غزوة الغابة

وقعت هذه الغزوة في السنة السادسة للهجرة ، وتسمى أيضاً : غزوة ذي قرد. الغابة : موضع قرب المدينة من ناحية الشام ، فيه شجر كثيف ومرعىَّ خصب للإِبل ، وكان للنبي (صلی الله عليه وآله وسلم)عشرون لقحة (اللقحة : الواحدة
Monday, December 11, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
غزوة الغابة
غزوة الغابة



 

وقعت هذه الغزوة في السنة السادسة للهجرة ، وتسمى أيضاً : غزوة ذي قرد. الغابة : موضع قرب المدينة من ناحية الشام ، فيه شجر كثيف ومرعىَّ خصب للإِبل ، وكان للنبي (صلی الله عليه وآله وسلم)عشرون لقحة (اللقحة : الواحدة من الإبل الحامل ، ذات اللبن ، جمعها : لقاح. البيضاء : موضع تلقاء حمى الربذة.) ترعى في مكان يقال له : البيضاء. فلما أجدب قربوها للغابة تصيب من أثلها وطرفائها. فكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب.
وفي ذات يوم استأذن أبو ذر رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أن يذهب إلى تلك الإِبل ليحتلبها ويغدو بلبنها إليه ، فقال له (صلی الله عليه وآله وسلم): اني اخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك ـ ونحن لا نأمن من عيينة بن حصن وذويه ! هي في طرف من أطرافهم.
فألح عليه أبو ذر فقال : يا رسول الله إإذن لي.
فلما ألح عليه قال (صلی الله عليه وآله وسلم): لكاني بك قد قتل إبنك ، وأخذت إمرأتك ، وجئت تتوكأ على عصاك وكان أبو ذر يقول في ذلك : عجباً لي ! إن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يقول « لكأني بك » وأنا ألح عليه ، فكان والله على ما قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم).
يقول ابو ذر : والله انا لفي منزلنا ، ولقاح رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قد رُوِّحت ، وعطنت وحلبت عتمتها ونمنا ، فلما كان الليل أحدق بنا عُيينة في أربعين فارساً ، فصاحوا بنا وهم قيام على رؤوسنا فأشرف لهم ابني فقتلوه ، وكانت معه إمرأته وثلاثة نفر فنجوا ، وتنحيت عنهم ، وشغلهم عني إطلاق عُقل اللقاح ، ثم صاحوا في أدبارها فكان آخر العهد بها. ونترك لأبي معبد يكمل القصة :
قال المقداد بن عمرو : لما كانت ليلة السَّرح ، جعلت فرسي سبحة لا تقر ضرباً بأيديها وصهيلاً ، فيقول أبو معبد (هو نفسه المقداد ، وهنا انتقل بحديثه من صيغة المتكلم الى الغائب مبالغةً في الأهمية) : والله إن لها شأناً ! فننظر آريَّها (الآري : حبل تشد به الدابة في محبسها) فإذا هو مملؤ علفاً ! فيقول : عطشى ! فيعرض الماء عليها فلا تريده ، فلما طلع الفجر اسرجها ولبس سلاحه ، وخرج حتى صلى الصبح مع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فلم يرَ شيئاً ، ودخل النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)بيته ، ورجع المقداد إلى بيته ، وفرسه لا تقر ، فوضع سرجها وسلاحه واضطجع ، وجعل إحدى رجليه على الأخرى ، فأتاه آتٍ فقال : إن الخيل قد صيح بها.
وكان سلمة بن الأكوع قد غدا قاصداً الغابة ليأتي بلبن اللقاح إلى النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)فلقي غلاماً في ابل لعبد الرحمن بن عوف ، فأخبره أن عيينة بن حصن قد اغار في اربعين فارساً على لقاح رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وأنه قد رأى مدداً بعد ذلك أمد به عيينة.
