ سموك جارية قال انت يا معاوية أهون على اهلك إذ سموك معاوية. قال لا ام لك. قال ام ما ولدتني ان قوالم السيوف التي لقيناك بها بصفين في ايدينا قال انك لتهددني قال انك لم تملكنا قسرة ولم تفتحنا عنوة ولكن اعطيتننا عهودا وموانيق فان وفيت لنا وفينا وان ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا وأدرعا شدادا والسنة حدادا فان بسطت الينا فترا من غدر دلفنا اليك بباع من ختر قال : معاوية لانثر الله في الناس امثالك وأخرج أيضا عن أبي الطفيل عامر بن واثلة انه دخل على معاوية فقال له معاوية الست من قتلة عثمان قال لا ولكني ممن حضره ولم ينصره قال وما منعك من نصره قال لم ينصره المهاجرون والانصار فقال معاوية اما لقد كان حقه واجبا عليهم ان ينصروه قال : فما منعك يا امير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام فقال معاوية أما طلبي بدمه نصرة له فضحك أبو الطفيل ثم قال انت وعثمان كما قال الشاعر :
لا الفينك بعد الموت تندبني / وفي حياتي ما زودتني زادي
انتهى من تاريخ الخلفاء للسيوطي.
وقد شافه شبث بن ربعي معاوية في صفين بما بين به حقيقة أمره ويحمله على التوبة لو وجد اذنا واعية إذ قال له : يا معاوية انه والله لا يخفى علينا ما تطلب انك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به اهواءهم وتستخلص به طاعتهم الا قولك قتل امامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فأستجاب لك سفهاء طغام وقد علمنا انك ابطأت عنه بالنصر واجبت له القتل لهذه المنزلة التي اصبحت تطلب ورب متمنى أمر وطالبه يحول الله دونه وربما اوتي المتمني امنيته فوق امنيته ووالله مالك في واحدة منهما خير والله ان اخطأك ما ترجو انك لشر العرب حالا ولئن اصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الامر أهله. انتهى من الكامل وأخرجه البيهقي أيضا في المحاسن والمساوي.
ومن كتاب من الامام علي عليه السلام إلى معاوية قال : وارديت جيلا من الناس كثيرا خدعتهم بغيك والقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات فحادوا عن وجهتهم ونكصوا على اعقابهم وتولوا على أدبارهم وعولوا على أحسابهم الا من فاء من أهل البصائر فأنهم فارقوك بعد معرفتك وهربوا إلى الله من موازرتك إذ حملتهم على الصعب وعدلت بهم عن القصد فأتق الله يا معاوية في نفسك وجاذب الشيطان قيادك فان الدنيا منقطعة عنك والآخرة قريب منك والسلام. انتهى من نهج البلاغة.
وفي مروج الذهب للمسعودي قال لما وصل محمد بن أبي بكر الصديق إلى مصر كتب إلى معاوية كتابا فيه : من محمد بن أبي بكر التى الغاوي معاوية بن صخر أما بعد فان الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته ولا حاجة به إلى خلقهم لكنه خلقهم عبيدا وجعل منهم غويا ورشيدا وشقيا وسعيدا ثم اختار على علم وانتخب واصطفى منهم محمدا صلى الله عليه وآله فأتنخبه لعلمه واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا فكان اول من أجاب وأناب وآمن وصدق واسلم وسلم اخوه وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام صدقه بالغيب
المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه بنفسه كل هول وحارب حربه وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ولا مقارب له في فعله وقد رأيتك تساميه وأنت انت وهو هو اصدق الناس نية وأفضل الناس ذرية وخير الناس زوجة وافضل الناس ابن عم أخوه الشاري بنفسه يوم مؤته وعمه سيد الشهداء يوم احد وأبوه الذاب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن حوزته وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان رسول الله صلى الله عليه وآله الغوائل وتجهدان في اطفاء نور الله تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل على ذلك مات ابوك وعليه خلفته والشهيد عليك من تدني ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤساء النفاق والشاهد لعلي مع فضله المبين القديم انصاره الذين معه الذين ذكرهم الله بفضلهم واثنى عليهم من المهاجرين والانصار وهم معه كتائب وعصائب يرون الحق في اتباعه والشقاء في خلافه فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وابو ولده وأول الناس له اتباعا وأقربهم به عهدا يخبره بسره ويطلعه على أمره وانت عدوه وابن عدوه فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك فكأن اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا وأعلم انك انما تكايد ربك الذي آمنك كيده ويئست من روحه فهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور والسلام على من اتبع الهدى.
فما كان جواب معاوية عليه الا ان ادعى ان الشيخين أبا بكر وعمر سبقاه إلى ما اقترف وانه متأس بهما وحاشاهما مما ادعى فقد كذب عليهما ولعنة الله على الكاذبين.
وأخرج ابن عساكر عن اسمعيل بن رجاء عن ابيه قال كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص فمر بنا حسين بن علي عليهما السلام فسلم فرد عليه القوم فقال عبدالله بن عمرو الا اخبركم باحب اهل الارض إلى اهل السماء قالوا بلى قال هو هذا الماشي ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين ولان يرضى عني احب الي من ان يكون لي حمر النعم فقال أبو سعيد الا تعتذر إليه قال بلي فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل ثم استأذن لعبد الله بن عمرو فلم يزل به حتى اذن له فأخبره أبو سعيد بقول عبدالله بن عمرو فقال له اعلمت يا عبدالله انک احب اهل الارض إلى أهل السماء قال أي ورب الكعبة قال فما حملك على ان قاتلتني وأبي يوم صفين فوالله لابي كان خيرا مني قال اجل ولكن عمرو شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان عبدالله يقوم الليل ويصوم النهار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبدالله ابن عمرو صلى ونم وصم وافطر واطع عمروا فلما كان يوم صفين اقسم علي فخرجت اما والله ما كثرت لهم سوادا ولا اخترطت لهم سيفا ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم قال فكلمه (انتهى). فأصحاب معاوية هم الباغون بلا ريب على الامام المرتضى وهم القاسطون كما وعد بهم المصطفى قال الله تعالى : «واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا» اخرج ابن عساكر عن أبي صادق قال : قدم علينا أبو ايوب الانصاري العراق فقلت له يا أبا ايوب قد اكرمك الله بصحبة نبيه صلى الله عليه و آله وسلم وبنزوله عليك فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم هؤلاء مرة وهؤلاء اخرى فقال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد الينا ان نقاتل مع علي الناكثين فقد قاتلناهم وعهد الينا ان نقاتل معه القاسطين فهذا وجهننا إليهم اليوم يعني معاوية واصحابه وعهد الينا ان نقاتل مع علي المارقين فلم ارهم بعد واخرج ابن جرير عن مخنف بن سليم قال أتينا أبا ايوب فقلنايا أبا ايوب قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم جئت تقاتل المسلمين فقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمرنا بقتال ثلاث الناكثين والقاسطين والمارقين فقد قاتلت الناكثين والقاسطين وانا مقاتل ان شاء الله المارقين.
وأخرج البيهقي في المحاسن والمساوي ان رجلا سأل ابن عباس رضى الله عنهما من الناكثون قال الذين يبايعون عليا بالمدينة ثم نكثوا فقاتلهم بالبصرة اصحاب الجمل والقاسطون معاوية واصحابه والمارقون أهل النهروان ومن معهم فقال الشامي يا ابن عباس ملات صدري نورا وحكمة وفرجت عني فرج الله عنك اشهد ان عليا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة .