غزوة خيبر

وقعت غزوة خيبر في السنة السادسة للهجرة وذلك إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد قصد مكة في أوائل شهر ذي القعدة من نفس هذه السنة لأداء مناسك الحج ، فصدته قريش عن دخولها ، فكان أن أبرمت وثيقة الصلح المسمى بصلح
Tuesday, December 12, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
غزوة خيبر
 غزوة خيبر



 

وقعت غزوة خيبر في السنة السادسة للهجرة وذلك إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد قصد مكة في أوائل شهر ذي القعدة من نفس هذه السنة لأداء مناسك الحج ، فصدته قريش عن دخولها ، فكان أن أبرمت وثيقة الصلح المسمى بصلح « الحديبية » بعد مشاورات طويلة بين وفود الطرفين.
قال في معجم البلدان : وتشتمل خيبر ـ هذه الولاية ـ على سبعة حصون ، ومزارع ، ونخل كثير. واسماء حصونها : حصن ناعم. وعنده قتل محمود بن مسلمة ، والقموص ، وحصن الشق ، وحصن النطاة. وحصن السلالم وحصن الوطيح ، وحصن الكتيبة ، وأما لفظ خيبر ، فهو بلسان اليهود : يعني الحصن. ولكون هذه البقعة تشتمل على هذه الحصون سميت خيابر .
ورجع النبي إلى المدينة ، وفي طريقه أنزل الله عليه سورة الفتح ، فتلاها على المسلمين مستبشراً بالنصر.
وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد إطمأن بعد صلح الحديبية إلى حدّ ما من ناحية قريش والعرب الذين كانوا لا يزالون على الشرك ، إلا إنه ظل يراقب اليهود الذين كانوا خارج المدينة ، ويخشى غدرهم لأنه لمس منهم انهم لا يلتزمون بعهدٍ ولا بحلف ، لذلك صمم على غزوهم ومحاربتهم ، فلم يلبث في المدينة اكثر من شهر حتى أعلن رأيه هذا لأصحابه ، وأمرهم ان يتجهزوا لغزو خيبر.
فخرج من المدينة في ألف وستمائة مقاتل ، ومضى في طريقه الى خيبر ، وقطع المسافة التي بينها وبين المدينة في ثلاثة أيام ، ودخل إلى مشارفها ليلاً ، وكانت خيبر تترائ للمسلمين واحةً تمتد بين تلال الحرّة وصخورها السوداء ، وكأنها بحيرة من الزمرد الأخضر .. وأقام المسلمون تلك الليلة على مشارفها مخيمين هناك يستريحون من عناء الرحلة ، حتى إذا تمطى الليل عن الصبح ، وانتشرت أشعة الشمس المشرقة تكسو آعالي النخيل بلون ذهبي جميل ، انتشر عمال خيبر ـ كعادتهم ـ خارجين من قلاعهم الى بساتينهم يحملون محافرهم وفؤوسهم ، وقد علقوا السلال باكتافهم ، فبصروا بجند المسلمين الآتين من الحرّة ، ومعهم الرماح والسيوف المتوهجة في أشعة الشمس ، فصاحوا : « محمد ، والخميس (الخميس : الجيش) معه ! » وأدبروا هاربين مخلفين المحافر ، والفؤوس والسلال.
فقال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): « الله اكبر ؛ خربت خيبر ؛ إنا إذا نزلنا بساحةِ قوم فساءَ صباح المنذرين. ».
ووقف العرب عامة ، وبخاصة قريش ، يتطلعون بشوق ولهفة إلى نتائج هذه الغزوة ، وفي حسابهم أن الدائرة ستدور على محمد وأصحابه.
أما اليهود ، فقد تشاوروا فيما بينهم ، واتفقوا أخيراً على القتال ، فأدخلوا نساءهم وذراريهم وأموالهم حصن « الوطيح والسلالم » وأدخلوا ذخائرهم حصن « ناعم » ودخلت المقاتلة في حصن « نطاة » والتقى الجمعان حول هذا الحصن ، واقتتلوا قتالاً شديداً حتى جرح عدد كبير من المسلمين ، واستبسل الفريقان ، وظلوا على ذلك شطراً من النهار.
وقتل في ذلك اليوم محمود بن مسلمة ، كان حين أنهكه التعب قد استظل بجدار الحصن فالقى عليه يهودي رحى من أعلى الحصن فقتله.
وأظهرت قلاع « النطاة » وناعم صموداً أمام معسكر المسلمين ما لبث أن إنهار بعد أيام أمام ضرباتهم واصرارهم العنيد ، ولكن خيبر لم تفتح ، فقد بقي من قلاعها قلعة « القموص » وهي أهم قلاعها ، كانت قائمة على قمة تل صخري أملس رأسي الحواف ، محاطة بجدار ضخم مرتفع ، وقد اشتهرت بالقوة والمناعة ، وكان يدافع عنها « مرحب » البطل الشهير.
وطال الحصار ، ودبت المجاعة بالجيش ، ففترت همة الجند ، وكان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)كلما أعطى الراية لبعض أصحابه يرجع منهزماً كاسفاً. فرأى النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)أن يحشد كل قواه الضاربة لفتح هذا الحصن ، فاجتماع اليهود فيه يجعلهم أقدر على الفتك بالمسلمين.
وجمع محمد جيشه ، وأمرهم أن يقتحموا الحصن ، وسلم أبا بكر راية الجيش ، ولكن أبا بكر لم يستطع أن يصنع شيئاً ولا أن يقتحم الحصن ، فبعث في اليوم الثاني عمر ابن الخطاب ، فكان نصيبه كنصيب صاحبه. « فقد انكشف عمر وأصحابه ورجعوا إلى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)كما في رواية الطبري : يجبنه أصحابه ويجبنهم » وظل القتال مستمراً وكلما أعطى الراية إلى أحد ، رجع خائباً ، أو فاراً. (2)