قال سلمة : فاحضرت فرسي راجعاً إلى المدينة حتى وافيت على ثنية الوداع (ثنية الوداع : عن يمين المدينة ودونها ، وهي ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة) فصرخت بأعلى صوتي : يا صباحاه ! ثلاثاً ، أسمِعُ من بين لابَتْيها. (يا صباحاه : كلمة كان العرب يستعملونها لإِستنفار الناس فيما إذا دهمتهم غارةٌ. و « لابتيها » كناية عن انه اسمع جميع من في المدينة.)
ثم نادى : الفَزَع ! الفَزَع ! ثلاثاً * ثم وقف واقفاً على فرسه حتى طلع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)في الحديد مُقَنّعاً فوقف واقفاً. فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو ، عليه الدرع والمغفر شاهراً سيفه. فعقد له رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)لواءً في رمحه ، وقال :
امضِ حتى تلحقك الخيول ، ونحن على أثَرِك.
قال المقداد : فخرجت وأنا أسال الله الشهادة حتى أدرك اخريات العدو ، وقد أذمَّ (أذّم : أعيى وتأخر) بهم فرس لهم فاقتحم فارسه وردف أحد أصحابه ، فأخذُ الفرس المذّم فإذا هو ضَرع (الضرع : الضعيف.) أشقر ، عتيق ، لم يقوَ على العدو ، وقد غدوا عليه من أقصى الغابة فحسِر (حسرْ : تعب وأعيا.) فأربط في عنقه قطعة وترٍ وأخليّه ، وقلت : إن مرَّ به أحد فأخذه جئته بعلامتي فيه ، فأدرك مسعدةَ فأطعنه برمح فيه اللواء ، فزلَّ الرمح وعطف علي بوجهه فطعنني ، وآخذُ المرحَ بعضدي فكسرته ، وأعجزني هرباً ، وأنصبُ لوائي ، فقلت : يراه أصحابي ! ويلحقني أبو قتادة معلماً بعمامةٍ صفراء على فرس له ، فسايرته ساعةً ونحن ننظر إلى دبر (الدبر : من الأدبار وهو الهرب.) مسعدة فاستحث فرسه ، يعني أبو قتادة ـ فتقدم على فرسي ، فبان سبقه ، فكان أجود من فرسي حتى غاب عني فلا أراه. ثم ألحقه فإذا هو ينزع بردته ، فصحت : ما تصنع ؟ قال : خيراً ، أصنعُ كما صنعت بالفرس. فإذا هو قد قتل مسعدة وسجاه ببردِه.
ورجعنا ، فإذا فرس في يد عُلبةَ بن زيد الحارثي ، فقلت : فرسي هذا ، وعلامتي فيه !
فقال : تعال إلى النبي ، فجعله مغنماً.
وخرج سلمة بن الأكوع على رجليه يعدو ليسبق الخيل مثل السبع.
قال سلمة : حتى لحقت القوم ، فجعلت أرميهم بالنبل واقول حين أرمي : خذها مني وأنا ابن الأكوع ، فتكر علي خيل من خيلهم ، فإذا وجَّهت نحوي انطلقت هارباً فاسبقها واعمد إلى المكان المعور المعور : المكمن للستر. فاشرف عليه وأرمي بالنبل إذا امكنني الرمي وأقول :
خذها ، وأنا ابن الأكوع
واليوم يوم الرُّضع
فما زلت أكافحهم وأقول : قفوا قليلاً يلحقكم أربابكم من المهاجرين والأنصار ، فيزدادون علي حنقاً فيكرون علي ، فاعجزهم هرباً حتى انتهيت بهم إلى ذي قَرَد ذي قرد : مكان يبعد عن المدينة مسيرة يوم وقيل يومين
ولحِقَنَا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)والخيول عشاءً ، فقلت : يا رسول الله ، إن القوم عطاش وليس لهم ماءٌ دون أحساء كذا وكذا دون أحساء كذا وكذا : أي دون بلوغهم مكان كذا وكذا. فلو بعثتني في مائة رجل ، استنقذت ما بأيديهم من السرح ، وأخذت باعناق القوم.