ولما بلغ الجهد بالمسلمين مبلغاً تخشى عواقبه وساء رسول الله ذلك. فقال : لأعطين الراية غداً رجلاً ، كرّاراً غير فرّاراً ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ولا يرجع حتى يفتح الله على يده » (3)
فتطاولت لها قريش ، ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب الراية وكان علي في تلك الحال أرمد لا يكاد يبصر أمامه ، ولما سمع مقالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اللهم لا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ».
فأصبح رسول الله واجتمع إليه الناس كل يرجوها له ، حتى روي عن عمر أنه قال : إني ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم ، وتمنيت أن أعطى الراية بعد أن سمعت ذلك من رسول الله.
قال سعد بن أبي وقاص : جلست نصب عينيه ، ثم جثوت على ركبتي ثم قمت على رجلي قائماً رجاء أن يدعوني ! فقال (صلی الله عليه وآله وسلم): إدعوا لي عليّاً.
فصاح الناس من كل جانب : إنه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه.
فقال : إرسلوا إليه وادعوه ! فأتي به يُقاد.
فوضع رأسه على فخذه ، ثم تفل في عينيه ، فقام وكأن عينيه جزعتان.
وبرء من ساعته ، وقال له : خذ الراية ، ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك.
فقال له عليّ : على ماذا أقاتلهم يا رسول الله.
قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ، وأني رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم. ثم دعا له.
قال سلمة بن الأكوع ، فانطلق عليّ عليه‌السلام يهرول هرولةً ونحن خلفه نتتبع أثره ، حتى ركز الراية بين حجارة مجتمعة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من أعلى الحصن وقال : من أنت ؟
قال : أنا علي بن أبي طالب.
قال اليهودي : « عَلوتم ! وما أنزل على موسى !! »
(وفي الكامل: فاشرف عليه رجل من يهود فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهودي غُلبتم يا معشر اليهود. وفي بقية المصادر والمراجع بمضمون واحد. وقوله : وما انزل على موسى : أي قسماً بما أنزل على موسى.)(4)
وخرج إليه اليهود يتقدمهم أبطالهم ، وفيهم الحارث أخو مرحب وكان من شجعانهم المعروفين ، فحمل بمن معه على المسلمين ، فوثب علي عليه‌السلام وضربه بسيفه ، فخر صريعاً ، ثم كر بأصحابه على اليهود ، فتفرقوا بين يديه وانخذلوا بعد مقتل الحارث وجماعة منهم ، وولوا منهزمين الى داخل الحصن.
فاستعظم ذلك قائدهم « مرحب » بعد أن شهد مصرع أخيه وهزيمة من معه. فخرج يطلب الثأر « وكان هو حقاً سيد فرسان خيبر ، ولكنه خرج إلى علي بطيئاً ، في كبرياءٍ وثقةٍ مطمئنة ، مهيباً ضخماً ، بيده حربة ذات ثلاث رؤوس ، وكل جسده الفارع الشاهق ، في الزرد ، والحديد يغطي رأسه وساقيه ، وليس في كل بدنه ثغرة ينفذ منها سيف ». فجعل يرتجز ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا السيوف أقبلت تلتهب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب
فانطلق الیه ابو حسين عليهما السلام وهو يقول :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
كليث غابات شديد قسورة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
وتقدم إليه علي بقامته المعتدلة ، وهو بلا درع ، وفي يده السيف وحده ، وتوقع المسلمون واليهود جميعاً أنها نهاية علي عليه‌السلام ، ولكن علياً إستطاع أن يحسن الإستفادة من تخففه من الدرع والزرد ، وترك مرحباً يتقدم بدرعه وزرده وحربته ، حتى إذا أوشك سِن الحربة أن يمس صدر علي عليه‌السلام تراجع على فجأةً ثم قفز في الهواء متفادياً حربة مرحب ، ثم إقتحم وأهوى بكل قوته على رأس مرحب بالسيف ، فانفلق الحديد من على رأس مرحب ، وسقط سيف علي على الجمجمة فشقها نصفين وهوى مرحب وسط ذعر اليهود وعجبهم ، وصيحات النصر ترتفع من معسكر المسلمين.
ثم إقتلع علي عليه‌السلام باب الحصن ـ وكان حجراً طوله أربعة أذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع ـ فرمى به الى خلفه ، ودخل الحصن هو والمسلمون. (5)
وبعد فتح حصن « القموص ». أيقن سكان خيبر بالهلكة ، وكانت قلاع « الوطيح والسلالم » لم تسقط بعد ، فأرسلوا الى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يطلبون الصلح ـ بعد أن حاز النبي أموالهم كلها بالشق ونطاة ، والكتيبة. ـ على أن يحقن دماءهم.
فقبل النبي بذلك ، وأبقاهم على أرضهم التي آلت له بحكم الفتح على أن يكون لهم نصف ثمرها مقابل عملهم.
المصادر :
1- معجم البلدان : ٢ / ٤٠٩.
2- راجع سيرة المصطفى / ٥٤٩.
3- إعلام الورى / ١٠٧ وغيره.
4- في الكامل ٢ / ٢٢٠
5- اليعقوبي ٢ / ٥٦ وغيره.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.