فقال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): ملكت ، فأسجح ملكت فاسجح : أي قدرت ، فسهل ، وأحسن العفو. وهو مثل معروف.، ثم قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): إنهم ليُقرَونَ في غطفان (يقرَون : يُضيفون).
قال : ثم توافت الخيل وهم ثمانية : المقداد وأبو قَتَادة ، ومُعاذ بن ماعِص وسعد بن زيد ، وأبو عيَّاش الزُرَقي ، ومُحرِز بن نَضلَة ، وعُكاشة بن مِحصَن ، وربيعة بن أكثَم.
ولم تزل الأمداد تترى ، حتى إنتهوا إلى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)بذي قرد ، فاستنقذوا عشر لقائح ، وافلت القوم بما بقي ، وهي عشر.
وقتل في هذه المعركة من المسلمين واحد ، وهو محرز بن نضلة. قتله مسعدة.
وقتل من المغيرين خمسة مسعدة بن حكمة ، قتله أبو قتادة ، وأوثار وابنه عمرو بن أوثار ، قتلهما عكاشة بن محصن ، وحبيب بن عيينة كان على فرس له ، قتله المقداد بن عمرو ، وكذلك فَرقَة بن مالك قتله المقداد أيضاً.
وكان مما قيل من الشعر في هذه الغزوة ، قول حسان بن ثابت.
لولا الذي لاقت ومسَّ نسورها / بجنوب ساية أمس فـي التقواد (ساية : اسم وادٍ بالحجاز.)
للقينكم يحملن كل مدجَّج / حامي الحقيقة ماجد الأجداد (الحقيقة : ما يحق عليك أن تحميه)
ولسر أولاد اللقيطة أننا / سلم غداة فوارس المقداد (وقد اعترض سعيد بن زيد على حسان حيث جعل المقداد هو القائد ـ وسعيد هذا أنصاري ـ والمقداد مهاجري ، فاعتذر إليه حسان.)(1)
كنا ثمانيةً وكانوا جَحفلاً / لجباً فشكوا بالرماح بداد (اللجب : الجلبة والصياح. وبداد : يقال جاءت الخيل بَدادِ بَدادِ أي متفرقة.)
كنا من القوم الذين يلونهم / وَيُقدمون عِنان كلِ جوادِ
كلا ورب الراقصات إلى منىً / يقطعن عرض مخارم الأطواد (الراقصات : الإبل. ومخارم الأطواد : شقوق الجبالويقصد بها الطرق).
حتى نبيل الخيل في عرصاتكم / ونؤوب بالملكات والأولاد (نبيل الخيل : نجعلها تبول في دياركم)
رهواً بكل مقلصٍ وطمرة / في كل معترك عطفن روادي (الرهو : المشي الهادئ. المقلَّص : المشمر. والطِّمرة : الفرس الجواد. وروادي : سريعة)
أفنى دوابرها ولاح متونها / يوم تقاد به ويوم طِرِاد
فكذاك إن جيادنا ملبونة / والحرب مشعلة بريح غواد (ملبونة : الملبون : من به كالسِّكر من شرب اللبن. وغواد : من الغادية وهي السحابة)
وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي / جُنَنَ الحديد وهامةَ المرتادِ(تجتلي : تقطع. جنن الحديد : ما ستره الحديد ، أو المقصود به الترس خاصة.) (2)
المصادر :
1- راجع السيرة ٣ / ١٨٠ والمغازي / ٥٤٨.
2- راجع المغازي للواقدي من صفحة ٥٣٧ إلى ٥٤٩ للتفصيل ، وكذا السيرة لإبن هشام ٣ / ١٧٥ الى ١٨١ والكامل ٢ / ١٨٨ ـ ١٩٠.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.